أخر الاخبار

مفهوم الظاهرة الاجتماعية

مفهوم الظاهرة
في مفهوم الظاهرة والظاهرة الاجتماعية - حسن قروق 

في مفهوم الظاهرة والظاهرة الاجتماعية.

لا شك أن مفهوم الظاهرة من أهم المفاهيم في علم الاجتماع، وذلك لارتباطه بأساس هذا العلم؛ فعلم الاجتماع كما يعرفه البعض هو: دراسة الظواهر أو النظم أو العلاقات او الأنماط الاجتماعية دراسة تحليلية وضعية، أي دراسة الظواهر الاجتماعية دراسة مبنية على أساس بحوث علمية لكي يستنتج أو يستقرئ منها الباحث القواعد والقوانين التي تخضع لها هذه الظواهر[1].
فجل تعريفات علم الاجتماع نجد فيها كلمة "ظاهرة" أو "ظواهر"؛ لذلك جاءت هذه المادة التي قصدنا من خلالها توضيح  هذا المفهوم.

☑️ مفهوم الظاهرة لغويا:

عند البحث في قاموس لسان العرب عن كلمة ظاهرة، نجد أن "الظهر" من كل شيء: خلاف البطن[2]، وفي المعجم الوسيط: الظاهرة من الأرض المشرفة، والظاهرة من العين الجاحظة، وظاهرة الرجل عشيرته، والظاهرة الأمر ينجم بين الناس، يقال بدأت ظاهرة الاهتمام بالصناعة[3]. أما معجم اللغة العربية المعاصر فقد شرح الظاهرة بأنها أمر ينجم بين الناس ويعم: (ظاهرة الادمان / التدخين، ظاهرة الشعر الحر)[4].
بعد هذا السرد المبسط اللغوي، يتبين لنا أن الظاهرة لغويا هي: كل شيئ ظاهر في المجتمع، في هذا السياق نتسائل: هل علم الاجتماع يدرس الظواهر الظاهرة فقط؟ وإذا كان الأمر كذلك؛ سوف يتخلى علم المجتمع - على حد تعبير ماركس - عن عدد كبير من الظواهر والمشاكل التي تنبت في المجتمع، خصوصا بعد الثورة التكنولوجية التي أحدث تغيرا في هيكلة الأنظمة الأسرية، والإقتصادية، بحيث تغيرت عادات الأسر على مستوى: الأكل والتجمع والحديث، فالتجمع أثناء الأكل ومشاركة أفراد الأسرة في الحديث أصبح أمرا من الماضي؛ لأن الأجيال الجديدة استبدلت التجمعات الواقعية بالتجمعات الافتراضية.
فإذا كنا سابقا نتجمع ونستمع إلى مشاكل بعضنا، أصبحنا نشارك مشاكلنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي من خلال البث المباشر، إذ نجد آلاف المتابعين لهذا البث الذي قد يكون محتواه عبارة عن قصة، أو رقص، أو جلسة علمية،  وهذا الأخير ناذرا ما نجده.
أما المقاهي التي كانت المكان المناسب لقراءة الصحف ولقاء الأصدقاء وتبادل الأحاديث[5]، أصبحت اليوم مكانا شبه مهجور، أشباح تعمل بشبكة wifi، فبمجرد اتصال هاتف أحد زائري المقهى بالانترنيت، ينتقل إلى عالم آخر منعزل تماما عن الواقع.
بناء على هذا هل يمكن لعلم الاجتماع أن يدرس سلوك الأفراد؟ أم علينا البحث عن علم آخر؟
هنا يدخل علم النفس الاجتماعي الذي يدرس سلوك الفرد كما يتشكل من خلال تفاعله مع منبهات البيئة الاجتماعية، وسلوك الأفراد والجماعات في المواقف الاجتماعية والتفاعلات الاجتماعية، وهو يختلف في ذلك عن علم الاجتماع الذي يهتم بدراسة التنظيم الاجتماعي والمشكلات الاجتماعية[6].
قبل انتقالنا للحديث عن الظاهرة الاجتماعية تبين لنا من الأسطر السابقة، أن الظاهرة لغويا هي كل شيء ظاهر، وتساءلنا عن مصير الظواهر التي ظهرت مع الانفجار التكنولوجي، الذي أدى بالإنسان إلى الهروب من الواقع إلى عالم افتراضي...

☑️ تحديد الظاهرة الاجتماعية من خلال دوركايم:

على سبيل التمهيد:
لقد نسجت الفلسفة الوضعية التي عبر بها كونت عن تصوره لعلم الاجتماع خيوط فكر دوركايم، ويتبدى ذلك بوضوح في تأكيده علة ضرورة تناول الظواهر[7] الاجتماعية كأشياء، وهو التأكيد الذي يعنى صراحة أو ضمنا محاكاة العلوم الطبيعية وتطبيق نظرتها وتصورها للظواهر المجتمعية[8].

☑️ دوركايم وتشخيص الظاهرة الاجتماعية:

من بين أهم ما عُنِيَ به دوركايم محاولته تحديد الظاهرة الاجتماعية وتشخيصها، بوصفها الموضوع الأساس لعلم الاجتماع[9]، وفي هذا السياق حدد لها الخصائص التالية[10]:

تعريف الظاهرة الاجتماعية 

1.  تعرف الظاهرة الاجتماعية بأنها نتاج تأثير شخص أو مجتمع أو جماعة على شخص آخر، وينطوي هذا التأثير على كل نماذج السلوك الذي يحدث بين الناس، سواء كان فيزيقيا أو نظاميا، وعلى جميع الموافق الاجتماعية.

خصائص الظاهرة 

وتعتبر الظواهر الاجتماعية بمثابة الوقائع الإمبريقية التي يمكن ملاحظتها في الحياة الاجتماعية. فهي عبارة عن قوالب وأساليب للتفكير والعمل الإنساني.
2. الظاهرة موجودة خارج شعور الأفراد، بمعنى أنها أشياء خارجية تستلزم دراستها دراسة موضوعية، لا على أساس تحليل شعور الفرد في الزمان والمكان.

3. الظاهرة الاجتماعية  تمثل جانبا جديدا في حياة الإنسان، فإذا كان الإنسان بمقتضى طبيعته النفسية يشعر ويحس ويتألم  ويتلذذ ويتخيل...، وإذا كان بمقتضى طبيعته البيولوجية يأكل ويشرب وينتقل من مكان لآخر، فإن طبيعته الاجتماعية الجديدة تفرض عليه أن يعيش في مجتمع ويتعامل مع أفراده ويتعايش معهم، ويخضع للأوضاع السياسية والاقتصادية والتربوية واللغوية... الكائنة بالمجتمع.

4. أن الظواهر الاجتماعية كما يقول دوركايم، تركيب خاص ينشأ من الفعل ورد الفعل بين ضمير الفرد من جهة وبين العقل الجمعي من جهة أخرى، فهي ليست من صنع فرد من الأفراد، ولكنها من صنع المجتمع ومن خلقه وتنشأ بوحي من العقل الجمعي.

5. تمتاز الظاهرة الاجتماعية بأنها مترابطة ومتداخلة، ويفسر بعضها البعض، ويؤثر بعضها في البعض الآخر، فلا يمكن دراستها منفصلة عن بعضها أو منفردة، فالأسرة كظاهرة اجتماعية مثلا مرتبطة بالظواهر الاقتصادية، والاقتصادية مرتبطة بالسياسية... وهكذا.

6. الظاهرة الاجتماعية تتصف بالعمومية والانتشار، أي يشارك فيها معظم المجتمع.
7. الظاهرة الاجتماعية تاريخية، بمعنى أنها سابقة في الوجود على الوجود الفردي.
8. أنها تتسم بالجبر والقسر، وتمتاز بقوة آمرة قاهرة هي السبب في أنها تستطيع أن تفرض نفسها على الفرد أراد ذلك أم لم يرد.

9. الظاهرة الاجتماعية معقدة، أي لا يمكن إرجاعها لسبب واحد لانها تعود إلى عوامل متعددة، وقد أخطأ الكثيرون حينما حاولوا تفسيرها بعامل جغرافي أو سياسي أو اقتصادي أو عنصري أو نفسي، فظاهرة الجريمة مثلا يمكن أن نجدها محصلة لمجموعة من الأسباب النفسة والاقتصادية والتربوية، والدينية، والعلمية. ولهذا التعقيد كانت دراستها أصعب من دراسة الظواهر الطبيعية.

10. الظاهرة الاجتماعية نسبية ومتغيرة من حيث الزمان والمكان، فالزواج مثلا يختلف من حيث تطور أشكاله على مر العصور، كما أنه يختلف من مجتمع لآخر من حيث عدد الأزواج والزوجات ومن حيث تقاليد الزواج...
11.   الظاهرة الاجتماعية مكتسبة، فيتم تنشئة الأفراد عليها داخل الأسرة والمجتمع، ومن تبادل الآراء واتصال وجهات نظرهم، وانتصار رغباتهم وإرادتهم .

12. تمتاز الظاهرة الاجتماعية بصفة الجاذبية، وهي صفة أضافها دوركايم ليرد بها على معارضيه الذين اعتبروا أن وصف الظاهرة الاجتماعية بالجبر والإلزام يجعلها ثقيلة على الناس، لأن هناك إرادة أقوى من إرادتهم تتحكم فيهم، فيرد دوركايم بأن الإلزام هنا له جاذبية وهذه الجاذبية نوعان:
  • لا شعورية : لأن الأفراد يعتادون عليها، ومتى اعتاد الفرد على شيء فإن هذا الشيء يصبح سهلا ميسورا على الفرد، بل محببا إلى نفسه.
  • شعورية : وهي تتردد من وقت لآخر، في مناسبات معينة، كما هو الحال في الاحتفالات والأعياد وغيرها.
هذه هي أهم الخصائص المميزة للظواهر الاجتماعية التي استأثر بدراستها علم الاجتماع، وجعل منها ميدانا ومجالا لدراسته وبحوثه[11].
وبهذا نكون قد أتينا على نهاية هذا المقال موضحين بذلك مفهوم الظاهرة لغويا، ومفهوم الظاهرة الاجتماعية. معتمدين على دوركايم باعتباره أول من حدد مفهوم الظاهرة الاجتماعية ووضع أسسها وضوابطها.




[1] الدكتور طالب عبد الكريم كاظم القريشي،الظاهرة الاجتماعية عند دوركايم،مجلة دراسات إسلامية معاصرة،العدد السادس، 2012، ص 331.
[2] معريف ومعنى الظاهرة في لسان العرب اطلع عليه يوم 30/01/2019.على متاح على الموقع https://www.almaany.com
[3] الموقع نفسه، تعريف و معنى الظاهرة في قاموس المعجم الوسيط. قاموس عربي عربي .
[4] الموقع نفسه، تعريف و معنى ظاهرة في قاموس اللغة العربية المعاصر. قاموس عربي عربي.
[5] ايات، قصة اختراع المقاهي، اطلع عليه يوم 30/01/2019، متاح على الموقع https://www.qssas.com/story/19103
[6] عوض، عباس محمود، علم النفس الاجتماعي، دار النهضة العربية، بيروت،1980، ص 20.
[7]  في الأصل الظاهرات الاجتماعية.
[8] عبد الباسط عبد المعطي، اتجاهات نظرية في علم الاجتماع، عالم المعرفة، العدد 44، ص 80.
[9] عبد الباسط عبد المعطي المصدر السابق ص 80.
[10] أنظر إميل دوركايم، قواعد المنهج في علم الاجتماع، ترجمة د. محمد قاسم، ومراجعة  د. محمد السيد بدوي.
[11] أحمد رافت عبد الجواد، مبادئ علم الاجتماع، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة، ص 19 - 20

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -