![]() |
معنى الاشكالية في علم الاجتماع |
تمهــيــــــد:
يمر البحث العلمي في علم الاجتماع بالعديد من المراحل من التحضيرية والاستكشافية والميدانية واخيرا التحليلية, فكل مرحلة لها اهميتها في عملية البحث والتوصل الى نتائج ذات موضوعية ومصداقية تمثل حلولاـأو استكشافا او تاكيدا للظواهر المدروسة, إلا أن الخطوات الاولى للبحث مهمة جدا ترسم تحدد وعي الباحث وادراكه النقدي للمجتمع الذي يعيش فيه، وتعتبر مشكلة البحث مؤشرا هاما عن هذا الوعي1.مفهوم مشكلة البحث :
هناك اجماع تام لدى الباحثين والعلماء ان ما يدفع الى القيام بالبحث العلمي هو وجود مشكلة، وهي بذلك ركيزته وقاعدة انطلاقه وهي المحور الاساسي الذي يدور عليه البحث، فهي المبرر لانطلاق البحث، فاول اجراء يقوم به الباحث هو قدرته وحصوله على موضوع بحثه وتخليصه من الافكار المسبقة والاحكام القيمية في ظل مايعرف بالغزو او القطيعة الابستيمولوجية من خلال الوقوف على مشكلة البحث او الدراسة، اذن فمشكلة البحث هي عنصرا اساسيا في مسعى البحث العلمي، وهي مبرر انطلاق هذا البحث ووجوده .في العام نقول ان هناك مشكلة حينما لا تسير الامور في الاتجاه اللازم، اي ان هناك خللا ما يجلب انتباه الباحث او فضوله ورغبته في التقصي والتنقيب عن تلك الحالة بهدف استجلاء ذلك الغموض واستكشاف المسببات وتامين المقترحات اللازمة التي تقدم كمعالجات وحلول لهذه الحالة.
بهذا الشكل تعكس المشكلة وضعيتين مختلفتين الاولى وهي وضعية مفروضة موجودة في الواقع والثانية وضعية مثالية اي ما يجب ان تكون عليه, فنحن هنا امام وضعيتين مختلفتين بين ماهو كائن وما يجب في سياق زمني او مجالي مغطى, ويمكن ان نعبر عن هذا بالانحراف عن ماهو كائن وما يجب ان يكون وهذا يؤدي الى غموض يستوقف الباحث لدراسته .
اذن يمكن تعريف مشكلة البحث ب: "ذلك الانحراف الذي نلاحظه بين وضعية انطلاق ناقصة او غير مرغوب فيها الى وضعية وصول مرغوب فيها وهذا بهدف سد ذلك الانحراف " ايضا يمكن تعريفها على انها انحراف عن بين افعال ومعايير بين وضعية ملموسة وانتظارات المجتمع ، وكذلك بين الظواهر الملاحظة والحالة التي توجد عليها معارفنا"
ايضا يمكن القول ان مشكلة البحث تعبر عن حيرة أو انشغال معرف ي ابستيمولوجي بعيداعن المواقف القيمية او الوضعيات الاخلاقية توصم بعلامات سلبية او ايجابية
تعريف الاشكالية
تمهيد :كثيرا مايتردد استعمال عبارة الاشكالية في الخطاب العام سيما الصحافة من دون ان نعرف مدلوله والذي في معظمه يكون نوع من الارادة في الظهور الكلامي، لكن في البحث العلمي يفرض علينا تحديد مفهوم العبارات التي نحن بصدد استخدامها لازالة الغموض، لذا فان كلا من المشكلة والاشكالية تشيران الى مرحلتين متمايزتين في البحث السوسيولوجي على الرغم من الترابط المنطقي المتواجد ان هذا يؤدي بنا الى ضرورة تعربف الاشكالية، وتحديد وظيفتها وأهميتها في البحث السوسيولوجي .
1- مفهـــــوم الاشكالية:
الاشكالية في ابسط تحديد لها هي اعادة صياغة مشكلة البحث من منظور جديد قائم على استغلال اسهام المرحلة الاستكشافية، ففي اشكالية البحث تتضح اكثر مشكلة البحث حيث يتم تدقيقها والتعمق فيها، وهناك من يعتبر الاشكالية بمثابة المشكلة الخصوصية وهي مرحلة مكملة للمشكلة العامة التي كانت الدافع الى الدراسة. هذا المرور من العام الى الخاص نجده عند "نيكول بيرتييه" التي ترى ان الانطلاق الحقيقي في البحث يتمثل في الكيفية والمهارة التي ينتقل بها الباحث من العام الى الخصوصي من مشكلة البحث الى الاشكالية وتحويل سؤال الانطلاق الى اسئلة فرعية تجزؤه وتدققه.2- اهمية الاشكالية في البحث السوسيولوجي :
ترتبط الاشكالية بالمعرفة النظرية وهي نوع من المقاربة النظرية التي تاخذها مشكلة البحث، هذه المقاربة التي تضع البحث في اطار ووجهة محددين، اي ان الباحث سيعرف مع الاشكالية في اي اتجاه يسير بحثه، وهذا من خلال ما تعطيه الاشكالية من مفاهيم التي يلجا اليها الباحث ليتجاوز بها المفاهيم العامية .لا يمكن تصور المراحل المنهجية في البحث العلمي في علم الاجتماع دون الاشكالية حيث ياخذ البحث مع الاشكالية الوجهة التي تحاول تفسير الظاهرة موضوع الدراسة، فادراج مشكلة البحث ضمن اشكالية هو ضمانة لسيرورة مشكلة البحث الوجهة الصحيحة في ايجاد التفسير العلمي لها، وايجاد الاجابة على تساؤلات الدراسة .
تعمل الاشكالية على اعطاء مشكلة البحث تدقيقا يظهر من خلال المفاهيم التي يلجا اليها الباحث ليتجاوز بها مصطلحات الحس المشترك (العامي) ولا يضيع في المتاهات والاتجاهات العشوائية للموضوع، فالاشكالية اذن تعطي للبحث ارضية متينة تجنبه الانحراف والضياع في الاحكام القيمية والافكار المسبقة والخطاب العامي , فهي تؤطر مشكلة البحث ببناء مفاهيمي يعطي البحث صفته العلمية, فالاشكالية اذن هي الانتقال من المعطى اي مشكلة البحث ( الاجتماعي) الى المبني ( السوسيولوجي) على اساس مفاهيم عن طريق مايعرف بالمسلك التجريدي .
اخيرا نقول ان اهمية الاشكالية تتمثل في دورها المزدوج ابستيمولوجيا ومنهجيا، انها الاساس الذي تبنى عليه مشكلة البحث لتمر من المعطى العامي الى المبني على اساس نظري مفاهيمي، اما من الناحية المنهجية فتحدد على اساس الخطوات اللاحقة للبحث خاصة في بناء الفرضيات، كما نشير الى ان الانتقال من المعطى الى المبني عن طريق اللجوء الى نظرية تساعد في فهم الواقع الاجتماعي، من خلال المفاهيم التي تستند اليها ولهذا نصل الى ان الاشكالية تبنى على مفاهيم التي هي خطاب ولغة العلم .
3-محتوى الاشكالية :
يمكن القول ان محتوى الاشكالية هي تثمين لكل ماتم جمعه من معلومات وما تم بناؤه من افكار في المرحلة الاستكشافية، حيث يظهر جدوى استعراض الادبيات والقراءات والجولة الاساطلاعية ....الخ ، لكن كيف بناء محتوى الاشكالية؟الاجابة هي انه لا توجد وصفة محددة لبنائها فطبيعة الموضوع وموقف الباحث وتوجهه النظري يحددان بوضوح هذا البناء لكن هناك بعض المسائل المساعدة والتي اذا اخذ بها الباحث خاصة المبتديء تمكنه من النجاح في بنائها من بينها الاستعانة بكل معطيات المرحلة منها انها غير قادرة على تقديم نظام تفسيري للظاهرة المدروسة، لذا يجب ان يكون هناك مستوى من تدقيقها من خلال الاستعانة بمجموعة من الاسئلة التي يطرحها على نفسه حسب ما اشار اليه رنجرس وهي اربعة اسئلة تكون بمثابة موجه ومرشد للباحث في وصوله الى الاشكالية وهي:
لماذا نهتم بهذا الموضوع ؟ ويسمح هذا السؤال بضبط وتحديد القصد و الاسباب التي دفعت الباحث الى اختياره.
اما السؤال الثاني هو ما الذي نطمح الى بلوغه ؟ حيث يحدد الهدف.
اما السؤال الثالث ماذا نعرف لحد الان ؟ وهذا يؤدي الى الحوصلة حول المعارف المكتسبة من خلال استعراض الدراسات السابقة.
اما السؤال الاخير وهو: اي سؤال بحث سنطرح ؟ وهذا يسمح بتدقيق سؤال البحث الذي سيوجه كل طريقة البحث المقبلة، كل الاسئلة السابقة لها دور اساسي في تخطي العوائق الذاتية والموضوعية التي تصادف الباحث عند بناء اشكاليته، فهي توفر له نوع من الجرد للعوامل التي تساعده في التعمق في تحليل مشكلة بحثه.
ان كل ماتحدثنا عليه من الاستعانة بمعطيات المرحلة الاستكشافية بالاضافة الاسئلة المطروحة يتطلب تناولها ضمن اطار نظري مزود بمنظومة من المفاهيم التي تعطيه الصبغة العلمية والابستيمولوجية،
كل هذا سوف يؤدي الى التعمق في المشكلة وبلورتها في في اشكالية واضحة المعالم، وتجدرالاشارة الى ان النتاولات النظرية لا تاتي اعتباطا وانما تاتي من موقف فكري مبني ادت اليه مواقف ابستيمواوجية بلورتها المرحلة الاستكشافية بالأساس والمواجهات الفكرية لمختلف التناولات التي تعرضت للظاهرة المدروسة .
♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
مرحبا بك في بوابة علم الاجتماع
يسعدنا تلقي تعليقاتكم وسعداء بتواجدكم معنا على البوابة