أخر الاخبار

أضمومات فكرية حول ظاهرة الألتراس

أضمومات فكرية حول ظاهرة الألتراس
ظاهرة الألتراس

" أضمومات فكرية حول ظاهرة الألتراس "

*عبد العالي خليفة
ماستر السوسيولوجيا و التحولات المجتمعية (جامعة القاضي عياض-مراكش)

على سبيل التقديم :
    يمكن اعتبار وجود الألتراس داخل المجتمع المغربي – مثله مثل باقي بلدان العالم – واقعا حاصلا لا يمكن انكاره بأي وجه كان، حيث تختلط داخل إطاره جوانب إيجابية و أخرى سلبية، جعلت من هذه الظاهرة محط اهتمام لدى مجموعة من الباحثين الاجتماعيين بمختلف مشاربهم الفكرية. و في ظل الاحتقان الذي يعرفه المجتمع المغربي، فقد عملت هذه الفصائل على مواكبة مجموع التحولات الكبرى التي عرفها المجتمع، و ذلك من خلال انتقالها من ماهو رياضي محض، إلى تبني أبعاد جديدة مؤسسة لوجود أخر يتجاوز الماضي و الفائت، حيث أصبحت هذه الفصائل تقدم نفسها كحركة فاعلة و متمردة على كل أشكال التطبيع و التهميش داخل المجتمع. 

و لعل أبرز المطالب التي رفعها شباب الألتراس في وجه المؤسسة، هي تلك التي تتمثل بالأساس في المطالبة بالعيش الكريم و تحقيق العدالة الاجتماعية و المجالية. و في خضم هذا الصراع أصبحت مجموعات الألتراس بمثابة صوت احتجاجي للتعبير عن مطالب فئات شعبية عريضة تفتقد لتمثيل رسمي قادر على إيصال مطالبها و همومها إلى الجهات المسؤولة. و أمام تنامي هذه الظاهرة؛ و خاصة في ظل الاحتقان الذي يعرفه المجتمع المغربي في الآونة الأخيرة، فإنه كان من الضروري دراسة هذا المضوع و التعامل سوسيولوجيا، و ذلك لمحاولة تشخيصه و تفسير العلاقات المتداخلة فيه ابتداء من معرفة أسبابه و وصولا إلى معرفة النتائج المترتبة عنه .



في البحث عن معنى سياسي للألتراس :

  يشير مفهوم الألترا ¨ultrਠإلى الشيء الفائق و الزائد عن حده، و غالبا ما يستخدم للإشارة إلى المناصرين لقضية ما؛ بحيث يفوق ولاؤهم ولاء و اهتمام أصحاب القضية الأصلين.  و انتقل المفهوم إلى مجال الرياضة و استخدم لوصف مشجعي كرة القدم المتعصبين في ايطاليا، و الذين انتهجوا أسلوبا تخطى حالة التجشيع الطبيعي  إلى ممارسات عنيفة و عدوانية. و يعود مدلول الكلمة في أصله إلى الأدبيات السياسية الفرنسية، و تحديدا في فترة الإستعادة (1815-1830)  المواكبة لظهور كلمة ¨ultrà-royaliste¨  التي كانت تشير إلى معسكر النبلاء و الإقطاعين و القساوسة الموالين للملكية بشكل مطلق، والذين كانوا  في مواجهة فلاسفة حقوق الإنسان و الحريات الفردية [1] .
 و يذهب محمود محسن إلى أن الألتراس –الأولتراس- ¨Ultras¨  كلمة لاتينية تستخدم لوصف روابط و جماعات المشجعين المتشددين، و المتشابهين فكريا و حركيا مع الحركات الفاشية التي ظهرت في أروبا خلال القرن العشرين، و عادة ما يُختلف في تحديد تاريخ محدد لنشأة الألتراس؛ حيث أنه فهناك من يرجع نشأة تلك الظاهرة إلى ايطاليا، و تحديدا إلى عام1963  حينما نشأ أول ألتراس رسمي. لكن هناك اتجاه أخر يرجعها إلى فترة الأربعينيات بالبرازيل، حيث نشأت المجموعة "المرجعية" المسماة أنذاك ¨ تروسيدا¨.  و هناك من يؤرخ لبداية هذه الظاهرة عام 1929 مع نشأة رابطة لمشجعي نادي ¨فرنسفاروش¨المجري، و التي تأسست "التروسيدا" على أنقاضها في الأربعينيات .
و أخذت الظاهرة في الإنتشار عبر أروبا منذ الخمسينيات، و ذلك عبر جماهير نادي ¨هيدوك سبليت¨ الكرواتي، و وصل قطار الظاهرة إلى ايطاليا في الستينيات حيث توجد البيئة المهيأة لنشأة فصائل ألتراس أكثر تنظيما. لتغزوا بعد ذلك روابط الألتراس الأراضي الفرنسية مطلع الثمانينيات من خلال جماهير نادي ¨مارسيليا¨، و تلى ذلك إنتشار هذه الظاهرة في مختلف أنحاء أروبا، بحيث أصبحت روابط التشجيع من أساسيات اللعبة[2] .
و يعتبر أحمد شعيشع أنه لم يكن الوطن العربي ببعيد عن تلك الظاهرة التي زحفت إليه عبرالمدخل  الشمالي في افريقيا، و بالتحديد من خلال تونس عام 1995، حيث ظهر ألتراس ¨أفريكان وينرز ¨ كمساند لنادي ¨الأفريقي التونسي¨، لتصل بعد ذلك هذه الظاهرة إلى المغرب، و الذي أصبح يضم اليوم أكثر من 50 رابطة ألتراس، أهمها ألتراس ¨جرين بويز¨ الذي يشجع فريق ¨الرجاء البيضاوي¨، و ألتراس ¨وينرز ¨ الموالي  لفريق ¨الوداد البيضاوي¨... لتنتشر الظاهرة بعد ذلك في مدرجات شمال أفريقيا بشكل كبيرو أوسع[3]  .
أما B .Fincoeuret فيعرف الألتراس : بأنها الرغبة في دفع المناصرة إلى ذروة الفعالية و الثأتير، و هي إستراتيجيات ينتهجها أفراد هاته الفصائل لغاية البحث عن خلق السبل الكفيلة بتحقيق أكبرقدر ممكن من الفرجة، و ذلك في محاولة جادة منهم لدعم الفرق الرياضية  بمختلف السلوكيات الجماعية المميزة، و  عبر طابع فولكلوري موحِد و مميز لكِيان المجموعة و نمطها[4] .

في مقولة ال"Anti girl" و تكريس الهيمنة الذكورية:

" لطالما كانت حركية الألتراس بالعالم منذ بزوغها حركية ذكورية؛ و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن النساء ليس لهم أي مكانة في الألتراس، و لن نسمح لهم يوما ما أن يتقاسموا معنا بشكل أو بأخر هم الدفاع عن أعراف الحركية و مبادئها و  حفظ شرفها": هي مقولة من بين مقولات أخرى تم إنتاجها من طرف العقليات البطريركية السائدة داخل الألتراس، و التي تسخر جهودها بشكل أساسي لتقزيم صورة المرأة و جعلها مجرد "أكسيسوار" لتأثيث فضاء المدرجات، و كذا لغاية تحييدها من دائرة الاهتمام بالحركية و مبادئها،  و هذا راجع بالضرورة إلى أن تنظيم الألتراس هو مجال ذكوري بالأساس، و هذا بالذات ما ذهب اليه الباحث لويس سيبستيان حيث يعتبر بأن "الذكورة الصلبة هي أحد أبرز الجوانب الرئيسية التي تحدد عضوية  مجموعات الألتراس المنظمة". و يعتبر ماركس "أن الهيمنة الذكورية في أخر المطاف هي ناتجة عن هيمنة الدولة و عن امتلاكها لوسائل الانتاج و الاكراه". و بما أن النواة المؤسسة للأتراس مكونة من الذكور فقط؛ فإنها راهنت منذ البداية على إقصاء العنصر النسوي من الالتحاق بالفصائل، على أساس أنهم هم من يمتلكون زمام أمور الفصيل. و يفسر أعضاء الألتراس هذه المسألة من خلال المقابلات التي أجريناها معهم بالقول : " في البداية كانت الفرصة متاحة أمام الاناث من أجل الانخراط في مجموعات الألتراس، لكن بعد فترة زمنية معينة تم منعهم بشكل كلي من الانخراط أو الاستفادة من منتوجات الفصائل، و ذلك راجع بالاساس إلى أن الاناث كانوا يشكلون نقطة ضعف بالنسبة لمجموعات الألتراس، بحيث أنه كانت تسرق منهن المنتوجات، و هذا فيه اهانة لرمزية الفصيل المشجع ككل ...  هذا علاوة على أنهن يَكُنْ في حالة خطر أثناء  اندلاع حالات اشتباك مع الأمن أو مع جماهير الخصم ... " و يضيف المبحوث قائلا : " و قد عَرَفَ المغرب تجربة تأسيس مجموعة ألتراس خاصة بالاناث، لكن هاته التجربة لم تدم طويلا بسبب منعهن من "الباشاج داخل الكورفا"  من طرف أعضاء الفصيل المشجع للنادي الموالين له ... " . و بالتالي فالمرأة تعاني داخل الألتراس نفس ما تعانيه داخل المجتمع بشكل عام، بحيث أنه غالبا ما ينظر إليها بأنها أقرب إلى الخطيئة، و أنها تجلب العار و المهانة لدائرة انتمائها، سواء أكانت أسرة أو قبيلة أو فصيل ...

حول حضور "الحميمية " داخل فصائل الألتراس :

يذهب أغلبية المتبنين لفكر الحركية إلى أن علاقتهم برفقائهم داخل المجموعة هي علاقة حميمية|؛ و هذه الأخيرة تتأسس بالضرورة على البحث عن شخص أو أكثر من الشركاء، و السعي وراء الدعم العاطفي و الشخصي الذي يمكن أن ينتج عن هذه العلاقة. و تساعد العلاقات الحميمية في تكوين شبكات اجتماعية بين الأفراد، حيث تعمل هذه الأخيرة على دعم الارتباطات العاطفية القوية بين الأفراد،  و تحقق رغباتنا في الشعور بالانتماء و الحاجة إلى الاهتمام [5] . و بهذا المعنى يبدأ فرد الألتراس بنسج علاقات اجتماعية يحاول من خلالها تقوية روابطه الوجدانية ، و ذلك من خلال الاحتكاك بأفراد يتقاسمون معه نفس الأفكار و نفس الأحاسيس و الأهداف... و هذا بالذات ما أكده لنا قائد (Capo) إحدى مجموعات الألتراس داخل المغرب من خلال المقابلة التي أجريناها معه بتاريخ (20/03/2019)، حيث يعتبر بأن "الانخراط داخل فصائل الألتراس يتيح للفرد الحركي امكانية الدخول إلى شبكة اجتماعية جديدة تعيش بروح جماعية، و تربط بينها علاقات حميمية تدفع الفرد إلى الدفاع عن مجموعته و عن رفاقه و لو اقتدى ذلك التضحية بالنفس". "فالصداقة المتبادلة المعبرة عن قوة الروابط التي تجمع أفراد مجموعة الألتراس، هي بالأساس حب لفلسفة الحركية و كيانها، و من ثمة فهي تعلق حتمي بالفريق بدافع من عاطفة لا لزوم لها، و يستوجب ذلك عى كل فرد أن يولي اعتباره و انتباهه إلى علاقته مع الآخرين من رفاقه [6]".  و هذا ما عبر عنه أحد أعضاء فصيل "إلترا عسكاري" المساند لفريق الجيش الملكي بالقول : (Dans notre groupe ultras aslari il y a un esprit de famille 100%) .
في حين تذهب فئة أخرى من المتبنين لهاته "الثقافة" إلى اعتبار أن علاقتهم برفقائهم داخل المجموعة هي علاقة عادية و نمطية، و هذا ما أكده لنا أحد المبحوثين بقوله بأن :  " علاقتي برفقائي داخل المجموعة هي علاقة عادية ، تقوم بالأساس على تأدية كل فرد للأدوار التي أنيطت به؛ و بتالي فهي أقرب إلى ما يمكن تسميته بالعلاقات الميكانيكية " .
أما الفئة الأخيرة من المبحوثين في تقييم علاقتها مع رفقائها داخل المجموعة بأنها علاقة صراع و تصادم، حيث تعتبر بأنه هناك علاقات صراع بين أفراد المجموعة من أجل امتلاك السلطة و لعب دور القيادة داخل الفصيل، و هذا ما يجعل العلاقات بين أغلب أفراد المجموعة مبنية على مبدأ الحظر و الترقب.   |"فأفراد الألتراس لهم ميل فطري للمغامرة و المخاطرة و تصعيد المواقف باعتبارها قيما تظهر التميز الفردي لاحتلال موقع مركزي داخل المجموعة [7]".




[1] Alberto testa  : Ahe ultra : An Emerging social movement , Toronto , 2009, p 54-55
[2]  محمود محسن :" روابط الألتراس الرياضية : من شغب الملاعب إلى معترك السياسة "، صحيفة الشرق الأوسط ، لندن ، انجلترا ، العدد 11976، 122011/09/) .
[3]  أحمد شعيشع : فرسان الثورة : الألتراس من التشجيع الرياضي إلى التوظيف السياسي ، القاهرة ، مصر ،ص 3).
[4] B .Fincoeur et al , ètude de supportevisme et de manifestation de violence dans autour des stades de football en belgique , universitè de liège , 2006 , p17
[5] Miller Rowland and Perlman Daniel : Intimate Relationships , 2008
[6] Ch , Bromberger : le football comme dram philosophique , 2005 ,P 21 .
[7]  "إشكالية الاستعاب : الأدوار السياسية لمجموعات الألترلس في الدول العربية "، على الموقع : https.www.rawbetcenter.com
♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -