أخر الاخبار

ملخص الأنثروبولوجيا الثقافية

ملخص شامل حول الأنثروبولوجيا الثقافية
ملخص شامل حول الأنثروبولوجيا الثقافية 

الانثروبولوجيا الثقافية 

تعريفات الثقـافـة و مصطلحاتها

تعريفات الثقافة

لغويا: كلمة ثقافة بالفرنسية culture وباللاتينية cultura تعني "العناية بالأرض أو الزراعة". وفي المعجم العربي مأخوذة من ثقِف يثقف ثقافة جمع ثقافات ومعنى ثقِف الشيء " أي وجد الشيء".
اصطلاحا: الثقافة هي "تكوين روحي من خلاله يتم تهذيب الذوق، الذكاء، الشخصية من أجل الوصول إلى الكل وهكذا الإنسان المثقف هو الذي يملك القدرة على إصدار الأحكام"

تعريف سوسيوانثروبولوجي: عرّفها تايلور وهو أنثوبولوجي انجليزي شهير سنة 1871 على "أنها ذلك الكل المركب الذي يشمل المعارف، التقنيات، العادات والتقاليد والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون أو أي قدورات أخرى والتي تميز مجتمعا ما عن آخر أو مجموعة بشرية عن أخرى" . ثم جاء من بعده علماء آخرون بدّلو وعدّلوا وحذفوا وأضافوا الى تعريف تايلور عناصر جديدة.

 عرّف رالف لنتون الأمريكي "الثقافة هي تجسيد لتلك السلوكات المكتسبة والموزعة والتي تنتقل وتتوارث من قبل أعضاء مجتمع ما" . وقد عرف كروبر الأمريكي المعاصر علم الثقافة culturologie بأنه "ذلك العلم الذي يسمح بفهم الظاهرة الاجتماعية" . يرى مالينوفسكي أن الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يشتمل على الأدوات التنظيمية للمجتمع والأفكار والفنون والمعتقدات والعادات. أما راد كليف براون يرى أن الثقافة هي عملية التي يكتسب الفرد بواسطتها المعرفة والمهارة والأفكار والمعتقدات والأدوات والعواطف وذلك عن طريق الاتصال بأفراد آخرين.

فكل هذه التعريفات تدل على أن القاسم المشترك بينها كون الثقافة شيء مكتسب ولا يمت بصلة الى المسائل الفطرية لدى الإنسان. فالثقافة تؤثر على السلوك الفردي والجماعي داخل المجتمع.
 مصطلحات الثقافة

1. البؤر الثقافية: يمكن اعتبار الاهتمام الغالب لشعب معين بؤرة لثقافته فهي تبرز السمة الغالبة في ثقافة معينة مثلا السمة الغالبة في المجتمع الياباني التقليد السريع مع المحافظة على القيم المتوارثة لديه، بينما تتميز المجتمعات الأوربية بالأنانية (سيطرة القيم المادية على الشعور الانساني). أما العالم العربي فيغلب عليه طابع التدين وشدة المحافظة على القيم المتعلقة بالشرف والتقاليد المتوارثة. هذه الصفات والأمثلة لا تتصف بطابع الاطلاق بل مجرد سمة أو بؤرة مرتبطة بزمان معين ويحتمل التغير رأسا على عقب نتيجة عوامل مختلفة للتغير الثقافي داخل هذه المجتمعات.

2. البيئة الثقافيةmilieu culturel : هي من صنع وإبداع وإنتاج الإنسان عكس البيئة الطبيعية التي لم يتدخل الانسان في صنعها كالجبال والأودية ....

3. البناء الثقافيstructure de la culture : وهو العلاقة بين العناصر الثقافية المختلفة مثل العنصر الثقافي والمركب الثقافي والمنطقة الثقافية والنمط الثقافي.

4. الاتصال الثقافيcontact : وهو يدل على حدوث التأثيرات المتبادلة بين ثقافتين مختلفتين فإما يكون اتصالا محدودا في صورة انتشار عناصر ثقافية جديدة مثل عملية تبادل لبعض العادات والتقاليد أو بعض الأشياء المادية كما يمكن أن يكون اتصالا ثقافيا شاملا بحيث يغطي معظم جوانب الحياة وهكذا تتأثر الثقافتين ببعضهما البعض ويحدث نوع من التداخل العميق بينهما الى درجة التغيير في البناء الثقافي للمجتمع فمثلا نجد التأثير الحالي للثقافة الأوربية على العالم العربي.

5. انتشار المثير الثقافي: يستعمل هذا المصطلح للدلالة على انتشار فكرة أو اختراع من ثقافة شعب معين الى ثقافات الشعوب الأخرى التي تتبنى المثير وتصوغه في شكل جديد متفرد.

6. ارث ثقافي مشتركhéritage culturel collectif : يستعمل للدلالة على المواد الثقافية المختلفة التي ترجع الى الثقافة الأم الواحدة فمثلا رغم اختلاف اللهجات العربية من دولة لأخرى في النطق ومخارج الحروف إلا أنها ترجع كلها الى اللغة الأم وهي اللغة العربية الفصحى.

7. التبني الثقافي adoption: يعني به قبول المواد الثقافية لشعب معين من طرف شعب آخر مثل تبني الشعب الفارسي والتركي والباكستاني للاسلام واللغة العربية والثقافة العربية.

8. التخلف الثقافيretard : في حالة وجود عنصرين مترابطين من عناصر الثقافة يتغيران بسرعة متفاوتة بمعنى أن أحدهما يتغير بسرعة والآخر ببطء أو لا يتغير بالمرّة فيكون العنصر الثاني متخلفا عن الأول. نذكر أن العناصر الثقافية المادية أكثر قابلية للتطور السريع من العناصر الثقافية اللامادية.

9. التشكيل الثقافي configuration: وهي عملية اكتساب الفرد للشخصية الاجتماعية وهي تعني الوسائل والكيفية التي يكتسب بها مثلا الطفل تدريجيا عادات وتقاليد وقواعد السلوك السائدة في المجتمع الذي ينشأ فيه.

10. التغير الثقافي changement: يدل على حدوث عملية التطور في بعض العناصر الثقافية في مجتمع كالفن أو العلم...

11. النشأة الثقافية: وهي عملية تشكيل الانسان عن طريق التعليم والتدريب حتى يصبح شخصا قابلا للتكيف مع البيئة الثقافية السائدة في المجتمع وتكون أحيانا كافية لاشعورية حيث يتولى المجتمع تلقين فن وتقاليد وعادات وسلوكات المجتمع. فعملية التعليم والتدريب وسيلة من وسائل النشأة الثقافية الشعورية.

12. التنوع الثقافي variation culturelle: وهو يدل على الاختلافات الثقافية الكبيرة في العادات والتقاليد والمعتقدات بين الشعوب المختلفة وأحيانا عبر مناطق مختلفة داخل الوطن الواحد والشعب الواحد.

13. الثقافة الرسمية culture officielle: يدل على المؤسسات الثقافية التي تمثلها السلطات فمثلا كل ما يتعلم في المدرسة يعد ثقافة رسمية.

14. الثقافة الشعبية  culture populaire : يشير savenson الى أن الثقافة الشعبية تخضع للتراث خضوعا كبيرا وتتأثر به ولذلك دراسة الثقافة الشعبية يمكن أن تساهم في اطراء معلوماتنا عن العصور الماضية لتاريخ الثقافة الانسانية وحسب العالم odum فإن الثقافة الشعبية تمثل جميع عمليات وانتاج وانجازات الشعب في جميع جوانب الحياة.

15. الثقافة الماديةculture materiel : هي من صنع الانسان لسد حاجياته عكسها المعنوية التي هي الأفكار والمعتقدات والفنون...

16. رواسب ثقافيةsurvivance culturelle : يدل هذا المصطلح على ترسب مجموعة من العناصر الثقافية التي كانت سائدة في ثقافة زالت معالمها العامة. فمثلا العادات التي صارت لا معنى لها في الوقت الحاضر لابد أنها كانت في زمان بعيد ذات هدف عملي.

الانثروبولوجيا و فروعها

تعريف الأنثروبولوجيا

كلمة "أنثروبولوجيا" من الناحية الاشتقاقية مشتقة من الكلمة الإغريقية Anthropos، أي الإنسان؛ والكلمة Logos أي العلم، أي أن الكلمة في معناها اللغوي هي دراسة الإنسان. ونتيجة لتنوع الأنشطة التي يقوم بها الإنسان، تبنى الأنثروبولوجيون التعريف اللغوي لعلمهم؛ ولذلك يحاولون دراسة الإنسان وكل أعماله، أي كل منجزاته المادية والفكرية، أي الدراسة الشاملة للإنسان. 

ولهذا فإن الأنثروبولوجيا هي أكثر العلوم التي تدرس الإنسان وأعماله شمولاً على الإطلاق. وهناك دلائل وشواهد عديدة على هذا الشمول؛ فالأنثروبولوجيا تجمع في علم واحد بين نظرتي كل من العلوم البيولوجية والعلوم الاجتماعية، فتركز مشكلاتها، من ناحية، على الإنسان العضو في المملكة الحيوانية، وعلى سلوك الإنسان العضو في المجتمع، من ناحية أخرى. ثم إن الأنثروبولوجيا لا تقتصر على دراسة أي مجموعة من الناس أو أي حقبة تاريخية. بل تهتم بالأشكال الأولى للإنسان وسلوكه بدرجة اهتمامها نفسها بالأشكال المعاصرة؛ إذ يدرس الأنثروبولوجي كلاً من التطورات البنائية للبشرية ونمو الحضارات منذ أقدم الأشكال التي وصلتنا عنها أي سجلات أو بقايا، فضلاً عن الاهتمام بالدراسات المقارنة في سياق اهتمامه بالجماعات والحضارات الإنسانية المعاصرة.

كما تحاول الأنثروبولوجيا كشف وتوصيف المعايير الفيزيقية، التي تميز الجنس البشري عن سائر الكائنات الحية الأخرى؛ وكذلك تلك المعايير التي تصلح للتمييز بين الأنواع العديدة داخل الأسرة البشرية نفسها. وتركز الدراسة المقارنة للحضارات اهتمامها على أوجه الاختلاف والتشابه في الثقافات، التي يمكن ملاحظتها بين الجماعات البشرية العديدة التي تعيش على سطح كوكب الأرض، وتحاول أن تحدد وتعرف القوانين أو المبادئ التي تحكم تكون المجتمعات البشرية وثقافاتها وتطورها.
وعلى هذا فإن مصطلح "الأنثروبولوجيا" مصطلح شامل وواسع؛ إذ يشمل دراسة الموضوعات المختلفة، كالتطور البيولوجي والحضاري للإنسان، والعلاقات البيولوجية بين المجتمعات المعاصرة، والمبادئ التي تحكم علاقات الشعوب بعضها بعض. بيد أن الموضوعات البيولوجية والاجتماعية هي موضوعات متداخلة ومتحدة لتركيزها المشترك على دراسة الإنسان؛ لكنها في الوقت نفسه موضوعات منفصلة ومستقلة بعضها عن البعض الآخر، بسبب تخصص علمائها، إما في الموضوعات الإنسانية أو الطبيعية.
والمجتمعات البدائية من الموضوعات الرئيسية التي تضطلع بدراسته الأنثروبولوجيا، حيث تدرس مختلف فروع الأنثروبولوجيا العامة كيفية تكيف الإنسان البدائي مع مختلف البيئات الفيزيقية والجغرافية والاجتماعية والثقافية.

ووفقاً لذلك فإن الأنثروبولوجيا تهتم بالبحث عن المبادئ، التي تحكم تطور الإنسان فيزيقياً وثقافياً، ولماذا تغير التركيب الفيزيقي للإنسان؟ ولماذا توجد أنماط بشرية متميزة بمثل هذه الكثرة، على الرغم من أصلها المشترك جميعاً؟ وما طبيعة الثقافة؟ وكيف تتغير الثقافات؟ وما العلاقة المنهجية المنظمة بين مختلف جوانب السلوك الاجتماعي والثقافي للإنسان؟ وكيف يستجيب الأفراد للمثل العليا والأهداف التي تحددها لهم الثقافات؟ وما العلاقة بين الثقافة والشخصية؟. فالعالم اليوم بما يضمه من بقايا نادرة متفرقة للماضي البعيد، هو العمل المتاح للبحث الأنثروبولوجي.

فروع الأنثروبولوجيا

من اليسير الاتفاق حول الخطوط العريضة التي تحدد ميدان الدراسة الأنثروبولوجية العامة؛ ولكن من العسير الاتفاق حول الفروع الأساسية للأنثروبولوجيا. فلا يمكن أن تظل صورة تلك الفروع في بلد واحد على حالها عبر السنين. فقد تزداد فروعها وفقاً للتطورات والبحوث الميدانية والنظرية، التي تعمل حتماً على تطوير تلك الفروع أو التعديل منها. وقد تزداد عدداً، وقد تُدمج فروع في بعضها وتُستحدث أخرى، وهكذا. لذلك فعند محاولة التعرض لأقسام الأنثروبولوجيا وفروعها الرئيسية، تقدم صورة تقريبية مصحوبة ببعد زمني يلقي الضوء على تغير تلك الصورة عبر الزمن.

1. الأنثروبولوجيا البيولوجية Biological Anthropology

هو علم يدرس السجل البيولوجي للإنسان، إذ يبدأ بدراسة المكانة الحيوانية للإنسان، ويحاول اقتفاء أصل وتطور الإنسان من خلال الدراسات المقارنة، ويفحص طبيعة الاختلافات العنصرية بين الشعوب والأقوام، كما يدرس أثر العوامل البيئية المختلفة ـ على تشابه واختلاف أعضاء الجنس البشري ـ على نمو أو اضمحلال السكان. ويستعمل العالم الأنثروبولوجي الطبيعي تكتيكاً خاصاً في بحوثه وجمع معلوماته، إلا أنه يعتمد في معظم دراساته على علوم مختلفة وكثيرة، أهمها علم التشريح، وعلم الآثار، والكيمياء، وعلم الجيولوجيا، والنبات.

كما تدرس الأنثروبولوجيا الفيزيقية السّمات الفيزيقية للإنسان، أي أنها دراسة الإنسان من حيث هو كائن فيزيقي طبيعي. فتدرس الإنسان العضوي في نشأته الأولى، وفي تطوره عن الرئيسيات، حتى اكتسب الصفات والخصائص الإنسانية في صورة الإنسان العاقل Homo Sapiens؛ لذلك تعالج الأنثروبولوجيا الفيزيقية، مثلاً، حجم الجمجمة، وارتفاع القامة، ولون البشرة، ونوع نسيج الشعر، وشكل الأنف، ولون العين. كما تهتم بدراسة التغيرات العنصرية وخصائص الأجناس، وانتقال السمات الفيزيقية، وتتبع الموروثات الإنسانية. كما تدرس إلى جانب ذلك تطور الإنسان منذ مراحله وأشكاله الأولية، التي كانت تربطه بعالم القردة العليا.

2. الأنثروبولوجيا الاجتماعية Social Anthropology

تهتم الأنثروبولوجيا الاجتماعية بدراسة مجموع البناء الاجتماعي لأي جماعة أو مجتمع، بما يحويه هذا البناء من علاقات وجماعات وتنظيمات. ومن هنا تقترب العلاقة بين الأنثروبولوجيا الاجتماعية وعلم الاجتماع. والمفهوم المحوري في الأنثروبولوجيا الاجتماعية هو البناء الاجتماعي Social Structure؛ فالأنثروبولوجي الاجتماعي يفكر في المجتمع الذي هو تكوين منظم لأجزاء متعددة، وليس في الثقافة وواجبه الأول هو اكتشاف هذا النظام وتفسيره (وهو يتكون من العلاقات القائمة بين الأفراد، وهي علاقات ينظمها مجموعة من الحقوق والواجبات المعترف بها).

تدرس الأنثروبولوجيا الاجتماعية ـ تحت مفهوم البناء الاجتماعي ـ الوحدات الرئيسية المكونة لهذا البناء. والمقصود بالبناء: مجموعة العلاقات والروابط والقواعد المتصلة بقطاع أو جانب معين من جوانب حياة هذا المجتمع. فمجموعة العلاقات ـ مثلاً ـ التي تتعلق بتكوين الأسرة، ونظام القرابة، وتربية الأطفال، وشبكة العلاقات بين الزوجين وبينها وبين الأولاد، والعلاقات مع الأصهار... إلخ، كل ذلك يكوّن ما يُسمى: نظام الأسرة أو النظام العائلي. كذلك الحال لمجموعة العلاقات والروابط والتنظيمات المتصلة بمجال كسب العيش، الإنتاج، والتوزيع، والاستهلاك، والادخار... إلخ. كل ذلك يكون تحت مُسمى: النظام الاقتصادي. أما توزيع القوة في المجتمع وقواعد استخدامها وآثار هذا الاستخدام، فيُدرس تحت اسم النظام السياسي. وهناك قطاع عريض أخير من العلاقات المتصلة بالمعايير الدينية والأخلاقية والفن والجمال هو نظام المعايير أو النظام المعياري، وإذا اقتصر على الدين والأخلاق فيُعرف باسم: النظام الديني. هذه هي أهم الوحدات الرئيسية للبناء الاجتماعي أو النظم الاجتماعية الأساسية، أي التي لا يخلو منها مجتمع، سواء عاش في الماضي، أو يمكن أن يعيش في المستقبل.

3. الأنثروبولوجيا الثقافية Cultural Anthropology

تدرس الأنثروبولوجيا الثقافية أصول المجتمعات والثقافات الإنسانية وتاريخها، وتتبع نموها وتطورها. وتدرس بناء الثقافات البشرية وأداءها لوظائفها في كل مكان وزمان. وتهتم الأنثروبولوجيا الثقافية بالثقافة في ذاتها، سواء كانت ثقافة أسلافنا، أبناء العصر الحجري، أو ثقافة أبناء المجتمعات الحضرية المعاصرة. فجميع الثقافات تستأثر باهتمام دارسي الأنثروبولوجيا الثقافية، لأنها تسهم في الكشف عن استجابات الناس ـ المتمثلة في الأشكال الثقافية ـ للمشكلات العامة التي تطرحها دوماً البيئة الطبيعية، وفي الكشف عن محاولات الناس في الحياة والعمل معاً، وتفاعلات المجتمعات الإنسانية بعضها ببعض.

4. الأنثروبولوجيا الاقتصادية Economical Anthropology

تهتم الأنثروبولوجيا الاقتصادية بدراسة الاقتصاديات القروية أو القبلية الصغيرة. وقد تزامن ظهور الأنثروبولوجيا الاقتصادية ـ علماً فرعياً ـ مع ظهور أساليب العمل الميداني الحديثة، التي أجبرت الأنثروبولوجيين على مقارنة النظريات الاقتصادية والأنثروبولوجية بواقع الإنتاج والتوزيع، والتبادل في الاقتصاديات القبلية أو القروية الصغيرة التي درسوها.
ومن ثم ظهر هذا الفرع من علوم الأنثروبولوجيا محصلة لاهتمام علماء الأنثروبولوجيا بالنظم الاقتصادية في المجتمعات التقليدية، ومحاولة إيجاد صيغة ملائمة لتفسير الظواهر الاقتصادية في هذه المجتمعات. ويرجع الفضل في تحديد مسمى هذا الفرع إلى المؤرخ الاقتصادي جراس، في مقاله الذي عُدَّ نواة لذلك، ونُشر بعنوان: "الأنثروبولوجيا والاقتصاد". وفيه حدد نطاق اهتمام هذا الفرع بأنه الجمع بين الدراسات الأنثروبولوجية والاقتصادية عند الشعوب التقليدية. وبعد ميلاد هذا الفرع، يوضح ريموند فيرث أنه منذ حوالي العقد الرابع من القرن العشرين، بدأ الاهتمام يتزايد بهذا الفرع من الأنثروبولوجيا العامة.

5. الأنثروبولوجيا السياسية Political Anthropology

تهتم الأنثروبولوجيا السياسية بوصف الأنظمة السياسية وتحليلها على مستوى البُنى، والعمليات، أو التمثيل، والتفاعل، خاصة في المجتمعات القبلية التقليدية. ووفقاً لهذا المعنى، فإن ظهورها تخصصاً مستقل يُعد حدثاً جديداً، على الرغم من أن بداياتها ترسخت في إجراء الدراسات على المجتمعات القبلية. أما اليوم، فلا توجد حدود لميادينها البحثية، إذ تحاول الأنثروبولوجيا السياسية، كما يقول ـ بلانديه ـ أن تتجاوز التجارب والمعتقدات السياسية المحددة، كما تنحو لتأسيس علم لدراسة السياسة ينظر إلى الإنسان بصفته إنساناً سياسية Homo Politicos. كما تبحث كذلك في تحديد خصائص التنظيمات السياسية عبر صورها وتجلياتها التاريخية والجغرافية.

