أخر الاخبار

روتيني اليومي : حين تنتصر التفاهة

روتيني اليومي : حين تنتصر التفاهة

روتيني اليومي : حين تنتصر التفاهة   


 الانحراف يغزو فضاءات التواصل الاجتماعي و شبكاته ,  اجد ان عبارة الشبكة كانت تعبيرا لائقا و مناسبا لطبيعة التحولات القائمة داخل فضاءات و شبكات التواصل , ان اخذنا بالبعد الاستعاري لكلمة شبكة العنكبوت , باعتبارها شبكة للموت .
ان الملاحظة الاساسية  تلك المتعلقة بالتحولات القيمية و هيمنة التفكك القيمي و الاخلاقي , و لعل الموجة الاخيرة لما سمي بروتيني اليومي , دليل على حجم التحولات القائمة .
روتيني اليومي عبارة عن حالة من الانهيار الاخلاقي و تكسير الحزام القيمي الجامع للحياء ,  و المانع لكل خدش او قلة ادب  هو ما يؤشر على ميلاد مرحلة ما بعد الاخلاق .
المفكر الكندي  آلان دونو صاحب كتاب نظام التفاهة يعلن ان  أن التافهين قد حسموا المعركة، من دون اجتياح الباستيل -إشارة إلى الثورة الفرنسية- ، ولا حريق الرايخشتاغ ” البرلمان الالمانى  -إشارة وصول هتلر للسلطة و السيطرة عليها  -  ،ولا رصاصة واحدة من معركة «الفجر» إشارة إلى المعركة الأسطورية بين بونتا و براكمار.
  لقد سيطر التافهون على كل شئ حيت هيمنت القابلية للتعليب و حلَّت محل التفكير العميق ، ولهذا يوصي  دورنو قائلاً: "لا تقدم أي فكرة جيدة فستكون عرضة للنقد، لا تحمل نظرة ثاقبة، وسع مقلتيك، أرخِ شفتيك، فكّر بميوعة وكن كذلك، عليك أن تكون قابلاً للتعليب، لقد تغير الزمن، فالتافهون قد أمسكوا بالسلطة".
  زمن هيمنة التافهين هو الزمن المقلوب لعصر الأنوار, حيت دعوة الإنسان الأوربي الى الخروج من حالة القصور و اللاتفكير الى مرحلة الرشد و القدرة على أن يفكر لنفسه بعيدا عن وصاية رجال الدين , هذا ما عكسته مقالة ايموانيل كانط ما الأنوار المنشورة بمجلة برلين سنة 1784 .
 عصر التفاهة و الانسجام مع عوالمه و قيمه يستدعي التخلي عن العقل و التحلي باكبر قدر من السذاجة يقول دورنو : لا تكن فخوراً ولا روحانياً. فهذا يظهرك متكبراً. لا تقدم أي فكرة جيدة. فستكون عرضة للنقد. لا تحمل نظرة ثاقبة، وسع مقلتيك، أرخ شفتيك، فكر بميوعة – اى مرونة وقابليه للتشكل - وكن كذلك. عليك أن تكون قابلاً للتعليب. لقد تغير الزمن. فالتافهون قد أمسكوا بالسلطة
 دورنو يحدد عاملين اساسيين لتفسير نشاة عصر التفاهة : سياسي و اجتماعي.

  1.  و حدد العامل السياسي في هيمنة التكنوقراط على مقاليد السلطة حين استبدلت السياسة كتدبير للفضاء العام و تدبيره بصيغة الحكامة و التقنية و التدبير مما يعني استبدال الشرعية الاجتماعية بالشرعية التقنية , و اصبح المواطن مجرد زبون داخل نظام لا يعترف الا بالبيع و الشراء من اجل الربح . و النتيجة تحولت الدولة الى شركة و المتقف اصبح مجرد تاجر يبيع معارفه و الجامعات اصبحت مصنعا تموله الشركات  . 
  2. هيمنة نظام التفاهة تعكس تحولات جذرية مست مختلف البنيات و الانساق داخل الدولة و المجتمع معا و حولت الهويات الصلبة الى هويات سائلة و جعلت اللا- اخلاق اخلاقا , واصبحت الفضائح شهرة و انجازا  و النتيجة انتعاش سوق الانحراف و الفضيحة . 


  • انهيار القيم و تفتيتيها 
  • نزوح جماعي نحو شبكات التواصل الافتراضي و رفض العودة الى الواقع 
  • المساجد اصبحت ملئية بالكاميرا و انتهت الثقة حتى في المصلين انفسهم 
  • الشهرة تعني البحث عن فضيحة 
  • الحرم الجامعي الى ساحة اقتتال ساذج !
  • يضرب الاستاد ( الفعل مبني للمجهول ) و يهان في قسمه و تكون النتيجة تكوين لجن لمعاقبة الاستاذ و الاعتذار للتلميذ !
  • حين تفقد الاسرة و المدرسة سلطتها و تنهار القيم المجتمعية في صمت و بتواطئ مع الجميع !
  • حين يبتلع الفيس بوك واقعنا و قيمنا و حدودنا و هويتنا !
  • حين يصبح حلم الشباب احراق الوطن او اغراقه !
  • حين يصبح التباهي بالجرائم امتيازا !
  • حين يتباهى شباب تائه بتمزيق سرواليهم و يصبح العري لباسا !
  • حين يرفض الأطباء العمل  بقرى المغرب ومداشره متجاهلين قسم ايبوقراط و الواجب الانساني  !
  • حين يصبح التفكير جريمة
  • حين يصبح سب المقدسات غناءا . 
  • حين يصبح التعبير عن المواقف طريقا للسجن 
  • حين يصبح ادومة و نيبا و سالي كول و روتيني اليومي و الشيخة طاركس و التسونامي و ميلود وميلودة و مول المنجل و غيرهم هم شخصيات السنة و هم الاكثر متابعة فالامر يكشف ان التافهين سيطروا على فضاءات التواصل و هو صناع المحتويات . 

تلك مؤشرات خطيرة على ان الدولة اصبحت رخوة الى درجة كبيرة قد تفقد معها القدرة على ضبط الامور في العقود القادمة .
سنة 2007 المغرب يقرر التخلي عن التجنييد الاجباري ثم اتخاده من طرف الوزير التقنوقراطي ادريس جطو ةهو مؤشر يكشف ان التكنوقراط هو خرط على السياسة  .
ربما قد يعذر الوزير الاول لان التكنوقراط يمارسون السياسة كفعل تقني عبر المسطرة و البركار دون الاهتمام بالقضايا الكبرى لان رهانهم رقمي و مرحلي و ليس برهان استراتيجي و هناك تكمن خطورتهم !
حالة التراخي و التساهل و الافراط في جرعة حقوق الانسان و الدفاع عن الشواذ و المثليين و التافهين و المجرمين و المغتصبيين و الجناة و ناكحي الحمير و الحاقدين و العدميين و كل من يدافع عن الحرية الفردية كحق مقدس و على حساب قيم المجتمع , و النتيجة حالة من التفسخ و التلاشي كما حددها مظاهرها و مؤشراتها المفكر الاقتصادي الامريكي روبيرت بنتام في مفهوم : لعبة البولينغ المزدوجة حين بين تاثيرالعولمة عن تراخي الروابط الاجتماعية و تفككها .
ربما قيمة القرار الذي اتخده الحكومة هو قراريمنح الدولة سلطة اعادة انتشارها مجددا , من اجل استعادة الكثير من المجالات التي تخلت عنها بفعل العولمة و توصيات البنك الدولي و اشراطاته لاسيما بعد سياسات التقشف و اللاتدخل .
ان تسترجع الدولة المجالات الاجتماعية و الثقافية التي فقدت السيطرة عليها هو قرار اضطراري وغير قابل للتاخير لان الفوضى اصبحت هي القانون العام , وحالات التسيب و الانفلات الاخلاقي و القيمي اصبحت مخيفة و النتيجة حالة غريبة من السلوكات الغريبة عن قيمنا تجتاح الواقع و هو ما سماه المفكر الكندي الان دونو ب بـ“الميديوكراتي” أي انتصار قيم التفاهة : نيبا و ادومة نموذجا .
كل المؤشرات تؤكد ان تراخي الدولة كان سببا مباشرا في بزوغ قيم جديدة للتافهين و انهم قد حسموا المعركة، وسيطروا على عالمنا وباتوا يحكمونه .
ولد نظام التفاهة حين تخلت الدولة عن دورها كشرطي للفضاء العام و كحارس للقيم المجتمعية و حمايتها من التلاشي و التاكل لان مهمة الدولة كضامن للسيادة لا يعني فقط حماية الحدود لكن حماية ثرات الاجداد و هوية المجتمع .
فالتفاهة انتصرت حين اصبح تسير الشان العام مجرد تقنية وصارت الدولة مجرد شركة خاصة و ربما او تفكر - مستقبلا - في التخلي عن جزء من مهامها لجهات لا يستطيع من يسيرونها حتى الحديث مع بعضهم البعض و ينفقون وقتهم لصنع مكائد لبعضهم البعض !!! .
ربما الاستنتاج الصادم ان التافهين يسيطرون على كل شئ و يحددون مصير العقلاء و أخبارهم و قيمهم و أفكارهم و معتقداتهم تملا كل الفضاءات بما فيها فضاءات التواصل الاجتماعي ا!l اغنية لا تقول شيئا سوى ضجيج منظم تحقق ملايين المشاهدات في اقل من 10 ساعات . و حكايات ادومة اهم من خبر يهم مصلحة الوطن .
ربما بناء نموذج تنموي يستدعي بناء دولة قوية و مصارعة لخوض معركة التنمية و الانسان, وهو امر يفترض محاصرة التفهين و تضييق الخناق عليهم , لانهم مع اول ازمة يختبئون , ان المعارك الكبرى بما فيها معركة بناء الدولة و المجتمع و الانسان ليست مهمة التافهين و لا يمكن ان تكون و انما هي مهمة من يحمل مواطنة صلبة و في كل الازمنة .
بناء مواطنة صلبة ليس مجرد قانون و اجراءات و تدريب لمدة سنة , و انما ينبغي ان يكون منطق اشتغال لكل المؤسسات المهتمة بالتنشئة و التربية و التاثير من اجل التلاقي و المشاركة في صياغة قرار مجهود جماعي يجعل من النشئ حاملا لقيمه و لقيم وطنه و متفاعلا مع خصوصية عصره وهو انجاز لا يتحقق الا بمجهود جماعي تنخرط فيه الاسرة و المدرسة اولا و بشكل قاعدي .

  • ان الاوان ان نعيد للمدرس صوته الذي سرق منه و ان نعيد للاب رمزيته و للجد وقاره و للشرطي قوته , من اجل ان نرى مواطنينا يستعيدون الروح القتالية لمواجهة اشكالات الحياة بدل الهروب الى عالم المخدرات و العوالم الافتراضية التي تمنح لذة سهلة لكنها لذة مكلفة ؟


♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -