أخر الاخبار

الفعل الاحتجاجي والفضاء العمومي الافتراضي بالمغرب

الفعل الاحتجاجي والفضاء العمومي الافتراضي بالمغرب 
نقاشات وإشكاليات

حسناء بيشرادن 
طالبة باحثة في علم الاجتماع السياسي
   إن الفعل الإحتجاجي في المغرب وبالخصوص في السنوات الأخيرة ، عرف مجموعة من التحولات التي ساهمت في تنوع مطالبه وتطورها، كما عرف التوجه نحو تنظيم حركات اجتماعية ذات مطالب مستمرة وعميقة في نفس الوقت، ورفع مطالب أكثر تقدما، رغم المواجهة التي عادت إلى الشارع العام بين الدولة والمجتمع، والعنف والعنف المضاد. فأصبحت أشكال وملامح الاحتجاج بالمغرب تتخذ منحنى أخر يتطلع إلى فعل احتجاجي أكثر تنظيما، ورغم تواجد بعضا من ملامح العفوية والانتقائية، فإن وسائل التعبئة وفضاءات النقاش والتواصل، تجاوزت الوسائل الكلاسيكية وتوجهت إلى استغلال مواقع التوصل الاجتماعي للتعبئة ، وهذا الفعل شهده المغرب في السنوات الأخيرة عقب ما سمي ب "الربيع العربي".

    لقد شهد المجتمع المغربي في السنوات الأخيرة إثارة مجموعة من القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية داخل الفضاءات الافتراضية، مما ساهم في تعبئة الرأي العام والتأثير فيه، نظرا لنسبة النقاش المتزايدة. وتبقى هذه الأفعال الاحتجاجية داخل المجال العام الافتراضي متعددة ومتنوعة، بمساهمة مجموعة من التغييرات التي عرفها النسق السياسي المغربي، بفعل الحراكة الاجتماعية  الذي عرفها المغرب والتي تحمل إسم "حركة 20 فبراير". فساهمت مجموعة من الأوضاع والسياقات الإقليمية والوطنيإلى نيل الحزب  الإسلامي للأغلبية الحكومية، ورئاسته للحكومة له تأثير عميق في منحنى تركيبة البنيات السياسية في المغرب، مما أفرز مجموعة من الإشكالات والنقاشات بين ضعف التكوين الحزبي والانسجام الحكومي، أدى إلى خلخلة التحالفات، مما جعل الأغلبية تشهد تغييرات وأزمات سواء تعلق الأمر بالولاية الأولى عقب حركة 20 فبراير التي عرفت التعديل الدستوري وتنصيب الحكومة بعد الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها.

   مما أفضى إلى استمرار النقاش داخل الفضاء العمومي الافتراضي، كمجال حر لطرح إشكالات وقضايا تخص الشأن الوطني وذات علاقة بالوضعية السياسية والتنموية للمجتمع المغربي، كما أصبح الفضاء العام الإفتراضي مجال للجدال والنقاش المفتوح بين الشبيبة الحزبية ومجال لتبادل العنف الرمزي.

    فمن خلال ملاحظة ما يروج من دعاية وأفعال التعبئة، يتضح أن الأحزاب إتخدت هذه المجالات الافتراضية كوسيلة لتعبئة الرأي العام، عن طريق فتح وخوض باب السخط بين الأحزاب. وضعفها في القيام بدورها في التأطير والتكوين، واستقطاب الفئة الشابة نظرا لضعف نسب الإنخراط في الأحزاب السياسية بالمغرب. مما يطرح تساؤلا عميقا حول سبب ومآل العزوف السياسي في صفوف الشباب المغربي.

    إن فهم طبيعة الفعل الاحتجاجي في المغرب وسلوك المحتجون، لا يتم بشكل صحيح بدون إستحضار النظريات المفسرة لطبيعة المجتمع المغربي ، من طرح الانقسامية ( حسب تعريف كلنر)، وطرح المجتمع المغربي كمجتمع مركب( طرح بول باسكون) في أنساقه السوسيو سياسية. وداخل تركيبة وبنى مؤسساته تحضر ثنائية المؤسسات التقليدية العميقة والخفية، في المقابل هناك مؤسسات حديثة ظاهرة، لكن يبقى دور الأولى أقوى تأثيرا من الثانية. فلا يمكن فهم وتفسير الفعل الاحتجاجي بالمغرب دون استحضار الظاهرة الاحتجاجية في التاريخ المغربي وانطباعاتها والمفارقات التي تغمرها، كما لا يمكن إغفال الإشكالية الجدلية التي طرحت فيما قبل، ولازالت تطرح في الحاضر، ولا زالت إشكالية عالقة، وهي جدلية حقوق الانسان والمحافظة على النظام العام. وهي أهم إشكالية يطرحها الفعل الاحتجاجي بالمغرب بشكل كبير سواء في زمن ما قبل دستور 2011 وفيما بعده.

    إن نشوب الفتنة، وتقسيم الشعب، والانفصال، وزعزعة الوحدة الوطنية تطرح في الجانب المغاير للفعل الاحتجاجي بالمغرب، مما يجعل فاصل كبير من المجتمع يختار القرب المتعلق بأمن الدولة والمحافظة على النظام العام، رغم ما عرفه حراك الريف من اعتقالات، والمواجهة المضادة بين المجتمع والدولة وبين الدولة والمجتمع، والعنف ثم العنف المضاد، والنقاش الكبير الذي افرزه حراك الريف، وحراك جرادة ، والاتهامات المتبادلة والخطابات الصادرة في الأمر، والتي تحمل حمولة ضد الأحزاب التي لم تقوم بدورها في المجتمع.

  لكن يبقى الإشكال المطروح يمس الأشكال الجديدة للاحتجاج داخل الفضاءات الافتراضية الواسعة النطاق، والعابرة للحدود، وللشارع العام والمجتمعات المحلية بالمدن والقرى، بل تجاوزها ليتخذ أشكال مغايرة للمسيرات في الشوارع والوقفات أمام البرلمان ....فهو نوع أخر من الفعل الاحتجاجي الذي يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لإنتاجه وتعبئته وتمريره والتأثير على الرأي العام بالدعاية والإشاعة بشكل تنظمي مهيكل وفعال في إثارة الأحداث بشكل سريع وتداولها في صفوف العامة. كما يدخل هذا النوع من الاحتجاج ضمن الأشكال الحضرية والتي تحمل نسبيا أخلاقيات النقاش بمفهوم " هابرماس".

    مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر اليوم ضمن الوسائل الأكثر فعالية في الرأي العام، عن طريق نشر أخبار وأحداث، وتنقلها بشكل سريع، وتدولها بكثافة بين مختلف فئات المجتمع. فمنذ حركة 20  فبراير والمغرب يشهد ثورة فيسبوكية تعبوية للرأي العام  كغيره من البلدان العربية والإسلامية.

  فإن تفسير وتحليل المقاطعة التي عرفها المجتمع  يوم 20 أبريل في هذا العام (2018) هي صيرورة تعبوية، لها مسار ليست بعفوية أو تلقائية، بل منظمة بشكل دقيق  نظرا لإختيار مقاطعات منتجات، مصنفة ومحددة وشركات معينة. لا يمكن فهمه دون استحضار مجموعة من الأفعال الاحتجاجية الشبيهة لها والمثيرة الجدال والنقاش في فضاءات المواقع الاجتماعية، مما يستدعي الباحثين المتخصصين في الفكر السياسي وعلماء السياسية والعلماء السوسيولوجيين لدراسة السلوك الاحتجاجي عند المواطن المغربي، ومساره ومآلته وتأثيره على الفعل السياسي، ونجاعته. فهل سيحقق مطالب نسبية أم لا؟ وهل يعرف الاستمرارية والصمود حتى تحقيق المبتغى؟ أم يصاب بالذهول في فترات معينة؟ وما هي الجهات المستفيدة من هذه القضايا المطروحة؟ ومن هم المنظمون والمخططون لهذه الأفعال الاحتجاجية؟ ثم هل هذه الأفعال خالية من الإيديولوجية ولم تتخذ مصالح حزبية وسياسية؟ وهل يمكن اعتبارها مجرد أفعال احتجاجية تصدر من جهات ضد جهات بشكل متبادل؟

     إن هذه المقاطعات لا يمكن فهمها بمعزل عن تحويل الصراع السياسي إلى الاقتصادي عن طريق التصفيات الحزبية إن صح التعبير، واعتمادا بمواجهات هذه الشخصيات ذات  الارتباط السياسي والاقتصادي باحتكار وسائل الإنتاج، مما أفضى إلى الاحتقان والسخط.

  إن مكانة السوق واستغلاله من طرف ذوي السلطة والرأسمال المادي، وتأثيره بالبنيات التقليدية ، إنعكس على صيرورة النسق السياسي المغربي، وخلخل بنياتها، مما ألزم حضور النخب بشتى أنواعها السياسية والمثقفة التي غابت في الحقل السياسي المغربي باستنتاجاتها وخلاصتها، فيما يخص تغيير الفضاء العمومي الافتراضي والصراع بين الأحزاب حول الوصول إلى السلطة في غياب برامج حزبية قريبة للواقع المعاش.

     فمقاطعة منتجات هذه الشركات " سنطرال ، سيدي علي، إفريقيا" يستهدف أشخاص بقدر ما يستهدف الاحتكار الاقتصادي. مما يتطلب ربط هذه المقاطعة بالأفعال الاحتجاجية السابقة لها وربط بعضها ببعض، لفهم هذا النوع التعبوي من الاحتجاج، وتأثيره على الرأي العام، وملاحظات أراء بعض المثقفين الذين يطرحون استنتاجات مبسطة لا تمس العمق ولا تدرسه ، مما يجعل النخبة المثقفة في محك الإيديولوجية وانتماءاتها الحزبية. وحفاظا على مصالحها لم تعود تقوم بدورها المجتمعي، بقدر ما تقوم بدورها في الحفاظ على مصالحها الشخصية وتعزيز مستواها العلائقي. كما تطرح هذه المقاطعة تساؤل وهو كالتالي : أين يكمن الدور  الغائب للوسائط المجتمعية المتمثلة في الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني؟ علما أن المواطن المغربي دائما يحتج ضد الغلاء المعيشي وارتفاع فواتير الماء والكهرباء، وارتفاع نسب البطالة في صفوف حاملي الشواهد، وارتفاع نسب الفقر والتهميش. فالوسائط المجتمعية أصبحت مشلولة في انتظار مبادرة الشعب لاستغلالها والركوب عليها وتبنيها. لإعلانها لموقفها أنا مع أو ضد.
    لكن أين دور النخبة المثقفة التي يجب عليها أن تكون في مكان " المشاهد المحايد" في تقديم تحليلات دقيقة لمحتوى التغيير داخل النظم المجتمعية بالمغرب، ودورها أيضا في فهم ظاهرة الاحتجاج وربطها بمدى فعاليات السياسات العمومية وحوكمتها، في ظل انتظار تنزيل مقتضيات دستور 2011 . وفهم انفصامات السلوك المغربي بين رفضه وقبوله لسلوك يرفضه وفي نفس الوقت يفعله أو يشارك فيه.

   فيبقى التساؤل عن مآلات هذه المقاطعة الرائجة في أوساط الفيسبوكيين، هل سيكون لها تأثير ايجابي في الأفق، أم ستبقى مجرد احتجاجات كمثيلتها المرتبطة بتقاعد البرلمانيين، مهرجان موازين، بالرغم أن هذه الفضاءات الافتراضية لها تأثير في إنماء ثقافة الاحتجاج، وتعبئة النقاش لقضايا مهمة، والمتعلقة  بالقضية الترابية. وتتبع مآلاتها والبحث على كل جديد يتعلق بملفها وراهنتيها.

    كما أن المغرب في السنوات الأخيرة عرف نقاشات واحتجاجات داخل مواقع التواصل الاجتماعي تشمل قضايا مختلفة ومتنوعة، منها ما هو سياسي واقتصادي وثقافي كقضايا الاعتداءات الجنسية، مهرجان موازين، الإفطار في رمضان ، المثلية الجنسية، النفايات المستوردة في ايطاليا، الكوبل الحكومي، جوج فرانك، وزير الكراطة، مول شكلاط ، إضافة إلى المغربي اعيش ب 20 درهم ... ثم الآن كلمة  المداويخ.

      لكن الإشكال المطروح أيضا والذي يحتاج إلى تفسير دقيق في سلوك الاحتجاجي عند المغربي، هو مدى إقناعه بذلك الفعل؟ هل يتبناه فقط دون الاقتناع به؟ كما هو الحال لرفض مهرجان موازين، لكن كل سنة تزيد حدة الجمهور في المهرجان؟ ونفس الأمر بالنسبة لرفض التعليم بالتعاقد، وأكبر نسبة من العاطلين يشاركون في المباراة؟ إذن يجب العمل على دراسة الفعل الاحتجاجي ارتباطا بالنسق، وبكل ما يحمله من نظم سياسية واقتصادية، لأن الاحتجاج في المغرب  يجب تفسيره بالتحليل ما استنتاجه الباحث عبد الكبير الخطيبي عندما قال" ينمحي المغربي أمام السلطة ثارة، ويتآلف معاها تارة أخرى. ومن كونه مسالما ومحبا للمظاهر، يغدو جافا وصامتا حين تفاجئه عاصفة الأحداث. وحين يثور فإنه يكنس كل ما يعترض طريقه. حينما يكون المغربي ثريا، يشكل لنفسه زبناء، أما في فقره، فإنه يتوصل إلى أن يكون من بين أولئك الزبائن". يجب فهم وتحليل قول الباحث "عبد الكبير الخطيبي" لما له من  دور في تحليل منطق الاحتجاج لدى المواطن المغربي.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -