أخر الاخبار

كتاب التربية - هريرت سبنسر pdf

كتاب التربية - هريرت سبنسر pdf

 كتاب التربية - هريرت سبنسر  - pdf

تمهيد
 ولد هربرت سبنسر بمدينة دربي قرب لندن في ٢٧ أبريل سنة ١٨٢٠ ، وتوفي بمدينة بريطن في ٨ ديسمبر سنة ١٩٠٣ وهو في الرابعة والثمانين من عمره؛ فخسرالعالم بوفاته كوكب فلسفته الزاهر، وروض حكمته الناضر، كيف لا، وهو الذي شهد له أعلام العلم وجهابذة النقد بأنه إمامهم وحامل لوائهم، فقال فيه الاقتصادي الشهير جون ستيورت وأشار إليه الأستاذ داروين البعيد الذكر بقوله: .« إنه لدائرة المعارف ومحيط العلوم » : مل ،« ملك الفلاسفة في هذا العصر » : وسماه وردبيتشرأحد نوابغ الأميركيين .« فيلسوفنا الكبير » ولوسردنا .« إن عقله لجبار العقول » : وحار العلامة مكوش الأميركي في عظم عقله فقال ما قيل في هذا الصدد لطال الحديث حتى مله القارئ.

 نظامًا في » وقد أنشأ الفيلسوف المذكور عدة مؤلفات أهمها نظام فلسفته المسمى ثم مؤلف ،« المبادئ الأولية » وهو يتضمن خمسة أقسام؛ أولها يدعى ،« الفلسفة التركيبية في البيبلوجيا (علم الحياة)، وآخر في البسيكولوجيا (علم النفس)، ورابع في السوسيولوجيا (علم الاجتماع)، والخامس في علم الأخلاق، والقطب الذي تدور عليه فلسفة سبنسر هو أن العالم جارٍ على سنة الارتقاء من البسيط إلى المركب، ومن غير المحدد إلى المحدد، ومن المتماثل إلى المتنوع، وأن العالم سائر من حسن إلى أحسن.

 وكان سبنسركغيره من كبار الفلاسفة يرى أن أقوم السبل إلى الصلاح والارتقاء هو الاهتداء بسراج الطبيعة واتباع سنتها، ويرى أن أصل الشر والبلاء في الجور عنصراط الطبيعة المستقيم والعمى أو التعامي عن مصباحها المنير، وقد أنكر من نظام التعليم في بلاده ضلالًا عن المنهج الأسد وخبطًا واعتسافًا، فألَّف كتابه الشهير في فن التربية، وهو الذي يحمل القارئ في كفه ترجمته، ولما وجدنا شبهًا قريبًا بين ما أنكره سبنسر من نظام التعليم في بلاده وبين ما ننكره نحن من نظام التعليم في بلادنا، رأينا من الخير أن ننقله إلى العربية؛ لنجني من ثمراته ما جنت الأمة البريطانية وقراء الإنكليزية عمومًا وأهل اللغات التي تُرجم إليها هذا الكتاب وهي معظم اللغات الأوروبية، ولنا الأمل الوطيد في أن فائدة الأمة المصرية من آراء ذاك الفيلسوف الكبير لن تقل عن فائدة أعظم الأمم انتفاعًا منه واغتباطًا به، ولله الموفق للصواب.  

 التربية العقلية

 إن هناك علاقة متينة بين نظامات التربية المتعاقبة على ممر الأزمان وبين ما يعاصرها من النظامات الاجتماعية؛ إذ منشأ الجميع إنما هو العقل الإنساني، فإذا رجعت البصر في تاريخ الأمم، رأيت أن تربية الأطفال كان يؤخذ فيها بالقسر والقهر أيام كانت الناس تُرغم على الأديان والعقائد إرغامًا، فلما انعكست الحال وأساغ المذهب البروتستانتي للراشدين النظر في مسائل الدين، أحدث ذلك تغييرًا في خطة التربية ليتطابق النظامان ويتوافقا، فعادت التربية أسبابًا تعرضبها وجوه العلم على عينالذهن لتنتقدها، فتستجيد الخالص وتستهجن الزايف، وكذلك لما كان حكم الاستبداد والجبروت نافذًا في الأمم، إذ تضرب الأعناق على سفاسف الذنوب؛ كانت حال التربية من القسوة والغِلظة تشاكل طبائع الحكومات، فلم يكن إذ ذاك أسهل ولا أعم من اللطم والضرب بالسياط والعصي على أحقر الذنوب وأهونها، فلما فشت الحرية السياسية فألغيت القوانين المقيدة لأعمال الأفراد، وخفف قانون العقوبات؛ استوجب ذلك تعديلًا مشاكلًا في خطة التربية، ففُكت قيود الطفل، ورجع في تدبيره إلى وسائل غير العقوبات. وكذلك في أعصرالزهد والقشف، إذ يقيس الناس فضل المرء وتقواه بمقدار ما يحرم نفسه المناعم والملاذ. كانت التربية في ذاك الوقت مُقامة على دعائم الحرمان والمنع، فلما ذهب الدهر بتلك العقائد، وأصبح الناس لا يرون بأسًا في التنعم بالحلال الطيب من الملاذ وقصرت أوقات الشغل، وأطيلت أزمان الفراغ والاستراحة؛ أدرك الآباء والأساتذة وجوب إرخاء شهوات الطفل ما لم تتعدَّ حد الصواب، وإباحتهم ما تنزع إليه طباعهم من اللعب والمرح، فقد رأيت المشابهة بين النظام الاجتماعي والتعليمي في العصور المختلفة.

 وهناك مشابهات أخرى سنوردها الآن؛ وهي المشابهات الكائنة بين الأسباب التي أحدثت ما ذكرنا الآن من التغييرات، ثم المشابهات الكائنة بين الوجوه المتعددة للرأي  المتشعب الذي ساقت هذه التغييرات إليه، ولقد كان منذ بضعة قرون توحد في العقائدسواء في الدينية أو السياسية أو التعليمية، فكان الناسكلهم كاثوليك وملوكيين وأرسطاليسيين، حتى لم يخطر بخاطر إنسان في ذاك الحين أن يحدث تبديلًا في طريقة التعليم السائدة إذ ذاك، وهي الطريقة النحوية الصرفية التي تخرَّج عنها كل متخرج في تلك الأعصر، ثم كان ذلك العامل الفعال ألا وهو الولوع بتحقيق الحرية الشخصية، الذي أدى إلى النهضة البروتستانتية، ثم أحدث بعد تعددًا في المذاهب الدينية مستمر الزيادة، والذي أنشأ الأحزاب السياسية التي لا يزال يتولد عنها أحزاب جديدة كل عام، والذي ساق إلى الثورة العلمية ضد مذاهب العلم القديمة المسماة الثورة الباكونية (نسبة إلى منشِئها باكون الفيلسوف الإنكليزي)، التي أنتجت أفكارًا جديدة هذا الولوع بتحقيق الحرية الشخصية، قد أدى كذلك إلى تشعب في خطط التربية وتنوع في أساليب التعليم.


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -