تعريف القبيلة
يقول جاك بيرك: القبيلة لا تنمو فقط بالاندماج بل بالتجميع
رغم اتساع استخدام مفهوم القبيلة إلا أنه لا يحظى بالإتفاق على دلالة والمعنى نفسيهما، وذلك راجع إلى إختلاف إتجاهات المفكرين والباحثين الذين قامو بتعريف هذا المفهوم على حسب اتجاهاتهم ونظرياتهم الخاصة.
بما أن للعرب تراثا قبليا غنيا، فقد أفرد اللغويون والباحثون لمصطلح (القبيلة) مؤلفات وأبواب. يقول ابن منظور في "لسان العرب" ابن كلبي يرى أن الشعب أكبر من القبيلة ثم القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ، واشتق الزجاج القبائل من قبائل الشجرة أي أغصانها ويقال قبائل من الطير اي أصناف وكل صنف منها قبيلة ...والقبيلة هي الجماعة من الناس يكونون من نحو واحد وربما كان القبيل من أب واحد كالقبيلة وهكذا فالتعريف يقوم عى التصنيف وفكرة التجمع والتدرج كما أن هذا التجمع يقوم على النسب المشترك للمجموعة. ويقوم التعريف عادة على إعتقاد المجموعات القبلية في إنتمائها إلى جد أعلى مشترك، يميزها من مجموعات أخرى مماثلة ويفصلها عنها.
إن ما تقدم ذكره من تعريف لمفهوم القبيلة ليس إلا تعريف عاميا؛ اما على مستوى التعريف السوسيولوجي فنجد أن مفهوم القبيلة في علم الاجتماع [هي نسق في التنظيم الاجتماعي يتضمن عدة جماعات محلية مثل القرى والعشائر، وتقطن القبيلة عادة اقليما معينا ويكتنفها شعور قوي بالتضامن والوحدة يستند الى مجموعة من العواطف الأولية ]
ترتيب علماء الأنساب لقبائل العرب، بنيات القبيلة وركائزها. تعريف القبيلة عند مورغان ... كل هذا سوف نتعرف عليه من خلال هذا المحتوى الذي نتمنى ان يكون في المستوى. نتمنى لكم قراءة ممتعة ونشكركم على زيارتكم للبوابةبما أن للعرب تراثا قبليا غنيا، فقد أفرد اللغويون والباحثون لمصطلح (القبيلة) مؤلفات وأبواب. يقول ابن منظور في "لسان العرب" ابن كلبي يرى أن الشعب أكبر من القبيلة ثم القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ، واشتق الزجاج القبائل من قبائل الشجرة أي أغصانها ويقال قبائل من الطير اي أصناف وكل صنف منها قبيلة ...والقبيلة هي الجماعة من الناس يكونون من نحو واحد وربما كان القبيل من أب واحد كالقبيلة وهكذا فالتعريف يقوم عى التصنيف وفكرة التجمع والتدرج كما أن هذا التجمع يقوم على النسب المشترك للمجموعة. ويقوم التعريف عادة على إعتقاد المجموعات القبلية في إنتمائها إلى جد أعلى مشترك، يميزها من مجموعات أخرى مماثلة ويفصلها عنها.
إن ما تقدم ذكره من تعريف لمفهوم القبيلة ليس إلا تعريف عاميا؛ اما على مستوى التعريف السوسيولوجي فنجد أن مفهوم القبيلة في علم الاجتماع [هي نسق في التنظيم الاجتماعي يتضمن عدة جماعات محلية مثل القرى والعشائر، وتقطن القبيلة عادة اقليما معينا ويكتنفها شعور قوي بالتضامن والوحدة يستند الى مجموعة من العواطف الأولية ]
ما معنى القبيلــة
القبيلة هي أكبر وحدة قرابية في المجتمع العربي، تقوم على انتساب عدد من العشائر إلى سلف واحد مشترك هو الجد الأعلى، وغالبا ما يكون افتراضيا وتنسب حوله الأساطير، وهذا الاعتراف بالانتماء إلى سلف واحد يجعل العشائر تحافظ على ولاء أسمى للقبيلة حتى ولو أنها تتمتع بالاستقلال نسبي في أمورها الحياتية وقراراتها.
كما توفر القبيلة إطارا لهوية مشتركة ترتب حقوقا والتزامات على الأفراد المشتركين فيها رغم أن جاك بيرك ينتقد هذا التعريف بقوله: "أن القبيلة لا تنمو فقط عن طريق الاندماج (أي علاقات النسب) بل كذلك عن طريق التجميع الذي يقع بسبب تنقلات الغزاة أو تيهان الهاربين، حركات التوسع والانكماش التي يعرفها الاقتصاد الرعوي وتكاثر واختلاط المجموعات".
ويعطي الأستاذ فيليب خوري وصفا دقيقا لبنيات القبيلة وركائزها عندما يصفها بأنها "نظام وهي الأصل في المجتمع البدوي، فكل خيمة تمثل أسرة والمعسكر المكون من عدة خيام يسمى حيا، وأعضاء الحي الواحد يسمون قوما، ومجموعة الأقوام القريبة النسب يكونون قبيلة، يخضعون لرئيس واحد هو أسن أعضاء القوم، يتداعون إلى الحرب بصوت واحد، ويضيفون كلمة بني إلى الاسم الذي يجمعهم، ويتكلمون لغة واحدة وينتمون إلى أصل مشترك، كما يشتركون في ملكية منطقة من لأرض"([1]).
ورغم أن هذا التعريف يسقط على القبائل المترحلة التي لا تملك أرضا إلا أنه من خلال عناصر التعريف نستخلص أن القبيلة هي: مجتمع حقيقي واقعي يملك ويستغل أرضا أو قطعة من الطبيعة، يدعي ملكيتها بالغزو أو الوراثة، وأن القبيلة مستعدة للدفاع عن أرضها ولو بالقوة، وهذا ما يميزها عن مصطلح متشابه لها وهو الإثنية ETHNIE التي هي جماعة اجتماعية تشترك في اللغة والعادات والأصل، ويعيش أعضاؤها في مجتمعات متفرقة عكس القبيلة التي هي مجتمع حقيقي يشترك أفرادها في السيطرة على غطاء مكاني ويشتركون في استغلال خيراته "فالإثنية اقتسام مشتر للحقائق الثقافية دون امتلاك الأرض حيث تعطي الاثنية لأعضائها هوية ثقافية ولا تعطيهم أرضا ولا خبزا ولا امرأة والتي فقط القبيلة تمدك بها"([2]) إستندت التعاريف السابقة إلى كبار اللغويين العرب كالجوهري في صحاحه الذي عرف القبيل بأنه "الكفيل والعريف" أما ابن منظور في لسان العرب فيصف القبيلة بقوله: "قبائل الرأس هي أطباقه وهي أربع قطع مشعوب بعضها إلى بعض...وبها سميت قبائل العرب والواحدة قبيلة وهي بنو أب واحد، وقبائل الرجل أحنّاؤه المشعوب بعضها إلى بعض وقبائل الشجرة أغصانها... والقبيلة صخرة تكون على رأس البئر، والقبيلة من ولد إسماعيل بمعنى الجماعة... والقبيل الجماعة من الناس يكونون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتى كالزنوج والروم والعرب وقد يكونون من نحو واحد".
لحد الآن نريد أن نتعرف على القبيلة[3] كبنية اجتماعية لا كنظام اجتماعي الذي سنراه لاحقا ودائما في نفس السياق رتب علماء الأنساب قبائل العرب ترتيبا تنازليا حيث قسم النويري في مؤلفه "نهاية الأرب في فنون الأدب" أنساب العرب إلى ستة طبقات هي:
1- الشعـب: وسمي كذلك لأن القبائل تتشعب منه وهو النسب الأبعد ومثاله عند العرب عدنان وقحطان وهما أصل العرب حيث قحطان أصل عرب جنوب الجزيرة وعدنان أصل عرب الشمال.
2- القبيلــة: سميت كذلك لتقابل الأنساب فيها بعضها ببعض واستوائها في العدد ومثالها ربيعة ومضر ويدل المصطلح أيضا على اتحاد أو كنفدرالية قبلية.
3- العمــارة: هي ما انقسم فيه أنساب القبيلة كقريش وكنانة.
4- البطــن:
هو ما انقسم فيه أقسام العمارة كبني عبد مناف وبني مخزوم وبني أمية، ترجم البعض البطن بالنصف La moitie فعند لوي([4]) هي أنصاف قبائل، فحينما ينقسم المجتمع إلى جماعتين يكون كل شخص عضوا بالضرورة في إحداهما وينتج عن هذه القسمة تمايز الجماعتين، وقد ترجمها الآخرون بـ Lignage السلالة الذي أعطوه في نفس الوقت للبدنة أو Clan، كما يعني البطن عند جماعات عربية وعبرية أخرى الرحم UTERUS لذلك يرى سميث روبرتسون([5]) أن هذه الجماعات ذات نسب أمومي يسبق النسب الأبوي.
5- الفخــذ: phratry :
هو ما انقسم فيه البطن كبني هاشم، أو هو اتحاد عشائر تربط بينهما روابط القرابة حسب ميردوك أو مصالح مشتركة حسب لوي، رابطة القرابة في الفخذ تمتد إلى 4 أو 5 أجيال تربط أولاد العم بنسب أبوي إلى حد مشترك: يختلف هذا المصطلح حسب المناطق، ففي العراق مثلا يطلق عليه بديدة جمع بدايد أو فندة جمع فِند حسبما ذكره المؤرّخ العراقي عباس العزاوي([6]).
6-الفصيلـة:
هي ما انقسم فيه أقسام الفخذ كبني العباس وبني طالب، إذا جمعنا البنيات السابقة نصل إلى أن "الشعب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر والعمارة تجمع البطون والبطن يجمع الأفخاذ والفخذ يجمع الفصائل والفصيل يجمع الرهطّ"([7]).
وأضاف آخرون إلى هذا الترتيب:
البدنـة أو الحمولة: هي اتحاد عدة أسر تربط بينهما رابطة الدم، عادة ما يكون نسبا أحاديا مباشرا، غالبا ما يتوزع أفراد الحمولة الواحدة على عدد من الأحياء والمدن، ومع ذلك يحافظون على روابط اجتماعية وسياسية واقتصادية رغم التغير في مضمونها وعمقها، ورغم قوة هذه الرابطة إلا أنها تنطوي على مقومات انقسامها: ويحدث ذلك أثناء تنافس فرعين أو أكثر من فروعها ينتهيان في نسبهما إلى شقيقين ينحدران مباشرة من الجد الأكبر. وبمرور الوقت وتعاقب الأجيال قد ينسى أعضاؤها الخط القرابي الذي يربطهم بمؤسسها فتستبدل الفروع الجديدة في بعض المجتمعات الجدة الكبرى التي نسوها بجدة مفترضة([8]) لغة الحمولة تثير إلى التعاون المتبادل بين نفس أعضاء هذه الجماعة فهي من فعل حمل فهم يحملون بعضهم البعض في السراء والضراء.
يشكل عدد أفراد الحمولة وقوتهم عاملا في النفوذ السياسي والمادي لها، ولا نقصد كبر الحجم بالعدد فإذا كانت هناك حمولة كبيرة لكنها فقيرة ولم تنسج علاقات مع حمولات أكبر منها على المستوى المحلي، الجهوي، الوطني فانها لا تستطيع تأمين هيبتها والحفاظ على قوتها الاجتماعية داخل القرية أو في الأوساط الحضرية، فشبكة التحالفات والولاءات تحفظ كيان ومصالح الحمولة، يبقى أن نشير أخيرا إلى طابع الحمولة الذكوري الرجولي([9]) بمعنى أن المرأة عندما تتزوج رجلا تنتقل إلى بيت أبيه أو داره الموجودة في الحي التابع لحمولته.
العشيـرة: تتجاوز الحمولة من حيث الحجم فتضم عددا كبيرا من الأسر النووية والممتدة والحمايل التي تنتهي إلى سلف واحد، تقوم عادة على النسب الأحادي Unilatéral والإقامة الموحدة واللغة المشتركة وهذا الاعتقاد جعلهم يعقدون التزامات متبادلة وعلاقات عاطفية وثيقة بين أعضائها بحيث تصبح العشيرة شخصا معنويا وحيدا([10])، فلا يستطيع الفرد تمييز نفسه وأرضه عنها والتي يضعها تحت تصرف العشيرة وهي في نفس الوقت مسؤولة عنه وهذا التضامن والتماسك أعطى لها الاستمرار والاستقرار.
إذا كانت العشيرة مجموعة قرابية يسودها عادة نظام الزواج الداخلي إلا أن هناك مجموعات عشائرية تقوم على نظام الزواج الخارجي Exogamie بحيث لا يتزوج الرجل من نساء عشيرته لاعتقاده أنهن أخواته، وهذا ما جعل علاقة الزواج تربط العشيرة بعلاقات خارجية مع البدنات والعشائر الأخرى فتوسعت شبكتها وانقسمت بدورها إلى فروع.
إن العشيرة كشخص معنوي تقوم بعدة وظائف كالتضامن الاجتماعي حيث يسارع أفراد العشيرة إلى مساعدة العضو الذي يحتاج للعون، وهذا الأمر يجعل أعضاؤها يشعرون بالأمن والاستقرار لأن هناك ظهرا يسندهم ومعالم يلجأ لها الفرد للاحتماء من الضياع. ومن بعض مظاهر هذا التضامن اجتماعهم لجمع مهور العروس أو تجهيز جنازة، نظام الثأر أو المسؤولية الجماعية، تنظيم الزواج، تنظيم النشاط الاقتصادي للعشيرة فوق الأرض التي تملكها، المشاركة في النشاط السياسي عبر مجلس القبيلة([11]).
فهي ليست فقط خطابا إيديولوجيا أساسه التضامن والتمايز فقط بل هي نمط تنظيم، ورغم أن علماء الأنساب يتفقون في معظمهم على هذا الترتيب الهرمي للبنيات الاجتماعية في الوطن العربي، إلا أن حركة هجرة القبائل سواء أكانت طوعا أم كرها، إضافة إلى التغيرات التي طرأت على بنى القرابة جعلت هذا الترتيب غير مستقر، فقد ذابت بطون وأفخاذ وقلما استخدمت مصطلحات العمارة والفصيلة وصارت العشيرة هي المصطلح الشائع الذي قد يغطي معنى القبيلة في أحيان كثيرة، وهنا ما أكده بيرك عندما قال أن القبيلة لا تنمو فقط بالاندماج بل بالتجميع كما رأينا سلفا.
وعلى العموم فإن انتماء هذه المجموعات إلى نسب مشترك حقيقيا كان أم متخيلا يميزها عن المجموعات الأخرى، إضافة إلى دوافع أخرى ذات مضامين اقتصادية وسياسية حول علاقاتها إلى علاقات تنافس وصراع في أحيان كثيرة يحكمها مفعول القبيلة المتجسد في مقولة: "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب"([12]).
هذا التصور لعلاقات القبائل فيما بينها القائم على حب السيطرة على مصادر الثروة والبحث عن ظروف أحسن للحياة جعل القبائل عبارة عن جيوش على أهبة الاستعداد للقتال في غياب الوازع الذي هو جهاز الحكومة الذي يضبط النزاعات وينظم توزيع الثروة، فهي جهاز توازن بين حاجة الناس للاجتماع ورغباتهم العدوانية لذلك يربط الأنثروبولوجيون البريطانيون مفهوم القبيلة بالمجتمعات السابقة على ظهور الدولة أو الفاقدة لها حسب المقاربة الوظيفية التي اعتبرتها مجتمعات بربرية.
تعريف القبيلة عند مورغان:
على هذا الأساس يعرف (مورغان1877م) القبيلة بأنها تنظيم سياسي لمجتمعات موجودة في حقبة معينة من تطور البشرية –بربرية- بل ذهب إلى أن تدبير الحياة المجتمعية لم يكن دائما من فعل الدولة، أما (أ.شابيرا 1956-وغلوكمان 1965م) فيريان بأن القبيلة هي التصرفات الجماعية السائدة في تلك المجتمعات المتناقضة مع قيام الدولة الحديثة أو بين مجتمعات حافظت على النظام الاجتماعي دون وجود سلطة مركزية([13]).نعود للنسب الأعلى الذي يحدد انتماء الأفراد للقبيلة حيث يجعلهم متساوين في الولاء والحقوق والواجبات حيث يذوب الأفراد داخل القبيلة إذا واجهها خطر خارجي، لكن هذه المساواة لا تمنع من وجود تراتبية داخل المجتمع القبلي ترتبط بالنسب، فالذين لهم علاقات نسب مباشر مع الأجداد المؤسسين يعتبرون نواة القبيلة أو صميمها لارتباطهم بقرابة دموية بهم، أما من تربطهم بالقبيلة علاقات نسب ناتجة عن الزواج أو الحلف أو غيره فهم الحواشي حسب تعبير بونتي([14]). لذلك يتقدم دائما في هرم القبيلة صرحاء النسب وهم أشرافها وارستقراطيتها يليهم الموالي والمصطنعين اللصقاء([15]) الذين التحقوا بالقبيلة طلبا للحماية بالجوار أو الحلف سواء من العدو أو ضده ويأتي في أسفل الترتيب العبيد والمسترقين وهم أسرى الحروب والثورات بين القبائل أو بين القبيلة والسلطة المركزية.
يتميز المجتمع القبلي بانغلاق وحداته على نفسها فلا توجد اتصالات منظمة بالأجانب ولا هجرات إلا في الظروف المناخية الصعبة، كما أن انعزال أفراد القبيلة في البوادي والصحراء جعلهم هم أنفسهم بدون تغيير مما ولد لديهم شعورا لا سبيل إلى زعزعته بأن الأرض التي تكسب منها القبيلة عيشها هي أرضها مادامت تقيم فيها وكل محاولة من جانب أي غريب تعتبر عدوانا صريحا يجب دفعه، واعتبرت بالتالي ملكية المراعي والآبار والواحات ملكا جماعيا وسمح للأفراد بتملك الحيوانات والمقتنيات الخاصة.
لكن هذه الملكية الجماعية للأرض بالنسبة للقبيلة قد لا تنفعها في أحيان كثيرة حينما تكون الأرض جدباء، وتقل ظروف الحياة المناسبة للبشر والبهائم مما يضطرها للتنقل لأماكن أخرى تابعة بنفس المنطق لقبائل أخرى أو للدولة المركزية وهنا يتحتم على القبيلة إما الصدام وإما اللجوء لوسائل سلمية أخرى حفاظا على كيانها.لذلك، تظل القبيلة في بحث مستمر عن تحالفات تشبه حاليا معاهدات الصداقة وحسن الجوار والتعايش([16])السلمي تبرم مع القبائل المنافسة التي هي بدورها أرزاقها في رماحها كما تبرم مع الدولة المركزية التي تتعامل معها من خلال التجنيد أو الجباية، وهذه القدرة على تأسيس هذه التحالفات تضمن للقبيلة الأمن والاستقرار وتتحدد من خلال هوية القبيلة التي تبدأ بعد ذلك في توسيع حجمها ونفوذها.
ونجد في التاريخ الإسلامي مثالا على ذلك فقد ألجأ شظف العيش قبائل بني هلال وبني سليم إلى تأمين العيش بوسائل أخرى كقطع الطريق على الحجاج فدخلوا في صراع مع الدولة العباسية ثم بعد ذلك تحالفوا مع القرامطة خصومها مما قوى نفوذهم وجعل الخليفة الفاطمي المستنصر يلقي بهم في شمال أفريقيا حيث يعتبر ذلك بعض المؤرخين بالدخول الثاني للعرب لشمال أفريقيا([17]).
إن هذه الظروف الطبيعية القاسية جعلت البدوي مشغول طول وقته بتحصيل عيشه إضافة إلى نمط الإنتاج الفلاحي الفردي الأسري البسيط السائد آنذاك في مجتمعات المغرب العربي أيام ابن خلدون والذي لم يكن نظاما إقطاعيا، كما عرفته أوربا في القرون الوسطى إلى جانب انعدام الملكية الفردية الواسعة جعل التضامن العصبي داخل القبيلة لا يقوم فقط على النسب حقيقيا كان أم وهميا بل أعطى له أيضا صفة اقتصادية، الكفاح لأجل البقاء، من أجل لٌقمة العيش أو المصلحة المشتركة الدائمة للجماعة التي تجعل الفرد يتواصل مع قبيلته ولا يتواصل مع غيرها الذي يعتبره غريبا يجب الحذر منه كمالا يسمح هذا التضامن بقيام فوارق ويعتبر أي ضرر يصيب الشخص ضررا على العصبية كلها.
كما تعتبر كل منفعة ينالها أو مجد وجاه أو سلطة ملكا لها حق التصرف والانتفاع منه لذلك تتحدد هوية الأفراد لا بأشخاصهم، فليس من أنت؟ بل ابن من أنت؟ وإلى أي قوم تنتمي؟ فهي نمط من العلاقات الاجتماعية التي تنشأ لتعطي الإنسان قدرة على مواجهة ظروف طبيعية وسياسية واجتماعية بالغة الصعوبة، فالقبيلة "ليست كمنطق فحسب بل هي وجدان"([18])، وهذا الإطار للانتماء والهوية "يظل وعيا جماعيا متيقظا في مواجهة خطر خارجي ويصبح لا شعورا يمارس تأثيره على الفرد في حياته اليومية ومواقفه"([19]).
يٌعتبر هذا الشعور القبلي من أهم مشكلات البداوة، فقد باعد منذ القديم بين العرب وبين شعورهم بالأممية، أي اعتبارهم أمة واحدة فقد لاحظ الأستاذ أحمد أمين([20]) أن العرب لما انتصروا على الفرس في موقعة ذي قار لم يتغنوا كعادتهم في الفخر بنصرة العروبة عامة بل تغنوا بنصرة القبائل التي اشتركت في الحرب ومن هنا كان الفخر القبلي دليلا على فقدان الشعور بأن العرب أمة رغم أن الإسلام حارب هذه الحميّة القومية وسماها عصبية جاهلية وجعل الأخوة في العقيدة تسمو على كل العلاقات والانتماء الوحيد الذي يحق للمسلم الافتخار به هو الانتماء لأمة الإسلام العالمية.
إن هذا العائق أمام الاندماج لا يخص فقط الجماعات بل حتى الأفراد، فرغم سياسات التحديث التي قامت بها الحكومات، إلا أن هذا الشعور مازال حيا نتيجة الاستجابة البطيئة لتغيرات الحضارة التي تطبع البدوي في كل ما يطرأ من جديد على حياته وحرصه وحنينه الدائم إلى الماضي وإلى ما تركه الأسلاف وتخوفه من المجهول الذي جعله يحرص على عدم المغامرة بما يعرفه مقابل مالا يعرفه.
كما يٌعتبر هذا الشعور أيضا عٌقبة أمام تأسيس المجتمعات العربية لدولة مركزية قوية وعصرية تقوم على العلم والعقلانية وعلى المؤسسات لا على الأهواء والأشخاص، دولة توحدهم لتوفر أسباب ذلك من التاريخ المشترك وتشابه العادات والقيم ووحدة الدين واللغة، وتبقى القبيلة أو الشعور القبلي عقبة تحتاج لعمل كبير لتذليلها وأهم عمل هو إقامة نظام اجتماعي على أسس مختلفة عن تلك التي تكرسها القبيلة.
المراجع
[1]- د. الفوال صلاح مصطفى,علم الاجتماع البدوي، سلسلة كتب علم الاجتماع والتنمية، الكتاب الأول، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 1974م، ص 207.
[2]- Maurice godelier/A propos des concepts de tribu, ethnie et état (formes et fonctions du pouvoir politique) in: Hosam Dawod et autres ouvrage collectif: Tribu et pouvoirs en terre d'islam Arm and colin, Paris 2004, p 292.
[3] - محمد الطيبي العرب, الأصول والهوية ، دار الغرب للنشر والتوزيع 2002 ص 223
[4]- د. محمد عبده محجوب, طرق البحث الأنثروبولوجي النسق القرابي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1985م، ص 193.
[5]- Hosham Dawod/ Tribus et pouvoirs en IRAK in: Tribus et pouvoirs en terre d'islam ouvrage collectif, Armand colin, Paris 2004, p 240,241,243.
[6]- Hosham Dawod/ Tribus et pouvoirs en IRAK in: Tribus et pouvoirs en terre d'islam ouvrage collectif, Armand colin, Paris 2004, p 240,241,243.
[7]- د. سالم لبيض, من أجل مقاربة سوسيولوجية لظاهرة القبيلة في المغرب العربي، مجلة المستقبل العربي، عدد26، نوفمبر 2000، ص 48-49.
[8]- د. محمد عبده محجوب, مرجع سابق، ص 101.
[9]- Hosham Dawod/ Tribu s et pouvoirs en IRAK in: Tribus et pouvoirs en terre d'islam ouvrage collectif, Armand colin, Paris 2004, p 240,241,243.
[10]- فيليب لابورت تولرجان، بيار فارنييه, أثتولوجيا أنثروبولوجيا، ترجمة: مصباح الصمد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2004، ص 93.
[11]- د. عاطف وصفي, الأنثروبولوجيا الاجتماعية، دار النهضة العربية، بيروت، 1981م، ط3، ص 113.
[12]- د. محمد عابد الجابري, العقل السياسي العربي "محدداته وتجلياته"، مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت، ط1، 1990م، ص 79.
[13]- معجم الإثنولوجيا والأنثروبولوجيا/ مرجع سبقذكره، ص 718.
[14]- Bonté Pierre/ la tribu ,op cit,
[15]- المنجي حامد, توظيف مفهوم العصبية في دراسة المجتمع العربي المعاصر، ط1 جوان 2004، مطبعة برفكت برنت، صفاقس، ص 56.
[16]- المنجي حامد, مرجع سابق، ص 57.
[17]- د. علي أومليل, الخطاب التاريخي، دراسة لمنهجية ابن خلدون، معهد الإنماء العربي، دار النشر التقنية لشمال أفريقيا، طرابلس، ليبيا، 1980م، ص 80.
[18]- د. محمد عابد الجابري , العقل السياسي العربي، مرجع سابق، ص 85.
[19]- د. محمد عابد الجابري , فكر ابن خلدون، العصبية والدولة "معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي"، مركز دراسات الوحدة العربية، ص 168.
[20]- د. صلاح مصطفى الفوال مرجع سابق، ص 97.
♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
مرحبا بك في بوابة علم الاجتماع
يسعدنا تلقي تعليقاتكم وسعداء بتواجدكم معنا على البوابة