![]() |
علم الاجتماع - تالكوت بارسونز |
النظرية الوظيفية في علم الاجتماع
تعتبر النظرية الوظيفية في علم الاجتماع أحـد المنظـورات الأساسـیة فـي علـم الاجتماع المعاصر، ویعتمد هذا المنظور على افتـراض أساسـي یـدور حـول فكـرة تكامـل الأجـزاء فـي كـل واحـد والاعتمـاد المتبـادل بـین العناصـر المختلفـة للمجتمـع، كمـا یـرى هـذا المـدخل أن المجتمـع نسـق یتـألف مـن عـدد مـن الأجـزاء المترابطـة، و یهـتم بدراسـة العلاقـة بـین مختلـف هـــذه الأجـــزاء وبـــین المجتمـــع ككـــل، وینظـــر إلـــى المجتمـــع باعتبـــاره شـــبكة منظمـــة مـــن الجماعــات المتعاونــة التــي تتجــه نحــو الاســتقرار وتتفــق حــول القــیم المرتبطــة بالأهــداف ووسـائل تحقیقهـا، ویـرى المـدخل الـوظیفي أن كـل أجـزاء النسـق متسـاندة علـى نحـو معـین، وتسهم بطریقة ما في تدعیم الكل.
وقـد ارتـبط المنظـور الـوظیفي المعاصـر بنزعـة تطبیقیـة لمواجهـة مشـكلات التكیـف وإ عـادة التـوازن الاجتمـاعي للأنسـاق التـي یتكـون منهـا المجتمـع، ویؤكـد هـذا المنظـور علـى أن المجتمعـات تتجـه نحـو التــوازن، كمـا یؤكـد علـى أن القــوى المكونـة للنظـام الاجتمــاعي تعمل على تخفیف حدة الانحرافات والتوترات داخل النظام، كما أن كـل نظـام قابـل للتغییـر التــــدریجي والمســــتمر طبقــــا للحاجــــات و المتطلبــــات التــــي تشــــبع رغبــــات أفــــراد المجتمــــع واختلافها تبعا لاختلاف الزمان والمكان .(1)
و یـــرى الوظیفیـــون أن أســـاس التفاعـــل الاجتمـــاعي یتمثـــل فـــي الاتفـــاق الاجتمـــاعي consensus Social المسـتمد مـن المعتقـدات المشـتركة و القـیم المجتمعیـة، ویـؤمن الوظیفیـون بأن معظم أفراد المجتمع یتفقون على مجموعة من الأعراف المرغوب فیها وغیر المرغـوب فیها، السویة وغیر السویة، كما أن أفـراد المجتمـع فـي حاجـة إلـى مشـاركة بعضـهم الـبعض في القیم و المعتقدات التي تحدد أیدیولوجیة المجتمع.
ویـذهب أصـحاب المنظـور الـوظیفي إلـى أن أقصـى درجـات الاتفـاق الجمعـي تعبـر عـن درجـة التماسـك Cohésive التـي تـربط أفـراد المجتمـع بوحـدة عضـویة تسـهم فـي تكامـل وحدات البناء الاجتماعي وتساعد على تحقیق الاستقرار الاجتماعي عن طریق عملیات التنشئة الاجتماعیة، ویؤكد الوظیفیون على أن تقبل أفراد المجتمع للقواعد التي یسیـر علیهــا مجــتمعهم یــؤدي إلــى اســتمرار وجــود هــذا المجتمــع حیــث تكــون هنــاك الرغبــة عنــد غالبیـة أفـراد المجتمـع فـي إتبـاع أهـداف متشـابهة تسـاعد علـى تحقیـق التكامـل والاسـتقرار الاجتمــاعیین ولا شــك أن وجــود الأهــداف المشــتركة بــین أفــراد المجتمــع یــؤدي إلــى خلــق العواطف المشتركة اللازمة لتحقیق الوحدة العضویة للبناء الاجتماعي.
ونجـد أن الاتفـاق علـى القـیم هـو الـذي یـربط أجـزاء المجتمـع مـع بعضـها الـبعض، ویجعل من الممكن لهذه الأجزاء تكوین النظام الاجتماعي العـام، وقـد نظـر الوظیفیـون إلـى القـیم و المعتقـدات المشـتركة علـى أنهـا أسـاس النظـام الاجتمـاعي العـام، وحـاولوا التعـرف على الطرق التي یحاول بها أعضاء المجتمع اكتساب هذه القیم والمعتقدات المشتركة . (2)
كما أن النموذج الـوظیفي یتطـابق فـي بعـض النقـاط مـع النمـوذج التطـوري، وعلمـاء الاجتمـاع الــذین یســتخدمون النمــوذج الــوظیفي یشــبهون المجتمــع بالحیــاة العضــویة والــذي یعمل كل جزء فیـه علـى تأدیـة وظـائف الكـل، وهـذا مـا یعنـوه عنـدما یسـتخدمون مصطلــح " وظیفة " والنموذج الوظیفي هو نوع من التـوازن و الـذي ینظـر فیـه للمجتمـع علـى أنـه نسـق في توازن دقیق وإ ذا لم یؤد أحـد الأجـزاء وظیفتـه كاملـة فـإن الأجـزاء الأخـر ى سـوف تتوقـف عن التكیف . (3)
رواد النظرية الوظيفية في علم الاجتماع
ویمكـن التعـرف علـى مـا ورد فـي المنظـور الـوظیفي مـن افتراضـات رئیسـیة خاصـة بطبیعة الإنسان وقدراتـه مـن خـلال التركیـز علـى أفكـار " تـاتكوت بارسـونز " "Parsons. T " بوصـفه مـن أشـهر ممثلـي النظریـة المعاصـرین، و " رو بـرت میرتـون " "Merton. R "أحـد علماء الاجتماع الوظیفیین الذین تأثروا بأفكار تالكوت بارسونز
تالكوت بارسونـز
فـي مؤلفـه عـن " النسـق الاجتمـاعي" نجـد بارسـونز یقـرر أن هنـاك نسـقا اجتماعیـا یقـوم فیـه الأفـراد بأفعـال تجـاه بعضـهم الـبعض، وهـذه الأفعـال عـادة مـا تكـون منظمـة لأن الأفراد في النسق یشتركون سویا في الاعتقاد فـي قیم معینة وفـي أسالیب مناسبـة للسلوك، وبعض هـذه القیم یمكن أن نسمیها معاییر، والذیـن یتبعون هـذه المعاییـر یتصــرفون بشـكل متشـابه فـي المواقـف المتشـابهة، وهـذا مـا یحقـق الانتظـام فـي المجتمـع أو ما نسمیه التوازن الاجتماعي وهذا التوازن في غایة الأهمیة بالنسبة للمجتمـع، ویتحقـق هـذا الأخیــر ویـــتم المحافظـــة علیـــه عـــن طریـــق أســـلوبین همـــا:
التنشـــئة الاجتماعیـــة، والضـــبط الاجتماعي
والأسـلوبین مكملـین لبعضـهما الـبعض وهـدفهما جعـل الأشـخاص فـي المجتمـع ینصـاعون للمعـاییر التـي توجـد بالنسـق الاجتمـاعي فـإذا مـا فشـلت التنشـئة الاجتماعیـة فـي جعل الأشخاص یتبعون المعاییر فإن الضبط الاجتماعي یجبرهم على ذلك. والإنسـان تجـده غیـر قـادر علـى تغییـر هـذه الأنسـاق القیمیـة ولكـن علیـه أن یخضـع لها ویتكیف معها، فإن حاول الإنسان تغییر هذه الأنساق فإن المجتمع سیصاب بحالة مـن اللاتوازن (4)
وقد ذهب بارسـونز فـي نظریتـه عـن "النسـق الاجتمـاعي" System Socialإلـى القـول بأن لكل مستوى من مستویات الأنسـاق الاجتماعیـة مشـكلاته النوعیـة التـي تمیـزه عـن غیـره من الأنساق، فعندما تحدث بارسونز عن طریقة عمل النسق الاجتماعي ذكر أن كل نسـق لا بد أن یجد حلا لعدد من المشكلات، أو أن یواجـه علـى الأقـل أربـع مشـكلات أو شـروط أساسیة لكي یستمر في البقاء. وقـــد أطلـــق بارســـونز علـــى هـــذه المشـــكلات أو الشـــروط اســـم الملزمـــات الوظیفیـــة وقـــد أطلـــق بارســـونز علـــى هـــذه المشـــكلات أو الشـــروط اســـم الملزمـــات الوظیفیـــة Functional imperativer او المتطلبات الوظيفية Functional réquisits وهي : (5)
أ- التكیف Adaptation
ب- تحقیق الهدف Attainment Goal
ت- التكامـل Intégration
ث- المحافظة على بقاء النمط وإ دارة التوتر: management tension et maintenance Pattern
ویتطــــلب التكیـــف مــــع البیئـــة أن یقــــوم النســـق الاجتماعــــي بتأمیــــن التســـهیلات و الوسائل الاقتصادیة الضروریة لحیاة أعضاء المجتمع، وتوزیعها من خلال النسق.
ویشیر تحقیق الهدف إلى مشكلة تحدید الأولویات بین أهـداف المجتمـع والاسـتخدام الأمثل لموارد النسـق مـن أجـل تحقیـق هـذه الأهـداف، ویعنـي التكامـل ضـرورة التنسـیق بـین أجزاء النسق الاجتماعي و المحافظة على العلاقات الداخلیة بین هذه الأجزاء.
أمـــا مشـــكلة المحافظـــة علـــى الـــنمط وإ دارة التـــوتر، فتشـــیر إلـــى ضـــرورة أن یتأكـــد المجتمع من أن أعضاءه تتوافر فیهم الخصائص المناسبة لتحقیق الالتزام الضروري بالقیم الاجتماعیة، كما تشیر هذه المشكلة إلى ضرورة التعامل مـع التـوترات الداخلیـة والضـغوط، أي أن یكـون أعضـاء المجتمـع قـادرین علـى خفـض التـوتر وإدارة التـوترات الانفعالیـة التـي یمكن أن تظهر بین الأعضاء خلال التفاعلات الاجتماعیة الیومیة.
- ونجد أن الملزمـات و المتطلبـات الوظیفیـة السـابقة و هـي:
- التكیـف،
- وتحقیـق الهـدف،
التكامل، والمحافظـة علـى بقـاء الـنمط وإ دارة التـوتر،
هـي مـن وجهـة نظـر التحلیـل الـوظیفي تعــد أساســیة وعالمیــة فــي جمیــع الأنســاق الاجتماعیــة، ذلــك لأن الفشــل فــي إنجــاز هــذه الملزمـــات أو المتطلبـــات یـــؤدي إلـــى تعـــرض النســـق الاجتمـــاعي إلـــى الانهیـــار، وتشـــكل المتطلبـــات الوظیفیـــة مشـــاكل محـــددة یتعـــین علـــى الأنســـاق الاجتماعیـــة حلهـــا مـــن أجـــل المحافظة على بقاء المجتمع . (6)
ویرى بارسونز النظام الاجتماعي للفعـل علـى اعتبـار أن لـه حاجـات لا بـد أن تلبـى إذا مـا أریـد لـه البقـاء والاسـتمرار، وأنـه یتكـون مـن عـدد مـن الأجـزاء التـي تعمـل لتلبیـة تلـك الحاجـات، وهـو یـرى أن كـل الأنسـاق الحیـة تسـعى لأن تكـون فـي حالـة التـوازن، حالـة مـن الاستقرار والعلاقات المتوازنة بین أجزائها المختلفة .(7)
رو برت میرتـون یعـد عــالم الاجتمــاع الأمریكـي "روبــرت میرتــون" مــن أبـرز علمــاء الاجتمــاع الــذین اهتمــوا بــدور المنظمــات الاجتماعیــة وغیرهــا مــن أجــزاء المجتمــع فــي المســاهمة لتحقیــق أهـداف النظـام الاجتمـاعي، وقـد أكـد میرتـون علـى أن أجـزاء النظـام إذا فشـلت فـي تحقیـق أهـدافها نجـم عـن ذلـك مـا یسـمى بالخلــل الـوظیفي ویعـد میرتـون هـو أول مـن أدخـل هـذا المصطلح في المنظور الوظیفي. ویــرى میرتــون أن الــنظم الاجتماعیــة یــنجم عنهــا أحیانــا بعــض الأضــرار أو الخلــل الوظیفي، أي بعض النتائج السلبیة التي تؤدي إلى فشلها في تحقیق رفاهیة المجتـمع ونجد أن هذه النظم تقلل من تكیف النسق أو توافقـه وتجعله في حـالة من عدم التوازن . (7)
لقـد استخدم میرتـون مصطلح الأنومي الـذي اسـتخدم لأول مـرة عـن طریـق دو ركـایم Durkheim الذي اسـتخدمه فـي مناقشـة مشـكلة التضـامن الاجتمـاعي Solidarity Social فـي مجتمـع متمـایز بطریقـة متزایـدة وفـي المجتمـع الصـناعي الجدیـد، أمـا میرتـون فقـد اسـتخدمه مـــن خـــلال قضـــیة عامـــة مؤادهـــا أن البنـــاءات الاجتماعیـــة تمـــارس ضـــغطا محـــددا علـــى أشـخاص معینـین ( أو أي أشـخاص فـي مواقـف اجتماعیـة معینـة) عنـدما لا یمتثـل السـلوك بصورة أو بأخرى. ولكــي یتقــدم بهــذه القضــیة فقــد عقــد تمییــزا هامــا بــین الغایــات و الوســائل فــي أي مجتمع، ومن جانـب آخـر هنـاك تعریـف ثقـافي للأهـداف و الأغـراض والاهتمامـات وهـو " التمسك بموضوعات شرعیة لجمیع أعضاء المجتمع أو لجـزء متنـوع مـنهم"، و تتكامـل هـذه الأهـداف بدرجـة كبیـرة أو صـغیرة كـل مـع الأخـرى، وتـنظم فـي نـوع معـین مـن هـرم ترتیـب القـیم، ومـن ناحیـة أخـرى هنـاك ممارسـات مقننـة مـن الناحیـة الثقافیـة مـن شـأنها تحدیـد و تنظـیم وضـبط الوسـائل المتفـق علیهـا للوصـول إلـى الأهـداف المحـددة أو محاولـة الوصـول إلیها.
إن میرتون یؤكد على الهدف الثقـافي المقبـول، والحقیقـة التـي مؤداهـا أن عدیـدا مـن الناس في المجتمع محرومون من الاقتراب من وسائل نظامیـة للوصـول إلـى هـذه الأهـداف التي تتحدد بطریق شرعي وتكون ممكنة ومتاحة لجمیع أعضاء المجتمع (8)
- المصادر والمراجع :
- 1 طلعت إبراهیم لطفي، كمال عبد الحمید الزیات، النظریة المعاصرة في علم الاجتماع، ط1 ،دار غریـب، القـاهرة، (د ت)، ص .98
- 2 المرجع نفسه ص ص 77-78 . 2
- 3 علي عبد الـر ازق جلبـي، وآخـرون، نظریـة علـم الاجتمـاع، الـرواد، ط1 ،دار المعرفـة الجامعیـة، الأزاریطـة، مصـر، 2002 ،ص .274
- 4 (طلعت إبراهیم لطفي، كمال عبد الحمید الزیات ، مرجع سابق، ص .72
- 5 أیان كریب، النظریة الاجتماعیـة، من بارسونز إلى هابرماس، ترجمة: محمد حسین غلوم، مطابـع الوطن، الكویـت، ص 74 .
- 6 1 (طلعت إبراهیم لطفي، كمال عبد الحمید الزیات، مرجع سابق، ص .73
- 7 1 (طلعت إبراهیم لطفي، كمال عبد الحمید الزیات، مرجع سابق، ص 76 .
- 8 (غریب سید أحمد، وآخرون المدخل في علم الاجتمـاع المعاصـر، ط1 ،دار المعرفـة الجامعیـة، الأزاریطـة، مصـر، 2002 ،ص .375-371 ص
مرحبا بك في بوابة علم الاجتماع
يسعدنا تلقي تعليقاتكم وسعداء بتواجدكم معنا على البوابة