![]() |
تقرير أكاديمي معمّق حول نظرية الاستخدامات والإشباعات (UGT) |
تقرير أكاديمي معمّق حول نظرية الاستخدامات والإشباعات (UGT)
استناداً إلى أحدث الأبحاث المحكّمة بالإنجليزية والإسبانية
1. المقدمة والسياق النظري (Introduction and Theoretical Context)
1.1. الأهمية البارادايمية لـ UGT: من نموذج التأثير المحدود إلى نموذج الجمهور النشط
تُعد نظرية الاستخدامات والإشباعات (Uses and Gratifications Theory - UGT) إحدى النظريات المحورية في أبحاث الاتصال الجماهيري، حيث مثّلت تحولاً بارادايمياً في دراسة العلاقة بين الجمهور والوسائط.1 نشأت UGT في الأربعينات الميلادية كرد فعل نقدي على النماذج المبكرة التي كانت تصور الجمهور كمستقبل سلبي للرسائل الإعلامية، مثل نموذج الإبرة تحت الجلد (Hypodermic Needle Model).2 كان الهدف الأساسي هو تحويل التركيز من التساؤل "ماذا تفعل وسائل الإعلام بالناس؟" إلى "ماذا يفعل الناس بوسائل الإعلام؟".1
الافتراض الأساسي للنظرية هو أن الأفراد يستخدمون وسائل الإعلام بنشاط وهدف لتحقيق رغبات واحتياجات محددة، سواء كانت نفسية أو اجتماعية، مثل الحاجة إلى المعرفة، أو الاسترخاء، أو العلاقات الاجتماعية، أو التسلية.3 هذا التحول كان حاسماً، حيث وضع الجمهور في موقع المشارك النشط والمقصود في عملية الاتصال، مؤكداً على امتلاكهم لدرجة من الاستقلالية في اختيار الوسائط والمحتوى.1 بدأ الباحثون الأوائل، مثل إيليو كاتز وبول لازارسفيلد، في استكشاف فكرة أن الأفراد يختارون بين منافذ إعلامية مختلفة بناءً على ما يسعون إليه في أي وقت.2
1.2. الأهمية الاستراتيجية للنظرية في دراسة الإعلام الرقمي الحديث
على الرغم من جذورها التاريخية في الإعلام التقليدي، شهدت UGT إحياءً كبيراً مع ظهور بيئة الاتصال الرقمي الجديد. أكد توم روجيرو (Ruggiero, 2000) أن ظهور الاتصال بواسطة الحاسوب (CMC) أعاد تنشيط أهمية UGT، موضحاً أن النظرية قد أثبتت تاريخياً قدرتها على توفير "مقاربة نظرية متطورة" لدراسة المراحل الأولية لكل وسيط جماهيري جديد، بدءاً من الصحف والراديو والتلفزيون وصولاً إلى الإنترنت.5 هذا المسار التاريخي يشير إلى أن جوهر النظرية يكمن في مرونتها للتكيف مع آليات اختيار الوسيط المتغيرة باستمرار، مما يفسر قدرتها على الصمود في وجه نظريات التأثيرات التي صيغت في سياق إعلامي أقل تفاعلية.2
في السياق الحديث، يُعتبر UGT عنصراً حاسماً في دراسات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تركز على الاحتياجات النفسية والاجتماعية للجمهور لفهم كيفية إشباع أدوات الاتصال المحددة لتلك الاحتياجات.6 إن الطبيعة التفاعلية (Interactivity) واللاتزامنية (Asynchronicity) لشبكة الإنترنت أدت إلى صعوبة استخدام الأدوات التقليدية لـ UGT، مما استدعى الدعوة لاستخدام مناهج مختلطة وتحليلات حاسوبية للتعامل مع التحول السياقي الذي غير العلاقات بين المستخدمين والوسائط بشكل جذري.5 العلاقة السببية المفترضة هي أن الجمهور النشط (السبب) يختار الوسيط بناءً على الاحتياجات (العملية)، مما يؤدي إلى تحقيق الإشباعات (النتيجة)، وهو ما بدوره يحدد أنماط استهلاك الإعلام وفهم آثاره.1
2. الأسس والمراحل التطورية لنظرية UGT (Foundations and Developmental Stages)
2.1. الجذور التاريخية والافتراضات الرئيسية (من الأربعينات إلى السبعينات)
تُقسم مراحل تطور UGT إلى أربع مراحل رئيسية.2 المرحلة الأولى، التي بدأت في الأربعينات، وضعت الفرضية الأساسية من خلال دراسات مبكرة تناولت استخدام مستمعي الراديو وقراء قصص الكوميكس وغياب الصحف خلال الإضرابات.3 في عام 1944، نجحت هيرتا هيرتسوغ في تحديد ثلاثة أنواع من الإشباعات التي كان يبحث عنها مستمعو المسلسلات الإذاعية (Soap Operas): الإشباع العاطفي، والتمني (Wishful Thinking)، والتعلم.3
شهدت فترة السبعينات تحولاً جوهرياً، حيث ركزت الأبحاث على الاختبار التجريبي لـ UGT، مما عزز من صلاحيتها العلمية كإطار مهم لفهم سلوك الإعلام.2 كانت أبحاث كاتز وبلوملر وجورفيتش رائدة في هذه الفترة، حيث أرست الأساس النظري للنظرية وأدت إلى تحول نموذجي قلل من هيمنة مقاربة التأثيرات المحدودة لوسائل الإعلام.3
2.2. الإطار المفاهيمي الخماسي لـ UGT
تعتمد UGT على مجموعة من الافتراضات الأساسية التي تؤكد على دور الجمهور النشط 4:
الجمهور النشط والمقصود: يفترض أن استخدام الوسائط هادف ومقصود، حيث يختار الأفراد الوسائط لتحقيق أهداف محددة (Needs Seeking).9
اختيار الوسيط: الجمهور يمتلك القدرة على اختيار الوسيط الذي يلبي احتياجاته.3
الوسيط كمنتج: يتم التعامل مع الوسائط كمنتج متاح للغاية، والجمهور هو المستهلك الذي يختار هذا المنتج لإشباع حاجاته.3
الاحتياجات والدوافع: تلبي الوسائط احتياجات نفسية واجتماعية متنوعة، تشمل المعرفة، والاسترخاء، والعلاقات الاجتماعية، والتسلية.3
يُفهم النشاط في UGT اليوم ليس كحالة ثابتة (نشط أو سلبي)، بل كـ "بناء متغير" (Variable Construct)، حيث يُظهر الجمهور أنواعاً ودرجات متفاوتة من النشاط.3 هذا يعني أن مستوى ونوع النشاط الذي يبديه المستخدم (على سبيل المثال، التفاعل السريع مقابل الحفاظ على العلاقات) يؤثر بشكل مباشر على الإشباع الذي يحققه. إن التحدي المعرفي في النظرية لا يقتصر فقط على الدوافع (Motives) التي تدفع للاستخدام، بل يمتد إلى طبيعة الإشباعات المُحققة (Gratifications Obtained) فعلياً.9 هذا التفريق جوهري، لأنه يوضح أن مجرد الانخراط في وسيط معين لا يضمن الرضا، بل يتوقف على الكيفية التي يتم بها هذا الاستخدام والنتيجة التي تنتج عنه.
3. نماذج القياس المتقدمة في UGT (Advanced Measurement Models in UGT)
3.1. التمييز بين الإشباعات المنشودة (GS) والإشباعات المكتسبة (GO)
لتعزيز القوة التفسيرية والعملية لـ UGT، اقترح الباحثان بالمغرين ورايبيرن في الثمانينات نموذجاً مفاهيمياً متطوراً يفرق بين الإشباعات المنشودة (Gratifications Sought - GS) والإشباعات المكتسبة (Gratifications Obtained - GO).3 الإشباعات المنشودة هي المكافآت أو الأهداف التي يسعى الجمهور إلى تحقيقها من خلال استخدام وسيلة إعلامية معينة، بينما الإشباعات المكتسبة هي المكافآت التي يتلقاها الناس فعلياً نتيجة لهذا الاستخدام.3
لقد أظهرت الدراسات الأولية انخفاضاً ملحوظاً في الارتباطات بين الإشباعات المنشودة الفردية والإشباعات المكتسبة غير المتوافقة معها، مما وفر دعماً قوياً لتطوير القياس بناءً على مفهوم "المنشود مقابل المكتسب".3 يمثل هذا النموذج تطوراً جوهرياً نحو جعل النظرية أكثر تنبؤية وتفسيراً، إذ يسمح بربط الاحتياجات والأهداف والفوائد والنتائج بعوامل فردية معينة.3
3.2. نموذج التوقعات-القيمة (Expectancy-Value Approach)
يوفر إطار GO-GS دعماً لنموذج عملية الاستخدامات والإشباعات استناداً إلى مقاربة التوقعات-القيمة (Expectancy-Value Approach).3 في هذا النموذج، لا يُعد اختيار الوسيط عشوائياً، بل هو عملية عقلانية تستند إلى توقعات المستخدم حول قدرة الوسيط على تحقيق قيمة معينة.3 إذا كانت التوقعات مرتفعة (GS)، وتم تحقيق القيمة المتوقعة (GO)، فإن الرضا يكون مرتفعاً، والعكس صحيح. إن الانتقال إلى هذا الإطار يرد جزئياً على نقد ضعف القوة التنبؤية الموجه للنظرية الكلاسيكية.10 من خلال القياس الدقيق للفجوة بين المنشود والمكتسب، يمكن للباحثين التنبؤ بشكل أفضل باستمرارية الاستخدام والرضا.
3.3. الإشباع والتغيير السلوكي: دور التناقضات (Gratification Discrepancies)
يُعرف تحليل التناقضات في الإشباع (Gratification Discrepancies) بأنه الفرق بين ما يسعى إليه المستخدم وما يحصل عليه فعلياً (GO-GS).11 تحليل هذه الفجوة أمر حيوي لفهم مدى الرضا والنية السلوكية المستقبلية للمستخدم. تشير مراجعة منهجية حديثة إلى أن نهج GO-GS يوفر فرصة لجمع البيانات مرتين، قبل وبعد استخدام الوسيط، وهو ما يجعله مناسباً للتحقيق في التغيرات السلوكية، والرضا، والمعتقدات.11 وهذا يفرض على الباحثين استخدام منهجيات زمنية (Longitudinal Studies) أو قياسات متعددة الأوقات، متجاوزين بذلك حدود الاستبيانات الوصفية التي تُجرى لمرة واحدة.
يوضح الجدول التالي الإطار المنهجي المتقدم لـ UGT:
4. تكييف UGT مع بيئة الاتصال الرقمي الجديد (Adapting UGT to the New Digital Communication Environment)
4.1. تحديات التفاعل واللاتزامنية وتأثيرهما على الإشباعات التقليدية
تطورت نظرية UGT بشكل كبير لاستيعاب التعقيدات التي أدخلتها تكنولوجيا الإعلام الرقمي.7 يتطلب تكييف النماذج التقليدية تضمين مفاهيم جديدة مثل التفاعلية (Interactivity)، وإلغاء الجماهرية (Demassification)، واللاتزامنية (Asynchronicity)، حيث إن هذه السمات التكنولوجية تغير آليات البحث عن الإشباع.5 لقد أدت الطبيعة الرقمية إلى تحويل جذري في العلاقات بين المستخدمين والوسائط، مما استدعى تطوير أطر نظرية قادرة على التكيف مع هذه البيئة المتغيرة.8
4.2. الإشباعات الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي (Social Media)
يُعد البحث في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مجالاً رئيسياً في دراسات UGT المعاصرة، مع التركيز على الإشباعات الخاصة بكل منصة.8 تشمل الدوافع العامة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي: التواصل الاجتماعي، تبادل المعلومات، التسلية، والسعي للمكانة (Status-Seeking)، وأشكال مختلفة من تقديم الذات (Self-Presentation).8
ومع ذلك، أظهرت الدراسات الحديثة تخصصاً في الإشباعات حسب طبيعة المنصة (Affordances) 8:
فيسبوك: الإشباعات الرئيسية هي التواصل الاجتماعي والحفاظ على العلاقات القائمة.
إنستغرام: يؤكد الاستخدام على التعبير عن الذات، وإدارة الهوية، والتواصل البصري، وتقدير الجماليات.
تويتر (X): يركز بشكل كبير على البحث عن المعلومات، والقيادة الرأي (Opinion Leadership)، والمشاركة في الأخبار اللحظية.
إن هذا التفتيت في الجمهور وتجزئة الإشباع بناءً على خصائص المنصة يدل على أن UGT انتقلت من تصنيف الجمهور بناءً على المحتوى (كما كان في عصر الراديو) إلى تصنيفهم بناءً على سياق المنصة المتاح. وهذا يؤكد أن الوسيط الرقمي لم يعد مجرد قناة، بل يفرض بطبيعته مجموعة محددة من الإشباعات الممكنة.8
4.3. دراسة حالات: الألعاب عبر الإنترنت ومنصات البث المباشر
تستمر UGT في تحليل السياقات التكنولوجية الجديدة مثل الألعاب عبر الإنترنت ومنصات البث المباشر (كـ Twitch و YouTube Gaming).8 في هذا العالم، تلتقي التكنولوجيا الرقمية بإشباعات مثل الهروب (Escapism)، والإنجاز (Achievement)، والمنافسة (Competition)، والمشاركة الاجتماعية، وبناء المجتمع.8 تعمل هذه المنصات كمراكز مجتمعية توفر للاعبين والمشاهدين فرصاً للتواصل الاجتماعي والترفيه والتفاعل النشط.8 إن الطبيعة التفاعلية واللاتزامنية لشبكة الإنترنت أدت إلى صعوبة استخدام الأدوات التقليدية لـ UGT، مما استدعى الدعوة لاستخدام مناهج مختلطة وتحليلات حاسوبية لالتقاط هذا السلوك المعقد.5
5. الحدود النظرية المبتكرة: الواقع الافتراضي والمعزز (Innovative Theoretical Frontiers: VR and AR)
5.1. إشباعات الانغماس والتجسيد: الأبعاد الجديدة للحضور المكاني
يمثل ظهور التقنيات الغامرة، كالواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR)، أهم تحدٍ وفرصة نظرية لـ UGT في العصر الحديث.8 تقدم هذه التقنيات تجارب فريدة تغير التصورات المفاهيمية الحالية للإشباع.8
لقد أدت هذه التطورات إلى ظهور أبعاد إشباع جديدة وغير مسبوقة، مرتبطة بشكل أساسي بـ: التجسيد (Embodiment)، والحضور (Presence)، والانغماس المكاني (Spatial Immersion).8 هذه التكنولوجيا توسع آفاق المتعة من خلال تعزيز هذه المكونات الثلاثة وتوفير تجارب تفاعلية ومخصصة للغاية.8 إن مفاهيم الحضور والتجسيد تدفع UGT إلى التفكير في الإشباعات ليس فقط كظواهر معرفية أو اجتماعية تقليدية، بل كظواهر حسية ومكانية، مما يتطلب أدوات قياس تتجاوز الاستبيانات التقليدية.
5.2. متطلبات التوسع النظري والمنهجي
إن التكيف مع التقنيات الغامرة يتطلب توسيعاً نظرياً كبيراً لالتقاط تجارب المستخدم المتجسدة والغامرة.8 تُستخدم هذه التقنيات حالياً في سياقات مختلفة تشمل الألعاب والتطبيقات المحمولة وخدمات الفيديو عند الطلب.8 يجب على الأبحاث المستقبلية في UGT تطوير أدوات مفاهيمية ومنهجية يمكنها معالجة فرص الإشباع الفريدة التي تقدمها هذه التقنيات مع دخولها إلى الاتجاه السائد.8
5.3. دور الذكاء الاصطناعي (AI) في تخصيص المحتوى وتأثيره على تحقيق الإشباعات
يمثل الذكاء الاصطناعي (AI) تحدياً مزدوجاً لـ UGT. من ناحية، يمكن تطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين العمليات التعليمية (مثل التقييم التلقائي والمساعدة التشخيصية في التدريب التمريضي).13 ومن ناحية أخرى، يثير الذكاء الاصطناعي اعتبارات أخلاقية وبحثية حول التخصيص الخوارزمي (Algorithmic Personalization).12
إن تزايد دور الخوارزميات في توجيه المستخدمين نحو المحتوى الذي يُتوقع أن يكون الأكثر إشباعاً يهدد الافتراض الأساسي لـ UGT حول كون الجمهور "نشطاً" و"مقصوداً" في اختياره.3 فإذا كانت الخوارزميات تتولى اختيار المحتوى بشكل مسبق، فإن النشاط قد يصبح "نشاطاً مُتحكّماً فيه" (Controlled Activity). يتم تلبية الإشباعات، ولكن قد يفقد المستخدم سيطرته الذاتية على عملية الاختيار. هذا يمثل نقطة حرجة للنقد المستقبلي، حيث يجب دمج الاعتبارات الأخلاقية حول التخصيص الخوارزمي في الأطر النظرية لـ UGT.12
6. نقد النظرية وتحدياتها المنهجية والقياسية (Critique and Methodological Challenges)
6.1. الجدل حول القوة التنبؤية: هل هي نظرية أم مجرد مقاربة؟
تظل UGT موضوعاً للجدل الأكاديمي، خاصة فيما يتعلق بقوتها التنبؤية. يرى بعض النقاد أن النظرية تفتقر إلى القوة التنبؤية اللازمة.10 ويذهب آخرون إلى القول بأن UGT واسعة جداً وتفتقر إلى التمييز الواضح بين "الاحتياجات" و"الدوافع"، كما أن تعريف مفاهيمها ضعيف، مما يجعلها تُعتبر "مقاربة" (Approach) بدلاً من "نظرية" كاملة في العلوم الاجتماعية الدقيقة.14
علاوة على ذلك، تُنتقد النظرية لإغفالها القوة الكامنة لتأثيرات الوسائط وتجاهلها للتأثيرات غير المقصودة الناتجة عن السلوك الانتقائي للمستخدم.10 فبالتركيز الحصري على الجمهور، تتجاهل النظرية القيود والحدود المفروضة من قبل رسائل الوسائط وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على الأفراد.14
6.2. إهمال قيود الرسالة والسياق الاجتماعي-الثقافي
من الانتقادات الموجهة لـ UGT تركيزها الشديد على الاحتياجات الشخصية وإهمالها للسياق الاجتماعي-الثقافي الذي يحدد أو يقيد خيارات استخدام الوسائط.15 قد لا يكون الجمهور مدركاً دائماً بوعي تام لأسباب ارتباطه ببرامج معينة، وهو ما يتعارض مع الافتراض الأساسي لـ UGT بأن الاستخدام
هادف ومقصود.3 هذا التناقض يستوجب استخدام منهجيات نوعية توفر عمقاً إكلينيكياً لفهم الدوافع اللاواعية.
كما أن التركيز على النشاط يغفل أن القيود الاجتماعية والاقتصادية، مثل عدم الوصول إلى وسائط معينة أو ما يُعرف بـ "الفجوة الرقمية"، قد تعني أن بعض الأفراد غير قادرين على اختيار الوسيط الذي يلبي احتياجاتهم على أفضل وجه.14 وهذا يدفع النظرية إلى ضرورة دمج عوامل "الوصول" و"القيود الاجتماعية" ضمن إطارها المفاهيمي.
6.3. التحديات المنهجية المعاصرة والدعوة إلى مقاربات مختلطة
تؤكد المراجعات الأدبية على حدود الطرق التقليدية في UGT، وخاصة الاعتماد المفرط على الاستبيانات لمرة واحدة، والتي تقيس فقط السلوك المُبلَّغ عنه ذاتياً.7 يدعو الباحثون إلى تبني مقاربات مختلطة (Mixed-Methods) تجمع بين الجودة والكمية وتحليلات البيانات الحاسوبية.5
يمكن أن تساعد تحليلات البيانات الضخمة (Big Data Analytics) في التغلب على هذه القيود المنهجية من خلال تحليل أنماط السلوك الفعلي للمستخدمين عبر الإنترنت على نطاق واسع.16 إن استخدام تحليلات البيانات الضخمة، المطبقة حالياً في قطاعات مثل الرعاية الصحية والتعليم 16، يمكن أن يوفر بيانات سلوكية غير مبلَّغ عنها ذاتياً، مما يعزز دقة قياس الإشباعات المكتسبة فعلياً.7
7. نظرية الاستخدامات والإشباعات في البحث الإيبيرو-أمريكي (UGT in Ibero-American Research)
7.1. تقييم منهجي لتطبيقات النظرية في إسبانيا وأمريكا اللاتينية (2020-2023)
تُظهر مراجعة منهجية لتطبيقات نظرية الاستخدامات والإشباعات في أبحاث الاتصال، والتي شملت أوراقاً منشورة بين عامي 2020 و 2022، أن النظرية تظل واحدة من الأطر الأكثر خصوبة وصلاحية في المجال.18 وهذا يؤكد استمرار أهميتها العالمية والمحلية في سياق البحث الإيبيرو-أمريكي.
تكشف الأبحاث في هذا السياق أن الجمهور الأكثر تكراراً في الدراسات هو الشباب (Young People)، وهو ما يتسق مع التركيز العالمي على استكشاف دوافع استخدام منصات التواصل الاجتماعي والبيئات الرقمية.18 أما من الناحية المنهجية، فإن التقنية الأكثر شيوعاً في هذا السياق الإقليمي هي
الاستبيان (Survey).18 تشير المراجع الإسبانية كذلك إلى أهمية السياق الثقافي، حيث يحدد الفرد خياراته بناءً على ذكرياته وتجاربه السابقة مع محتويات الوسائط والبيئة التي يعيش فيها.19
7.2. نقد التطبيق في السياق الإيبيرو-أمريكي: الحاجة إلى التطوير المفاهيمي
على الرغم من الاعتراف بصلاحية UGT، توجه المراجعات النقدية تحذيراً منهجياً مفاده أن معظم الأبحاث في السياق الإيبيرو-أمريكي تكتفي بـ "مجرد ذكر" النظرية دون تقديم تطوير مفاهيمي أو منهجي ذي صلة.18
تُعتبر هذه الممارسة دليلاً على وجود فجوة بين الممارسة والعمق النظري. ففي حين تستخدم النظرية كإطار عمل (الممارسة)، يقلل غياب التطوير المنهجي من القيمة النقدية المضافة للأبحاث الإيبيرو-أمريكية على المستوى النظري العالمي، ويمنع مناقشة حدود النظرية أو استكشاف أبعادها بعمق.18 ولذلك، يجب على الباحثين في إسبانيا وأمريكا اللاتينية تبني نماذج قياس متقدمة، مثل GO-GS والمقاربات المختلطة (الموصى بها عالمياً 7) لتجاوز الاعتماد المفرط على الاستبيانات البسيطة، وإضافة قيمة تفسيرية وتنبؤية حقيقية للنتائج.18
يُلخص الجدول التالي الوضع المنهجي لتطبيقات UGT في البحث الإيبيرو-أمريكي:
ملخص نقدي لتطبيقات UGT في البحث الإيبيرو-أمريكي (2020-2022)
8. الخاتمة والتوصيات البحثية المستقبلية (Conclusion and Future Research Directions)
8.1. الخلاصة: تأكيد صلاحية النظرية في بيئة الإعلام المتغيرة
أثبتت نظرية الاستخدامات والإشباعات مرونتها الاستثنائية وقدرتها على التكيف مع جميع بيئات الإعلام، من الراديو التقليدي إلى التقنيات الغامرة مثل الواقع الافتراضي.2 لقد حافظت النظرية على فرضيتها الجوهرية حول الجمهور النشط الهادف، وهو ما يمنح الباحثين منظوراً يمكن من خلاله استكشاف الأفكار والنظريات حول اختيار الوسائط واستهلاكها وتأثيرها.3
في العصر الرقمي، انتقلت UGT من مجرد وصف الدوافع إلى محاولة التنبؤ بالرضا والتغيير السلوكي من خلال نماذج متقدمة مثل GO-GS. ومع ذلك، تواجه النظرية تحديات مفاهيمية ومنهجية عميقة، خاصة في ضوء تقنيات الواقع المعزز والافتراضي التي تدفع الإشباع إلى أبعاد حسية ومكانية (التجسيد والحضور)، وتزايد سيطرة الذكاء الاصطناعي على خيارات المستخدم.8
8.2. التوصيات لأبحاث مستقبلية متقدمة
للحفاظ على حيوية النظرية وتعميق قيمتها التفسيرية والتنبؤية، يوصى الباحثون باتباع الاتجاهات المنهجية والنظرية التالية:
التوصية 1: الدراسات البينية والتجسيد (Embodied Research): يجب تطوير أبحاث UGT باتجاه الدراسات متعددة التخصصات (Interdisciplinary Studies) 12، لا سيما في سياق التقنيات الغامرة (VR/AR). يجب السعي لقياس مفاهيم مثل "الحضور" و"التجسيد" باستخدام أدوات موضوعية تتجاوز القياسات الذاتية المبلّغ عنها لتعكس تحول الإشباع من كونه عقلياً إلى كونه جسدياً ومكانياً.8
التوصية 2: تحليلات البيانات الضخمة (Big Data Integration): من الضروري استكشاف سبل دمج تحليلات البيانات الضخمة والنماذج الحاسوبية في UGT.7 يمكن لهذه الأدوات أن توفر تحليلاً للسلوك الفعلي للمستخدمين على نطاق واسع، مما يعالج قصور الاستبيانات في قياس دوافع المستخدمين غير الواعية.16
التوصية 3: التحليل العابر للثقافات والاعتبارات الأخلاقية: يجب تكثيف التحليل العابر للثقافات (Cross-Cultural Analysis) 12 لفهم الاختلافات الدقيقة في الإشباعات بين المناطق المختلفة، مثل السياق الإيبيرو-أمريكي حيث تبرز الحاجة إلى تجاوز مجرد الاستشهاد بالنظريات القائمة إلى تطويرها المفاهيمي.18 يجب أيضاً دمج الاعتبارات الأخلاقية حول التخصيص الخوارزمي في الأطر النظرية لـ UGT للتحقيق في التحدي المتمثل في فقدان السيطرة الذاتية للمستخدم على اختياراته.12
التوصية 4: التركيز على GO-GS وتعميق النقد المنهجي: الدعوة مستمرة لاستخدام أطر القياس المتقدمة مثل GO-GS للتحقيق في التغيير السلوكي والرضا بشكل أكثر دقة.11 وهذا يتطلب من الباحثين، خاصة في السياق الإيبيرو-أمريكي، تقديم تطوير مفاهيمي ومنهجي مستمر بدلاً من الاكتفاء بالتطبيقات السطحية لتعزيز القوة التفسيرية للنظرية.18
في الختام، يُنظر إلى UGT في المستقبل على الأرجح كـ "إطار إشرافي" (Supervisory Framework) يدمج مفاهيم من نظريات أخرى ذات صلة (مثل نظرية الاعتماد على نظام الإعلام) 3 لتقديم رؤية شمولية لكيفية استخدام الأفراد للإعلام في بيئة خوارزمية. التحدي الأكبر يكمن في حوكمة هذه الإشباعات لضمان أن تعزيز الرضا بواسطة الذكاء الاصطناعي لا يتم على حساب التنوع المعرفي أو حرية الاختيار الأصيلة.
المصادر التي تم الاقتباس منها
Public Affairs Personnel Perspective: Literature Review, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://www.ou.edu/deptcomm/dodjcc/groups/00C1/lit.htm
The Evolution of Uses and Gratifications Theory: Insights from West ..., تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://journalism.university/media-and-communication-theories/evolution-uses-gratifications-theory-insights/
Uses and gratifications theory - Wikipedia, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://en.wikipedia.org/wiki/Uses_and_gratifications_theory
Uses and Gratification Theory - Learning Theories, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://learning-theories.com/uses-and-gratification-theory.html
Uses and Gratifications Theory in the 21st Century - Kaye Sweetser, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، http://www.kayesweetser.com/wp-content/uploads/2007/08/adpr5990_ruggerio.pdf
(PDF) Uses And Gratifications Theory in Social Media Applications: Today's Active Users, Characteristics and Obtained Gratifications - ResearchGate, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://www.researchgate.net/publication/367298924_Uses_And_Gratifications_Theory_in_Social_Media_Applications_Today's_Active_Users_Characteristics_and_Obtained_Gratifications
A Comprehensive and Critical Literature Review on Uses and Gratification Theory in the Digital Media Age - Preprints.org, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://www.preprints.org/manuscript/202503.2033/v1
A Comprehensive and Critical Literature Review on ... - Preprints.org, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://www.preprints.org/frontend/manuscript/8fc19a81f864357b623b911708cecc77/download_pub
Uses and Gratification Theory in Connection with Knowledge and Information Science: A Proposed Conceptual Model - ResearchGate, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://www.researchgate.net/publication/313362258_Uses_and_Gratification_Theory_in_Connection_with_Knowledge_and_Information_Science_A_Proposed_Conceptual_Model
Uses & Gratification Theory to predict PR effectiveness | by Juan Dorta - Medium, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://juanitodorta.medium.com/uses-gratification-theory-to-predict-pr-effectiveness-18a9c068a9ae
A Systematic Literature Review and Future Research Agenda for the Gratification Discrepancies Approach, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://cmr-journal.org/article/download/21583/14637/103115
A Comprehensive and Critical Literature Review on Uses and Gratification Theory in the Digital Media Age - ResearchGate, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://www.researchgate.net/publication/390251999_A_Comprehensive_and_Critical_Literature_Review_on_Uses_and_Gratification_Theory_in_the_Digital_Media_Age
Application of Virtual Reality, Artificial Intelligence, and Other Innovative Technologies in Healthcare Education (Nursing and Midwifery Specialties): Challenges and Strategies - MDPI, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://www.mdpi.com/2227-7102/15/1/11
Uses and Gratifications Theory in Media Psychology - Verywell Mind, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://www.verywellmind.com/what-is-uses-and-gratifications-theory-in-media-psychology-5217572
Limitations of Uses and Gratifications Theory - Top Dissertation Help from Professionals | TopDissertations, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://topdissertations.com/writing-ideas/limitations-and-gratifications-theory/
What Is Big Data Analytics? Definition, Benefits, and More | Coursera, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://www.coursera.org/articles/big-data-analytics
Explore Big Data Analytics Applications and Opportunities: A Review - MDPI, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://www.mdpi.com/2504-2289/6/4/157
Aplicaciones de la Teoría de Usos y Gratificaciones en la ..., تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://obs.obercom.pt/index.php/obs/article/view/2327
Teoría de usos y gratificaciones - Wikipedia, la enciclopedia libre, تم الوصول بتاريخ أكتوبر 5, 2025، https://es.wikipedia.org/wiki/Teor%C3%ADa_de_usos_y_gratificaciones
مرحبا بك في بوابة علم الاجتماع
يسعدنا تلقي تعليقاتكم وسعداء بتواجدكم معنا على البوابة