أخر الاخبار

نظريات النمو و التعلم و رهانات بناء الإنسان - ديرار عبد السلام

 ديرار عبد السلام

نظريات النمو و التعلم و رهانات بناء الإنسان.

تم التحقق من هوية الكاتب
ديرار عبد السلام

 تـقـديـم:

   يَقْدمُ الكائن البشري إلى العالم مفتقرا إلى أبسط الإمكانيات التي تؤهله لمواجهة الحياة فهما و تلاؤما و استيعابا و فعلا، و يمُرُّ بعملية نمو وتحوّل طويلة ليصل إلى حال التكوين النفسي و الجسمي و العقلي الذي يميز سلوك "الراشد" أو الناضج" أو "المُكْتملة ملامحُه"...،ذلك "الانسان" الجديد الذي يختلف جذريا عن بدايته الأولى، لأنه "نما" . فكيف ينمو الانسان أو بالأحرى الطفل؟ ماهي المراحل أو المحطات البارزة التي يقطعها في عملية النمو هذه؟ ما هي العوامل المُسَرّعة و المعطّلة لهذه العملية؟ هل تشمل عملية النمو بالضرورة كل جوانب و أبعاد الشخصية أم أنها قد تقتصر على واحد منها أو أكثر دون الباقي (نمو الجسد دون نمو العقل مثلا)؟ و لماذا يحصل ذلك؟ و ما هي أهم النظريات العلمية التي حاولت بناء هذه الظاهرة (ظاهرة النمو) علميا؟ و ما علاقة كل ذلك برهانات بناء الإنسان / المواطن، هذه الرهانات التي باتت طبيعتها تُحدّدُ مكانة المجتمعات بل تُحدّد ترتيبها على سلم الحضارة و التقدم و القدرة على التنافس و اكتساب موقع جدير بالاحترام تحت الشمس؟

أ- الاهتمام العلمي بتعلّم الانسان و نموّه حديث نسبيا:

الانشغال الفكري بالجواب عن السؤال "كيف يتعلم الإنسان؟ و كيف ينمو؟" قديم جدا، يرجع إلى عصر ازدهار الفلسفة في اليونان قبل الميلاد بقرون، و القول الخالد للفيلسوف الخالد سقراط "اعرف نفسك بنفسك" دليل ساطع على مركزية موضوع التعلم و النمو في الفكر اليوناني. ثم إن الأفلاطونية بكاملها يمكن النظر إليها باعتبارها
 "مدرسة" ل "التعلم" و "النمو" بالمعنى الذي أراده  أفلاطون. و يصْدُق  نفس  الأمر

على "الفيتاغورية" و "الأبيقورية" .... كما أنه ليس من العسير الكشف على كون مفكرين و فلاسفة مسلمين كبارا خصّصوا جزءا هامّا من اهتماماتهم لهذا الموضوع خلال مرحلة ازدهار الفكر العربي الاسلامي بعد أُفول نجم اليونان، و كل من حظي بشرف  الغوص في الإرث الثقافي الإسلامي، لا بد أن ينبهر أمام الاهتمام المبكّر، و بأسئلة في غاية العمق لمفكرين عظام من أسد بن فرات و ابن مسكويه و ابن سحنون و أبي الحسن القاسمي و ابن سينا و الغزالي و ابن خلدون و إخوان الصفا...، و كلهم شغلهم بل سكنهم همُّ البحث عن جواب لأسئلة عويصة بات الجواب عنها اليوم يحدد مصير الشعوب و موقع أجيالها المقبلة بين بني البشر، والتي هي أساسا: "كيف السبيل إلى تهذيب أخلاق الطفل؟ " (كيف تربي بلغة اليوم). و "ماهي أحوال المعلمين و المتعلمين؟ " (ماهي المواصفات الأساسية المطلوبة في المدرس، و ماهي الشروط الضرورية لتسهيل عملية النمو و التعلم بلغة اليوم). و "ما السبيل إلى تغيير الطباع" ؟ (ما هي الأدوات و الإجراءات الفعالة لتغيير سلوكات و قيم المتعلمين بلغة عصرنا)...إلى غير هذه و تلك من الأسئلة التي تكشف بشكل فادح عمق ما ذهب إليه نظر مفكرينا القدامى و الذي يستحق بجدارة نفض الغبار عنه للاستفادة من روحه الجادة على أقل تقدير.

   و سواء تعلق الأمر بالمنجز اليوناني أو بما أنتجه المفكرون و الفلاسفة المسلمون في العصر الوسيط، فإن أهميته لا تبرّر الرّكون إلى التغنّي به و النفخ فيه و المضي به إلى تخوم المطلق كما يسقط في ذلك الكثير من الماضويين الذين يحولون التراث إلى أوثان، فكل عقل مهما بلغت درجة معقوليته محكوم بزمانه و بالشروط العامة التي أفرزته، و بالضبط بدرجة تطور العلم و التقنية و التكنولوجيا في عصره. و بناء على ذلك، فإن ما خلفه الفلاسفة اليونان و عمّقه مفكرون و فلاسفة مسلمون حول التربية عموما شكّل أسئلة خلّاقة لعقول مبدعة، ظلت تنتظر نضج الشروط التي تؤهل للإجابة
 عنها، و هو الأمر الذي لم يتيسّر البعض منه إلا مع بداية تخلص الغرب الأوربي من عصوره المظلمة.

ب- التفكير العلمي في منطق نمو الانسان و تعلمه: 

البدايات و المخاضات، و القصور العلمي:

  كانت صرخة الأديب الفرنسي الشهير جان جاك روسو في منتصف القرن الثامن عشر من خلال روايته الأكثر شهرة "إميل" (1) بمثابة إعلان مزلزل عن انطلاق مشروع علمي للكشف عن المنطق الفعلي لتعلم الانسان و اكتسابه و نموه، سرعان ما تلقّفه مفكرون عظام كرّسوا حياتهم للعلم و الحياة و المستقبل (لا للموت و الماضي) (2)، و انبثقت العلوم الانسانية لينطلق التجريب بدل التأمل و لتفتح الأبواب على مصارعها للانطلاق الفعلي باتجاه بناء معرفة علمية حول الظواهر الإنسانية بشكل عام و حول الكائن الانساني الفرد الذي يهمنا هنا على وجه الخصوص (سلوكه، أفعاله، منطق تعلمه، نموه، قيمه، علاقته، بمحيطه أو بالسياق الذي يحيا فيه و يتفاعل معه...).

1- المحاولات الجريئة الأولى:

  لم ينتصف القرن التاسع عشر، حتى كانت أسماء كبرى لمعت في الحقول المعرفية الجديدة، و في الحقل الذي يهمنا هنا على وجه التحديد، أي حقل المعرفة المراهنة على بناء معرفة علمية حول منطق نمو الانسان و تعلمه، و العوامل الفاعلة في ذلك (بافلوف، واطسون، فرويد...)، ثم ما لبثت أسماء الأعلام أن تحولت إلى مفاهيم (الفرويدية أو التحليل النفسي، البّافلوفية أو السلوكية...).

 - السلوكية: Le behaviorisme
   هي في الأصل نظرية أو مدرسة علمية لتفسير سلوكات الحيوان أسسها بافْلوفْ و تُورْنْدايْكْ الروسيان، إلا أنها سرعان ما باتت نظرية تراهن على تفسير سلوك الانسان (و الحال أن البون شاسع بين الكائنين نتيجة الثقل الثقيل ل "العقل" و "الثقافة" اللذين يميزان الثاني (الإنسان) و يغيبان عند الأول (الحيوان) (يحضر العقل عند الحيوان ولكنه لا يمكن مقارنته بأي حال من الأحوال بالعقل عند الانسان).
   يذهب واطسون في كتابه الشهير (3) إلى أن سلوكات الانسان مشروطة مثلها مثل سلوكات الحيوان بالمؤثرات الخارجية، أي أنها خاضعة للقانون المعروف في السلوكية
ب: مثير    استجابة. بمعنى أننا قادرون على أن نصنع من طفل ما عالما، طبيبا، مهندسا...أو مجرما، منحرفا... تبعا للمؤثرات التي نرصدها له كما يقول واطسون. و بناء على هذا المنطق (المنطق السلوكي)، فإن التعلّمات مشروطة بالمكافآت و العقاب (le conditionnement par les récompenses et les punitions).
  لم تصمد السلوكية طويلا أمام مطارق النقد و الخلخلة و التفكيك من جهة، و التمحيص العلمي من جهة أخرى ( و هما المشتغلان اليوم بضراوة بالغرب الخارج من براثن الظلام)، إذ سرعان ما تكشّف أن سلوك الإنسان أبعد ما يكون عن سلوك الحيوان ما دام الأول ليس أبدا مجرد استجابات لمؤثرات خارجية، بل هو في العديد من الحالات تعبير صارخ عن إرادة واعية و اختيار حر، و قد يتخذ صورة الفعل الواعي المراهن على تدمير تلك المؤثرات لأنه يدرك بوعيه أنها أفخاخ منصوبة له للإيقاع به و الفتك بوعيه، أي لخلق وعي زائف مغلوط لديه (و هو الاستلاب إذن).
  كما انكشف ان التعلمات لدى الإنسان تتخذ أشكالا راقية أبعد ما تكون عن تلك التي لدى الحيوان المشروطة بالمكافآت و العقاب، لأنها قد تكون في العديد من الحالات نابعة من رغبة ذاتية في التعلم و تجاوز أحوال الذات، و تكون الحوافز (لا المثيرات ) هنا داخلية، لا خارجية كما سيؤكد ذلك الفكر التربوي الجديد الذي سنعرض لركائزه الكبرى في نهاية هذا العمل.
  حتى المثيرات، لم يعد لها ذلك المعنى الذي قصده السلوكيون باعتبارها "وقائع" خارجية (عن الأفراد) ( كالطعم بالنسبة للسمكة أو الفخ بالنسبة للطائر)، بل هي الاستعدادات التي تُطبعُ (inculqué(es)) في الطفل منذ مراحل عمره الأولى كترْبويّات عبر الأمّ ثم عبر الشارع و الإعلام و مؤسسات أخرى كثيرة تراهن على التدجين والاحتواء، و تصبح (الاستعدادات) داخلية، إما يصارعها الفرد و ينتصر عليها و يختار غيرها، و قد يمضي إلى حد العمل على تغييرها في محيطه ليُحلّ محلها أخرى، و قد يقع ضحية لها كما العَوامُّ.

 - التحليل النفسي: La psychanalyse

  شهدت نفس الحقبة التاريخية التي برزت فيها السلوكية (نهاية القرن التاسع عشر و العقود الأربعة الأولى للقرن العشرين) ظهور اسم لامع في حقل علم النفس الذي صار يحدد موضوعه بشكل حاسم و يُبَنْينُ (structurer) مناهج و أساليب اشتغال على هذا الموضوع تَنمُّ عن استقلال فعلي عن الفلسفة و ركوب سكة العلم، هذا الاسم هو سيغموند فرويد، مكتشف قارة اللاشعور، هذا المفهوم الذي سيحدث انقلابا جذريا في حقول معرفية عديدة تبدأ من علم النفس و لا تنتهي عند تخوم الأدب.

  •   و ما يهمنا في فرويد هنا في هذا المقام هو نظريته في النمو و التعلم، و التي حددت خمس مراحل يقطعها الطفل قبل أن يبلغ مرحلة النضج و هي كالآتي:
  •         - المرحلة الفمية:Stade oral  من 0 إلى 1 سنة
  •         - المرحلة الشرجية: Stade anal من 1 إلى 3سنوات
  •         - المرحلة القضيبية: Stade phallique من 3 سنوات إلى 5
  •         - مرحلة الكُمُون (كمون الغريزة الجنسية): Peride de latence من 5 سنوات إلى 12 
  •        - المرحلة التناسلية:Stade génital  من 13 سنة إلى 18 (4).

   و بتفكيك هذه المراحل التي وضعها فرويد، ينكشف كونها مراحل نفسية - جنسية تتمحور حول بعد واحد من أبعاد الوجود الإنساني هو البعد الجنسي. صحيح أنه يعود أثناء تحديده للمكونات الأساسية للشخصية إلى إثارة مسألة "الوعي" و "الأخلاق" ، حيث يجعل "الهو" (le ça) مقرا لللبيدو (le libido) أو الطاقة الجنسية، و "الأنا" (le moi) أكثر و عيا و يوجه الشخصية، و "الأنا الأعلى" مركزا للأخلاقية (la moralité) التي تدمج المعايير المفروضة من طرف الأسرة و المجتمع. إلا أن كل ذلك لا يعفي من القول أن فريد لم يلامس الجوهري في نمو الكائن الانساني و تعلمه، ألا و هو البعد العقلي أو المعرفي، و بالتالي فإن نظريته لا تقدم خدمات كبرى للمشتغلين في حقل التربية و التعليم لأنها لا تقدم أجوبة على الأسئلة الأساسية التي تواجههم من قبيل : كيف يتعلم الطفل؟ كيف ينمو تفكيره؟  و  كيف ينعكس  ذلك على
وجدانه و سلوكاته و حياته الاجتماعية؟ كيف يدرك العالم من حوله؟ و كيف يتطور هذا الإدراك؟ و ما هي الوسائط الأساسية لتَحقُّقه؟ ذلك ما سيحاول الاجابة عنه عالمان بارزان، كُتب لواحد منهما الانتشار في كل بقاع الأرض، و مات الثاني الأكثر عمقا في أسئلته و جرأة في أجوبته مغبونا و عمر جد قصير، الأول هو جَان بياجي و الثاني هو ليف سمْيُنُوفيتش فيكوتْسْكي.

2- التأسيس و التقعيد لعلم في النمو و التعلم:

  يتعلق الأمر بعالمين جاءا إلى العالم في نفس السنة (1897)، هما بْياجي الذي عمّر طويلا (جاوز الثمانين) و خلف كتبا و أعمالا تناهز المئة، و ترجمت إلى العديد من اللغات. و فيكُوتْسْكي الذي مات شابا في منتصف الأربعينات، مَغْبُونا و "نكرة"، و لم يخلّف سوى كتابا واحدا أملاه على زوجته و هو على فراش الموت (اللغة و الفكر) و نصوصا قليلة هنا وهناك، يتهافت علماء الغرب عليها اليوم لترجمتها بعد أن مارس عليه الاغتيال الرمزي في حياته لأنه كان رمزا ل "إمبراطورية الشر" بالنسبة لهذا الغرب، أي الاتحاد السوفياتي(سابقا).

  - بياجي و الأسئلة المركّزة حول النمو و التعلم:

  يعتبر بياجي مؤسس علم النفس التكويني، أول عالم نفس اتجه مباشرة إلى محاولة الإمساك بالجوهري في عملية النمو والتعلم عند الانسان ألا و هو البعد العقلي، يتضح ذلك جليا في تعريفه لعلم النفس التكويني حين يقول: "هو دراسة نمو الوظائف العقلية باعتبار ان هذا النمو يمكن أن يقدم لنا تفسيرا أو على الأقل معلومات إضافية حول آليات تلك الوظائف في حالتها الكاملة النهائية"(5).
  لقد انتهى بياجي من خلال دراساته و أبحاثه العديدة التي بدأت على أبنائه و انتهت ما وراء الضفة الجنوبية للمتوسط بشمال المغرب، إلى وضع مراحل محددة للنمو و التعلم، كانت أربعة في الكتابات الأولى ثم ما لبث أن اختزلها في ثلاثة في كتاباته المتأخرة، و هي مسألة غير ذات أهمية كبرى لأن المهم هو أنه في كل الحالات، ظل بياجي مشغولا بل مهووسا بالبحث عن منطق اكتساب الطفل للخبرات و المعارف و التصورات و المفاهيم، و علاقة ذلك بنموه.

  بتفصيله لانتقال الطفل من مرحلة الذكاء الحسي - الحركي التي تمتد من الميلاد إلى حوالي السنة الثانية، حيث يكتسب المهارات و التوافقات البسيطة من النوع السلوكي، و حيث الإدراك إدراكا حسيا - حركيا و الذي لا يكون مصحوبا بأي نوع من أنواع التصورات المعرفية أو الذهنية (المجردة)، إلى مرحلة التمثل الما قبل عملياتي أي قبل العمليات المشخصة التي تبدأ مع اكتساب اللغة و مفهوم المكان، و تصل إلى السنة السابعة أو الثامنة، كما يتعلم الطفل خلال هذه المرحلة الحياة مع الآخرين و يكشف بياجي عما يحدثه الكلام/ اللغة في هذه المرحلة من ثورة على مستوى الإدراك و نمو العقل، ومن تمّ القدرة على التمييز بين الذات و العالم الخارجي. إنها بداية الصعود فكريا من المستوى الحسي إلى المستوى الفكري/ العقلي، غير أن كلام الطفل في هذه المرحلة - حسب بياجي - يبقى مرتبطا بالحسي كما يبقى إدراكه إدراكا حسيا بَصَريّا.

   ثم مرحلة العمليات المشخّصة التي تمتد بين السنة السابعة و الثامنة عشرة، و فيها يستطيع الطفل إعمال منطق معين منطق يعالج الأشياء و الأعداد. حسب بياجي، يحدث انعطاف إحساسي منذ حوالي السابعة، و يتمثل في تمكّن الطفل من القدرة على التجريد التي تُحرّرُه من قيود التمركز على الذات و تنمّي إدراكه أي تجعله إدراكا عقليا. إنها بداية الانتقال التدريجي من الحسي الحركي فعليا إلى المجرّد.
  ثم أخيرا، مرحلة العمليات الصورية أو مرحلة القدرة على ممارسة التجريد، حيث يعرف المراهق بتشييد "النظر" و "النظريات" بالمعنى المجرد، و الاعتقاد بأن قوة الفكر و حدها يمكن أن تغير العالم، إنها قمة تسلسل التطور العقلي عند الطفل الذي يُتوَّج بالقدرة على التفكير المجرد.

  بتفصيل بياجي لهذا الانتقال من مرحلة إلى أخرى يبدو واضحا كونه وضع يده على الجوهري في نمو الإنسان و تعلمه عكس السابقين له، على الأقل على مستوى الأسئلة ما دامت الأجوبة التي قدمها كانت في وقتها موضع انتقادات، والكثير منها اليوم في حكم المتجاوز، إلا أن ذلك لا يمسُّ في شيء كون بياجي أسس للمعرفة العلمية حول سيكولوجيا النمو و التعلم بل دشّن بعض العلمي فيها، و يكفيه ذلك، و لعل الخالد فيما خلفه بياجي تأكيده علميا على كون الطفل و هو ينمو إنما يبني  بنياته  المعرفية  بذاته
من خلال تفاعله مع العالم استيعابا و ملاءمة، باتجاه بناء "بنيات" معرفية يتملّكُها الطفل و يمضي في تطويرها من مرحلة إلى أخرى.
   - فيكوتسكي أو "الظاهرة" السابقة لزمانها:
   كم هي عسيرة الإحاطة بكل جوانب إرث فيكوتسكي، لتشعُّبه أولا، و عمقه ثانيا، و كثافة أفكاره ثالثا، و استعصائه على التبسيطية رابعا، و نبْشه و حفره في المسكوت عنه خامسا، و...و...و، كيف لا يكون الأمر كذلك و قد وصفه جان بياجي ب "العالم اللّامع" رغم كونه شكل موضوع نقد جذري من طرف هذا ال:"ال فيكوتسكي" ؟ و يرد على لسان هامة من هامات علم النفس المعاصر بحجم أ.ر.لُوريا ما يلي: "هو العبقري الذي كان عالم نفس و مُربّي أيضا، ناقد فن و إبستمولوجيا، و الذي صاغ مجموعة من الاقتراحات النظرية و الميتودولوجية التي تبقى براهنية حارقة. و في تحليله لأزمة علم النفس، و تأكيده على الأصل الاجتماعي للوظائف النفسية العليا، و تركيزه على دور  " الدلالات" اللغوية في تطور الفكر بعمق و حاجته  إليه، أمر ناذرا ما تم تحققه، ثم إننا أمام فكر تجريدي أيضا، يطلب من علم النفس استلهامه للوصول إلى موضوعه، و استقلاله (6).

  يرجع الفضل لفيكوتسكي هذا الذي كان فيلسوفا و عالم نفس و بيداغوجيا و كاتب مقالات و موسيقيا، في إثارة الأسئلة الأكثر جذرية و عمقا، و التي ستشكل الإجابة عنها في زمننا الحاضر ما يسمى بالفكر التربوي الجديد، الذي يقدم أجوبة أكثر تماسكا و أكثر علمية حول أسئلة النمو و التعلم عند الإنسان، بل  إن نظريته التاريخية - الثقافية للنفسي تبقى إلى اليوم، الإطار النظري الذي يشتغل ضمنه المفكرون التربويون الجُدُد و علماء النفس، حتّى أن الكثير منهم لا يجد حرجا في تسمية أنفسهم بالفيدكوتسكيين الجدد. و يتمثل إنجاز فيكوتسكي في تأسيسه لنظرية الوظائف النفسية العليا، عبر المنهج الوراثي، منظور إليه خارج التصور الضيق للبيولوجيا، بل ك "تاريخ اجتماعي" ، بمعنى أن ما ينتقل من جيل إلى آخر ليس فقط من النمط الوراثي، و لكن الثقافي أيضا. و بالنسبة لفيكوتسكي هنا، يصبح التعلم سيرورة تملّك لهذه الأنساق (الثقافية)، سيرورة تملك لهذه الأدوات التي يجدها الطفل في  محيطه، و التي
من بينها اللغة (كأداة أساسية). و هكذا فالنشاط العلمي للطفل، سيتم استدخاله كأنشطة فكرية أكثر تعقدا عبر الكلمات، التي هي مصدر تشكل المفاهيم.

  إن اختزال السيرورات النفسية العليا المركبة، في سيرورات طبيعية هو جهل بالقوانين و الخصائص الخصوصية للنمو الثقافي للسلوك، بالنسبة لفيكوتسكي، و هو ما كان غائبا عن السيكولوجيا الأميريقية القديمة و الذاتية و السيكولوجيا الجديدة "الموضوعية" ، أي السلوكية الأمريكية و سيكولوجيا المثير و الاستجابة الروسية، و كذلك عند بياجي الذي قدم مراحله للنمو الشهيرة باعتبارها مراحل طبيعية و كونية، وهو ما شكل موضوع نقد لاذع من طرف فيكوتسكي.
  و يكشف فيكوتسكي لجنيالوجيا و نمو الوظائف النفسية العليا، عبر نشوء و نمو الذاكرة المنطقية فوق الذاكرة من النمط الميكانيكي، و الانتباه القصدي فوق الانتباه العفوي و الخيال السطحي أو خيال إعادة الإنتاج إلى الخيال الإبداعي، و التفكير بالمفاهيم فوق التفكير بالتمثل(7) وهكذا، يكون كشف تاريخ نمو إرادة الطفل لم يكتب
بعد، أو بمعنى أوضح، كون تاريخ كل الوظائف النفسية العليا، و من تمّ تاريخ النمو الثقافي للطفل لم يكتب بعد.
  ثم إنه يكشف بناء على ذلك، كون تاريخ نمو إرادة الطفل لم يكتب بعد، كما هو الحال بالنسبة لكل الوظائف النفسية، معناه انطلاق البرهنة على العلاقات المتبادلة بين ثلاثة مفاهيم أساسية هي: الوظائف النفسية العليا، و النمو الثقافي للسلوك، و التحكم في سيرورات السلوك الخاص أو حتى اكتساب التحكم في سيرورات السلوك الخاص(8).
   و يخلص فيكوتسكي إلى أن النمو النفسي للكائن الإنساني حدث ضمن سيرورتين: سيرورة التطور البيولوجي للأنواع و التي تفضي إلى ظهور الإنسان العاقل (Homo Sapiens)، و سيرورة التطور التاريخي و التي ارتقى عبرها الإنسان ثقافيا. و من هنا حديثه عن "الأدوات النفسية" و أنساقها المركبة: اللغة، مختلف أشكال العدّ والحساب، الرموز الجبرية، الأعمال الفنية، الكتابة، الخطاطات و الخرائط، المبيانات، التصاميم، و كل الرموز  الممكنة (9)،  مما  يفضي  إلى ظهور الوظائف  و  أشكال
السلوك "الاصطناعي" أو "الادواتي" إلى جانب الأفعال و سيرورات السلوك "الطبيعي".و هذه الأخيرة تشكلت عبر التطور كميكانيزمات خاصة وهي مشتركة عند الإنسان و الحيوانات العليا. و أما الأولى فتشكل المكتسبات المتتابعة للإنسانية.

 و بناء على كل ذلك فتح فيكوتسكي الباب واسعا أمام البحث العلمي في التربية و التعليم، و بالضبط في أساليب و طرق مرافقة و مساعدة المتعلمين في نموّهم، عبر تأكيده أن التربية يمكن تعريفها ك "تنمية اصطناعية للطفل، إنها الضبط الاصطناعي لسيرورات النمو الطبيعي، إنها لا تفعل أكثر من ممارسة تأثير على سيرورة تطورية، فهي تعيد بَنْيَنة (restructurer) كل وظائف السلوك بشكل جوهري (10)، و ضمن سيرورة النمو، فإن الطفل "يُجهّز" و يعاد تجهيزه" بأدوات متنوعة، و الذي يصل إلى مستويات عليا من النمو يختلف عن الأصغر بمستوى و طبيعة "تجهيزه"، ب "تسليحه"، أي بمستوى ضبطه لسلوكه الخاص (11).   و بناء على كل ذلك فإن المرحلتين الأساسيتين للنمو هما المرحلة الما قبل لغوية و المرحلة اللغوية.  و في حفره العميق في موقع اللغة في النمو، و في التعلم، كشف فيكوتسكي عن كون الطفل يمر بمرحلة ما قبل لغوية للذكاء و مرحلة ما قبل فكرية للغة، و أن "الكلمة" و الفكر ليسا مرتبطين بعلاقة أولية، و أن التفكير اللغوي هو نتاج وحدتهما الخارجية.

  لقد تنبه فيكوتسكي إلى الخطأ القاتل الذي وقع فيه بياجي، بقوله بكون النمو، أو الانتقال من مرحلة إلى أخرى (من المراحل الشهيرة التي وضعها) يتحقق تبعا للمبادئ البيولوجية أو مبادئ النضج العضوي، و كشف كون التمكن من الرموز أو "الأدوات السيكولوجية" يحول كيفيا الاشتغال الفكري عند الطفل، و هنا تكمن الأهمية القصوى للغة، إذ أن كل الوظائف العقلية العليا هي علاقات اجتماعية مستبطنة....تنظيمها و بنيتها الوراثية و أدوات فعلها، أو بكلمة واحدة، طبيعتها الكاملة، هي اجتماعية. حتى السيرورات العقلية (الداخلية، الفردية) تحتفظ بطبيعة شبه اجتماعية. و في كوكبها الخاص تحتفظ الكائنات الإنسانية بوظائف التفاعل الاجتماعي (12). و من هنا الأهمية القصوى التي حضيت بها اللغة ضمن تحليل فيكوتسكي لنمو الطفل. يقول فيكوتسكي في هذا السياق: "...اللحظة الأكثر دلالة ضمن النمو العقلي،
 التي تؤدي إلى ميلاد الأشكال الإنسانية المحضة للذكاء العلمي و الذكاء المجرد، تنتج عندما تلتقي اللغة و النشاط العملي، المكوّنان الاثنان للنمو اللذان كانا إلى حد الآن مستقلين.

   و بالرغم من إنه خلال المرحلة الما قبل لغوية، يبقى استعمال الأدوات متشابه عند الأطفال و القردة، فبمجرد ما تصبح اللغة و استعمال الرموز المدمجة في الفعل أو الممارسة، فإن هذه الأخيرة تتحول و تنتظم بطريقة جديدة كلية (13).
 إننا مع فيكوتسكي أمام الأهمية القصوى، و الأثر الواضح ل "الاجتماعي" في النمو و التعلم، و هو ما اشتهر عنده ب " السياق" (Context)، هذا المفهوم الذي سيصبح مركزيا في كل تحليل ضمن ما يسمى اليوم بالفكر التربوي الجديد. و حين يتكلم فيكوتسكي عن تأثير الاجتماعي، و بالضبط "الثقافي"منه، فإنه يلزم الانتباه إلى ما يقصده به. فهو يلحّ على ضرورة عدم الخلط بين الثقافي الذي هو بالطبيعة التاريخية، و الطبيعي، بمعنى أننا يلزم ألا ندرس / نستكشف النماذج النفسية الطبيعية، خارج كل بُعد تاريخي، ف "تمثل العالم و السببيّة عند الطفل الأوربي المعاصر، أو طفل من قبيلة بدائية ما، و تصور طفل من العصر الحجري، و من القرون الوسطى، و من القرن العشرين، سيتم النظر إليها باعتبارها ظواهر متماثلة، جامدة، و متساوية" (14).
  إنه النّبش المُبكّر، و المسكوت عنه إلى الآن في الفكر التربوي، و في المدرسة...أي في أثر الشروط المادية للطفل على نموه و تعلمه. كما هو في نفس الوقت، تنبيه (مبكر) للمُربّين حول موقعهم في ذلك النمو، عبر تزويد المتعلمين ب"الأدوات" الضرورية، الملائمة التي تدعم نمو "الوظائف العقلية العليا".
  مات هذا الفيكوتسكي مغبونا، في سن جد مبكر، و هو الذي فتح الباب واسعا أمام إنجازات ما يسمى اليوم بالفكر التربوي الجديد.

3- الفكر التربوي الجديد:

نشير مرة أخرى، إلى أن الانتقادات التي أوردناها في مراحل سابق من هذا العمل، لجان بياجي، لا تمس في شيء كونه  المؤسس الفعلي  لتفكير علمي  في  نمو البنيات
الذهنية  عند الإنسان (الطفل)، و كَشف كون هذه البنيات و درجة تعقدها في المراحل العمرية المختلفة تبقى تابثة بالرغم من تنوع مضامين الميادين المعرفية، فقط، يشترط توفير الظروف الملائمة للتعلم. ثم إن المعرفة العلمية من صميم طبيعتها التطور، و من غير المنطقي انتظار أن يكون بياجي في مرحلته التاريخية و بالقياس إلى مستوى تطور العلم و التكنولوجيا، فكّر بأدوات الذكاء الاصطناعي و محاصيل التطورات في البيولوجيا عموما و جراحة الدماغ على وجه التحديد. و أما الانتقاد الأساسي الثاني الذي يوّجه إليه، و المرتبط بحديثه عن المراحل النمائية ضمن تصور خطي، أي أن كل مرحلة من المراحل التي يحددها، تكون فيها البنية الذهنية للطفل أكثر تطورا من سابقتها، و كل ذلك بعيدا عن أي تأثير للشروط المحيطة بهذا الطفل، فإنه إذا كان القول بخطية المراحل النمائية قد تمّ تجاوزه اليوم و يمكن الجزم بأن بياجي لم يتمكن من فهم كون النمو ليس خطيا، بل يتخذ اتجاهات مختلفة من طفل لآخر حسب مستوى اكتساب المهارات و تحويلها، كما سيتأكد بعد بياجي (15)، فإننا نفترض بدرجة كبيرة من الثقة كون بياجي تعمّد إغفال الإشارة إلى الشروط   المادية و أثرها في نمو الطفل، لأنه كان يدرك جيدا أنه لو فعل لكان مصيره نفس مصير فيكوتسكي أي الاغتيال الرمزي، فالحرب بين المعسكر الغربي و المعسكر الشرق كانت في زمانه في أوجها، و لم يكن الحقل الثقافي بالغرب مستعدا ل"فيكوتسكي" من داخله، يعطي المشروعية ل"فلسفة" الشرق / العدوّ، أي الماركسية التي تقول بالمكانة المركزية للشروط الاقتصادية - الاجتماعية في تحديد طبيعة "البنية الفوقية"!! . و بياجي في بداياته، عرف بربطه النمو المعرفي أو نمو البنيات المعرفية بالشروط المحيطة بالفرد أو بتجربته الاجتماعية. و ليس غريبا أن يكون علماء إلى اليوم يلقّبون أنفسهم بالبياجيين الجدد.

   و أما تنويهنا بفيكوتسكي، فهو أساسا تنويه بالأسئلة التي طرحها و الأبواب التي شرعها و الافتراضات التي وضعها، بالقياس إلى عمره القصير. ثم إشارة منا إلى المفارقة التي ميزت "استقباله" بالغرب، إذ في الوقت الذي لم يسمح بدخول كتاباته، و لا ترجمتها، خلال حياته و  بعد  مماته  بعقود،  ها  هم  علماء نفس و  تربية و علوم
معرفية...غربيون يلقبون أنفسهم بالفيدكوتسكيين الجدد، و يكاد لا يخلو كتاب من هذه الأصناف المعرفية من إسمه.
   و أما ما نقصده بالفكر التربوي الجديد فهو ما يعرف بحركة المدارس الفعالة، و الحركة من أجل تحسين نوعية التعلم، أو الحركتان التقدميتان في التربية اللتان برزتا بشكل لافت ابتداء من الثمانينات من القرن الماضي، و انتهتا اليوم إلى التوحّد ضمن ما يعرف بالمؤتمر العالمي من أجل جودة التعليم و فعالية المدرسة International congress of school effectiveness and improvment . و ما يهمنا من كل هذا، هو أن الأمر يتعلق بمجموعة من العلماء المختلفي التخصصات (علماء نفس، علماء تربية، انتروبولوجيون، علماء تنظيمات (أي سوسيولوجيون)، علماء أعصاب، أطباء، علماء لغة...)، مما يعطي لنتائج أعمالهم الكثير من المصداقية و يجعلها بمستوى عال من الدقة العلمية، فالخلاصات الكبرى لا تنبثق - في الغالب- إلا على "تلال" التقاء تخصصات معرفة متعددة.

  و إننا إذ نؤكد بعدنا عن الإلمام بكل ما انتهى إليه هؤلاء المفكرون التربويون الجدد، و أن ذلك خارج إمكانياتنا، فهو يقتضي تكاثف مجهودات عديدة، إن لم نقل أنه يقتضي مشروعا متكاملا يجتمع حوله مختصون أولا، و مترجمون ثانيا، لأن كتابات هؤلاء تكاد تكون بالمطلق، باللغة الانجليزية، و حتى ما تنتجه مراكز المعرفة التقليدية (فرنسا بالخصوص)، فإن هو - في الغالب- إلا ترجمة أو شروحات لما ينتجه أولائك المفكرون و العلماء الأمريكيون و الكنديون و الأستراليون و الإسرائيليون أيضا!، إذ نؤكد ذلك فإننا سنقتصر - في هذا العمل على تقديم بعض الأفكار الكبرى و الخلاصات الأساسية لهؤلاء، و التي تصبّ مباشرة في النمو و التعلم عند الإنسان و رهانات بنائه عند هؤلاء.

 3-1- إسقاط التصور الأرسطي للذكاء:

   يجمع كل العلماء و الباحثين الجدد على كون الذكاء ليس أبدا بمضمون ثابت، و على أن ليس هناك من أذكياء أو أغبياء. و لم يعد من المقبول عندهم نعت متعلم بكونه غبي، لأن التجارب كشفت أن الخلل في هذه الحالة،  ليس  أبدا  في  طبيعته أو تكوينه
البيولوجي أو متأصّلا فيه، بل فقط في الطريقة التي ينجز بها الأنشطة المعرفية، و هو ما يلزم المدرسين الانتباه إليه. و بناء على ذلك، يكون هؤلاء الباحثون - بإزاحتهم للتصورات الأسطورية عن الذكاء - أحدثوا نقلة جذرية في حقل التعليم و التربية، لأنهم - بذلك- أشاروا - بشكل واضح- إلى موقع المربّين في مساعدة المتعلم في أن يسلك مسار أن يصبح ذكيا، أو أن يسلك مسارا غير ذلك (16).
  و كشفت تجارب هؤلاء العلماء أن مستوى الذكاء أو مُعاملُه عند طفل معين ليس واحدا في جميع المواد الدراسية، بل يختلف من مادة إلى أخرى، تبعا للطريقة التي يطلب منه مدرس هذه المادة أو تلك إنجاز الأنشطة المعرفية المرتبطة بها، و كذلك تبعا للتحفيز، و للشروط التي يتم فيها إنجاز تلك الأنشطة.
  و كانت لأعمال الباحثة السكوتلاندية، عالمة النفس و المختصة في النمو النفسي Margaret Donaldson، أثر حاسم في التصورات السابقة حول الذكاء و حول النمو و طبيعة سيرورته أيضا، و هي التي تأثرت في بداية مشوارها بجان بياجي، حين قضت عاما - ضمن تدريب مُبكر- بمعهد بياجي للبحث بجنيف. إلا أنها  قطعت مع ذلك، حين تأكد لها الانزلاق الذي ينطوي عليه قول بياجي بمراحله (الصورية) للنمو، و كشفها أن ما يميز تفكير الأطفال عن تفكير الكبار ليس خصائص بنيوية أو أساسية، بل فقط كون الكبار قادرين على ممارسة الأنشطة المعرفية بعيدا عن السياق، أي بشكل مجرد (17).
  هكذا سقط نهائيا ذلك التصور القائل بتمييز وكشف القدرات الإبداعية، أو العباقرة! أو الموهوبين! و حل محله الاهتمام بدراسة طرائق و تربية القدرات المبدعة و تصميم وضعيات إبداعية تسمح بالتربية على الفعل المبدع. حيث تركزت العديد من التجارب على أطفال تبدو عليهم علامات ذكاء مبكر، أو استعدادات إبداعية واضحة، و آخرين لهم مثلها و لكن متواضعة، فتم إخضاع هؤلاء الأخيرين إلى تكوين و صقل و وضعيات ترتقي بمهاراتهم العقلية أو بنياتهم المعرفية، بينما تم إهمال ذوي علامات الذكاء المبكر و الاستعدادات الإبداعية الواضحة، و كانت النتائج أن ذوي الذكاء المتواضع و الاستعدادات المتواضعة ارتقوا، و أن الذين بدوا "عباقرة" تلاشت استعداداتهم.

  3-2- تنمية البنيات المعرفية للأطفال محور تعلمهم و نموهم:

  إذا كان الفكر التربوي الجديد قد أسقط التصور الأرسطي عن الذكاء، فإنه رسم - عبر تجاربه- الطريق لتنمية القدرات العقلية للأطفال، أو الارتقاء ببنياتهم المعرفية. ففي تجاربهم حول الأطفال ضمن فصول دراسية واحدة، و في بحثهم عما تبيّن لهم ، ويؤكده معلمو هؤلاء الأطفال، حول كون بعض أولئك  الأطفال يتمكنون من استيعاب ما يقدم لهم، في حين يعجز آخرون عن ذلك، تأكد لهم وعبر تجارب عديدة أن البنيات الذهنية (mental structures) أو الأدوات العقلية (mental tools)، أو "أنماط الفكر" (patterns of thought). أو البنيات المعرفية (cognitive structures) (و هوالإسم الأكثر استعمالا اليوم، و الأكثر دقة)، تختلف من طفل إلى آخر. إذ أكدت أبحاث Gagné, E.D.الاختلاف بين أطفال من نفس السن في مستوى بنياتهم المعرفية (18)، مباشرة بعد الخلاصات المبهرة التي انتهى إليها الباحثان الأستراليان John Biggs و Kevin Collis حول مستويات البنيات المعرفية و التي حدّداها في خمسة:

  1- البنية المعرفية الغير مُبَنْيَنَة أو المختلة (pre-structural) لا يملك صاحبها  القدرة على التفكير في موضوع معا، و بالكاد يستطيع إنجاز مهارة بمساعدة الآخرين، أو لنقل- بلغة بسيطة- إن قدراته العقلية في أسوأ حال لها.

2- البنية المعرفية الأحادية (Uni-structural)، يستطيع صاحبها فهم فكرة ذات صلة بالموضوع، كما يستطيع إنجاز مهارة بتوجيه من آخر.

3- البنية المعرفية المتعددة العناصر (Multi-structural)، وهي التي يستطيع صاحبها أن يفكر في جوانب أو خصائص متعددة لموضوع مطروح، و لكن بشكل منفصل، الواحدة عن الأخرى أو المضافة بعضها إلى البعض، أي دون القدرة (العقلية) على الربط بينها. فبنية هذا المستوى (البنية المعرفية) هي كمية أساسا.

4- البنية المعرفية العلائقية (Relational)، في هذا المستوى تصبح مختلف الخصائص (ذهنية)مندمجة في كل منسجم، و هو ما يعتبر كافيا لفهم مواضيع مطروحة.

5- البنية المعرفية الميّالة إلى التجريد (abstract Extended)، حيث الكل المندمج قابلا للمفهمة في مستوى عال من التجريد و التعميم على مواضيع أخرى، بمعنى أن صاحب هذه البنية المعرفية يصبح قادرا على تجاوز الربط بين عناصر موضوع أو ظاهرة إلى فكرة مجردة عنه، هي بمثابة قانون، أو قيمة أو معنى مجرد (19).

   و قد حوّل Biggs وCollis  خلاصاتهما حول البنيات المعرفية إلى أداة فعّالة للقياس و تقويم محاصيل المتعلمين بكل مستوياتهم، هي ما يشتهر اليوم باسم صنافة بنية حصيلة التعلم الملاحظة (SOLO) (The structure of observed Learning outcome). إلا أن الذي يلزم الانتباه إليه هو أن استحضار ما انتهى إليه Biggs و Collis حول البنيات المعرفية للمتعلمين، في التعليم و مساعدة المتعلمين على التعلم، أي في هنْدسة الدروس، حيث يفترض أن تبرز بنية خاصة (ضمن كل درس) تراهن على الرقي بالبنيات المعرفية للمتعلمين، و في مساعدتهم على التعلم (أي في تمكينهم مما من شأنه أن يخلصهم من البنيات المعرفية الأدنى باتجاه الأرقى)، أهم بكثير من استحضاره في تقويم محاصيلهم، إن لم نقل أن تقويم أجوبة متعلمين تلقوا دروسا تقليدية تخاطب الذاكرة، أو يوزع صاحبها المعارف و يتوهم نفسه موزّعا للأخلاق في نفس الوقت، بصنافة SOLO هو ضرب من العبث.

  3-3- تنمية ميتا- معرفة المتعلمين أساس نموهم في كل أبعاد شخصياتهم:

   في ارتباط بالنقطة السابقة، فنمو البنيات المعرفية للمتعلمين معناه نمو ميتا-معارفهم، أو باللغة العادية، نمو قدراتهم النقدية و التحليلية و التأويلية. و انطلاقا من تجارب الباحثين و المفكرين التربويين الجدد، و حرصا منهم على أن تكون لنتائجهم كثير من المصداقية و الكلية، عبر إجرائهم لتجاربهم في سياقات متنوعة و مختلفة (ثقافات مختلفة، مستويات اقتصادية - اجتماعية للأطفال مختلفة، مستويات اقتصادية للمجتمعات التي ينتمي إليها هؤلاء الأطفال مختلفة...)، تأكد لهم أن تنمية ميتا- معرفة الأطفال، يفضي إلى ثلاثة نتائح تخص شخصية الطفل و هي نمو أخلاقه و نمو ذاكرته و كذا قيم مواطنته. هذا  ما أكدته تجارب  عالم النفس  الأمريكي  المختص في  النمو النفسي، و النمو المعرفي أساسا، و الذي اشتغل مدرسا و مسْتشارا في علم النفس الإكلينيكي John H.Flavel في نهاية السبعينات من القرن الماضي (20). ثم توالى تأكيد ذلك عبر تجارب مختلفة و أعمال عديدة لباحثين من أمثال K.A.Renninger و Larry Nucci و William M.Kurtines و Jacob L. Gewirtz، و David Moshman...، و الذين و إن اختلفت مفاهيمهم، و استلهامهم لروح بياجي أو فيكوتسكي، و الجوانب الدقيقة في النمو التي يركزون عليها...، فإنهم يلتقون حول الأهمية القصوى لتنمية ميتا معرفة الطفل، في تحسّن آدائه، و أخلاقه و ذاكرته...
  إننا مع هؤلاء الباحثين الجدد أمام حلول لمعضلات يشكو منها المدرسون، و لا يعرفون مصدرها في الغالب، خصوصا ضمن الأنظمة التعليمية التقليدية، حيث التكوين المتواضع للمربين عموما، لاعتبارات تخص السياسة أولا، فأخلاق المراهقين خصوصا، باتت تشكو منها نسبة مهمة من المدرسين، و عدم قدرة المتعلمين على تذكر معطيات ضرورية في دروس معظم المواد التعليمية كذلك، نتيجة ضعف ذاكرتهم. و هؤلاء الباحثون الجدد، و كأنهم يقدمون لنا "وصفات" حلول لمثل هذه المعضلات.

   3-4- نوعية إستراتيجية التعلم أساس نجاح سيرورة النمو و التعلم من عدمه: 

ضمن بحث العديد من الباحثين و العلماء الجدد في العوامل الفاعلة في سيرورة التعلم و تحقق النمو كما يقصدون، أي الذي ينعكس على مختلف جوانب شخصية المتعلم، أو في عكس ذلك، أي في تعثر التعلم و عدم نمو المتعلم، لا على مستوى مهاراته العقلية، أو على مستوى ذاكرته، أو على مستوى سموّ أخلاقه، تأكد لهم أن معظم المتعثرين في تعلمهم، الذين لا ينمون، يشتركون في كونهم لهم نفس الإستراتيجية في التعلم، و المقصود بها تلك "المناهج" و "التقنيات" العقلية و الخاصة بالذاكرة...، التي يشغّلها المتعلم من أجل التعلم، و كذلك الحال بالنسبة للناجحين في تعلمهم، و الذين ينعكس تعلمهم على مستوى شخصيتهم، أي في أخلاقهم و ذاكرتهم... و قيم مواطنتهم. هذا ما
كشفت عنه في البداية أبحاث C.Spielberger و H.F.O'Neil،اللذان تبيّن لهما أن الأطفال الذين يتعلمون و ينمون، تكون لهم أساليب معرفية في التعليم، خاصة، إلى جانب علاقة وجدانية خاصة بالتعلم و اكتساب المعرفة (21). ثم أكدت أبحاث R.R.Schmek تلك الخلاصات، عبر كشفه الأهمية القصوى لامتلاك المتعلم إستراتيجية متينة في التعلم، تتجاوز أن تكون مجرد أسلوب (style)، أي ما يمثل "نسقا معرفيا خاصا" يميز به ما يستحسن استقباله و إضافته إلى رصيده، و ما لا يستحق ذلك، و كذا المهارات العقلية الجديدة الأرفع من التي يمتلكها (22).

  و كان Marton,F. وSaljo,R.، سبقا H.F.O'Neil وC.Spielberger  وR.R.Schmeck  إلى ملاحظة أن من المتعلمين من ينجز أدنى المهام المطلوبة منهم، و يخزّنون في ذاكرتهم المطلوب في امتحان، و لا شيء أكثر، مما يحيل إلى مقاربة سطحية (23)، كما لاحظا أن مثل هؤلاء المتعلمين ينظرون إلى مهامّ التعلم كأعمال هم مكرهون على إنجازها. إنهم متعلمون سلبيّون، يشتغلون منعزلين. و على العكس من هؤلاء، لاحظ الباحثان أن المتعلم الذي يتبنّى مقاربة عميقة للتعلم يسعى إلى الإمساك بالمعنى، له اهتمام "داخلي" و متعة في الذهاب إلى ما بعد أو وراء المهام التعلّمية، كما له فضول لفهم المواضيع التعليمية المطروحة و ارتباطها بمواضيع أخرى، و بما بناه في تعلماته السابقة. و مثل هؤلاء المتعلمين يجدون متعة في التعلم الاجتماعي، بما فيه مناقشة مختلف الآراء. إنها إستراتيجية العمق في التعلم حسب Marton,F وSaljo,R  (24).

 ثم  جاءت أعمال J.Biggs وTang.C و  Enwistle,N  وRamsden,P. ، لتكتمل الصورة، و نصبح بشكل واضح أمام كون المتعلمين لا يمكن أن يخرجوا عن كونهم لهم واحدة من ثلاث استراتيجيات في التعلم لا رابع لها!، إما أن لهم استراتيجية عميقة في التعلم (Deep strategy)، أي أنهم يتساءلون بصدد ما يتعلمونه و ينظرون لما يتعلمونه في تفاعله مع مواضيع أخرى و مع ما تعلموه سابقا، يتعلمون بحماس و برغبة ذاتية في التعلم (25). و هؤلاء مضمون تعلّمهم و إزهاره، و مضمون نموهم في مختلف أبعاده النفسية و الاجتماعية و الأخلاقية...و إما أن لهم إستراتيجية الإنجاز و التنظيم و الإتقان و الانضباط (Performance strategy)، و هي التي يعتمد صاحبها على تنظيم أعماله و الانضباط في سلوكه و احترام مدرسيه و الالتزام بالمطلوب منه، و هي وإن كانت لا ترقى إلى إستراتيجية العمق في التعلم، فإنها أعطت نتائج مبهرة في أنظمة تعليم مطبقة على الأرض، كما الحال في كوريا الجنوبية و الصين و اليابان.

  و إما أن لهم إستراتيجية سطحية في التعلم أو إستراتيجية إعادة الإنتاج(Surface or reproduction strategy )، و هي الإستراتيجية التي يعتمد صاحبها على أقل جهد، مدفوع بأدنى قدر من الحماس، ينجز المهام الأقل، و يحتفظ في ذاكرته بالقليل الذي سيحتاجه في الامتحان (أو يلجأ إلى الغش في الكثير من الحالات)، فلا يتعلم، و لا ينمو، على مختلف أبعاد شخصيته (26).
  إنه التشخيص الذي يشبه الذي جرى بالطب في العديد من جوانبه، يضع بين يدي المدرسين "خريطة طريق" واضحة للتعامل مع متعلميهم  أولا، لمعرفة كيف يتعلم كل و احد منهم و طبيعة علاقتهم بتجربة تعلمهم، و هذا أمر أساسي لنجاح العملية التعليمية - التعلمية نجزم بكونه غائب بالأنظمة التعليمية التقليدية، نتيجة التكوين الاسمي للمدرسين بمختلف مستوياتهم. و ثانيا للتعامل مع كل منهم حسب طريقته في التعلم أو على الأصح إستراتيجيته، أي العمل الدؤوب من أجل مساعدة صاحب السطحية على التخلص منها و إلا فلن يتعلم و لن ينمو. و مرافقة صاحب إستراتيجية الإتقان و الانجاز للانتقال إلى إستراتيجية العمق الأرقى. و توفير سياقات ينشّط فيها صاحب هذه الأخيرة إمكانياته، فيحقق ذاته، و "يوظّفه" المربي الماهر "قائدا" أو "زعيما" إيجابيا، يتعلم منه الآخرون و يقتدون به.
  و لا يغفل هؤلاء الباحثين "تعليمنا" كيف نخلّص المتعلم العالق في (وحل) الإستراتيجية السطحية، من عجزه، و ندفع صاحب إستراتيجية الانجاز و الإتقان في اتجاه العميقة، و كيف لا نخنق و نحاصر صاحب هذه الأخيرة، إذ يكشفون أن توفير سياقات (ضمن بنية الدروس) تنشط فيها القدرات النقدية و التحليلية، أو بلغتهم ميتا- معرفي صاحبي  الإستراتيجيتين  الأولى و  الثانية  ( مع  اشتغال على حوافزهما كما
سنوضح ذلك في الفقرة اللاحقة)، يضمن اكتسابهما لإستراتيجية العمق. و توفير سياقات لصاحب العميقة لاشتغال ميتا- معرفه (دون أن نعتبر أن ما نملكه نحن كمعلمين هو السقف!) يتيح له المضي باتجاه ما قد يتجاوزنا! فهو سيفكر بعقل غير عقلنا، في المستقبل،كما انتبهت إلى ذلك مبكرا الفيلسوفة الراحلة حنّا أرندت.

  3-5- حوافز المتعلمين عامل فاعل في تعلمهم و نموّهم:

   ليس  التفكير في الحوافز و أثرها على النمو و التعلم جديدا تماما في الفكر التربوي الجديد، فقد بدأ التفكير الجدي فيها منذ نهاية الستينات من القن الماضي بمراكز البحث العلمي في التربية و علم النفس بالولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا أساسا، وكانت كتابات Amabile,T.M. وLepper,M.R  حول الآثار السلبية للاختيارات المفروضة على الطفل، بقتلها لروح المبادرة و للطاقات الإبداعية، رائدة بكل معنى الكلمة، ممهدة الطريق للبحوث و الأعمال اللاحقة، خصوصا و أنهما وضعا تعريفات (رائعة، تدفع للتفكير) في معنى أن يكون  المرء محفّزا، و ألا يكونها، و في مستويات التحفيز. إذ "أن يكون للمرء حوافز معناه أن يجد نفسه مدفوعا لفعل شيء ما(moved to do something )، إنه الذي و كأن طاقة تحركه باتجاه نهاية أو هدف - و أما الذي ليست له حوافز، فهو ذلك الذي لا رغبة له و لا طموح في فعل شيء ما، إنه غير متحفز" (27). ثم جاءت نظرية التصميم الذاتي (Self- ) détermination theory)مع كل من Deci,E.LوRyan,R.M  وCasio,W.F ...، حيث تم التمييز بين عدة أنماط من التحفيز أو الحوافز، بناء على عدة أسباب أو غايات تدفع إلى الفعل. هنا بدأ التمييز الأساسي بين حوافز داخلية،  التي تحيل إلى فعل شيء لأن هناك دوافع داخلية أو اهتمام داخلي أو متعة داخلية في فعل ذلك الشيء، ثم حوافز خارجية، و التي تحيل إلى فعل شيء لأنه يقود إلى حصيلة منفصلة (عن الذات)، و أكدت تجارب عديدة كون جودة التجربة و إتقانها تكونان مختلفتين عندما تكون بسلوك ناتج عن دوافع داخلية (28).

   وفي بنائهما لنظرية التقويم المعرفي، كشف Deci و  Ryanعلى  عوامل في السياق الاجتماعي، هي التي تنتج التغيرات في الحوافز الداخلية، حيث تبيّن مثلا أن ردود فعل الآخرين أثناء التواصل معهم، أو الأحداث و البنيات التي تنتج عن هذا التواصل، يمكن أن تخلق حوافز داخلية نتيجة إشباع حاجات نفسية، ما دام الفرد هنا يشعر بحاجة للمعرفة و الكفايات، ليتبث ذاته.

   ثم توالت تجارب كل من Ryan وKuhl,J. وStiller,J  وLynch,J.h. ...حول أثر الأسرة و المدرسين على الشعور بالاستقلالية عند المتعلمين، و على نوعية حوافزهم، و على نظرتهم لذواتهم...
  و الخلاصة الواضحة اليوم من مختلف هذه التجارب هي أن المتعلمين إما أن تكون لهم حوافز داخلية، أي دوافع ذاتية للتعلم (يريد أن يتعلم لفهم ذاته و إيجاد جواب لكثير من الأسئلة تطرح عليه، و لفهم شرطه و العالم حوله) و هذا النوع من المتعلمين يتعلم و ينمو، بل مضمون إزهار تعلمه. و إما أن تكون لهم حوافز خارجية، أي دوافع و أسباب تدفعهم للتعلم من خارج ذواتهم (إرضاء أسرهم و معلميهم...)، و هذا الصنف من المتعلمين لا يتعلم في الغالب و لا ينمو. و هنا تكمن أهمية إنجازات هؤلاء الباحثين الجدد، إذ يكشفون للمدرسين مواطن الخلل في عمليتهم و كيفية علاجها فالعديد من المدرسين يلاحظون في عديد حالات أن متعلميهم لا يتعلمون و لا يَنْمُون، و لا ينتبهون إلى مسألة الحوافز، و الحل ممكن بالنسبة لهؤلاء الباحثين: مساعدة المتعلمين على التخلص من الحوافز الخارجية و امتلاك حوافز داخلية. و كما الحال بالنسبة للارتقاء بالبنيات المعرفية للمتعلمين، فإن تدريبهم على الممارسة الما فوق معرفية، أي التساؤل و النقد و التحليل...، يدفع المتعلمين إلى التفكير في أمور عديدة من بينهما غايات تعلمهم و أهميته لهم، و معناه لحاضرهم و مستقبلهم... و تلك الخطوات الأولى باتجاه حوافز داخلية تضمن التعلم و النمو.

   3-6- السياق و أثره الحاسم في النمو و التعلم:

   إذا كان كل ما قلناه لحدّ الآن عن إنجازات الباحثين و المفكرين التربويين الجدد، كان لفيكوتسكي أثر فيه، بداية حفر أو تحليل أو إشارة  أو افتراض،  فهؤلاء  الباحثين
يجمعون على الأهمية القصوى لتنمية ما يسمى بالميتا معرفة، أو البنيات المعرفية للمتعلمين، في ارتقاء إستراتيجيتهم في التعلم و في اكتسابهم للبنية المعرفية الميالة إلى التجريد، و تخلّصهم من الحوافز الخارجية لتصبح لهم أخرى داخلية تجعلهم مرتبطين و مقبلين على التعلم لإشباع حاجات ذاتية و تحقيق متعة داخلية...، و فيكوتسكي أشار إلى ذلك مبكرا حيث أكد أن التربية عموما هي "الضبط الاصطناعي لسيرورات النمو الطبيعي" عبر تزويد الأطفال بأدوات متنوعة هي ما سمّاه "الأدوات النفسية" و أنساقها المركبة، إذا كان الأمر كذلك، فإن أثر عوامل السياق تبقى من أكبر الخلاصات العلمية التي كان فيكوتسكي سبّقا لكشفها، و لم يفعل الباحثون الجدد سوى تجريبها بشكل أكثر دقة و صياغتها صياغة علمية أكثر وضوحا، و تحليل أعمق لأثر كل منها، و للشروط التي تكون فيها فاعلة، و الأخرى التي يتلاشى فيها تأثيرها.

   و استنادا إلى التحليل الإيكولوجي الذي بات اليوم مستلهما من مختلف العلوم، تنبّه الباحثون الجدد إلى الأثر الحاسم للمدرسين أو المربين في تعلم المتعلمين و نموهم، هكذا، و انطلاقا من تجارب متنوعة، تأكد لهم أنه كلما كان المدرس متمكّنا من المادة التي يدرسها، و من علوم التواصل، و من معرفة علمية حول سيكولوجية من يعلمهم، و من البيداغوجيات، و من معرفة علمية حول منطق اشتغال المجموعات و جماعات الفصول الدراسية، و أخرى حول المنطق الداخلي لاشتغال المنظمة المدرسية...، كلما زادت فرص نجاح تعلم المتعلمين و نموهم، هكذا تنبهت البحوث العلمية في السبعينات، في الولايات المتحدة الأمريكية على الخصوص، إلى العلاقة الوثيقة بين جودة اختيار المدرسين و نجاح التعلم، كما عرف في أعمال Schalok,D.(29)، ثم مع Miller,William و هو يدشن البحث في "المناخ المدرسي" (School climate) و موقع المدرس فيه (30)، ثم أعمال Kozéki,B. حول الحوافز و الأساليب التحفيزية في العملية التربوية، و موقع المدرس المركزي فيها، و أعمال Entwistle,N. حول أساليب التعلم و التعليم، و الموقع البؤري للمدرس في نجاح الأول (31). ثم جاءت أعمال Gibson,J.J. وDembo,M.H. حول فعالية المدرسين و أثرها الحاسم في نمو و تعلم  المتعلمين، ثم  أعمال Bandura;A. حول ما بات مشهورا اليوم ب"الفعالية الذاتية" (Self- efficacy) للمدرسين (32) و التي يقصد بها امتلاكهم ما يؤهلهم للجواب على كل "الأسئلة" التي تطرح عليهم في تيسير سبل تعلم و نمو متعلميهم، أو إزاحة كل العراقيل أمام تحقق ذلك، و علاج كل مشكل أو عائق يطرح.
  و الخلاصة اليوم، في الفكر التربوي الجديد، هي تكثيف المواصفات المطلوبة في المدرس / المربي الجدير بلقبه في صفتين أساسيتين هما ما يعرف  ب"التقدير الذاتي" (Self- esteem) و الفعالية الذاتية (Self- efficacy)، و الذي له تقدير لذاته لا يرضى لعمله إلا أن يكون خلاّقا و جادا و بروحانيات، أو لا يمكنه أن يقبل أن يكون مجرد رقم تأجير. و الذي له فعالية ذاتية، لا يمكن أن يقف عاجزا أمام عدم تعلم أحد تلامذته، أو تقويم سلوك آخر، أو خلق الرغبة و الحماس للتعلم في ثالث... . و لمثل هذا المدرس موقع حاسم في تعلم المتعلمين و نموهم.

  و لم يكتف الباحثون الجدد بالكشف و البناء العلمي للأثر الحاسم للمدرس في تعلم و نمو المتعلمين، بل في تحليلهم لآليات اشتغال المنظمة المدرسية، و بالتركيز على عواملها الداخلية عكس الحركة الأولى من العلماء الذين أسسوا للدراسة العلمية لهذه المنظمة، و الذين ركزوا على العوامل الخارجية (بيير بورديو وجان كلود باسرون بفرنسا، و كولمان Coleman بالولايات المتحدة الأمريكية، و تقرير Blowden المشهور باسم (Blowden report)،ثم من خلال حركة الماركسيين الجدد مع برنشطاين Bernshtein، و جورج سنيدرز Georges Snyders في تحليله للمدرسة و الطبقة و الصراع الطبقي...، تكشّف لهم الأثر الحاسم (أيضا) لقادة المنظمات المدرسية في تيسير شروط التعلم و النمو، إذ مكّنت دراسات و أبحاث و أعمال كل من  Edward Mc Dillو  Gary Natrielloو  A.M PallasوDoris R.Entwistle وColeman (الذي تخلى عن البحث في العوامل الخارجية للمنظمة المدرسية) (كل هؤلاء أمريكيون) من كشف أثر "الجو" العام للمنظمة المدرسية "أو ما سيصبح معروفا عندهم ب"مناخ المنظمة" في تعلم و نمو و نجاح المتعلمين، و الذي يقصد به جودة  و  طبيعة الحياة  المدرسية،  تلك  التي وصفها H.J.Freinerg بالقول أنها "قلب و روح المدرسة... هذا الجوهر الذي يقود المتعلم و المعلم و الإداري ليعشقونها و ينتظرون أن يكونوا بداخلها كل يوم" (33). و هذا المناخ الإيجابي للمنظمة المدرسية يساعد "أهلها" بالارتياح الاجتماعي والراحة الوجدانية و المادية، و يمكن الطلاّب من النمو الأكاديمي و الاجتماعي (34). و أكدت دراسات و أبحاث عديدة لهؤلاء الباحثين الجدد الموقع الحاسم لقائد المنظمة المدرسية (المدير) في خلق ثقافة المنظمة أو روح المنظمة، و التي هي، بلغة بسيطة، معايير وضوابط (رفيعة) للسلوك (الرفيع) "تشعّ" منه باتجاه كل الفاعلين معه ضمن نفس المنظمة (المدرسون، الإداريون، المتعلمون...)، تضمن الشعور بالمسؤولية و بالارتباط بالمنظمة و الانخراط في العمل من أجل نجاحها، و تدفع المتعلمين للشعور بالسعادة وهم فيها، و ترفع من مستوى أدائهم و إصرارهم على التحصيل، و تجنب كل ما من شأنه أن يخلّ بسيرها الخلاق.

  و إذا كان بيير بورديو و من معه، كشفوا قناع المدرسة لتنفضح حقيقتها باعتبارها مؤسسة لممارسة العنف الرمزي و التوزيع الغير العادل للخيرات الرمزية و إعادة الإنتاج الاجتماعي، و كأني بهم ينبّهون المربّين إلى الآليات "السّرية" التي تعيق تعلّما فعليا للمتعلمين، أو على الأقل تحجيما لإمكانياته، و بالتالي نموّهم، فإن الباحثين و العلماء الجدد، بتركيزهم على العوامل الداخلية للمنظمة المدرسية، استكملوا بناء الشق الثاني من "المعادلة" التي تحكم اشتغال المنظمة المدرسية، إذ كشفوا كون العوامل الداخلية الإيجابية أو الفعالية (مدرسون باعتبار ذاتي و فعالية ذاتية، و قيادة بنفس الخاصيتين بالإضافة إلى معرفة علمية بعلوم التنظيمات، قادرة على خلق ثقافة للمنظمة...) لها موقع حاسم في تيسير سبل التعلم و النمو، حتى بالنسبة للمتعلمين القادمين من أوساط مختلّة، أو الذين يعانون من صعوبات أو تعثرات.
  فاكتملت "المعادلة" التي هي اليوم حسب دراسات و أعمال باحثين من أمثال Marshall,M.L و Lawrance ThomasوSudday Roy و  Rowan Brian و Willer Robert (35)،...و بعد أعمال سابقة في الثمانينات من القرن الماضي كأعمال Edgar Schein حول ثقافة المنظمة المدرسية (36)، علما بكون استمر في "الحفر" في العوامل الفاعلة في نجاح المنظمة و التنظيمات عموما إلى عهد قريب ، و هو في عمر التسعينات. و المعادلة اليوم هي: "متى كانت العوامل الداخلية للمنظمة المدرسية سلبية (مدرسون بدون اعتبار ذاتي و بدون فعالية ذاتية،و إدارة جاهلة)، تكون العوامل الخارجية فاعلة و مؤثرة و موجّهة،فنكون أمام "المدرسة العاهرة" (L école prostituée) باللغة الفادحة للباحث البلجيكي اللوكسومبورغي Nico Hirtt، و متى كانت تلك العوامل الداخلية إيجابية (مربّون باعتبار ذاتي و فعالية ذاتية و إدارة تشعّ منها ثقافة المنظمة، يصبح أثر العوامل الخارجية ثانوي أو هامشيا، أو حتى ملغى)!. و هي المعادلة التي لا تتوقف أهميتها عند كشف جدل العوامل الداخلية و الخارجية للمنظمة المدرسية في اشتغالها، بل تتعدى ذلك إلى كشف قضايا أساسية تخص نسق التعليم ككل و علاقته ب"السياسي" على الخصوص، والإمكانيات الهائلة للمنظمة المدرسية في علاقتها ب"قيم" المجتمع...إذ من خلال هذه المعادلة، يمكن استنباط و فهم دوافع التكوين الاسمي أو المغشوش للمدرسين بالمجتمعات التقليدية، لضمانهم بدون اعتبار ذاتي و فعالية ذاتية، و بالتالي سهولة "تأثير" العوامل الخارجية... و فهم لماذا تشتهر البلدان السكاندنافية  و اليابان... بالأخلاق الرفيعة و قيم التعبير عن الذات بمستويات عليا، فالمصدر الأساسي لكل ذلك هو المدرسة التي مشهور توفرها على عوامل داخلية إيجابية بدرجة كبيرة ، و مسموح لها بتوزيع حدّ مقبول، إن لم نقل رفيع من الخيرات الرمزية، و التي (الخيرات الرمزية) حين نجعل على رأس مركّباتها المهارات العقلية التي كلما نمت عند فرد، تنمو بالضرورة أخلاقه (وجوانب أخرى من شخصيته)، ندرك لماذا السكاندنافيون بأخلاق رفيعة في المجمل، و "أخلاق" قلاع الاستبداد انحدرت إلى ما دون الآدمية، لأن المدرسة عند الأولين (بعواملها الداخلية الإيجابية) "تصدّر" القيم الرفيعة إلى المجتمع، و عند الآخرين، و هي في حالة العجز و الانتكاب، تهجم إلى قلبها "عاهات" المجتمع و تقرّحاته الأخلاقية.

  خـاتمة أو الأبـواب المشرعة على الـدوام:

 تلك كانت رحلة معرفية ممتعة لي أنا أولا، صاحب هذا العمل، المتخصّص في الأصل في السوسيولوجيا، المهاجر فيها  بجنون، و الذي  وجد  نفسه - ضمن شروط
شديدة التعقيد و التركيب و الالتباس لا فائدة في تفصيلها- مجبرا على تدريس علوم التربية و علم النفي، و ما كان عليه - ضمن حرصه على "الاعتبار الذاتي" و "الفعالية الذاتية" اللذين تعلمهما و تشبّع بهما (قبل معرفتهما كمفهومين مركزيين ضمن الفكر التربوي الجديد) من السوسيولوجيا، و قبلها من الفلسفة- إلا، أن توغّل في دروب علم النفس بكل مدارسه و اتجاهاته، و في أعمال المفكرين و الفلاسفة التربويين المشهورين عبر تاريخ هذا الفرع المعرفي الخصب، من جان جاك روسو و رواية "إميل" إلى "التعلم للإزهار" Learning to flourish)) للفيلسوف الأمريكي اللامع اليوم Daniel R.Denicola، ثم مع العلماء و الباحثين في التربية اليوم بالطرق و المناهج العلمية الأكثر تطورا، هؤلاء الدين و جدتهم سوسيولوجيين بالمعنى الأكثر تقدما للسوسيولوجيا، مما فاقم ارتباطي بالتربية و علم النفس، لأنني وجدتهما يضيفون الكثير إلى "سوسيولوجيتي"! ساعدني في ذلك تمكني من اللغة الانجليزية، علما بأن هؤلاء الباحثين الجدد يكتبون في غالبتهم الساحقة إن لم نقل كلهم بهذه اللغة. و تجربتي هذه التي تبدو "خاصة" هي بمثابة تجربة - نموذج للمدرس و مساره بمجتمع تقليدي خارج مجتمعات المعرفة و العلم.
  و تكشف هذه الرحلة المعرفية تاريخ و محطات محاولات فهم المفكرين والفلاسفة، ثم العلماء، كيف ينمو الكائن الإنساني، أي الطفل، و ما هي المراحل التي يقطعها هذا النمو، و العوامل الفاعلة فيه، و كيف يتعلم، و ما هي العوامل الفاعلة في التعلم؟ و كل ذلك برهان توفير السبل لبناء الإنسان في صورة مثلى عبر توفير شروط تعلمه و نموه، وهو التاريخ الذي يمتد على مدى ما يزيد على قرنين، وإن كنا لم نعد إلى Charle Bannet الذي كان أول من استعمل مصطلح "Psychologie" بالفرنسية (عاش بين 1720 و 1793)، كما لم نعد إلى Wilhen Wundt (1832- 1920) الذي أسس لأول مرة مختبرا خاصا بعلم النفس بمدينة Leipzig الألمانية عام 1789، و غيرهما، بل اقتصرنا عل الانطلاق من المحاولات الأولى الكبرى ممثلة في السلوكية و التحليل النفسي، و إن كانا لم يلامسا الجوهري فيما يهمنا ضمن هذا العمل، كما أشرنا إلى ذلك سابقا، إذ سقطت الأولى في مطابقة سلوك الإنسان بسلوك الحيوان، و اعتبار التعلم عنده يتحقق  بنفس  الطريقة  التي  يتحقق بها
عند الحيوان، أي أنه مشروط ضمن قانون "مثير استجابة". بينما ركز فرويد في تحليله لنمو الطفل على بعد واحد من أبعاد شخصيته هو البعد الجنسي. ثم انتقلنا مباشرة إلى الأعمال العلمية المنظمة حول تعلم الإنسان و نموه، مع جان بياجي الذي وضع يده لأول مرة على الجوهري في المسألة، ألا وهو النمو الفكري أو المعرفي للطفل، و الذي بالرغم من كل الانتقادات التي توجه إلى نظريته، يبقى من أكبر مدشني البحث العلمي الفعلي في آليات و ميكانيزمات نمو الإنسان و تعلمه. ثم مع فيكوتسكي، هذا العالم النفس و اللساني و الناقد الفني و الابستمولوجي الخالد رغم القصر المروّع لحياته، و الذي إلى جانب الخلاصات الثاقبة التي انتهى إليها خصوصا فيما يتعلق بموقع اللغة في نمو الطفل، و الأثر الحاسم لما سماه ب"الأدوات النفسية" (الرموز ضمن التفاعل الاجتماعي) في ذلك النمو، و حسمه في كون النمو لا يتحقق ضمن قوانين البيولوجيا، و كشفه لأول مرة عما سماه "النمو الثقافي للسلوك"، و لمسار نمو الوظائف النفسية العليا أو "البنيات المعرفية" كما سيصبح اسمها اليوم... . لنصل إلى ما يسمى بالفكر التربوي الجديد، و الذي يقصد به كل الأعمال العلمية و الدراسات و الأبحاث الشديدة التنظيم و الصرامة العلمية التي جاءت بعد فيكوتسكي و بياجي، و التي تشتغل اليوم ب"أعلى طاقاتها" نتيجة التقدم الهائل في أدوات القياس و العلوم المعرفية و دخول جراحة الدماغ على خط تأكيد الفرضيات أو نفيها. هنا أصبحنا أمام البحث الدقيق في جوانب جد محددة أو على عوامل جد دقيقة تتداخل في تعلم الإنسان و نموه، قدمنا نماذج بارزة منها فقط، و بعُدَ البون بيننا و بين ادعاء الإحاطة بها. هو عمل جبّار يقتضي إمكانيات هائلة و فرقا علمية كاملة متخصصة للترجمة، و هياكل مؤسساتية،... و قبل كل ذلك إرادة سياسية للانخراط في الحاضر والانتماء إليه، معرفيا، و الرهان على المستقبل (لا رؤيته في الماضي! أو التّسفير إليه...)، لأن التربية اليوم، هي بوابة المجتمعات المعاصرة لكتابة التاريخ، و التفريط فيها إعلان إفلاس.

- مـراجـع الــعمـل:

-Jean Jacques Rousseau: Emile ou de l'éducation- (Publié en      -1
                       1762) - Editions : Flammarion - 2009.
2- هي مجرد إشارة إلى حالنا، حيث طغيان ثقافة الماضي و الموت، و رؤية المستقبل في الماضي.
-John Broadus Watson: Behaviorism - w.w.Narton and Company-3 - 1970.
-Sigmund Freud: Trois essais sur la théorie sexuelle (1905) - Ga-  -4 llimard - Coll. "Folio" - 1989.
-Jean Piaget: Psychologie et pédagogie - Editions Denoeil - Paris  -5  - 1969.
-Alexander Romanovich Luria: in : Textes de base en psycologie  -6  - Vygotsky Aujourd'hui - sous la direction de B. 
                          Schneuwly et J.P. Bronckard - Editions Dlachaux
                          and Niestlé - Lausane . - p:2.   
-J.P. Bronckard: Les bases épistémologiques de la psychologie     -7  - in Textes de base en psychologie op.cit- p:39.   
- J.P. Bronckard: La méthode instrumentale en la psychologie    -8  - in Textes de base en psychologie op.cit- p:39.
- J.P. Bronckard: La méthode instrumentale en la psychologie      -9   op.cit- p:45.
- J.P. Bronckard: La methode instrumentale en la psychologie    -10  op.cit. p:64.
- J.P. Bronckard: La methode instrumentale en la psychologie    -11   op.cit. p:46.
-Lev Semionovitch Vygotsky: The genesis of higher mental fun--12  ctions - in The concept of higher activity in Soviet
                          psychology - Armonk Ny , Sharpe- J.V.Wertsch. -
                          University of Minnesota -2010. - p:114.
- Lev Semionovitch Vygotsky:  op.cit. p: 24                                      -13 
- Lev Semionovitch Vygotsky: Mind in Society - in Collectif:         -14 Vygotsky aujourd'hui- Edition Delachoux and 
                         Niestlé - Lauzane - p:272.   
-Fisher,K.W.and Pipp,S.: Process of Cognitive development:       -15   Optimal level and skill acquisition - in R.J.Sten-               
                          berg: Mecanisms of Cognitive development -
                          New York Freeman.
-John Biggs and Philip Moore: The process of learning - 3rd Edi--16 tion - New York -Sydney - Prentice Hall of Aust-   
                          ralia - 1987.
-Margaret Donaldson: Human Minds: An exploration Allen        -17 Lane, The Penguin Press- 1993.
-Gagné,E.D.: The cognitive psychology of school learning - Bos- -18  ton, Little Brow and company - 1990. (2d edition).
-J.Biggs and K. Collis: Evaluating the quality of learning: The So--19  lo taxonomy - Educational psychology series - 
                  New York: Academic Press. 1982.
-Flavel, John.H.: Metacognition and cognitive monitoring: A       -20 new area of cognitive - developmental inquiry- 
                         in: http//psycnet.apa.org/record/1980. 
-H.f.O'Neil and C.Spielberger: Cognitive and affective learning   -21 strategies -New York: Academic  Press - 1979.
-R.R.Schmeck: Learning Styles and learning strategies - Ed.Ny:   -22 Plenum - 1986.
-Marton, F. and Saljo,R: On qualitaves differences in learning-   -23 Outcome and procecess - in : British Journal of 
                         Educational Psychology - 46- pp:4-11.
- Marton, F. and Saljo,R: op.cit. p:47.                                                -24
-Entwiste,N.and Ramsen,P.: Understanding student  learning -    -25 Routledge Revivals ed.- Routledge -2015.
-Biggs,J.and Tang,C.: Teaching for quality learning at University-26 -What the student does - 3rd éd- Berkshire:Open University Press - 2007.
-Amabile,T.M.,DeJong,W.and Lepper,M.R: Effects of external    -27 imposed deadlines on subsequent intrinsic moti-
                         vation - Journal of Personality and social Psycholo-
                      gy, 34 - 92 - 98.  
-Deci,E.L. and Rayan,R.M.: Intrinsic motivation and self - deter- -28 mination in human behavior - New York: Plenum
                         - 1985.
-Schalock, D.: Research on teacher selection - in: Berliner - Rev--29 iew of research in education - Vol:7 - Washington
                          - D.C - 1979.
-Miller William: Staff Moral, school climate, Education produc- -30  tivity - Educational leadership - 38 - N°:6 -483-486.
-Entwistle,N.: Styles of learning and teaching -Chechter edition -31 - New York: John, Willey and Sons.
-Bandura, A.: Self- efficacy - The exercise of control - New York:-32 - Freeman - 1997.
-Freinerg, H.J.: School Climate : Measuring, improving and sus- -33 taining healthy learning environments -Philadel-
                         phia, PA: Palmer Press. p:11.
-Bandura,A.: Social foundations of thought-and action: A Social-34 cognitive theory - Englewood Cliffs: Prentice -Hall,
                         inc, 1986.
-Read for example: -Lawrence, T.B  and Suddaby, R.: Institu-    -35 tions and institutional work,"in: Clegg, S;Hardy,C;
                         Lawrence, T(eds): Hanbbook of organization       studies   (2nd ed). London: Sage 2009. pp:215- 254.    
                        -Lawrence,T.B.; Suddaby,R..Leca,B.: institutional
                         work: Refocusing institutionazl Studies of  
                        organizations  : Journal of management inquiry.
                        20 (1): pp: 52 - 58. -2011.                    
-Edgar Schein: Organizational culture and leadership San Fran- -36  cisco: Jossey Bass edition- 1985.

♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -