أخر الاخبار

في سوسيولوجيا "الثورات العربية" pdf

في سوسيولوجيا "الثورات العربية" pdf

في سوسيولوجيا "الثورات العربية" من خلال الثالوث الزمني:
محاولة تحليلية استشرافية لمظاهر التغيـــر ( الحدود والتناقضات)

  • د سعيد الحسين عبدولي
  • جامعة قرطاج ( تونس)

مقدمة:

إن تقدم الأمم والشعوب رهين جملة من المعطيات تكوّن مجتمعة حلقة متساندة- متكاملة قصد تحيق النهــضة الـشاملة. و يعدّ التألق المعرفي من أبرز العوامل المؤدية إلى هذا التحوّل، ذلك أن العلم وعلى حد تعبير المنصف وناس " قدر كل المجتمعات وتوقها الأبدي(...) ولا علم إلا في فضاء تسوده الحرّية(...) العلم خلاص من الخوف و الجهل و الغموض"[1].

فالتألق المعرفي هو الحلقة الفاصلة بين واقع العتمة والتبلّد الفكري والانحطاط القيمي وواقع الفعل والتميّز بما يستجيب وحاجيات الانسان النوع للبقاء. ومن هنا فإن الصلة بين الانتاج المعرفي ومقومات الانسان النوع عميقة عمق حاجة المجتمع إلى البقاء والاستمرارية. ولعل التأمل في مرآة التاريخ يؤكد جدية هذا الطرح في القرآن الكريم الذي ساهم في انتقال البشرية من الجهالة إلى المدنية[2]. وفي المثال الأوروبي أطلق على تلك المرحلة الفاصلة بالأنوار وهي إعمال العقل وبروز علوم جديدة اختصت بدراسة الانسان و المجتمع فكان من بينها علم الاجتماع الذي ولد في العالم العربي وقُبر فيه، ليتأسس كحقل معرفي مستقل في أوروبا ما بعد التنوير، استجابة لحاجيات المجتمع الذي يشهد حراكا متسارعا بحكم جملة المتغيرات التي شهدتها و التي هيئتها لاستعمار البلدان المتخلفة بما في ذلك العالم العربي.

من هنا فإن واقعنا العربي بحاجة ماسة إلى مراجعة جذرية تشمل كل المجالات وفي مقدمتها إعادة تشكيل الانتاج المعرفي ليستجيب مع واقعنا بخصوصياته المختلفة على الآخر الذي طالما مثل لنا مصدر إلهام. ذلك أن الرصـــيد السوسيولوجي العربي لا يـزال مرتـبطا بالمدارس الغربية بقسمـيها الفرانكـفوني و الأنكلوسكسوني في مستوى المفاهيم والمناهج والأطر النظرية، مثلما أن الواقع العربي مختلف سواء في بنياته ورصيده الثقافي أو في كل ما هو قطاعي عن نظيره الغربي. وعليه نستنتج مبدئيا أن هناك خللا سيكون نتيجة هذا التركيب المسقط والعاري من الموضوعية، فإما أن يفرز هذا التوجه معرفة عليلة أو قراءات تشويهية تفتقد إلى شرط النزاهة والدقة أي وفق ما نقرؤه في مقولة مالك ابن نبي" وعلاج أي مشكلة يرتبط بعوامل زمنية نفسية، ناتجة عن فكرة معينة، تؤرخ من ميلادها عمليات التطور الاجتماعي، في حدود الدورة التي ندرسها. فالفرق شاسع بين مشاكل ندرسها في إطار الدورة الزمنية الغربية، ومشاكل أخرى تولدت في نطاق الدورة الاسلامية"[3]

بعد هذا الاستطراد الوجيز، فإن هناك سؤالا محوريا ملحا لا بد من طرحه يكون موضوعه الواقع العربي بكل تراكماته وهو: إلى أي مدى وفّق العقل العربي في انتاج مدرسة سوسيولوجية قادرة على دراسة واقعنا العربي؟ وعلى ضوء هذا السؤال المركزي فإن هناك أسئلة أخرى تتصل بنفس مدار الاهتمام من ذلك مثلا: ماهي أبرز الموضوعات السوسيولوجية التي تنتظر منا أولوية الدراسة، خاصة بعد موجات التغيرات الاجتماعية التي تشهدها المنطقة؟

على هذا الأساس نروم من خلال هذه المداخلة تقديم محاولة في القراءة السوسيولوجية تجيب عن بعض جوانب المجتمع العربي والتغيرات التي طرأت عليه، مما أفرز جملة من التحولات العميقة التي مست بعض أقطار الوطن أي ما يصطلح البعض على تسميته بـ"الثورات العربية"، التي اندلعت أول شراراتها من تونس لتمتد إلى ليبيا واليمن ومصر وصولا إلى سوريا. مخلفة تحولات عميقة ليس من السهل تقييمها بحكم تشابك عناصرها وتعقيدها، خاصة مع تدخل الأطراف الخارجية وتعمّق الأزمات الداخلية التي كان يفترض أن تنجلي وتؤسس إلـى واقع جديد قائم على العدل والمساواة واستـعادة الهوية المسلوبة أو المغيّبة بحكم سياسات الاقصاء المتتابعة. ناهيك وأن ما حصل كان نتاج تضمر الطبقات الشعبية المفقّرة والتي عانت ويلات هذه الأنظمة التي حكمتها بشتى أنواع العنف... وهذا ما سيعنى به مقالنا تحت عنوان: في سوسيولوجيا "الثورات العربية" من خلال الثالوث الزمني: محاولة تحليلية استشرافية لمظاهر التغير ( الحدود والتناقضات).
♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -