أخر الاخبار

محاضرات أسس علم الإجتماع s1

أسس علم الإجتماع

أسس علم الإجتماع s1 

2019-2020

المحاور :

  • ماهية علم الإجتماع (طبيعته - تعريفه - موضوعاته)
  • أصول علم الإجتماع
  • الثورة الفرنسية والتفكير العلمي الوضعي 
  • مساهمة أوجست كونت ونشأة الوضعية
  • الثورة الفرنسية وقيم الديمقراطية 
  • توكفيك والديمقراطية
  • الثورة الفرنسية وانقلاب التراتبية الإجتماعية
  • الأسس الإيبستنولوجية للمعرفة السوسيولوجية
  •  المبادئ الأساسية لعلم الإجتماع الدوركايمية
  •  مبادئ علم الإجتماع عند ماكس ڤيبر 
  •  بيير بورديو وعلم الإجتماع التوفيقي
  •  تحديات علم الإجتماع في الزمن الرقمي 

المحور الأول : ماهية علم الإجتماع (طبيعته -تعريفه -موضوعاته )

1- طبيعة علم الاجتماع 

منذ الإنفصال عن الفلسفة وعلم الإجتماع يتعرض إلى الكثير إلى النقد سواء من حيث طبيعته أو موضوعه أو مناهجه، ولقد كان لأوجست كونت السبق في نحت وصياغة مفهوم (السوسيولوجيا سنة 1838) حيث يعتبره بعض المؤرخين على أنه المؤسس الأول لهذا العلم، منذ البداية إقامة علم مهمته الأساسية هي دراسة الظواهر الطبيعية .ولقد قال في الجزء الرابع من دروس في الفلسفة الوضعية."لدينا الآن فيزياء سماوية وأخرى أرضية ميكانيكية أو فيزياء نباتية وفيزياء حيوانية ومازلنا إلى الحاجة إلى نوع آخر وأخيرا من الفيزياء وهي الفيزياء الإجتماعية حيث يكتمل نسقنا عن الطبيعة وأعني بالفيزياء ذلك العلم الذي يتخذ من الظواهر الإجتماعية موضوع لدراسته ، بعتباره هذه الظواهر من نفس روح الظواهر الفلكية والطبيعية والكيماوية والفزيولوجية ومن حيث كونها موضوع للقوانين الطبيعية التالية .
إن أوجست كونت ينتصر للعلمية وينطلق من التشابه بين الظواهر الطبيعية والظواهر الإجتماعية بحيث كلاهما محكومين بقوانين ثابتة وهو القمع الذي يتعرض له كونت لسير من الإنتقادات كما أنه يضع علم الإجتماع على قدم المساواة مع باقي العلوم الحقة (الفلك،الفيزياء، الكيمياء، البيولوجية، الفزيولوجية..)
ويعتبر أن هذا العلم الجديد بإمكانه أن يعتمد نفس المنهج الذي توضفه الحقة .

إن هذه الطبيعة العلمية ستتعرض للنقد من طرف علماء الإجتماع من أمثال ماكس ڤبير بيير بورديو مارسل موس في هذا الصدد في مقال مشترك مع بول فوكونيه (علم الإجتماع الموضوع والمنهج)"مازال البعض يعترض على إمكانية وجود علماء الإجتماع حديث العهد ،وقد خرج لتوه من المرحلة الفلسفية " وهي نفس الفكرة التي يخلص إليه ليڤي ستراوس بحيث أكد على صعوبة القول بوجود  (علوم اجتماعية) لأنه يعتقد أن المعرفة الإجتماعية حديثة العهد مقارنة بالمعرفة في العلوم الطبيعية ، ومن جهة أخرى يؤكد ريمون أرون في كتابه "صراع الطبقات"
"يتميز علم الإجتماع في الواقع بالبحث في الواقع بالبحث الدائم عن نفسه ،ويتفق علماء الإجتماع على نقطة واحدة فقط وهي صعوبة تحديد علم الإجتماع،وفي السياق ذاته يقول هندري مندراس في كتابه "علم الإجتماع " :ما زال هناك حتى اليوم عدد من الناس يحكم على أن تدريس علم الإجتماع هو أمر سابق لأوله ،علم موضع جدل ،علم في طريق في طريق التكوين .
عموما فهذا العلم ما زال في تشكل مستمر و يصعب الحكم على طبيعته لكنه يمكن أن نميز بين إتجاهين أساسين ،الأول يضفي العلمية على هذا التخصص ،ويمثل هذا الإتجاه دعاء الفلسفة الوضعية (كونت و اميل دوركايم ) والثاني ينزع عنه هذه الصفة ويجعل منه تخصصا فلسفيا ، يقوم على التأويل والفهم (ماكس ڤيبر) بينما يذهب علماء الإجتماع وبعض فلاسفة علم الإجتماع إعتبار هذا العلم مجرد تاريخ مقتضب وعام.

2- تعريف علم الإجتماع :

   إذا كانت طبيعة هذا العلم تعرف تصارعا وإختلافا عميقا بين تيارات ومذاهب فإن تعريفه لن يكون بالأمر الهين ، فقد تم احصاء أزيد من 80 تعريفا لرواد هذا العلم، إلى درجة القول على أن لكل متخصص في هذا العلم تعريفه الخاص، ولقد وضع هذا الباحث تعريفا،يقول "العلم الذي يسعى إلى أكبر قدر من التعميم فيما يخص الجوانب الوظيفية والبنيوية للمجتمع "هذا التعريف نجده يوضح مجموعة من التعاريف السابقة للرواد ،كما أنه يركز على مسألة الخصائص المشتركة للمجموعات والمجتمعات لأنه يعتبر مهمة عالم الإجتماع من صياغة تعميم يفسر ما يقع داخل مجتمع محدد، كما أنه يعتبر أن الباحث في هذا التخصص يعتمد مقاربة ومنهج ،فقد يفسر بطريقة وظيفية أو بنيوية أو تاريخية أو غير ذلك. لقد كان أوجست كونت من الأوائل الذين حاولوا تعريف هذا لعلم، حيث أكد على أنه "ذلك العلم الذي يتخد من الظواهر الإجتماعية موضوع للدراسة ومن التفسير السيئ منهج له" وهو نفس التعريف الذي وضعه ايميل دوركايم و الذي بدوره يعتبر أن الظواهر الإجتماعية بشكلها السليمة أو المعتلة هي جوهر الدراسة في علم الإجتماع، وعلى النقيد التام من هذين التعريفين يذهب عالم الإجتماع الألماني ماكس ڤبير إلى أن هذا العلم "هو الذي يحاول أن يصل إلى فهم تفسير للفعل الإجتماعي الذي له معنى من أجل التوصل إلى تفسيرا علميا لمجراه ونتائجه" فقد اولى ... للفعل الإجتماعي أهمية بالغة وجعل منه الموضوع الأساس لكنه لا يتحدث عن أي فعل إنساني ويقول "علم الإجتماع هو الذي يسعى في المقام الأول إلى دراسة الفعل الموجه إلى سلوك الآخرين"

إذا كان ماكس ڤيبر يركز على الفهم كأهم منهج وآلية التحليل في علم الإجتماع وإذا كان يؤمن بأهثمية المعرفة النظرية والخبرة لكل باحث لهذا العلم ،فهو لا يقصي التفسير "المنهج الدوركايمي "بل يجعله مرحلة تانية في عملية دراسة الأفعال الإنسانية التي يجب أن يكون لها معنى ،فليست كل الأفعال أفعال انسانية أو اجتماعية بل يجب أن يكون لها معنى وموجهة نحو الآخرين ،إذا كان هذا هو تصور ماكس ڤيبر فإن نيرغوند يؤكد على أن هذا العلم "هو تلك المعرفة التي تكشف النقاب عن الصراعات والمصالح والرهانات ،وهي ليست فقط مصالح الحاكم ،بل أيضا مصالح ومكانات رجال المعرفة أنفسهم ،بمعنى آخر معرفة تكشف عن الخفي لوله ،وعن لا معقول   iroseyoniel إنه علم نقدي علم يجعز "ومن جهة أخرى يذهب جورج هربيش إلى تحديد آخر ،حيث يقول "هو ذلك العلم الذي يدرس الظواهر الإجتماعية الكلية في مجمل جوانبها وحركاتها . عالم الإجتماع هو الذي يفسد على المتنكرين صفاتهم التنكرية .

3- موضوعات علم الإجتماع :

إن الإختلافات بين علماء الإجتماع حول طبيعة هذا العلم ومناهجه إنعكست على موضوعات ،فهناك من يؤمن بأن هذا التخصص يتناول الظواهر الإجتماعية الشمولية ،كما أنه يتناول قضايا ،من أهمها :
  • أ-علم الإجتماع العام .
  • ب-علم الإجتماع القانوني (التنظيم السياسي ،التنظيم الإجتماعي ،الزواج والأسرة وعلم الإجتماع الجنائي)
  • ج-علم الإجتماع الإقتصادي 
  • د-علم الإجتماع الجمالي 
  • ه-علم الإجتماع الديني 
  • و-علم الإجتماع الديموغرافي 
   هذا التحديد يقدمه المؤسس العلمي دوركايم ،والذي ينطلق من وجهة نظر شاملة  للمجتمع وظواهره ،وهو بذلك يؤمن بأن الظواهر الإجتماعية السياسية والإقتصادية والدينية منطق ثابت يحكم المجتمع ككل.

إذا كان إميل دوركايم ينطلق من الثبات ومن العمومية ومن التفسير كمبادئ للدراسة ، فإن ماكس ڤيبر ينطلق من مقاربة تفاعلية وتأويلية وتفهمية ، يحدد من خلالها الموضوع الأساس للعلم ، وهو كل فعل إنساني له معنى ودلالة وموجه لتحريك وعي أو فعل أو سلوك لدى الآخرين .
بخلاف التصورين السابقين يؤكد بيير بورديو على أن علم الإجتماع هو الذي يتناول قضايا الصراع والرهانات الخفية ،فموضوعه هو تلك التناقضات والتمايزات التي يصعب كشفها ،وهو بذلك لا يعتمد مقاربة كليانية شمولية ولا مقاربة تفاعلية تأويلية (ڤيبر) بل ينطلق من الصراع والتناقضات كمحدد للعلاقات والأفعال الإجتماعية ،ولذلك نجده يتحدث عن المفاهيم (العنف الرمزي ،إعادة الإنتاج ،الحقول ،الرأس المال ..)
بخلاف التصورات السابقة يؤمن هيربارت شب ..على أن علم الإجتماع يتناول بشكل أساسي مفهوم التطور ،بحيث يتناول تطور الأسرة وتطور التنظيم السياسي والتحولات على مستوى النظام الكنسي والمراحل التي مر منها القطاع الصناعي .
إذا كان رواد علم الإجتماع مهوسون بتحديد الموضوع والمنهج فإن علماء الإجتماع المعاصرين ينتقدون هذا العلم سواء من حيث المناهج أو المواضيع ،وفي هذا السياق يؤكد بول...على أنه لا وجود لموضوع محدد ودقيق لعلم الإجتماع بخلاف العلوم الإجتماعية الأخرى.

المحور الثاني : أصول علم الإجتماع 

إن هذا العلم الجديد ليس وليد القرن 19 فقط، بل هو نتيجة لمخاض من التفكير الإنساني منذ التجمعات الأولى (القبيلة)فمنذ الوجود الأول كان للإنسان تفكير فيما هو إجتماعي (السلطة -التنظيم-التعاون-الأخلاق و العنف وأشكال الزواج...)،فمع قوانين ححمورابي،القائمة على مبدأ (السن باسن والعين بالعين )كان الهم هو إقامة مجتمع تسوده القيم والأخلاق وتحكمه قوانين مشتركة ،أما في الحضارة الفرعونية فقد كانت الطبقية والتمايز بين فئات المجتمع هي الأساس الذي تبنى عليه مقابرهم ويوجه أفكارهم فيما بعد البعد ،لكن الفكر الإجتماعي الناضج لا يمكن الحديث عنه بشكل واضح وعلمي إلا داخل الحضارة اليونانية ،فقد إهتمت بالسياسة وطبيعة الإنسان وبالتواصل وبالعلاقات الإجتماعية ،فمع أفلاطون(الجمهرية) ظهرت مفاهيم ومبادئ الطبقية (هرم السلطة الشعراء والأدباء والفلاسفة في القمة والعبيد في القاعدة والموضفون والجنود طبقة وسيطة).
كما أنه أسس لمبادئ وخصائص المدينة المتالية بينما أرسطو وفي كتابه حول السياسة يعتبر أن المدينة الدولة تحكمها قيم ،ومنها الطبيعة الخيرة للإنسان وضرورة ممارسة السياسة من طرف الجميع ،لأن المواطنة تقتضي المشاركة ،إن التفكير الإجتماعي سيعرف ولادة أخرى في مجال آخر غير بلاد اليونان . فقد استطاع ابن خلدون من خلال كتاباته وخاصة (المقدمة) أن يؤسس لفكر سياسي (نظرية العصبية في الحكم ،ونظرية تعاقب الحظارات)

.أما في المجال الإقتصادي ،فقد ميز بين مجالين ،الريف والحضارة ،الأول يعتمد سكانه إقتصاديا حاجيا معاشيا ،من خلال توفيره الإحتياجات الضرورية فقط ،بينما في المجال الثاني يسود الإقتصاد الكمالي بحيث يبحث سكان المدينة عن تحقيق المتعة والرفاهية والتميز ،في حين يؤكد من الناحية التاريخية على أن الإنسان ابن بيئته ووليد التحولات التاريخية التي عاش فيها ،بينما من الناحية الإجتماعية فقد كانت مساهمته من خلال نظرية العمران البشري والتي ميز فيها بين أهل الحضري وأهل الريف ،أهل الحضر أقرب إلى العدوان والعنف والشر بينما أهل الريف أقرب إلى الخير وإلى التعاون .

المحور الثالت : الثورة الفرنسية والتفكير العلمي الوضعي 

إن تاريخ الإنسانية هو تاريخ التغير والثورة باستمرار ، ثورة سقراط المعرفية (فن توليد الأفكار ) وسياسة مع أفلاطون (نقد الديمقراطية المطلقة اليونانية )وتأكيده على صعوبة مشاركة الجميع في العمل السياسي ضدا على أطروحة السياسي بييركنس وثورة إجتماعية وسياسية مع أرسطو (الإنسان مدني بالطبيعة وممارسة السياسة واجب داخل المدينة وهي التي تمنح للفرد إحتراما وتقديرا ،ولا يجب أن ننسى لحظة ديكارت ،بينما هي تغير عميق على مستوى النظر للإنسان ،بحيث حاول أن يهدم تلك التراتبية بين الإنسان العادي وبين الإقطاعي والنبيل ورجل الدين ،وأدمج بعدا جديدا في النظر إلى المجتمع ،حيث اعتبر أن الجميع يملك نفس القدرات العقلية،وكأنه يؤكد على ضرورة إزالة تلك الفوارق بين مكونات المجتمع ) وهي نفس الفكرة التي طورها كانط والقاعدة بأن الأنوار هي الخروج من وضعية الحجر، فهذا الأخير يؤكد على أن الإنسان كائن أخلاقي وعقلاني ،من الضرورة أن يخرج على تلك التقاليد التي تجعل منه خاضعا وتابعا لما هو ديني أو لحاكم باسم الله أو إقطاعي يملك باسم الهبة الإلهية.

إن الثورات الفكرية والسياسية في أروبا كثيرة ولا يمكن حصرها بشكل دقيق ،ومع ذلك لا يجب أن ننسى لحظة فلاسفة الأنوار،

  1.  فمع روسو إنتقلنا إلى الدولة المشروعة والقانونية (الكل يخضع للقانون بما فيه الحاكم ) 
  2. ومع هوبس إنتقلنا إلى الدولة التعاقدية مع المحافظة على أحقية الحاكم في أن يكون فوق القانون لصد كل المظاهرات والخارجين عن القانون
  3.  أما مع لوك فقد شهدت أروبا ثورة سياسية جذرية ، تقوم على ضرورة الفصل بين السلط (السلطة القضائية، السلطة التنفيدية، السلطة التشريعية )، كما يمكن الحديث عن الثروات الماركسية والنشاوية اللاحقة للثورة الفرنسية.

لايمكن تجاهل أهمية الثورات الفكرية والسياسية والإجتماعية في أروبا فمنذ القرن 14 ظهرت ثورة الفلاحين في إنجلترا والثورة الهولندية في القرن 15 ثم الثورات الكبرى في أروبا في منتصف القرن 19 والتي تمثل لحظة التأسيس ولحظة الولادة المبكرة للثورة الفرنسية ، فقد شهدت أحداث وإحتجاجات كبرى ،فمثلا حاولت هنغريا الإستقلال عن النمسا ، كما بحتت ألمانيا عن التوحد أما فرنسا فقد تمت للإحاطة بالنظام الملكي وتم إحداث مجموعة من الدساتر لكنها بقيت حبرا على ورق .

هذه التغيرات هي التي كانت بداية للحظة التغير الجذري في فرنسا، لكن ثورة فرنسا لم تكن نتيجة لإحتجاجات فقط ،بل هي نهاية لتراكم ثورات فكرية وسياسية منذ اليونان إلى عصر الأنوار، ولقد كانت مرحلة الأنوار منفصلية ،بحيث دافعت عن المجتمع وعن الكل وعن المؤسسة وعن قيام العدالة والحرية والمساواة وهي قيام لا تهم الفرد بقدر ما تبحث عن مصلحة الجماعة والمجتمع ،وهو ما لفت إنتباه بعض الفلاسفة إلى موضوع جديد وهو المجتمع وظواهره ،وهنا بدأت نقطة التحول من مناهج معرفية عقلانية(ديكارت، سبينوزا ،هنري ) أو تجريبية (لوك هيوم ) ونقدية توفيقية (كانط) إلى ظهور منهج جديد (المنهج الوضعي )

لقد كانت الثورة الفرنسية باعثا على الإهتمام بالكل وهو الذي أظهر المنهج الوضعي السببي بحيث حاول أوجست كونت أن يؤكد على أن المجتمع لا يختلف من الطبيعة والظواهر الطبيعية ،وعلى أن المنطق الذي يحكم الظواهر الطبيعية هو نفسه الذي يحكم الظواهر الإجتماعية وهو المنطق السببي ،وهنا أكد على ضرورة دراسة الظواهر الإجتماعية بشكل إمبريقي ،خاصة في الدرس الرابع من درسهم في الفلسفة الوضعية.

لقد إهتم الكثير من علماء الإجتماع والتاريخ وعلم النفس بالثورة الفرنسية وتأثيراتها السياسية والإجتماعية والعلمية ، فمع عالم النفس ك غوستاف لوبون وخاصة في كتابه (روح الثورات والثورة الفرنسية) يؤكد على أن هذه الثورة ليست وليدة القرن 18 أو 19 فقط بل هي نتيجة لتراكم ثورات فكرية وسياسية وإنسانية من جهة، ومن جهة ثانية كانت لها إنعكاسات عميقة على مستوى التفكير الأروبي وخاصة في فرنسا فقد كانت سببا في ظهور الإهتمام بقضايا مجتمعية، وفي دعوة أوجست كونت إلى موضعة الظاهرة الإجتماعية وتشبيهها بالظاهرة الطبيعية من حيث الأسباب أو من حيث المنطق السببي، بينما يؤكد المؤرخ جون بيير فرنان في كتاباته حول الحضارة على أن هذه الثورة هي بمثابة تغير عميق على المستوى الفكري ، والذي صاحبه ميلاد منهج وضعي يتشبه بالمنهج التجريبي ، بينما إهتم عالم الإقتصاد صاحب فكرة تقسيم العمل سان سيمون بالتغير السياسي في فرنسا ،وإنعكاسه على ما هو إقتصادي (الإنتقال من رأسمالية مالية إلى رأسمالية صناعية ).
ويذهب بعض علماء الإجتماع ومن أهمهم رايمون أرون الى الدور الفعال الذي لعبته الثورة الفرنسية في نشأة علم الإجتماع والمنهج الوضعي بشكل خاص ، بينما يؤكد ماكس ڤيبر على أن الثورة الفرنسية ساهمت في الإنتقال من القيم التقليدية إلى المنهج العقلاني الحديث ، و هو ما إنعكس على العلوم الإجتماعية ومناهجها ، أما عالم الإجتماع الإنجليزي شالز شلي يؤكد على أن الثورة هي بمثابة الإحتجاج على المنطق والمناهج العلمية السائدة ودعوة إلى إحداث مناهج جديدة خاصة تلك التي تهتم بالظواهر الإجتماعية.

المحور الرابع: أوجست كونت ومساهمته في علم الإجتماع (المنهج الوضعي) 

حاول أوجست كونت منذ البداية أن يتميز عن غيره وأن ينقد القيم السائدة في تلك المرحلة ، وخاصة قيم الثورة والتغير الشامل فقد تبنى فكرا موضوعا وآمن بأن النظام القائم والقيم السائدة لا يجب إزالتها كليا وإنما يجب إدخال إصلاحات عليها من أجل توفير شروط التقدم فمن دون هذه الرؤية لن يكون هناك أي إصلاح ،ولقد دخل حروبا فكرية مع الكثير من الفلاسفة الإجتماعين (روسو ،هوبز) ومع دعاة فلسفة العلوم (لوك وهيوم ،كانط ،ديكارت ) ومع الإقتصادين من أمثال (سان سيمون وكارل ماركس )
إن تاريخ الفكر الكانطي مليئ بالنظريات والأفكار سواء تلك المرتبطة بتاريخ الإنسانية أو بأدوار الدين أو بتصنيف العلوم وإقامة منهج جديد مختلف عن المنهجين السائدين ، سواء التجريبي الخالص أو العقلاني المترفع، ومن أهم ماقدمه سواء للفكر الفلسفي أو لعلم الإجتماع نجد :

أ- التقسيم الثلاتي لتاريخ الإنسانية :

 لقد إستطاع كونت أن يدرس تاريخ الإنسانية ويميز فيه حسب القيم والفكر السائد بين:

  • المرحلة الاهوتية/الدينية، والتي يتم فيها الإحتكام إلى قوة إلاهية كفاعل في المجتمع وظواهره.
  •  أما في المرحلة الميتافيزيقية ،فهي التي إنتقل فيها التفكير من القوى الإلهية إلى البحث عن الأسباب وإن كان هذا البحث في بداياته الأولى.
  • بينما في المرحلة الأخيرة فقد ساد العلم والعقل والتفسير السببي لظواهر المجتمع ،وهي المرحلة التي سماها ب الوضعية والعلمية .

ب- الديناميكة الإجتماعية والستاتيكا الإجتماعية :

لقد ميز أوجست كونت بين نموذجين من الظواهر الإجتماعية ،الأولى متغيرة باستمرار ،سواء في المجالات السياسية أوالإقتصادية بحكم طبيعتها أو بالتأثيرات الخارجية ،بينما الثانية فهي تلك التي تخضع لنظام القيم الشمولي وتحافظ على  الإثبات وإستقرار نسبي .
ج-ترتيبه وتصنيفه للعلوم :
إهتم أوجست كونت بمسألة تصنيف العلوم حيث قسمها في سنة 1822 عن خمسة فروع من المعرفة (الفلك ،الفزياء ،الكيمياء ،علم النفس والعلوم السياسية )أما في سنة 1852 وقد ميز بين (الرياضيات ،الفيزياء ،بيولوجيا السوسيولوجيا ،الأخلاق )ولقد كان مهوسا بمسألة التصنيف  لأنه كان يعتقد أنه من الضرورة تحديد موضوعات العلم والمناهج الممكنة والملائمة ،ولذلك يمكن تصنيفه من بين أوائل  فلاسفة العلوم .

د - إختراعه المنهج الوضعي التجريبي :

يختلف الكثير من الدارسين في مجال فلسفة العلوم حول أصل والمؤسس الفعلي للمنهج الوضعي، فهناك من يعود به إلى لحظة أرسطو والإستقرار، وهناك من يؤكد على دور فرنسيس بيكون في مسألة وضع قواعد للمنهج العلمي، بينما يرى الآخرون أن فلاسفة التجربة (لوك وهيوم ) يمثلون لحظة ميلاد هذا المنهج ، لكن فلاسفة وعلماء الإجتماع من أمثال ريمون أرون يذهبون إلى إعتبار المنهج الوضعي أهم إضافات أوجست كونت في مجال العلوم الإجتماعية.إن أوجست كونت علامة فارقة في تاريخ الفلسفة المعرفية ،نظرا لحجم الإشكاليات التي طرحها ،ولمساهمته على مستوى تصنيف العلوم وإبداعه لتخصصات جديدة (الفيزياء الإجتماعية ) ووضعه قواعد المنهج الوضعي ،كما كان همه الأساسي هو إصلاح ما هو إجتماعي عن طريق الدين الجديد والعلم الجديد (علم الإجتماع )، فقد تبنى فكرة جوهرية مفادها أن إصلاح ماهو إجتماعي لا يمكن أن يتم إلا من خلال ما هو إجتماعي ،وبهذا يختلف كليا عن أطروحة أستاذه سان سيمون ،الذي كان يعتقد أن الإقتصاد هو أساس كل عملية الإصلاح .يميز بعض المؤرخون وخاصة من علماء الإجتماع بين ثلاث مراحل في حياة كونت العلمية ،ومن أهم من قام بذلك عالم الإجتماع ريمون أرون..

- أبحاث الشباب ( اجست كونت ):

 سادت ما بين 1820-1826 وهي مرحلة عرفت كتاباته الأولى على شكل دراسات ومن أهمها :(محطة الأعمال العلمية والضرورية لإعادة تنظيم المجتمع ) ،ومن كتابه (إعتبارات حول العلم والعلماء ).

- مرحلة إنشاء فلسفة خاصة :

 وهي تلك المرحلة التي قدم فيها دروسه في الفلسفة الوضعية ،حول الرياضيات والفلك والعلوم الإجتماعية وغيرها من المواضيع ،هذه الدروس تم جمعها في ستة أجزاء (مجلدات)

- مرحلة الديانة الوضعية :

 وهي الفترة التي نضج فيها فكر أوجست كونت وبدأ يدعو إلى إقامة دين جديد (الدين الوضعي أو المنهج الوضعي ) الذي بإمكانه إقامة إصلاحات حقيقية على المجتمع الأروبي ، ومن أهم الكتابات التي ظهرت في هذه المرحلة (منظومة في السياسة الوضعية )

المحور الخامس الخامس : توكڤيل ولحظة ولادة علم الإجتماع 

أ- تكڤيل وولادة عالم 

يصعب الحديث عن باحث وعالم من حجم أليكسيس ديكبيل ،فرغم كتاباته القليلة إلا أنه علامة بارزة في تاريخ العلوم الإجتماعية ،ويرى الكثير من المؤرخين على أن هناك صعوبة حقيقية في تصنيفه بين مؤرخ وعالم إجتماع وعالم سياسة ،فالمواضيع التي تناولها (السياسة ،الديمقراطية ،الأنظمة ،الثورة والديمقراطية والدين...) من جهة والمناهج التي إعتمدها من جهة تانية (الملاحظة المباشرة ،والملاحظة المنهجية والمقابلات...) تجعل من الصعب الحديث عن تصنيف واحد لهذا العالم .

إن توكبيل كسيل لعائلة أرستقراطية عاش في بداية القرن 19 (1805-1859) ولد في مدينة الأنوار وتلقى تعليما تقليديا ، أساسه الحفاظ على الوضع القائم (التطبيع الإجتماعي ) ، لكن توكبيل لم يكن مثل البقية ،فقد دفعته قراءته العميقة لفلاسفة السياسة (أفلاطون ، أرسطو ، ميكيافيل ،روسو مونتيسكيو ، لوتر ،لوك ..) من جهة وإهتمامه بالفروقات والإختلافات داخل المجتمع الأروبي من جهة تانية ووعيه بالإحباط والقلق الذي يحمله الإنسان الأروبي الذي كان يحلم بالتغير والتطور بعد الثورات من جهة ثالثة إلى الإهتمام بدراسة الحقوق ،هذا التخصص دفعه أكثر إلى أن يجد نفسه بين عالمين ،العالم الأريستقراطي الذي ينتمي إليه ،والعالم الجديد الذي يكتشفه ذلك الذي يتميز بقيم الحرية والديمقراطية .

أصبح توكڤبيل قاضيا في سن مبكرة (22سنة) في محكمة ڤرساي ،وعلى النقيض من إتجاهات أسرته التي كانت تدافع عن ستالين العاشر ،كان يميل إلى لويس فيليب ،هذه المفارقة شكلت قطيعة أولى في حياته مع البيئة والمجتمع الذي ولد ونشأ فيه وهو ما دفعه إلى السفر من أحل دراسة النضال السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1831 وعند عودته إلى فرنسا إستقل من منصب القضاء ،وحاول إتمام كتابه (في الديمقراطية الأمريكية ) الذي نشره سنة 1835 ، وهو الكتاب الذي يتناول في جزءه الأول وصفا للنظام الديمقراطي الأمريكي التمثيلي ،هذا الكتاب ساهم في إنتخاب توكڤيل كعضو في أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية سنة 1838 أو بعد سنين سيتم إنتخابه كعضو في الأكاديمية الفرنسية ،كما شغل منصب منتخب من سنة 1839 إلى 1848، ولقد عرفت هذه السنة ثورة فرنسية تانية وتم تعينة كوزير للشؤون الخارجية ،وكان أحد المسؤولين عن كتابه الدستور الفرنسية الجمهورية التانية ،لكن الحكومة التي كان ينتمي إليها سرعان ما تم حلها من طرف نابليون الثالث في سنة 1851 ،هذه اللحظة شكلت أيضا تاني قطيعة مع محيطه ومجتمعه القريب ،وفي هذه المرحلة إتجه إلى كتابه (النظال القديم والثورة ) سنة 1856 ،هذا الكتاب أعاد الإعتبار لتوكڤيل على المستوى المشهد السياسي ، وفي معرض لترويجه لهذا الكتاب في إنجلترا تعرض لمرض وتوفي في فرنسا 1858.

عموما فحياة توكڤيل فيها الكثير من التناقضات والقطائع ، تناقض بين الطبقة التي ينتمي إليها والمواضع التي إهتم بها (الطبقة الأرستقراطية واهتمامه بالعدالة والديمقراطية ) قطيعة مع ثقافة الأسرة والعائلة والطبقة وقطيعة أخرى مع الأنظمة السياسية ،ففكرة وليد فقدان الثقة في القيم الإجتماعية والسياسية السائدة في أروبا وفرنسا تحديدا ، ولقد كانت كتاباته بداية للتفكير في قضايا هي من صميم موضوعات علم الإجتماع العام وعلم الإجتماع السياسي تحديدا
فما مساهمته النظرية في علم الإجتماع ؟

ب- توكڤبيل نظريات ومساهمات سوسيولوجية 

تأثر ألكسيس بتوكڤبيل بشكل قوي بالفترة التي عاش فيها ،فترة تميزت بفقدان الثقة في التغير وفي الأنظمة السياسية القائمة وهو ما دفعه إلى نقد العائلات الملكية والإرتباط أكثر بالديمقراطية والطبقات الشعبية وكان يؤمن على أن هناك شئ جديد يحدث في العالم الأخر ما وراء البحر ،بحيث يرى على أن الديمقراطية الأمريكية هي بمثابة النموذج الأكثر موضوعية وأقرب إلى قيم العدالة ، وفي هذا الإطار يؤكد على أن للديمقراطية العديد من المنافع ،ومن أهمها :
  • تقدم الرفاه الإجتماعي للأكبر عدد ممكن.
  • ترتبط الديمقراطية دائما بالمساواة
  • يمكن غياب الحواجز الصارمة بين الطبقات الإجتماعية من إمكانية الإنتقال والحركية الترقي الإجتماعي من طبقة إلى أخرى داخل الأنظمة الديمقراطية .ساهمت الديمقراطية في تحسين شروط الحياة بالنسبة للأكبر عدد ممكن من الناس .
رغم أن توكڤبيل يؤمن بأهمية الديمقراطية كنظام سياسي يقوم على العدالة والحرية ،إلا أنه كان باحثا يتميز بالحس النقدي ،بحيث إستطاع وضع يده على مخاطر الديمقراطية والتي يحددها في أربعة أساسية :
-الفردانية : يرى تكڤبيل على أن النظام الديمقراطي يشجع السلوك الفردي، هذا الأخير إذا تعمق وتوسع داخل المجتمع قد يؤدي إلى إنهيار التماسك الإجتماعي ، وبالتالي قد يهدد الديمقراطي .

-la mariche أو الفوضى :

يرى على أن الديمقراطية بإمكانها أن تزيل وتتجاوز كل الحدود والقوانين ،وبالتالي قد تؤدي ألى فوضى إجتماعية .

-الإستبداد الديمقراطي :

يرى على أن المنتخبين داخل الديمقراطية التمثيلية قد يستأثرون بالسلطة ، وبالتالي قد يمارسون نوعا الإستبداد ،والذي سماه بالإستبداد الديمقراطي .
-الإستبداد للأغلبية :
يعتبر أن للأغلبية تأثيرات على الأقلية داخل المجتمع ،فعندما تتحكم في القواعد وفي الرأي العام فهي تمارس إستبدادا ولذلك يرى ضرورة حماية الرأي وحرية الصحافة .

يعتبر ايميل دوركايم في نظر الكثير من علماء الإجتماع والمؤرخين الأب المؤسس لعلم الإجتماع ، والذي قاد ثورة عميقة على مستوى المناهج ، وخاصة تلك المتعلقة بعلم الإجتماع ولم يكن عمقه النظري نتيجة للفراغ ، بل نتيجة للتحولات الكبرى داخل المجتمع الأروبي ، ومنها الفصل بين الدبن والدولة ، وتزايد قيم العلم والإيمان بدوره الهام داخل المجتمع الحديث ، لكن ما وجه فكر ايميل دوركايم يشكل قوي هو تلك الصدمة التي عرفتها أروبا وفرنسا تحديدا ، والمتمثلة في فشل الإنتقال من نظام شمولي   ملكي إلى أنظمة جمهورية ديمقراطية ، ومن جهة أخرى قاد إيميل دوركايم ذلك الصراع المتبطن بين علم الإجتماع وعلم النفس ، بحيث دافع عن موضوع هذا الأخير ، وجعله متميزا عن موضوعات الفلسفة العامة والفلسفة الإجتماعية وعلم النفس ، فإذا كان هذا الأخير يدرس السلوك الفردي ، فإن الظاهرة الإجتماعية المحددة بخصائص هي الموضوع داخل علم الإجتماع .

إن لحظة إيميل دوركايم هي ولادة جديدة لعلم بدأ يتشكل كفزيولوجية إجتماعية مع سان سيمون وفيزياء إجتماعية مع أوجست كونت ، على أسس واضحة وضعها في كتابه "قواعد المنهج لعلم الإجتماع " هذا الكتاب الذي يعتبر مرجعا «أساسيا» في التخصص ، ولم يكن ايميل دوركايم منضرا فقط ، بل كان رجل بحث ودراسة للكثير من الظواهر والموضوعات الإجتماعية ، سواء المرتبطة بالدين (الأشكال الأولية الدينية ) أو بالتربية (التربية وعلم الإجتماع والتربية الأخلاقية ) كما تناول ظواهر مصاحبة للمجتمع الحديث (الإنتحار ) وكذلك (تقسيم العمل وأشكال التضامن ) فما هي المساهمة المنهجية لدوركايم ؟ وماهي أهم الموضوعات والنظريات التي تناولها ؟

1- المنهج الدوركايمي في العلوم الإجتماعية :

حاول دوركايم التميز عن بقية الباحثين في عصره ، وتجلى ذلك في وضعه لقواعد واضحة ودقيقة للعلم الجديد ، والتي لخصها في كتابه (قواعد المنهج في علم الإجتماع ) ومن أهمها :
- يجب دراسة وتفسير الظواهر الإجتماعية بما هو إجتماعي
- الموضوع الأساس لعلم الإجتماع هو الظاهرة الإجتماعية
- تتميز الظاهرة الإجتماعية بعدد من الخصائص من أهمها : العمومية ، القهرية و الخارجية ..

ضرورة دراسة الظواهر الإجتماعية باعتبارها أشياء :

لقد ساهم إيميل دوركايم في تحول منهجي ونظري دقيق داخل العلوم الإجتماعية، سواء على مستوى الموضوع أو المنهج ، فقد تمكن من وضع أسس علمية لعلم الإجتماع ، تقوم على إعتبار الظاهرة الإجتماعية موضوعا لا يمكن دراسته إلا داخل هذا الفرع من العلوم الإنسانية ، كما حدد المنهج بشكل واضح ، وهو ما غاب عن أوجست كونت ، ولقد إستفاد دوركايم من أطروحة ديكارت (التخلص من التمثلات والأراء المسبقة ضرورة لتأسيس المعرفة )وأخد عن ماركس فكرة (الوعي) كنتيجة للظروف الإجتماعية وليس سابقا عنها ، لكن أطروحات هذا الأخير ستعرف مراجعات عميقة سواء من حيث الموضوع ، فبخلافه يعتبر ماكس ڤيبر على أن الفعل الإجتماعي الذي له معنى وموجه نحو الآخرين ، هو موضوع هذا العلم. كما يؤكد ڤيبر على أن موضوع هذا العلم (هو كشف الصراعات والرهانات وماهو خفي ) بينما يذهب آخرون إلى أن هذا العلم يقدم معرفة تاريخية مقتصبة عن المجتمع . وعموما فإيميل دوركايم ساهم في دينامية لا تتوقف من حيث تحديد موضوع هذا العلم ، والنقاشات المعاصرة تدمج قضايا جديد (البيئة العالم الرقمي الرياضيات الإنسانية الشبكية ) كموضوعات جديدة ، ومن جهة أخرى فقد ساهم في خلق جدل دقيق حول المناهج ، فبخلاف الإمبريقية والوضعية التجريبية التي إقترحها ستظهر المقاربة التأويلية والتفهمية مع ماكس ڤيبر والمقاربة التكاملية بين التفسير والفهم مع بيير بورديو والمقاربات المتعددة التخصصات مع إدگاربوران .
لقد إستطاع إيميل دوركايم أن يضع قواعد واضحة لهذا العلم ، لكنه قبل الحديث عنها قام بدراستين أساسيتين داخل هذا العلم وهما : 

  • دراسة (الإنتحار ) :
  • باعتبارها ظاهرة إجتماعية جديدة مصاحبة لتقسيم العمل ، والإنتقال من مجتمع يقوم على التضامن إلى آخر يقوم على التضامن العضوي .
  • دراسة التضامن :
  • حاول إيميل دوركايم في كتابه تقسيم العمل الإجتماعية  أن يدرس الفرق من حيث أشكال التعاون داخل المجتمع الحديث . وتوصل إلى أن هذه المجتمعات تعرف أشكالا جديدة من التعاون والتنظيم يتجاوز و يختلف عن ذلك الذي كان سائد في المجتمع التقليدي والقائم أساسا على تشابه الوظائف والإحساس بالإنتماء . 

إن سوسيولوجيا دوركايم قد تجمعت بين المنهج والميدان النظري وأسست لقواعد أساسية لا يمكن تجاوزها :

  1. القاعدة 1 : - الظاهرة الإجتماعية ، العمومية والخارجية والقهرية هي موضوع علم الإجتماع .
  2. القاعدة 2 : - التفسير أساس المنهج داخل علم الإجتماع ، لأن الظواهر الإجتماعية تخضع لمنطق سببي مثل الظواهر الطبيعية.
  3. الظاهرة 3 : - الوضعية والإمبريقية والحواس أساس الدراسة والبحث في علم الإجتماع 
  4. القاعدة 4 : - لدراسة الظواهر الإجتماعية يجب النظر إليها كأشياء ، بمعنى فصل ذات الباحث عن موضوع الدراسة.
  5. القاعدة 5 : - الكليانية أو الشمولية هي منطق التفسير في علم الإجتماع الدوركايمي .
  6. القاعدة 6 : -لا يمكن فهم وتفسير الظواهر الإجتماعية إلا بما هو إجتماعي عموما ورغم الأهمية المنهجية والنظرية التي تكتسبها مساهمة إيميل دوركايم ، إلا أنه تعرض للكثير من النقد سواء من حيث الموضوع أو المنهج ، ومن أهم المدارس والنظريات التي إنتقدت التصور الدوركايمية نجد المقاربة التفاعلية التأويلية (ماكس ڤيبر ) والمقاربة الصناعية مع ( بيير بورديو ) و المقاربات التركيبية ( إدكار موران ) .

المحور السابع : المقاربة التأويلية التفاعلية مع ماكس ڤيبر وأسس علم الإجتماع

 إذا كانت الوضعية مع كونت ودوركايم تؤكد على أن الظواهر الإجتماعية يحكمها نفس المنطق السببي الذي يحكم الظواهر الطبيعية ، فإن المقاربة التأويلية ستنزع طابع العلوم التجريبية عن علم الإجتماع وستنهي ذلك الخصام والفراق بين الأم والإبن العاق ، وستخلصه من نزعة التعالي والموضوعية التي يدعيها ، وفي هذا الإطار يعتبر ماكس ڤيبر وما يدور في فلكه أن علم الإجتماع لا يمكن أن يبتعد أو يتخلص من النزعة العقلانية ، فالتأويل والمعنى والتفهم هي اسس منهجية لكل عالم اجتماع ، وهي التي لا غنى عنها للعقل و المعرفة السابقة ، فماكس فيبر هنا يرى أن موضوع هذا العلم ليس هو الظواهر الإجتماعية بل الفعل الإجتماعي ، ويقول في كتابه "الإقتصاد والمجتمع" «الموضوع الأساس لعلم الإجتماع هو الفعل الإجتماعي الذي له معنى، والموجه نحو الآخرين » إن علم الإجتماع الڤيبري يقوم على مجموعة من المبادئ والقواعد من أهمها :

  •  القاعدة 1 : الموضوع الأساس هو الفعل الإجتماعي الموجه نحو الآخرين الذي يحمل معنى أوله غايات.
  •  القاعدة 2 :  التفهم والتأويل والمعنى أسس المنهج عند ماكس ڤيبر 
  •  القاعدة 3 :  الفرد هو العنصر الأساس داخل المجتمع وليس الجماعة (بخلاف المقاربة الكليانية يدعو ڤيبر إلى الإعتماد الفردانية والتفاعلية كمنطق لتحليل المجتمع )
  •  القاعدة 4 :  الهم الأساسي لعالم الإجتماع ليس هو التفسير أو التغيير ، بقدر إهتمامه بالفهم أولا و أخيرا ، لأن التغيير ليس من إختصاص عالم الإجتماع بل من اختصاص رجال السياسة والإقتصاد والتخطيط وغيرهم . 
 إن ماكس ڤيبر بهذا المعنى تجاوز الموضوعية الدوركايمية وإنتقل المنضار الشمولي (الجماعة الكل أسبق من الفرد ) كما إنتقد المبدأ الوضعي القائم على التشابه من حيث السببية بين الظواهر الطبيعية والإجتماعية ، لكن رغم المساهمة المميزة لهذا العالم إذ أن ذلك لم يعفيه من النقد ، وخاصة من طرف المقاربات الصراعية والمتعددة المداخل...

♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -