المدرسة المغربية والتحولات الاجتماعية
أحمد شحيمط
مقدمة ˸
الرهان على مدرسة النجاح بالمواصفات في ميثاق التربية والتكوين وبالجودة في مناهج التدريس وفي عملية التلقين والتربية على للقيم والمبادئ مسألة تنطوي على اعادة النظر في حالة المنظومة التعليمية. لأجل سلك السير وفق رؤية واقعية. ولأجل التحليل العلمي الشمولي للمدرسة المغربية. في وظائفها وأبعادها التربوية والاجتماعية والنفسية . كمدرسة في قلب المجتمع الذي يعيش مظاهر من التغير الاجتماعي والاقتصادي. ونوع من الانفتاح على العالم. وكل ما تحمله رياح العولمة من أنماط سلوكية وانعكاسها على الثقافة المغربية. وبالطبع لن تكون المدرسة المغربية بمعزل عن محيطها الاجتماعي حيث أصبحت المدرسة بأطرها الادارية والتربوية. وكل الفاعلون والمتدخلون في الشأن التعليمي التربوي على دراية بالوضعية التعليمية الصعبة في المغرب. مما فسح المجال للدراسات والاقتراحات من ضمنها مؤخرا اللقاءات التشاورية وحصيلة النتائج على المستوى الوطني والجهوي. ومن التناقضات الانية سياسة الاصلاح والرغبة في الترميم ومستجدات التعليم التعاقدي. وفي اطار الرصد للمدرسة المغربية نحاول الاستعانة بالمقاربة السوسيولوجية كأداة وإمكانية في معرفة العلاقة الجدلية بين المدرسة والواقع . وبين المدرسة والتحولات الاجتماعية .1- المجتمع والمدرسة
سؤال المدرسة المغربية الى أين ؟ سؤال يعنى بالبحث في مسار المدرسة المغربية كتجربة قائمة من حيث الانجازات والعوائق. لا ينكر جاحد أن هذه المدرسة المغربية ظلت الى وقت طويل منارة في تخريج أطر وكفاءات ساهمت في تنوير الرأي العام وإنتاج النخب السياسية والفكرية. موجة التغيير شملت بنيات المجتمع المغربي والمدرسة بدورها عرفت سلسلة من الاصلاحات والبرامج شملت مناحي عدة منها البيداغوجي والديداكتيكي والتدريس بالأهداف والكفايات. والتوجيهات التربوية والبرامج . ومجموعة من التوصيات والقرارات الموجهة الى خلق التوازن بين المركز والأطراف وبين المجتمع والمدرسة . ناهيك عن الاعتراف العام بالوظائف والأهداف التي يجمع عليها الرأي السياسي والرأي العام في فاعلية الاطر التربوية وجودة ما تقدمه المدرسة من تنوير وتوجيه وتثقيف . اذن أين المشكلة ؟
انها ببساطة متشعبة ومتراكمة. وكل مجال معرفي شخص الازمة التعليمية في ابعاد معينة منها النفسي والاجتماعي والبيداغوجي التعليمي . فالربط بين الازمة والعوامل التاريخية كنتاج للإصلاحات والاملاءات الدولية أو نتيجة للفصل والقطيعة في البرامج الحكومية والسياسات التعليمية من حكومة الى اخرى. في عملية الاجهاز على المكتسبات وتكريس التعليم بالعقدة . الاقرار بوجود اختلال وأزمة في النسق التعليمي مسألة في غاية الوضوح والبداهة. من التقارير الوطنية كتقرير المجلس الاعلى للتعليم والتقارير الدولية واعتراف كل الفاعلين بذلك . وحينما يقال ان المدرسة في قلب المجتمع يعني أن المدرسة صورة مصغرة للمجتمع بتناقضاته ومشاكله . كما تعتبر الحياة المدرسية صورة للحياة الاجتماعية في أماكن وأوقات مناسبة(1). هذه الحياة كنموذج للتكوين والتعلم وفضاء للتلاؤم والانسجام في قدرة المتعلم على الاكتساب وتعبئة المكتسبات والمعارف وتوظيفها في وضعيات مختلفة .
وبالخصوص في الواقع الاجتماعي بناء على سلوكات مدنية يكون فيها المتعلم شعلة للتأثير في المحيط الاجتماعي. وعندما وضع الميثاق المتعلم في قلب العملية التعليمية كان يهدف من جملة الاهداف والغايات ازالة النظرة النمطية عن صورة المتعلم كمتلقي سلبي. وكذات فاعلة وليست منفعلة وفي نفس الوقت وضع مجموعة من المواصفات للمتعلم والمدرس في ترسيخ القيم. ونهج مقاربات تعليمية أساسها الكفايات. فالمدرسة المغربية المستهدفة والمرغوب تحقيقها هي مدرسة مفعمة بالحياة (2). بفضل نهج تربوي منفتح على استيعاب المتعلم للمعرفة والتدرج في التعلم الذاتي والقدرة على الحوار والانخراط في الحياة العملية. ولا شك أن المواصفات المطلوبة في المدرسة المغربية وفق توصيات ميثاق التربية والتكوين والمجلس الاعلى للتعليم هي بالفعل توصيات عامة وإجرائية عملية لما تقدمه من طرائق في بناء منظومة تعليمية تستوعب الجديد في عالم التربية. وفي عالم الحياة الاجتماعية خصوصا والمدرسة صورة مصغرة لكل المشاكل الاجتماعية . ووظائفها غاية في الاهمية لأجل تحصين المجتمع عبر التربية على القيم السليمة وبناء شخصية متوازنة للمتعلم. في الجانب السلوكي الوجداني والجانب المعرفي والاجتماعي . فالمتعلم في حاجة الى نسق من القيم يوجه سلوكه ونشاطه في تعامله مع الاشخاص والمواقف والأشياء . كما أن التنظيم الاجتماعي في حاجة الى هذا النسق القيمي القريب من قيم الافراد. وفي هذا النسق نجد الغايات والأهداف والمثل(3). ومن أجل الوقوف على الخلل والعمل وفق المقاربة التشاركية وإحلال للصبغة العامة على التعليم والأزمة التعليمية. كانت اللقاءات التشاورية بين الفاعلين في الحقل التعليمي مناسبة للتشخيص والإنصات والبحث عن حلول مناسبة.
يشير الإحساس العميق والمشترك بين الخطاب الرسمي والخطاب الشعبي. أن التعليم المغربي وصل الى نقطة يمكن أن تؤدي الى مضاعفات مختلفة. أقل توصيف الازمة المزمنة. فكانت التقارير شاملة من التقرير الوطني الى التقرير المركزي الفئوي والمركزي الموضوعاتي وتقارير الاكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. ومن الاشكالات المطروحة في سياق العلاقة بين المدرسة والمجتمع هناك عدم الرضى عن أداء المنظومة التربوية لدى مجموع المعنيين المباشرين بالمدرسة ولدى مجموع مكونات المجتمع (4). وبالطبع الاشكالية لا تقف عند عدم الرضا بل الى مشكلة الانفصام بين المدرسة والواقع. وفي التحليل لأجزاء المشكلة يبدو انها ترتبط بالتحولات التي يعرفها المجتمع المغربي. والتراكمات وتأثير السياسي في الواقعي والاجتماعي في التعليمي أي أن المدرسة. ورغم ترسانة من الاصلاحات والقوانين الفاعلة إلا أن مجرى التغيير يظل رتيبا وبطيئا. نريد بالفعل ان نقطع مع المساءلة والتشخيص الى مرحلة الانجاز واستثمار تراكمات التجارب السابقة . مما يعني أن مشكلة التعليم لا تحتاج الى مزايدات سياسية أو فئوية ذات طابع أيديولوجي موجهة بالنوايا الضيقة . فالمدرسة المغربية ان كانت بالفعل قاطرة للتنمية والتغيير. فمن دون الشك أن الاوليات تعني أن تكون في قلب الاهتمام وفي قلب المجتمع . وتحديد المغرب المنشود من أجل بناء المشروع التربوي(5). وعند الاشارة الى المدرسة في قلب المجتمع ذلك يعني أن المدرسة ليست معزولة عن الاكراهات والشروط الاجتماعية . وعن التحولات العالمية في منظومة القيم العابرة للقارات وللحدود. قيم العصر وبالتالي من الضروري أن تواكب المدرسة التغيرات. في وعي كل الفاعلين والقائمين على الشأن التعليمي والمجتمع بصفة عامة. حيث أن التنصل من المسؤولية يقزم من مصداقية الاصلاح .علما أن التقرير المركزي الموضوعاتي حدد أربعة مرتكزات منها: المسؤولية وتقييم المؤسسات التعليمية والتنوع والانفتاح .
فالمدرسة المغربية لم تعد محددة في الاطر الادارية والتربوية والمتعلم . المدرسة للجميع أي للتدخل والانخراط الايجابي للفاعلين. لذلك مازالت المدرسة المغربية في حاجة الى نوع من الاستقلالية في القرار وفق ما يتم تحديده من برامج وأهداف في مشروع المؤسسة. والاستقلالية تعني أن المعاينة المباشرة للوضع اليومي للمدرسة تميل الى فكرة أن في المدرسة المغربية وضعيات متباينة للتدخل ومعالجة المشاكل الداخلية عبر المجالس. والحد من العنف .ووضع قانون مناسب ووضعية المؤسسة. من هنا نقول أن الخطاب التربوي رنان. والممارسة تنطوي على مفارقات جمة. تنطلق من وضعية المدرسة والواقع . ومن عمل المدرس وتطبيق المستجدات في عالم البيداغوجيا والديداكتيك والكفايات. واقع الاكتظاظ وغياب مجموعة من الشروط الموضوعية في عمل المدرس. وبين التكوين والتمرس في التعليم. وبين واقع الادماج والحلول السريعة في سد الخصاص. والعمل بالعقدة . هذه الاشكالات واقعية .وجعل المدرسة في قلب المجتمع يعني أن تؤثر المدرسة في الواقع الاجتماعي وأن تستوعب التحولات الجديدة. فهل تعتبر العوامل الخارجية من الاسباب وراء تراجع المدرسة المغربية ؟ وهل المدرسة المغربية نتاج للتفاعل بين الفرد والمجتمع أم نتاج للقرارات والإصلاحات الارتجالية ؟
2 - المدرسة المغربية والتحولات العالمية
العالم في تغير مستمر والثقافة بقدر ما تنطوي على الثابت تتأسس على المتغير حينما تتجاذب الثقافة المحلية والعالمية. فالإنسان ليس وحيدا في العالم أو في عزلة مطلقة بل الانسان في قلب العالم والمجتمع . وإذا كان العالم الان قرية كونية في ظل عصر الرقميات والصورة .وفي واقع الاعلام المتدفق بالصور العابرة عبر القارات. فان الصورة أبلغ دلالة في التعبير والمخاطبة . وترويض العقول في بناء أنماط ثقافية استهلاكية جديدة. المؤشرات الدالة على تأثيرات الصورة وتراجع المعرفة متعددة من نسبة القراءة والتحصيل العلمي الجيد الى ضعف المردودية المطلوبة من التعليم والتعلم .
السؤال الذي يمكن طرحه : هل للتحولات العالمية سببا في تراجع وظائف المدرسة المغربية ؟بالطبع لا نريد جوابا محددا ونهائيا مادامت القضية تنطوي على اشكالات مطروحة لكن الحلول ليست نادرة ومنعدمة .لان البرامج الاستعجالية واللقاءات التشاورية كانت في غاية الصراحة والتشخيص للازمة المرافقة بالاقتراحات التصحيحية .الجدة في مضمونها هو الاعتراف بوجود اختلال وربطه بعوامل مختلفة . وإذا كان دستور 2011 في الفصل 31 واضحا وصريحا في الرهان على مدرسة عصرية بمواصفات حداثية مواكبة للعصر من خلال الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة . فالتعليم الجيد يقتضي مدرسة منفتحة وديمقراطية . تستوعب طرقا وممارسة جديدتين في التدريس وتنبني على نهج سليم يؤثر في العقليات. وفي بنية المجتمع الذي يعرف تحولات اجتماعية شملت الاسرة والعمل. والتحول من القيم البدوية الى القيم المدنية. ونموا ديمغرافيا سريعا . وتزايد عدد المتمدرسين في الاقبال على التعليم من خلال محاربة كل أشكال الانقطاع والهدر المدرسي . والتحول القيمي نتيجة طبيعية أملتها مجموعة من الظروف والاكراهات الاقتصادية والاجتماعية .وما يرافقها من أفعال جديدة يُطلب من المدرسة المغربية استيعابها وتصحيحها. وإعادة تكييفها في سياق مجتمعي يهدف الى التغيير والملائمة .
فالتحولات الاجتماعية واقعية وأسبابها موجودة في المحلي والعالمي. ومتغلغلة في الفكر اليومي. وفي الصورة العابرة من أجهزة تقنية تمارس تأثيرها. وفي الاسرة المغربية. وفي بنية المدينة والقرية والتحولات الصناعية والثقافية التي يشهدها المغرب. وما يرافق ذلك من تغير في السلوك والأفعال. ناهيك عن عملية الانتقال الديمقراطي والإصلاح المؤسساتي للنظم المختلفة. منها مدونة الاسرة والمساحة الواسعة للمجتمع المدني والحراك الاجتماعي. ورفع مجموعة من الشعارات والتحديات في الميدان الاقتصادي والسياسي والسياحي والتعليمي. هناك أوراش كبرى ورهانات جمة من الضروري أن تكون في انسجام والمنتظرات. هنا تكمن المشكلة في هذه الحالة باعتبار أن المجتمع المغربي لازال جنينيا في الوعي السياسي والاجتماعي وفي قدرته على التقاط المضامين والمرتكزات والعمل على انجازها. ويمكن أن تتلاشى الافكار والتصورات بمجرد انزالها في الواقع. في حالة الفتور وقلة الاستيعاب وحدود التجربة . والأجدر أن تكون الاصلاحات متناسبة والتربية هادفة. أي تربية الاجيال على الثقافة السياسية والحقوقية. والوعي بالمجتمع والرهانات المنشودة. تربية منفتحة على المحلي والكوني . وعلى مستجدات العولمة والأنماط السلوكية الدخيلة على الثقافة التي تمارس فعلها عبر أشكال من التقنية الحاملة للقيم والصور والرموز. عالم ذو سلطة في استيلاب وقصف العقول وتحويلها من عالم واقعي الى عالم افتراضي. ومن تماسك الاسرة الى تفككها. ومن وحدة الهوية والثقافة الى خلخلة الهويات والثقافات. ومن نتائج صراع الاجيال على أشده وصراع بين القيم الكلاسيكية والقيم المعاصرة وطغيان المادي على الروحي. فالمشكلة كما اشار اليها الراحل محمد عابد الجابري في كتبه ومنها "نحن والتراث"(6). أننا في حاجة الى تأصيل التراث. وبناء منظومة موازية من القيم الحداثية .وقراءة المفيد من ثقافتنا في البناء النفسي والاجتماعي والفكري للمتعلم المغربي .ولعل من أهداف المدرسة المغربية التربية على القيم الاصيلة والقيم الانسانية المواكبة للعصر. كما تشير الملاحظات المباشرة الى التغيرات الاجتماعية التي همت المجتمع المغربي في سياق الانتقال الديمقراطي . وصيانة الحريات والرهان الاكيد في بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات. لان البناء يقوم على التربية والتعليم وترسيخ ثقافة انسانية مواكبة للعالم وموازية للقيم الاصيلة.
يبدو ان التحولات تستدعي نوع من التطبيع للقيم الجديدة .علما أننا محاطون اليوم بكم هائل من الصور العابرة . وعالم النفس البشرية عالما تستغله صناعة الصورة الى حد كبير(7). فالصورة في عالم متحرك ومتغير . تحمل مجموعة من القيم والرموز. وتقوم الصورة بالوساطة عن الكلمات والأفكار. كما تمثل شبكة التواصل الاعلامي والإعلام المرئي عوامل في التغير الاجتماعي والفكري. اضافة الى تأثير التلفزيون الذي سيحل محل الكلمات. فيكون العامل الاساسي في التخاطب الاجتماعي(8). كل فخاخ العولمة في محاسنها ومساوئها . والوجود في العالم يملي على الشعوب الفهم وحسن التعامل معها. وتكييف الثقافة الجديدة لمواكبة العصر. فالمدرسة المغربية مطالبة بالانفتاح على المجتمع ومطالبة في استيعاب المتعلم ومطلوب منها أن تواكب الاصلاح والغايات الكبرى . فالسؤال الذي يطرح يتعلق بمدى قدرة المدرسة المغربية في الاستجابة للشروط العامة التربوية والاجتماعية في معالجة التناقضات ومواكبة التغير ؟
هوامش :
(1) دليل الحياة المدرسية . غشت 2008 ص 17(2) ميثاق التربية والتكوين ص 08
(3)محمد صدوقي "المفيد في التربية " ص 73
(4) اللقاءات التشاورية – التقرير المركزي الموضوعاتي - 2014 الاشكالات المطروحة ص 09
(5) التقرير المركزي الموضوعاتي . 2014 ص 17 - الاقتراحات والحلول المطلوبة اذا رغبنا في تعليم بالمواصفات المطلوبة وأن نرفع بالفعل شعار المدرسة في قلب المجتمع .
(6) محمد عابد الجابري في كتاب " نحن والتراث " وفي كتب أخرى متعددة عن السياسة والتعليم والفلسفة وحقوق الانسان . وما فتئ الرجل يقدم صورة مشرقة عن الثقافة العربية وإمكانية التأسيس للمشروع الحضاري.
(7) شاكر عبد الحميد " عصر الصورة " سلسلة عالم المعرفة العدد 311ص35
(8) نفس السلسلة . ص 11
♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا


مرحبا بك في بوابة علم الاجتماع
يسعدنا تلقي تعليقاتكم وسعداء بتواجدكم معنا على البوابة