6. الأنثروبولوجيا الطبية Medical Anthropology

تُعد الأنثروبولوجيا الطبية أو أنثروبولوجيا الصحة ـ كما يسميها بعض الدارسين ـ أحد الميادين الفائقة التطور في ميدان الأنثروبولوجيا، إلى حد يجعله يكاد يكتسب مرتبة العلم المستقل. ظهر هذا العلم في بداية القرن العشرين، وقد تزايد الاهتمام به نظراً لتزايد الوعي بجذور الثقافة في القضايا الصحية، مثل تطور المرض، وتوزيعه الجغرافي، والوسائل والأساليب التي تعتمد عليها المجتمعات في مواجهته، والطرق المثلى لتحسين الطب الحديث وتطويره في المجتمعات التقليدية.
  • وقد أوضح لويس مورجان، أهمية الثقافة في مجال الصحة والرعاية الصحية؛ فالثقافة تتحكم إلى حد كبير في الموضوعات الآتية:
  • أ. نمط انتشار المرض بين الناس.
  • ب. طريقة الناس في تفسير المرض ومعالجته.
  • ج. السلوك الذي يستجيب به الناس لانتشار الطب الحديث.
تؤثر الثقافة في أسلوب الرعاية الصحية، فقد تفشل برامج المساعدات الطبية بسبب الاختلافات في ثقافة مقدمي المساعدة عمن يتلقونها، ما يوجد العقبات التي تحول دون الاتصال الفعّال والتعليم والعلاج. كما تلعب الثقافة دوراً مهماً في الصحة والمرض، من خلال التغذية السليمة؛ فتحسين تغذية السكان لا يتحقق إلا من خلال تقديم مواد غذائية مقبولة ثقافياً لديهم. لذا، أخذ الاتجاه الحديث في الأنثروبولوجيا الطبية بالاتجاه الثقافي للرعاية الفيزيقية والعقلية للأفراد داخل سياقهم الاجتماعي.
8. الأنثروبولوجيا النفسية: Psychological Anthro…: 
وهو ميدان يركز على دراسة العلاقة بين الثقافة والشخصية. وهو ميدان يجمع بين مفاهيم علم الأنثروبولوجيا عن الثقافة، ومفاهيم علم النفس عن الشخصية الأنثروبولوجيا عن الثقافة ومفاهيم علم النفس عن الشخصية وعلى ذلك ظهر مصطلح علمي جديد هو مصطلح الثقافة والشخصية culture and personality. 
ابتدأ الباحثون في علم الأنثروبولوجيا، والباحثون في علم النفس بالتعاون في هذا المجال. إذ اهتم المحللون والأطباء النفسيون بالثقافة على اعتبار أنها عاملاً مهماً في تحديد سمات الشخصية السوية، من سمات الشخصية غير السوية. 

اتسمت الأبحات الأنثروبولوجية في مجملها بالنزعة الثقافية. في الدول الأنجلوساكسونية باعتبارها خليطا ومزيجا من الثقافات والاثنيات أما في فرنسا فالهدف الاستراتيجي والرئيسي لها هو معرفة الآخر أي معرفة ثقافته وطريقة تفكيره وقيمه من أجل امتلاكه أو بالأحرى استعماره واستغلاله فهو بهذا الغرض علم استعماري. لكن بالرغم من بعض العناصر السلبية إلا أن ايجابياتها كانت أوسع وأشمل لأنها في الحقيقة هي بحث انساني شامل وكامل حول المكتسبات الثقافية والقيمية للانسان. فبفضل هذا العلم استطاع انسان القرن 21 فهم نمط وطبيعة وطريقة تفكير المجتمعات البدائية.

تعريف الأنثروبولوجيا الثقافية‏

تتعرّف الأنثروبولوجيا الثقافية -بوجه عام – بأنّها العلم الذي يدرس الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع لـه ثقافة معيّنة. وعلى هذا الإنسان أن يمارس سلوكاً يتوافق مع سلوك الأفراد في المجتمع (الجماعة) المحيط به، يتحلّى بقيمه وعاداته ويدين بنظامه ويتحدّث بلغة قومه .‏ يقول رالف لنتون: "الانسان له شكله الفيزيقي وتراثه الاجتماعي وسماته الثقافية".
ولذلك، فإنّ الأنثروبولوجيا الثقافية :هي ذلك العلم الذي يهتمّ بدراسة الثقافة الإنسانية، ويعنى بدراسة أساليب حياة الإنسان وسلوكاته النابعة من ثقافته. وهي تدرس الشعوب القديمة، كما تدرس الشعوب المعاصرة. 
فالأنثروبولوجيا الثقافية إذن، تهدف إلى فهم الظاهرة الثقافية وتحديد عناصرها. كما تهدف إلى دراسة عمليات التغيير الثقافي والتمازج الثقافي، وتحديد الخصائص المتشابهة بين الثقافات، وتفسّر بالتالي المراحل التطوّرية لثقافة معيّنة في مجتمع معيّن .‏
ولهذا استطاع علماء الأنثروبولوجيا الثقافية أن ينجحوا في دراساتهم التي أجروها على حياة الإنسان، سواء ما اعتمد منها على التراث المكتوب للإنسان القديم وتحليل آثارها، أو ما كان منها يتعلّق بالإنسان المعاصر ضمن إطاره الاجتماعي المعاش .‏
1- إنّ الحديث عن أنماط الإنتاج الفكري، يعني أنّ التجانس الثقافي بالمعنيين : الفلسفي والأنثروبولوجي، هو غير عمليات علم الاجتماع. لأنّ هذا التجانس يغطّي وجوداً حقيقياً لأنماط مختلفة من الثقافة، قد تتناقض مضموناً ووظيفة في المجتمع الواحد. فعلى الرغم من وجود بعض العوامل (الأنثروبولوجية) المشتركة، فلا توجد موضوعيّاً في المجتمعات ذات التركيب الطبقي “” ثقافة للجميع “، حتى وإن ادّعت أو أرادت هذه الثقافة لنفسها، أن تكون كذلك. فهناك من وجهة نظر اجتماعية نمطية ثقافية (ربّما في ذلك أنماط الثقافة الجماهيرية) يفضي تصنيفها وتحليلها، إلى إبراز التمايز الاجتماعي الذي تعبّر عنه بالضرورة. وهذا يعني أن اجتماعية الثقافة في نهاية الأمر، هي اجتماعية التباين في الثقافة وعدم مساواة في المجال الثقافي .
2- إنّ الحديث عن المجتمعات المنضّدة (الطبقية) ليس حصراً بقدر ما هو تأكيد على أنّ الإنتاج الفكري هو تعبير عن مرحلة معيّنة من التمايز بين الأصناف الاجتماعية الاقتصادية. وأن استعمال مفهوم التركيب التنضيدي Stratification، على الرغم من غموضه، يقحم في حقل التحليل الاجتماعي مجتمعات تاريخية قبل رأسمالية، قد يكون مضمونها الطبقي محلّ نقاش. وعلى هذا الأساس، تكون المجتمعات الوحيدة التي تخرج من الحقل الاجتماعي، هي تلك التي تسمّى عادة بالمجتمعات (البدائية )، والتي لم تصل فيها أنماط الإنتاج الفكري إلى درجة كافية من التمايز تسمح لها بتصنيف معيّن .
3- ليس المهمّ من وجهة النظر التحليلية إثبات العلاقة بين الإنتاج الفكري والواقع الاجتماعي، بقدر ما هو تحليل أشكال هذه العلاقة في مرحلة معيّنة لمجتمع معيّن. ويعدّ هذا التحليل مصدراً أساسيّاً في المناقشات المتعلّقة بالروابط الموجودة بين البنية التحتية والبنية الفوقية، والتي أفضت إلى تأكيد فكرة التبادل الدياليكتيكي القائم بينهما. وتجدر الإشارة هنا، إلى أنّ اجتماعية الأدب والفن، ساهمت مساهمة متطوّرة في تحليل أشكال العلاقة بين الإنتاج الفكري، ومعطيات البنية الاجتماعية .‏

4- إن تحديد الكيفية التي يحوّل بها إنتاج فكري، كالقصّ أو المسرح مثلاً، معطيات الواقع، لا يكفي، بل لا بدّ من إبراز الوظيفة الاجتماعية / السياسية لهذا الإنتاج، ولا سيّما أنّ المنتجين ينتمون إلى فئات من المثقّفين يؤدّون أدواراً قد يعونها أو لا يعونها لصالح أصناف أو طبقات اجتماعية معيّنة. وهذه الوظيفة ليست مظهراً ثانوياً أو تكميلياً، بل هي بعدٌ من أبعاد العلاقة بين الثقافة والمجتمع، ولا يمكن تفسير أي حدث فكري من دونها. وهي في الوقت ذاته، توجد حلاًّ لما يسمّى ” استقلالية ” القيم الفكرية والجمالية، وذلك من خلال اكتشاف وظيفة استمرارية هذه القيم، أو بعثها في ظروف تاريخية محدّدة.‏

تهتمّ الأنثروبولوجيا الثقافية بالتراث والحياة داخل نطاق المجتمع، ويمكن بوساطتها الخوض في جوهر الثقافات المختلفة، ومعرفة كيف تحيا الأمم، من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية :‏
ما هي سبل العيش المتّبع لديهم؟ ما هي الطرائق التي يتبعونها في تربية أبنائهم ؟ كيف يعبّرون عن أنفسهم؟ ما هي طريقتهم في أداء عباداتهم؟ وغير ذلك من العادات والقيم وأساليب التعامل فيما بينهم .‏

الأنثروبولوجيا الاجتماعية

تدرس الأنثروبولوجيا النظم والمجتمعات من أجل التعرف على أصولها ومراحل تطورها، فهي تبحث في تطور الأنساق الاجتماعية وتباينها والعوامل التي تعمل على تشكيل البناء الاجتماعي في نسق معين يتمايز عن الأنساق الأخرى. ويحدد معجم العلوم الاجتماعية مجال الدراسات الأنثروبولوجيا الاجتماعية في المجتمعات البدائية ونظرا لصغر حجمها يسهل الدراسة فيها. إلى أن التوجه المعاصر تعدى ذلك فشملت الأنثروبولوجيا المعاصرة المجتمعات المحلية مثل مجتمع القرية، والتجمعات الحضرية في المدن الكبرى مثل الأحياء السكنية والتنظيمات الاجتماعية، ووسائل التطبيب الشعبي، وأساليب التنمية الخدماتية. ينصب اهتمام أ.إج المعاصرة نحو دراسة البنية والوظائف وأنماط العلاقات الاجتماعية، وبشكل أدق تدرس السلوك الاجتماعي الذي يشكل نظم اجتماعية كالعائلة ونظام القرابة والتنظيم السياسي وأشكال الملكيات... وتهدف دراسة تلك النظم إلى تحديد العلاقة والتأثير المتبادل فيما بينها من جهة، وبينها وبين الفرد من جهة أخرى.

I. ميادينها ومجالاتها

1. البناء الاجتماعي: يتكوّن البناء من عناصر متشابكة لا يتم التفاعل بينها إلا بشكل تكاملي تبادلي، فهو يرتبط بالأسس التي تعمل على تنظيم الحياة الاجتماعية أو البيولوجية.
تعريفه: يقدم قاموس العلوم الاجتماعية البناء الاجتماعي في ثلاث تعريفات: 
أ‌. هو النموذج المستقر للتنظيم الداخلي لجماعة ما، أي أنه يتضمن مجموعة العلاقات الموجودة بين أفراد الجماعة بعضهم مع بعض من ناحية، والموجودة بينها وبين جماعة أخرى من ناحية ثانية.
ب‌. يرتبط البناء الاجتماعي بخصائص الجماعات ونماذج الثقافات، فهو يتكون من أجزاء يعتمد بعضها على بعض اعتمادا متبادلا.
ت‌. يميّز بين نوعين لمستويات البناء الاجتماعي، وقسمه إلى: 
- الزمر الاجتماعية، ومن ثم إلى زميرات، والزميرات إلى وحدات أصغر، وتقسم الزميرات إلى أفراد أو أعضاء يتميز كل منهم عن اللآخر بوظائف اجتماعية يحققها في اطار وضع اجتماعي معين يحتله الأفراد. 

- العناصر المكونة لنموذج من نماذج الثقافة، كالثقافة المرتبطة بالعادات الشعبية، وبالنماذج الثقافية، والنظم والتقاليد والمعتقدات.

خصائص البناء الاجتماعي:

- يتكون البناء الاجتماعي من أنماط العلاقات الاجتماعية محسوسة بين أفراد وجماعات مجتمع ما.
- البناء الاجتماعي كلٌّ أو نسيج متشايك الأجزاء، وتعد دراسة كل أجزاء البناء الاجتماعي من أهم خصائص الأنثروبولوجيا الاجتماعية التي تميزها عن العلوم الاجتماعية. (وصف وتحديد الأجزاء ثم التفسير والتحليل).

- البناء الاجتماعي مستقر وذو ثبات نسبي: من أهم شروطه الحفاظ على تماسكه واستمراره أوقاتا طويلة من الزمن.

2. العائلة والقرابة: تبنى قوة تماسك العائلات والقرابة غالبا على رباط الدم، وتقل كلما ابتعد عنه وتفرز تلك المقولة نمطا معينا للعلاقة بين الحقوق والواجبات في العلاقات الاجتماعية تتمثل في أن للفرد كل الحقوق وعليه كل الالتزامات الموجودة في مستوى وحدة القرابة وما قبلها من وحدات أخرى. ويتضح أثر التماسك الاجتماعي في عنصري الزواج القرابي أو الزواج الداخلي، ورباط الدم اللذين يترابطان ترابطا وثيقا مع نظام الانتاج السائد.

غير أن التغيرات التي تحدث ضمن العائلة لا يمكن فصلها عن حركة المجتمع وبخاصة في تطوره من مرحلة اجتماعية إلى مرحلة أخرى تختلف عنها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. وعلى هذا فإن مسائل التغير ضمن العائلة المعاصرة هي جزء من مسائل تحول المجتمع ولا يمكن فصلها عنه. فالعائلة خلية اجتماعية لها وظائف ذاتية خاصة بها، ووظائف أخرى ضمن إطار المنظومة الاجتماعية. وبذلك تكون هذه الخلية مؤثرة في سير المجتمع، وتتلقى التأثير من منظمات أخرى تبرز في مقدمتها العوامل الاقتصادية. لقد أثر تطور المجتمع على وظائف العائلة في مراحل التطور الاجتماعي المختلفة، فكان أن تبدلت بعض خصائصها وتقلصت وظائفها بينما تركزت وظائف وخصائص أخرى وتأكد وجودها (العائلة سلمت وظيفتها التنفيذية إلى المؤسسات الحكومية).

كان فريدريك لوبلي (1806-1882) من الأوائل الدارسين للأسرة دراسة ميدانية في محاولة للتعرف عن ظروف المجتمع.فقام بدراسة جماعات من أسر العمال في فرنسا للتعرف على أوضاعهم المعيشية والظروف التي تحيط بمشاكلهم. وقد حاول لوبلي أن يحلل الظروف الاجتماعية التي تساعد على حفظ الاستقرار في المجتمع والتي يمكنها أن تزيد من ثروته. ومن خلال اختيارمجموعة من العائلات على أنها وحدات أساسية بحيث أن دراستها وتحليل ظروفها يؤذيان بالتالي إلى تعميمات صحيحة حول المجتمع ونظمه.

3. المجتمع المحلي:

لاحظ العلماء منذ قديم الزمان أن هناك نوعين من المجتمعات يتصف كل منهما بسمات معينة  تميزه عن الآخر، وبعضهم رأى أن العلاقات الاجتماعية التي تسود في المجتمع هي المعيار أو الأساس للتمييز بينهما (مجتمع ذات علاقات أولية، ومجتمع ذات علاقات ثانوية). بينما رأى آخرون أن هذا التمايز والاختلاف يجب أن يعزى إلى الاختلاف في عدد وحجم كل منهما. وأن العدد والحجم يؤثر على طبيعة العلاقات الاجتماعية. حدّد علماء الاجتماع الأمريكيين معنى المجتمع المحلي حسب العدد والحجم (وضعوا العدد 2500ن من السكان دون النظر إلى طبيعة العمل أو المهنة في الجماعة). بينما يرى آخرون أن المهنة السائدة في المجتمع تحدد نحلة القوم ومعاشهم على حد تعبير ابن خلدون فقسّم هذا الأخير المجتمعات إلى نوعين المجتمع القبلي (البدو) والمجتمع الحضري.

نشأة الأنثروبولوجيا وتطورها

اعتمدت الدراسات الأولى للأنثوبولوجيا على المستويين النظري والوصفي على الوصف والتحليل في دراسة ما خلفته الشعوب القديمة من حكايات شعبية وأساطير، بقصد استنباط أنماط من الانجازات الحضارية الهامة، والتي تشكل منعطفات في تاريخ تطور الانسان مند وجوده على سطح الأرض ومغامراته بحثا على الاستقرار. ومن تلك المنعطفات الأساسية التي حصلت عليها الأنثروبولوجيا على طريق الانجازات الحضارية الهامة للانسان اكتشاف النار واختراع أو صناعة بعض الأدوات والفنون المفيدة. أو البدايات الأولى للتقنيات المختلفة المستخدمة في انتاج الطعام.

I. بحوث علم الانسان القديمة 

أ- عند اليونان: إن بحوث علم الانسان قديمة قدم الانسان نفسه وقدم التفكير الانساني. عند اليونان عرض تيوجنيس Theognis سنة 550 ق.م لبعض المبادئ التي تحسن النسل وتؤدي بالشعوب إلى التفوق. ثم يأتي المؤرخ هيرودوتس (485-425 ق.م) فيصف عادات الشعوب والفوارق بينها ويبيّن الفوارق الجسمية بينها ويبرزها. ويعرض أبوقراط في كتابه "الأجواء والمياه والأمكنة" أثر الوسط الفيزيقي على تكوين الأجسام وأنماط التفكير والعادات والتقاليد.

ب- عند الرومان: يأتي لوكروسيوس (55-99 ق.م) الذي يؤلف قصيدته المشهورة "في طبيعة الأشياء" حيث يفسر على طريقته أصل النظم الاجتماعية كالدين والأسرة والفنون والعلاقات الاقتصادية.

ج- عند العرب: ساهم في اثراء هذا العلم العديد من الرحالة المسلمين الذين جابوا الأرض ووصفوا أحوال شعوب البلدان التي عايشوها ونذكر أهمهم ومنهم كالآتي:

- ابن جبير: جاب بلدان العالم الاسلامي من مراكش الى صقيلية الى الحجاز، وكتب عما شاهده من عادات وأنماط حياة، واختلافها من منطقة الى أخرى. وكذلك تحدث عن الاسكندرية ووصف المسجد الحرام ومكة وزار العراق وأنهاره وتحدث عن كل ما لاحظه في رحلته.

- ابن بطوطة (1304-1377): في القرن 14 الميلادي الذي جاب الهند ومدنها، وتمعن في حضارتها وشعوبها، وكتب عن شعوبها وعاداتهم.

- عبد الرحمان ابن خلدون (1332-1406): أهم دراساته دونها في كتابه"كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم ومن عاصرهم من ذوي السلطان الكبر" المعروف بالمقدمة في الفصل الأول يتناول موضوع العمران البشري وأصنافه، أما الفصل الثاني فتناول فيه على الخصوص "في العمران البدوي وذكر القبائل والأمم الوحشية". في الفصل الرابع تناول موضوع "في العمران الحضري والبلدان والأمصار" والخامس في "الصنائع والمعاش والكسب ووجوهه". ففي المقدمة الثالثة مثلا تحت عنوان "في المعتدل من الأقاليم والمنحرف وتأثير الهواء في ألوان البشر والكثير من أحوالهم" يقول عن اهل المناطق المعتدلة وغير المعتدلة "وجميع ما يتكون في هذه الأقاليم الثلاثة المتوسطة مخصوصة بالاعتدال، وسكانها من البشر أعدل أجساماً وألواناً وأخلاقاً وأدياناً... وأهل هذه الأقاليم أكمل لوجود الاعتدال لهم. فنجدهم على غاية من التوسط في مساكنهم وملابسهم وأقواتهم وصنائعهم: يتخذون البيوت المنجزة بالحجارة ... أما الأقاليم البعيدة من الاعتدال...فأهلها أبعد من الاعتدال في جميع أحوالهم، فبناؤهم بالطين والقصب، وأقواتهم من الذرة والعشب وملابسهم من أوراق الشجر يخصفونها عليهم أو الجلود، وأكثرهم عرايا من اللباس. ومعاملاتهم من غير الذهب والفضة أي بالنحاس أو الحديد أو جلود يقدرونها للمعاملات. وأخلاقهم مع ذلك قريبة من خلق الحيوانات العجم في توحشها وافتراس بعضها البعض. 
ويرجع ابن خلدون الاختلاف في السمات الجسمية والعقلية بين الشعوب الى المناخ يقول عن اللون الأسمر من مزاج الهواء الحار المتضاعف بالجنوب، فالشمس تسامت رؤوسهم مرتين كل سنة ومتقاربة فيكثر الضوء لأجلها وتسود جلودهم لإفراط الحر. اما سمات أهل الشمال البياض من مزاج هوائهم البارد المفرط، فيضعف الحر فيها ويشتد البرد عامة الفصول فتبيض ألوان أهلها وتنتهي إلى الزعورة. 

II. بحوث علم الانسان في أواخر العصور الوسطى وبداية العصر الحديث

لقد ظهر في القرن 18 كتابان كان لهما أهمية في المقارنة بين البدائيين والقدامى من ناحية والمحدثين من ناحية أخرى، الأول هو "روح العادات والتقاليد في جميع الشعوب" سنة 1778 عرض فيه لعدد كبير من عادات الشعوب المختلفة، عاقدا بينها مقارنات وموازنات ولا سيما الموازنة بين عادات الشعوب التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس كالعبرانيين، وعادات الشعوب الأوروبية مستنتجا من ذلك أن العادات والتقاليد والأخلاق ومعاييرها كلها نسبية، أي هي تنشأ بالنسبة لكل شعب حسب ظروفه، ومن هنا يأتي اختلاف المعايير الأخلاقية والجمالية بين الشعوب. أما الكتاب الثاني فقد ظهر قبل الأول ولكن لم يظهر له نفس الأهمية إلا فيما بعد، وذلك هوكتاب Lafitau سنة 1724 "مقارنة أخلاق الأمريكيين المتوحشين بأخلاقهم في العصور الأولى"، وهو يدرس نظم الهنود الأمريكيين ومدى تغيرها باختلاطهم بالأوروبيين النازحين الى أمريكا، ويستنتج من دراسته نسبية النظم الاجتماعية من حيث الزمن، أي عادات أي شعب ونظمه تتطور عن طريق احتكاكه بثقافات ونظم أخرى.

وفي مجال علم الانسان الفيزيائي يعد اندز رتسيوس Ratzius (1769-1860) من أهم الباحثين في السلالات البشرية الكلاسيكيين إذ أوجد ما سماه باسم الأس الدماغي Cephalic Index كمقياس للتفرقة بين السلالات المختلفة. وجاء العالم الفرنسي جان لامارك Lamarck (1744-1829) وكان له فضل توجيه الدراسات الانسانية الوجهة التطورية الدينامية والى دراسة تطور النماذج البشرية منذ العصور الأولى للانسان حتى العصور الحديثة. وقد برزت أهمية الدراسات التطورية في مجال السمات الفيزيائية عندما ألف تشارلس داروين (1809-1882) كتابه في أصل الأنواع سنة 1859 والذي أحدث ثورة وانقلابا في الدراسات الانسانية وعلوم الانسان.

وفي القرنين 19 و20 تحددت معالم دراسات علم الانسان وتشعبت وأستقلت وصار لها مدارس. ففي مجال الدراسات القانونية للشعوب البدائية نجد ألبرت هرمان بوست (1813-1895) وجوزيف كولر Koehler (1849-1913) الذي أنشأ سنة  1878 مجلة للدراسات القانونية المقارنة. وقام هذان العالمان بدراسة القانون في المجتمعات البدائية والقديمة مع اجراء مقارنات وموازنات بيت تلك القوانين ولاسيما في مجال الأسرة وعلاقة القرابة وتحديدها ثم الملكية، ويضاف اليهما العالم السويسري باشوفن J.Bachofen (1815-1887) بكتابه عن "قانون الأم" سنة 1861 وهو الكتاب الذي انتهى فيه الى أنه سادت الانسانية في العصور البدائية مرحلة اباحة مطلقة لم تكن تعرف فيها نظام الأسرة. وهنري لويس مورغان الأمريكي (1818-1881) في كتابه عن المجتمع القديم الذي تأثر فيه بأراء انجلز F.Engels الذي ألف كتابا عن "أصل الأسرة والملكية الخاصة والدولة" 1884، ثم عالم الدراسات الانسانية التحليلية أدولف باستيان Bastian (1826-1905) الذي ألف كتابه عن "الانسان في التاريخ" وأنشأ مجلة الأثنولوجيا سنة 1862.

ويتعلق بنفس الاتجاه في الدراسات الانسانية ولا سيما في مجال الدين والأسرة كثير من مدارس علم الانسان التي تعد المدرسة الانجليزية رائدتها ولاسيما بأبحاث تيلور E.B.Taylor (1832-1917) في كتابه عن "المجتمع البدائي" ثم اندرو لانج Lang في كتابه "العبادات والأساطير الدينية والأديان" والعالم الانجليزي الشهير جون فريزر Frazer الذي ألف كتابه الهام الشهير "الغصن الذهبي" سنة 1890 وهو موسوعة كبرى تعرض على الخصوص للظواهر الدينية والسحر في المجتمعات البدائية.
ونذكر هنا على وجه الخصوص المدرسة الانجليزية التي قالت بأن ثمة مصدراً وحيداً نشأت عنه ثقافات العالم القديم وهو على الخصوص الثقافة المصرية، وعلى رأس هذه المدرسة إليوت سميث E.Smith في مؤلفاته "السفن كدليل على أشكال الثقافة القديمة" سنة 1917 ووليام بري W.Perry  في كتابه "أصل السحر والدين" سنة 1922 و"أطفال الشمس" سنة 1923 وأطفال الشمس يقصدهم المصريين القدامى. ونخص بالذكر أيضا العالم رادكليف براون Radchliffe Brown الذي كتب كتابا عن سكان جزائر أندمان Andaman سنة 1922 ثم الاستراليين البدائيين كما قام بدراسات هامة في كتابه "النسق الافريقية للقرابة" سنة 1950. ويضاف الى العلماء الانجليز برونسلاس مالينوفسكي Malinowski (1884-1922) وهو من أصل بولندي درس النظم الاقتصادية عند سكان مالينزيا.
وفي فرنسا نذكر على وجه الخصوص لوسيان ليفي بريل Levy Bruhl في مؤلفاته "الروح البدائي" و"العقلية البدائية" سنة 1922 و"الأساطير الدينية البدائية" ثم لوتورنو. Ch .Letourneau  (1831-1900) الذي كان يتبع المذهب التطوري في كتابه "علم الاجتماع وفق علم الانسان الوصفي" ودينيكر J.Deniker في كتابه "سلالات الأرض وشعوبها" سنة 1900. 

أقسام الأنثروبولوجيا الثقافية 

على الرغم من تعدّد العناصر الثقافية، وتداخل مضموناتها وتفاعلها في النسيج العام لبنية المجتمع الإنساني، فقد اتّفق الأنثروبولوجيون على تقسيم الأنثروبولوجيا الثقافية إلى ثلاثة أقسام أساسيّة، هي : (علم الآثار – علم اللغويات – وعلم الثقافات المقارن) وفيما يلي شرح لكلّ منها :‏

1-علم اللغويات :‏

هو العلم الذي يبحث في تركيب اللغات الإنسانية، المنقرضة والحيّة، ولا سيّما المكتوبة منها في السجلاّت التاريخية فحسب، كاللاتينية أو اليونانية القديمة، واللغات الحيّة المستخدمة في الوقت كالعربية والفرنسية والإنكليزية. . ويهتمّ دارسو اللغات بالرموز اللغوية المستعملة، إلى جانب العلاقة القائمة بين لغة شعب ما، والجوانب الأخرى من ثقافته، باعتبار اللغة وعاء ناقلاً للثقافة.‏
إنّ اللغة من الصفات التي يتميّز بها الكائن الإنساني عن غيره من الكائنات الحيّة الأخرى، فهي طريقة التخاطب والتفاهم بين الأفراد والشعوب، بواسطة رموز صوتية وأشكال كلامية متّفق عليها، ويمكن تعلّمها .. علاوة على أنّها وسيلة لنقل التراث الثقافي / الحضاري، حيث يمكن استخدام معظم اللغات في كتابة هذا التراث .‏

يحتلّ علم اللغة مكاناً ممتازاً في مجمل العلوم الاجتماعية التي ينتمي إليها ؛ فهو ليس علماً اجتماعياً كالعلوم الأخرى، بل العلم الذي قدّم إنجازات عظيمة، وتوصّل إلى صياغة منهج وضعي ومعرفة الوقائع الخاصة. ولذلك، ارتبط علماء النفس والاجتماع والأثنوغرافيا بالحرص على تعلّم الطريق المؤدّية إلى المعرفة الوضعية للوقائع الاجتماعية، من علم اللغة الحديث .‏

يدرس علماء الأنثروبولوجيا، اللغة في سياقها الاجتماعي والثقافي، في المكان والزمان. ويقوم بعضهم باستنتاجات تتعلّق بالمقوّمات العامة للغة وربطها بالتماثلات الموجودة في الدماغ الإنساني. ويقوم آخرون بإعادة بناء اللغات القديمة من خلال مقارنتها بالمتحدّرات عنها في الوقت الحاضر، ويحصلون من ذلك على اكتشافات تاريخية عن اللغة.‏

وما يزال عدد من علماء الأنثروبولوجيا اللغوية، يدرسون اختلافات اللغة ليكتشفوا الادراكات والنماذج الفكرية المختلفة، في عدد وافر من الحضارات. ويدخل في ذلك، دراسة الاختلافات اللغوية في سياقها الاجتماعي، وهو ما يدعى (علم اللغة الاجتماعي) الذي يدرس الاختلاف الموجود في لغة واحدة، ليظهر كيف يعكس الكلام الفروقات الاجتماعية .

إنّ التشابه المنهجي الشديد بين علم الاجتماع والأنثروبولوجيا من جهة، وعلم اللغة من جهة أخرى، يفترض واجباً خاصاً من التعاون فيما بينها، حيث يستطيع علم اللغة أن يقدّم البراهين المساعدة في دراسة مسائل القرابة، من خلال تقديم أصول الكلمات وما ينتج عنها من علاقات في بعض ألفاظ القرابة التي لم تكن مدركة بصورة مباشرة، من قبل عالم الأنثربولوجيا أو عالم الاجتماع، وبذلك يلتقي علماء الأنثروبولوجيا، بهدف مقارنة الفروع التي ينتجها هذان العلمان. ويقترب اللغويون من علماء الأنثروبولوجيا، آملين في جعل دراساتهم أكثر واقعية، وفي المقابل، يلتمس الأنثروبولوجيون اللغويين كلّما توسّموا فيهم القدرة على إخراجهم من الاضطراب الذي ألقتهم فيه على ما يبدو، أُلفتهم الزائدة مع الظاهرات المادية والتجريبية. 

ولذلك، يلاحظ أنّ فرع اللغويات هو حالياً من أكثر فروع الأنثروبولوجيا الثقافية، استقلالاً وانعزالاً عن الفروع الأخرى .فدراسة اللغات يمكن أن تجري دون اهتمام كبير بعلاقاتها مع الجوانب الأخرى في النشاط الإنساني، وهذا هو الواقع في حالات كثيرة .ومما لا شك فيه، أنّ اللغات – بما فيها من تراكيب معقّدة وغريبة، وما تنطوي عليه من تنوّع هائل، ولا سيّما عند الشعوب البدائية، تزوّد الباحث بمادة دراسية غنيّة لا يمكن حصرها .‏

ولذلك، يعطي / ليفي ستروس / أهميّة بالغة لِلغَة، ويعتبرها أحد الأركان الأساسية في علم الإنسان، إن لم تكن حجر الزاوية في ذلك العلم، وعلى أساس أنّ اللغة هي الخاصية الرئيسة التي تميّز الإنسان عن الكائنات الحيّة الأخرى. ولذلك، يعتبرها الظاهرة الثقافية الأساسية التي يمكن عن طريقها، فهم كلّ صور الحياة الاجتماعية. وهذا ما يؤكّده في كتابه (المناطق المدارية الحزينة) والذي يعرف في العالم العربي باسم (الآفاق الحزينة) وهو نوع من السيرة الذاتية في قالب أنثروبولوجي، حيث يقول : ” حين نقول الإنسان .. فإنّنا نعني اللغة. وحين نقول اللغة … فإنّنا نقصد المجتمع ..”‏
وهذا ما دفعه إلى استخدام مناهج اللغويات الحديثة وأساليبها، في تحليله للمعلومات الثقافية، وكلّ مادة غير لغوية. كما جعله يعطي الكلمة (الدال) من الأهميّة أكثر ممّا يعطي للمعنى (المدلول )، ولا سيّما أنّ الدال الواحد (الكلمة الواحدة) قد يكون لـه مدلولان مختلفان بالنسبة لشخصين مختلفين، وذلك تبعاً لاختلاف تجاربهما. بل أنّ الدال الواحد، قد تكون لـه مدلولات مختلفة بالنسبة للشخص نفسه، وفي أوقات أو ظروف مختلفة.‏
وعلى الرغم من أنّ علماء اللغة لم يتمكّنوا من تحديد أسبقية لغة على أخرى، فقد توصّلوا من خلال دراساتهم إلى تصنيف اللغات المختلفة بحسب طبيعتها واستخدامها، في ثلاثة أقسام هي :‏

-اللغات المنعزلة : وهي اللغات التي تتخاطب بها فئات منعزلة عن الفئات الأخرى، ولا تفهمها إلاّ تلك الفئات المتحدّثة بها. وهي لغة لا تكتب وليس لها تاريخ .‏

-اللغات الملتصقة : وهي اللغات التي تتخاطب بها شعوب كبيرة، ولكنّها ملتصقة بهم وبتراثهم. وهي لغات معروفة، ولكن ليس لها قواعد، وإنّما تعتمد على المقاطع والكلمات، مثل : اللغة الصينيّة .‏

-اللغات ذات القواعد (النحو والصرف) : وهي اللغات الحديثة التي تستخدمها الأمم المتحضّرة، لها قواعد نحوية وصرفية، تضبط جملها وقوالبها اللغوية، مثل : اللغة العربية، واللغات الأوربية .

ومهما يكن هذا التقسيم، فإنّ اللغات المستعملة في العالم، جميعها، شُكّلت من أصوات متناسقة تدلّ على هذه اللغة أو تلك، وفق أصول وقواعد خاصة بها. ولهذا يقسم علم اللغويات إلى أقسام فرعيّة، من أهمّها : علم اللغات الوصفي، وعلم أصول اللغات .‏

1/1- علم اللغات الوصفي :

 يهتمّ بتحليل اللغات في زمن محدّد، ويدرس النظم الصوتية، وقواعد اللغة والمفردات. ويعتمد عالم اللغات في دراساته هنا على اللغة الكلامية، ولذلك يستمع إلى الأفراد، ولا سيّما إذا كانت الدراسة متعلّقة بلغات لم تكتب. فيقوم عالم اللغة بكتابة تلك اللغات عن طريق استخدام الرموز المتعارف عليها .‏
ومهما يكن الأمر، فإنّ عملية تحليل اللغات وتصنيفها، كعملية تحليل الأجناس البشرية وتصنيفها، لا تشكّل إلاّ الخطوة الأولى لغيرها من الدراسات المهمّة .فاللغات، على اختلاف أنواعها، تمثّل أداة قيّمة في يد العالم .. ولا شكّ في أنّها ستساعده في النهاية، على التوصّل إلى فهم أعمق لسيكولوجية الأفراد والمجتمعات.‏
وتتركّز معظم تلك الدراسات في المجتمعات البدائية التي تستخدم اللغة الكلامية، ولم تعرف القراءة والكتابة. فلا يوجد مجتمع إنساني – مهما تخلّفت ثقافته – من دون لغة كلامية يتفاهم بها أبناؤه .‏

1/2-علم أصول اللغات :‏

يهدف إلى تحديد أصول اللغات الإنسانية. ولذلك، يختصّ بالجانب التاريخي والمقارن، حيث يدرس العلاقات التاريخيّة بين اللغات التي يمكن متابعة تاريخها، عن طريق وثائق مكتوبة. وتكون المشكلة أكثر تعقيداً بالنسبة للغات القديمة التي لم تترك أية وثائق مكتوبة تدلّ عليها. ولكن ثمّة وسائل خاصة يمكن للباحث أن يستخدمها في دراسة تاريخ تلك اللغات.‏

وهناك علاقات تعاونية بين عالم اللغة، والأنثروبولوجي الثقافي، وذلك لأنهّ على كلّ من الأثنولوجي والأنثروبولوجي الاجتماعي، أن يدرس لغة المجتمع الذي يجري بحثه عليه.‏
وبناء على ذلك، تقدّم علم اللغويات – في العصر الحاضر – وأصبح يستخدم مناهج علمية وآليات دقيقة، في دراسة لغات العالم .. واستطاع من خلال ذلك أن يتوصّل إلى قوانين أساسية وعامة، لا تقلُّ أهميّة في دقّتها عن قوانين العلوم الطبيعية. 

ومن المحتم أن تثير (مورفولوجية) أية لغة، أسئلة بعيدة المدى تتّصل بميداني : الفيزياء والقيم .. فاللغة ليست مجرّد أداة للاتّصال أو لاستثارة الانفعالات فحسب، وإنّما هي أيضاً وسيلة لتصنيف الخبرات. والخبرة هي أشبه ما تكون بخطّ متّصل الأجزاء، يمكن تقسيمه بطرق مختلفة .
ولذلك، فإن الدراسات اللغوية المقارنة، توضح أنّ الكائن البشري على الرغم من استخدامه لغة واحدة، فهو يقوم بعملية انتقائية غير واعية للمعاني التي يستخدمها. وذلك لأنّه لا يستطيع الاستجابة الدقيقة للمنبّهات المتنوّعة في محيطه الخارجي .‏

2- علم الآثار القديمة (الحفريات Archeology):‏

يعنى بشكل خاص بجمع الآثار والمخلّفات البشرية وتحليلها، بحيث يستدلّ منها على التسلسل التاريخي للأجناس البشرية، في تلك الفترة التي لم تكن فيها كتابة، وليس ثمّة وثائق مدوّنة (مكتوبة) عنها .‏
ويبحث هذا الفرع من علم الأنثروبولوجيا الثقافية، في الأصول الأولى للثقافات الإنسانية، ولا سيّما الثقافات المنقرضة. ولعلّ علم الآثار القديمة أكثر شيوعاً بين فروع الأنثروبولوجيا، وربّما كانت مكتشفاته مألوفة لدى الشخص العادي أكثر من مكتشفات الفروع الأخرى. ومثال ذلك، أنّ اسم (توت عنخ آمون) أحد ملوك قدماء المصريين، يكاد يكون معروفاً لدى الأوساط الشعبية العامة. ‏

وعلى الرغم من أنّ الهدف الأوّل من هذه الأبحاث، هو الحصول على معلومات عن الشعوب القديمة، إلاّ أنّ الهدف النهائي يتمثّل في مساعدة القرّاء والدارسين، في تفهّم العمليات المتّصلة بنمو الثقافات أو (الحضارات) وازدهارها أو انهيارها، وبالتالي إدراك العوامل المسؤولة عن تلك التغيّرات .‏
ومن المعروف لدى علماء الأنثروبولوجيا، أنّ الكتابة ظهرت منذ حوالي أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، وما كتب من ذلك التاريخ معروف لدى الدارسين والباحثين، ويمكن بواسطة هذه الآثار المكتوبة معرفة الكثير عن الإنسان. 

فعالم الآثار يعتمد في دراسته، على البقايا التي خلفها الإنسان القديم، والتي تمثّل طبيعة ثقافاته وعناصرها. وقد توصّل علماء الآثار إلى أساليب دقيقة لحفر طبقات الأرض التي يتوقّع وجود بقايا حضارية فيها. كما توصّلوا إلى مناهج دقيقة لفحص تلك البقايا وتحديد مواقعها، وتصنيفها من أجل التعرّف إليها، ومن ثمّ مقارنتها بعضها مع بعض. ويستطيع علماء الآثار باستخدام تلك المناهج، استخلاص الكثير من المعلومات عن الثقافات القديمة، وتغيّراتها، وعلاقة كلّ منها بغيرها.‏
ويستخدم علماء الأنثروبولوجيا بقايا المواد كمعطيات رئيسة لاستخدام المعرفة العلمية والنظرية، حيث يقوم علماء الآثار بتحليل النماذج الحضارية والتطوّرات التي طرأت عليها، فتكشف النفايات عن الأوضاع الخاصة بالاستهلاك والنشاطات.‏

فالحبوب البرية والحبوب المنزلية / مثلاً : تمتلك خصائص مختلفة تسمح لعلماء الآثار أن يميّزوا بين النبات الذي تمّ جلبه، وذلك الذي تمّت العناية به محلياً. كما يكشف فحص عظام الحيوانات، عن أعمار هذه الحيوانات التي تمّ ذبحها، ويزوّد بمعلومات أخرى مفيدة، تحدّد فيما إذا كانت هذه الأنواع بريّة أو مدجّنة. ويقوم علماء الآثار من خلال بحثهم في هذه المعلومات، بإعادة بناء نماذج الإنتاج والتجارة والاستهلاك . 

 يلجأ علماء الآثار – الأنثربولوجيون – إلى الاستفادة من أبحاث علماء الجيولوجيا والمناخ، للتحقّق من (هوية) البقايا التي يكتشفونها، وتاريخ وجودها. كما يتعاون علماء الآثار أيضاً، مع المتخصّصين في الأنثروبولوجيا الطبيعية، وذلك لكثرة وجود( اللُقى) الإنسانية في الحفريات، مع البقايا الثقافية. وقد نجح علماء الآثار المحدثون، في استخدام (الكربون المشعّ) كوسيلة لتحديد عمر ” البقايا ” بدقّة.
ويمكن القول – بوجه عام – إنّ علماء الآثار القديمة، يحاولون اكتشاف ذلك الجزء من التاريخ الماضي الذي لا تتعرّض لـه السجلاّت المكتوبة. ويقبل عالم الآثار القديمة على ميدان اختصاصه بحماسة، لأنّ عمله يقترن بمجموعة من الدوافع والمثيرات المغرية، كالرغبة في إجراء أبحاث علمية شائقة، واحتمال العثور على كنوز ثمينة …
فعلم الآثار إذاً، يدرس تاريخ الإنسان وما رافقه من تغيّرات ثقافية، في محاولة لبناء تصوّر كامل عن الحياة الاجتماعية التي عاشتها المجتمعات القديمة، مجتمعات ما قبل التاريخ. وإذا كان علم الآثار يعتمد – إلى حدّ ما على التاريخ – فإنّه يختلف عن علم التاريخ في أنّه لا يدرس المراحل الحضارية المؤرّخة، وإنّما يدرس تلك الفترات التي عاشها المجتمع الإنساني قبل اختراع الكتابة وتدوين التاريخ.‏

3-علم الثقافات المقارن (الأثنولوجيا) :‏

تعتبر الأثنولوجيا من أقرب العلوم إلى طبيعة الأنثروبولوجيا، بالنظر إلى التداخل الكبير فيما بينهما من حيث دراسة الشعوب وتصنيفها على أساس خصائصها، وميزاتها السلالية والثقافية والاقتصادية، بما في ذلك من عادات ومعتقدات، وأنواع المساكن والملابس، والمثل السائدة لدى هذه الشعوب.‏
ولذلك، تعدّ الأثنولوجيا فرعاً من الأنثروبولوجيا، يختصّ بالبحث والدراسة عن نشأة السلالات البشرية، والأصول الأولى للإنسان. وترجع لفظة (أثنولوجيا) إلى الأصل اليوناني (أثنوس Ethnos) وتعني دراسة الشعوب. ولذلك تدرس الأثنولوجيا، خصائص الشعوب اللغوية و الثقافية والسلالية. ‏

وتعتمد الأثنولوجيا في تفسير توزيع الشعوب – في الماضي والحاضر – على أنّه نتيجة لتحرّك هذه الشعوب واختلاطها، وانتشار الثقافات التي ترجع إلى كثرة الحوادث المعقّدة، التي بدأت مع ظهور الإنسان منذ مليون (ملايين) من السنين. فهي تبحث، مسألة المصادر التاريخية للشعوب، من أين أتت قبائل الهنود الحمر؟مثلاً، وأي طريق سلكت؟ ومتى احتلّت هذه الشعوب المناطق الموجودة فيها الآن، وكيف؟ ومن أية جهة تسلّلت إلى أمريكا؟ وكيف انتشرت فيها؟ ومتى ظهرت أجناس الهنود الحمر؟ وما هي الميزات اللغوية والملامح الثقافية التي نشرتها ثقافة الهنود الحمر، قبل احتكاكها بالثقافة الأوروبية؟ وغير ذلك ممّا يفيد في الدراسات الوصفيّة المقارنة للمجتمعات الإنسانية وثقافاتها. ‏

وتدخل في ذلك دراسة أصول الثقافات والمناطق الثقافية، وهجرة الثقافات وانتشارها والخصائص النوعية لكلّ منها، دراسة حياة المجتمعات في صورها المختلفة. أي أنّه العلم الذي يبحث في السلالات القديمة وأصولها وأنماط حياتها، كما يبحث في الحياة الحديثة في المجتمعات الحاضرة، وتأثّرها بتلك الأصول القديمة.‏
ولذلك، تعرّف الأثنولوجيا بأنّها : دراسة الثقافة على أسس مقارنة وفي ضوء نظريات وقواعد ثابتة، بقصد استنباط تعميمات عن أصول الثقافات وتطوّرها، وأوجه الاختلاف فيما بينها، وتحليل انتشارها تحليلاً تاريخياً ،
وتهتمّ النظرية الأثنولوجية بدراسة الثقافة، عن طريق القوانين المقارنة، ولا سيّما مقارنة قوانين الشعوب البدائية، حيث يهتمّ علماء القانون المقارن بدراسة بعض العادات والنظم والقيم والتقاليد، مثل : النسب الأبوي أو الأمومي، سلطة الأب، الحياة الإباحية، الاختلاط الجنسي، وطرائق الزواج المختلفة. 
ويبحث علم الأثنولوجيا في طرائق حياة المجتمعات التي لا تزال موجودة في عصرنا الحاضر، أو المجتمعات التي يعود تاريخ انقراضها إلى عهد قريب، وتتوافر لدينا عنه سجلاّت تكاد تكون كاملة. فلكلّ مجتمع طريقته الخاصة في الحياة، وهي التي يطلق عليها العلماء الأنثروبولوجيون مصطلح ” الثقافة “. ويعدّ مفهوم الثقافة من أهمّ الأدوات التي يتعامل معها الباحث الأثنولوجي. 
ومن ميزات الأثنولوجيا، أنّها تعتمد عمليتي التحليل والمقارنة ، فتكون عملية التحليل في دراسة ثقافة واحدة، بينما تكون عملية المقارنة في دراسة ثقافتين أو أكثر. وتدرس الأثنولوجيا الثقافات الحيّة (المعاصرة) والتي يمكن التعرّف إليها بالعيش بين أهلها، كما تدرس الثقافات المنقرضة (البائدة) بواسطة مخلّفاتها الأثرية المكتوبة والوثائق المدوّنة. وتهتمّ إلى جانب ذلك، بدراسة ظاهرة التغيير الثقافي من خلال البحث في تاريخ الثقافات وتطوّرها .
وقد كان هذا الفرع من الأنثروبولوجيا الثقافية، يلقى اهتماما قليلاً قياساً للفروع الأنثروبولوجية الأخرى، حيث قام بعض علماء الأنثروبولوجيا في القرن العشرين، بدراسة الطرائق التي تؤثّر من خلالها المفاهيم الاجتماعية المحدودة في سلوك الأشخاص وأمزجتهم، ومعرفة الحياة الإنسانية للشعوب التي ما زالت تحيا حياة بسيطة، ولا سيّما تلك الشعوب التي تعيش في : أستراليا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا، وفي بعض المناطق في آسيا .‏

وكان علماء الأثنولوجيا، وإلى عهد قريب جدّاً، يقصرون أبحاثهم في الظواهر الاجتماعية والإنسانية للمجتمعات الثقافية. وكانوا يعتبرون الفرد كما لو أنّه مجرّد ناقل للثقافة، أو حلقة من سلسلة من الوحدات المتماثلة التي يمكن أن تستبدل الواحدة منها بأخرى. ولكن، وبعد دراسات عديدة، تبيّن لهؤلاء العلماء أن المعايير الشخصيّة، تختلف باختلاف الأفراد والمجتمعات والثقافات. 

فمنذ البدايات الأولى لتطوّر الأبحاث الأثنولوجية، والعلماء يحاولون اكتشاف الأسباب التي تجعل مجتمعات معيّنة، تطوّر محاور اهتمام خاصة بها، وتتقبّل أو تنبذ تجديدات مختلفة من النوع الذي يبدو أنّه لا ينطوي على أيّة عوامل نفعية، وكذلك الأسباب التي تجعل الثقافات المتنوّعة تعكس – بصورة منتظمة – اتّجاهات مختلفة في تطوّرها. وساد الاعتقاد حيناً من الزمن أنّ هذه الظاهرات يمكن عزوها إلى وقائع تاريخيّة عارضة، غير أنّ هذه النظرية هي ضرب من الافتراض الجدلي الذي لا يستند إلى أي برهان أو دليل. ‏
ويتّفق معظم العلماء على أنّ مصطلح (أثنوجرافيا) يطلق على الدراسة التي تعمد إلى وصف ثقافة ما في مجتمع معيّن، بينما يطلق مصطلح (أثنولوجيا) على الدراسات التي تجمع بين الوصف والمقارنة. فالأثنولوجي يهدف من تلك المقارنات الوصول إلى قوانين عامة للعادات الإنسانية، ولظاهرة التغيير الثقافي وآثار الاتصال بين الثقافات المختلفة، كما يهدف الأثنولوجي أيضاً إلى تصنيف الثقافات ضمن مجموعات أو أشكال، على أساس مقاييس (معايير) معيّنة. 
وهذا يعني أنّ الأهداف النهائية للعالِم الأثنولوجي، هي في الأساس، مماثلة لأهداف عالِم الاجتماع وعالِم الاقتصاد .. فكلّ عالم من هؤلاء، يحاول أن يفهم كيف تعمل المجتمعات والثقافات؟ وكيف ولماذا تتغيّر الثقافات؟ كما يحاول أن يتوصّل إلى تعميمات معيّنة، أو ” قوانين ” بحسب المصطلح الدارج للمفهوم، لتساعده في التنبّؤ باتّجاه سير الأحداث، بقصد التحكّم به في النهاية.

علاقة الأنثروبولوجيا بالعلوم الأخرى

تختلف رؤى العلماء حول عملية تصنيف الأنثروبولوجيا على كونها تابعة للعلوم الاجتماعية أو التطبيقية أو الإنسانية ولكن في الواقع كل هذه الفروع العلمية ساهمت ودخلت على مرّ التاريخ الثقافي لشعب ما. ومن هنا نلمس أن علم الأنثروبولوجيا ارتبط بكثير من العلوم.

I. الأنثروبولوجيا والاثنولوجيا والاثنوغرافيا

يكتسب الانسان قدراته عن طريق التعلم والتدريب، وما يختزنه من تراث ينتقل عبر الأجيال، فتولد معارف عامة يستخدمها في علاقاته مع محيطه العام. والحضارة الانسانية تتمايز من مجتمع إلى آخر كما أنها تتجدد بتجدد العلاقات الاجتماعية وتبدل الظروف الاقتصادية والاجتماعية. وقد أعطى هذا التنوع مادة لعلماء الأنثروبولوجيا الحضارية والاثنولوجيا ليبحثوا في أسس تكوين الحضارات وأنماط توزعها، وأسلوب انتشارها، والعوامل التي تؤدي إلى انتقالها من جيل إلى آخر، والعناصر العامة التي تشكل مضمونها والرموز التي يستخدمها الانسان في التعبير عنها.

1. الاثنولوجيا: يقتصر هذا العلم على دراسة الشعوب والثقافات،وتاريخ حياة الجماعات دون النظر إلى مدى تطورها وتقدمها. فقد عرفها بريتشارد بأنها علم تصنيف الشعوب على أساس خصائصها ومميزاتها السلالية والثقافية، وتفسير توزعها في الماضي والحاضر نتيجة لتحركها واختلاطها وانتشار الثقافات. 
تستفيد الاثنولوجيا عملياً من البيانات التي تزودها بها الاثنوغرافيا، ليقوم الباحث الاثنولوجي بعد ذلك بتصنيف الحضارات في مجموعات أو أشكال على أساس مقاييس معينة، وتحليلها، واستخلاص المبادئ منها. وعلى هذا فالاثنولوجيا تهتم بتحليل معطيات المجتمع المحلي في ضوء النظريات المختلفة، وبإقامة مقارنات بين المجتمعات والأنماط الحضارية، حيث يهدف الاثنولوجي إلى الوصول إلى قوانين عامة للعادات الإنسانية ولظاهرة التغير الحضاري، وآثار الاتصال بين الحضارات المختلفة.
تقوم الإثنولوجيا بدراسة كل حضارة يمتاز بها مجتمع عن غيره، فتبحث في النظم السياسية والاقتصادية والدين والفنون الشعبية وفروع المعرفة والفنون الصناعية والفلسفات الخ، أي كل ما يتعلق بمجتمع الدراسة من مسائل حضارية.

2. الاثنولو جيا والاثنوغرافيا: لغويا اثنو تعني جنس (شعب) وغرافيا تعني كتابة أي الكتابة عن الأجناس، وتقتصر الاثنوغرافيا في دراساتها على الناحية الوصفية للحضارات دون تقديم تفسير أو تحليل لها أي دون التعليق عليها.  تقوم الاثنوغرافيا بوصف أو بعرض شامل لمجتمع الدراسة وتقرير الوقائع كما هي وتتميز بفردية البحث حيث لا يتم البحث الاثنوغرافي إلا على المجتمعات المحلية صغيرة الحجم غالباً.

II. علاقة الأنثروبولوجيا بعلم الاجتماع

تكاد تكون العلاقة بين العلمين متداخلة للسبب الأول أن غالبية علماء الأنثروبولوجيا هم كذلك علماء الاجتماع والسبب الثاني هو التداخل في معظم الموضوعات المدروسة مثل الثقافة والنظم الاجتماعية والأسرة والقرابة إلا أن طريقة تناولها مختلفة. فالأنثروبولوجيا تتناول موضوع الثقافة من حيث نشأتها وعكسها لنمط التفكير لذى جيل معين، وهذا يعني تناول الثقافة في سياقها التاريخي عكس علم الاجتماع الذي يتناولها كأداة تكيف الإنسان مع المحيط الاجتماعي ووظيفة لإشباع الحاجات الإنسانية المختلفة.
أما من حيث المنهج التاريخي وطريقة الدراسات الطولية وأدوات الملاحظة والمقابلة والمقارنة كلها طرق منهجية مشتركة بين الحقلين. فمثلا ابن خلدون اعتمد بشكل أساسي على المنهج التاريخي والملاحظة في دراسة وتحليل أنساب العرب، ونشأة العمران البشري واندثاره وقيام الملك وزواله. في حين نجد ايميل دوركايم استخدم الدراسة الطولية والملاحظة في تحليل النظام الاجتماعي والظاهرة الدينية في مجتمع "أرنتا" باستراليا. وسوف يؤدي التداخل في استخدام المناهج وطرق البحث إلى تداخل في البيانات المجمعة والنتائج العملية المتوصل إليها وبالتالي يوجد حالة من الاعتماد المتبادل الوظيفي في المعرفة بين العلمين. كما يبرز التباين بين الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع من خلال فهم ورؤية الظواهر الاجتماعية، ففي نطاق الأنثروبولوجيا يكون التشخيص معتمدا غلى فهم الواقع كما هو حينما يفصح الأفراد فيه عن ذاتهم، استنادا إلى المشاركة والملاحظة والتفاعل والعيش والاختلاط بالأفراد ضمن الجماعة. بينما يدرس الباحث في علم الاجتماع الترابط بين الظواهر والنظم الاجتماعية، فعالم الاجتماع يتدخل في الصلة بين الإنسان والحضارة والنسق الاجتماعي من خلال بعض الافتراضات والقوالب النظرية التي تضع المتغيرات في موقعها الصحيح فلا يترك الواقع يفصح عن ذاته كما يشاء بل يضعه في قوالب نظرية محددة يبدأ بها البحث عادة. 

III. علاقة الأنثروبولوجيا بعلم الآثار

يدرس علم الأثار Archeologie ماضي الإنسان ويبحث في الحضارات القديمة اعتمادا على الحفريات والمخلفات بأنواعها، ويرمي إلى تحديد التغير الحضاري وتتابعه على مر العصور، أما عالم التاريخ يدرس الأوقات المسجلة والحوادث الماضية المؤرخة، حيث يعتمد إلى حد كبير على الوثائق والمخطوطات وغيرها من الوسائل التي تنقل أحداث التاريخ بمنتهى الدقة والتحديد. ينصب اهتمام الأنثروبولوجي حول الآثار ليرسم صورة أشبه ما تكون إلى الأصل المنقرض وإن لم تطابقه. وقد توصل العلماء إلى أساليب دقيقة لحفر طبقات الأرض التي يحتمل وجود بقايا حضارية فيها، كما اهتدوا الى طرائق دقيقة لفحص تلك البقايا وتسجيلها، وتحديد المواقع التي توجد فيها وتصنيفها للتعرف عليها ومقارنتها ببعضها، ويستطيع العلماء بواسطة تلك الطرائق استنتاج الكثير من المعلومات عن الحضارات القديمة وتغيراتها واتصالاتها بغيرها.

IV. الأنثروبولوجيا والفن

تتجسد علاقة الأنثروبولوجيا بالفن من خلال دراستها فنون ورسوم وشعر وأدب وتراث وفلكلور الشعوب المختلفة. فهذه الدراسات توحي لنا مدى تأثير الفرح والمرح والاحتفال على النظم الاجتماعية المختلفة وعلى الثقافة والقيم التي تحملها والاعتقادات الدينية. وتحليل مثل هذه الرموز الفنية يفيد في فهم نمط التفكير لدى أصحاب هذا الفن وبالتالي طبيعة السلوك الاجتماعي...

V. علاقة الأنثروبولوجيا بعلم الأحياء (علم الوراثة)

قام العالم هربرت سبنسر بدراسة حول ظاهرة التطور، بحيث ماثل بين ظاهرة التطور في الكائن الحي والتطور في المجتمعات البشرية ففي نظره نمو جسم الكائن الحي من خلية إلى أن يصبح جسما مكتملا بأعضاء يؤدون وظائف خاصة، يشبه تماما نمو المجتمع الإنساني الذي يبدأ بالأسرة، التي تأخذ في زيادة عددها إلى أن تصبح عشيرة فقبيلة فمجتمع حضري كبير كما أطلق عليه اسم     " الميتروبوليتن".
الجانب الآخر من هذه العلاقة هو دراسة أحجام جمجمة الإنسان والأعضاء الأخرى التي عثر عليها في المقابر والحفريات لمعرفة الشكل الذي كان عليه الإنسان القديم والتطورات التي طرأت عليه، وكذلك الحيوانات التي استألفها وانقرضت والأخرى التي كان يصطادها للغذاء، وتصميم الألبسة والزينة.
تبحث الأنثروبولوجيا الطبيعية في الجوانب البيولوجية للإنسان والعوامل التي أثرت في تكوين السلالات البشرية، وساهمت باختلاف وتوزيع أجناس الإنسان وتعددها بين قوقازي وزنجي ومغولي رغم انتمائها الى فصيلة واحدة هي الإنسان. غير أن الاختلاف لا يكمن إلا في الصفات الخارجية فقط ويبقى التركيب الداخلي والبيولوجي (الكروموزومي) واحدا بين جميع أفراد الجنس البشري. وعلى هذا الأساس فعندما تبحث الأنثروبولوجيا الطبيعية في الاختلافات الكامنة في النوع الواحد تأخذ بعين الاعتبار العوامل البيئية والمحيط الخارجي من جهة والعوامل الداخلية المرتبطة بالوراثة من جهة أخرى.

VI. علاقة الأنثروبولوجيا بعلم اللغة

تعد اللغة إحدى وسائل الاتصال بين الناس، وهي الوسيلة الأساسية التي يعبر بها الفرد عن أحاسيسه وأفكاره وميوله واتجاهاته فهو يختزل بها مساحات واسعة من حالاته النفسية والبيولوجية والاجتماعية. وقد تطورت اللغة من جيل لآخر بفعل حركتين  على الأقل: حركة ذاتية ضمن منظومة اللغة فتفاعلت مفرداتها، وتطورت كلماتها وتبدلت قواعد نحوها وصرفها وحركة تفاعلها مع البيئة المادية والاجتماعية والاقتصادية.
اتجه الإنسان القديم في أول الأمر نحو الرسم للتعبير عن أشياء يرغب في الإشارة اليها فرسم الحيوان كمرحلة أولى، وقلد صوته للدلالة عليه في مرحلة ثانية ثم انتقل إلى الكلمة بسبب تزايد الحاجة الملحة لتفاعل الانسان مع الإنسان بتعبير رمزي لشئ مادي يلبي حاجاته في الاتصال الاجتماعي أولاً، وفي التعامل مع البيئة ثانياً. وانتقل الإنسان من مرحلة الرموز إلى مرحلة الكتابة في نقل التراث الحضاري وتراكم المعرفة العلمية ولهذا ارتبطت اللغة وعلمها أشد الارتباط وأوثقه بالأنثروبولوجيا نظرا للتفاعل الوثيق بين المجتمع واللغة وأسلوب التعبير وأسسه. تشكل مرحلة التعبير اللغوي أعلى مراحل نقل الأفكار والأحاسيس إلى أصحابها لتنقل بعد ذلك عبر الأجيال والمجتمعات.

VII. علاقة الأنثروبولوجيا بالفلسفة

تشترك الفلسفة (محبة الحكمة) مع الأنثروبولوجيا في البحث في نظرة الإنسان إلى الكون والحياة فبينما تنظر الفلسفة بنظرة شمولية وفق المنطق وقواعد العقل، تحاول الأنثروبولوجيا أن تأخذ نماذج وتتعامل مع الأمثلة الحية من المجتمعات لتصل إلى نظريات علمية قائمة على الملاحظة والتجربة. 

VIII. علاقة الأنثروبولوجيا بعلم النفس

يلتقي ع.ن مع ع.أن في دراسة السلوك لكنهما يختلفان في طريقة البحث وسياقه. فالأنثروبولوجيا تدرس السلوك في سياقه التاريخي وكيف أثرت عليه عوامل مختلفة في الماضي وما مدى استمرار مثل هذه التأثيرات في حاضر المجتمعات الإنسانية كتأثير الثقافة والمحيط (البيئة) على تشكيل أنماط السلوك لدى الجماعات البشرية الغابرة. ولكن نجد ع.ن يدرس هذا السلوك في سياقه الحاضر وبالتالي يعتمد على الملاحظة والمسح الاجتماعي والتجريب والمنهج الوصفي في تحليل السلوك الإنساني. كذلك يرى البعض أن ع.ن تقتصر اهتماماته على مشكلات سلوك الفرد في المقام الأول على حين الأنثروبولوجيا تميل إلى وضع تصميمات جماعية على أسس ثقافية.

IX. علاقة الأنثروبولوجيا بعلم الفيزياء والكيمياء

تتجسد العلاقة في الاستعانة بهما في تحليل المواد التي صنعت بها الأدوات الخزفية وأدوات الأكل والإنتاج، والتحف وحتى ظاهرة تحنيط الأجسام القابلة للانحلال في العصور القديمة. وبتحليل مكونات هذه الأدوات يمكن الوصول إلى استخلاصات ونتائج حول العصور التي مرت بها البشرية وطبيعتها وخصائصها ومعالم الانتقال من عصر لآخر كالعصر الحجري والعصر المعدني ...
♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -