السعديون وعلاقتهم بعلماء الجنوب المغربي.pdf
مقدمة
إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند دراسة أصول أي دولة ما هو نظرية العمران لابن خلدون، كانت نقطة الارتكاز فيها هي القبيلة ذات التي العصبية، التي يعتد أفرادها بالانتماء إليها، ويسعون إلى نصرتها وإلى تمكينها في الأرض، فعندما تتحول هذه القبيلة من التنقل إلى الاستقرار في مصر من الأمصار، تكون قد أنشأت دولة أو إمارة، وسيقدر لهذه الإمارة بقدر قوة تلك العصبية القبلية، أن تمتد وتتوسع، وأن يكون لها مكان في خرائط العالم. كان لابد لدراسة هذا الموضوع العودة للوراء، للتعرف على الأوضاع العامة للمغرب قبيل قيام الدولة السعدية لرصد التحولات التي مهدت لظهورها.
وكذلك للتعريف بنسب هذه الأسرة، لإبراز الهالة الدينية التي حظيت بها لدى المجتمع المغربي، ثم تتبع تطورات العلاقة التي جمعتها بعلماء الجنوب المغربي. معتمدين في ذلك على مجموعة من المصادر التاريخية الأصلية، التي تؤرخ للحقبة الحديثة وكذلك على مراجع عديدة ومتنوعة، أمدتنا برصيد مهم وثمين من المعلومات.
كيف وصل الشرفاء السعديون إلى سدة الحكم، دون غيرهم من الشرفاء؟ وهل يمكن اعتبار قيام دولتهم نقطة تحول مكنت من تغيير شكل المجتمع؟ وما علاقتهم بعلماء الجنوب المغربي؟
الوضعية العامة للمغرب قبيل قيام الدولة السعدية:
1- الوضعية السياسية والأمنية:
ارتبط ظهور الدولة السعدية بالظرفية العامة للمغرب التي تميزت بضعف المخزن الوطاسي، وتوزع اهتماماته بين قمع الثورات الداخلية ومواجهة احتلال السواحل.*1 فمن خلال تتبعنا للمصادر التاريخية التي تناولت تاريخ المغرب الأقصى، يتبين أنه منذ الفتح الإسلامي إلى حدود القرن 9هـ / 15م لم يتم احتلال ثغوره من قبل أعداء الدين الإسلامي، فقد كانت شوكة ملوكه مرهوبة عند أمم النصرانية جيلا بعد جيل، حتى إن أهالي المغرب لم يتوقعوا أي غزو من الفرنجة لبلادهم، إذ جرت العادة أنهم هم من يغزونهم في عقر ديارهم وأعز بلادهم ويحامون في بلاد الأندلس وسواحل إفريقية
وغيرها، فعلى مدار هذه السنوات لم يتجرأ الإيبيريون على احتلال شبر من بلاد المغرب، باستثناء دخول إسبانيا لسلا غدرا أيام الفتنة بين اليعقوبين ولمدة يسيرة، ومحاصرة أهل جنوة لسبتة ثم الإقلاع عنها كذلك. *1
فلما دخل القرن 9هـ /15م تبدلت الأوضاع بسبب الفتن التي عرفها المسلمون في دول المغرب، من بني حفص بإفريقيا، وبني زيان بالمغرب الأوسط، وبني مرين بالمغرب الأقصى، وبني الأحمر بالأندلس، التي قامت على أنقاض الدولة الموحدية. إذ انشغلوا بالصراع حول السلطة، دون الالتفات إلى جهاد العدو، ومطالبته في أرضه وبلاده كما كان في الماضي. ووافق ذلك ابتداء ظهور الإسبان والبرتغال بجزيرة الأندلس، واستفحال أمرهم فكثرت أسفار البرتغال إلى البحر المحيط. ودام تقلبهم فيه ومرنوا عليه حتى حصلوا على عدة جزر منه، واكتشفوا بعض الرؤوس الساحلية من أرض السودان وغيرها، ثم شرعوا لتملك سواحل المغرب الأقصى. *2
ففي عام 818هـ /1415م احتلوا سبتة بعد محاصرتهم لها . ست سنوات، وفي ظل عجز الوطاسيين في بسط نفوذهم على مجموع البلاد، واصل البرتغاليون زحفهم فاستولوا سنة 862هـ /1457م على قصر المجاز. وفي سنة 869هـ / 1464م على طنجة، ثم في حدود سنة 876هـ / 1471م ملكوا أصيلا. *3
وفي هذا التاريخ نفسه أو قبيله استولوا على مدينة أنفا وبعض سواحل سوس، ثم في حدود 907هـ / 1501م نزلوا بأرض الجديدة فيما بين أزمور وتبط. ثم في سنة 910هـ / 1504م استولوا على مدينة العرائش، ثم بعد ذلك بيسير ملكوا حصن أكادير وما اتصل به من الأقصى. ثم ملكوا في حدود 912هـ / سواحل سوس 1506م رباط أسفي، ثم عطفوا على ثغور أزمور فاستولوا عليه سنة 914هـ / 1508م، ثم ملكوا المهدية أيضا في حدود سنة 920هـ /1514م. وبعدها استحوذوا على بلاد الهبط وضيقوا على أهلها، ما اضطرهم للفرار إلى مناطق بعيدة عن السواحل هذا ولم يكتف البرتغاليون باحتلال الثغور المغربية، بل قاموا أيضا بتشييد الحصون في بعض منها. *4
وفي ظل غياب سلطة مركزية قوية، وتمادي البرتغاليين في احتلال ما تبقى من الثغور المغربية وتخريبها، تبارى المسلمون المغاربة في جهاده وقتاله. بعدما اهتزت صورة الوطاسيين لديهم، حينما اتضح عجزهم عن تحقيق أية انتصارات عسكرية أمام المحتلين، كمحاولة محمد البرتغالي الفاشلة سنة 914هـ /1508م لاسترجاع مدينة أصيلا. *5
وقد أدى هذا الوضع إلى تجزئة المغرب إلى وحدات سياسية شبه مستقلة، بعضها أملتها ظروف الجهاد ومقاتلة العدو المحتل للسواحل المغربية. كما حصل بالنسبة لشفشاون التي ظهرت كمركز للمقاومة الوطنية ضد الاحتلال الأجنبي، منذ أن اتخذها المولى علي بن راشد قاعدة الجهاد ضد البرتغال. والقصر الكبير التي تولى حكمها عائلة العروسي، وقد كان القائد أحمد من أشهر أبنائها، الذين عرفوا بحملاتهم المتواصلة ضد مراكز الاحتلال.
ثم تطوان التي ساهمت بحظ أوفر من هذا القبيل، بحكم موقعها على الساحل الشمالي للمغرب، وكان على رأسها أسرة المنظري الأندلسية، التي توارث أبناؤها الحكم عليها. *6
المراجع
--
1- بوشنتوف لطفي، العالم والسلطان، دراسة في انتقال الحكم ومقومات المشروعية، العهد السعدي الأول، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق، سلسلة أطروحات ورسائل الدار البيضاء، مطبعة الفضالة المحمدية 2004م، ص: 50.
2- الناصري أحمد بن خالد الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، تحقيق جعفر الناصري ومحمد الناصري، الجزء الرابع، دار الكتاب الدار البيضاء، 1955م، ص: 109.
3- نفسه، ص 109 110. الناصري،
4- الاستقصا ....، ج 4، م.س، ص: 110.
5- نفسه، ص: 111، 142.
6- كريم (عبد الكريم)، المغرب في عهد الدولة السعدية، منشورات جمعية المؤرخين المغاربة، ط3، الرباط، 2006م،
ص: 16، 17.♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
مرحبا بك في بوابة علم الاجتماع
يسعدنا تلقي تعليقاتكم وسعداء بتواجدكم معنا على البوابة