أخر الاخبار

واقع التعليم والنهوض به (ملامح و مؤشرات)

واقع التعليم والنهوض به
واقع التعليم والنهوض به

 أ.د. فضل عبدالله الربيعي 

واقع التعليم والنهوض به (ملامح   و مؤشرات)

   مقدمــــة: 

تولي الحكومات والانظمة اهتماما كبيرا بالعملية التعليمية والتربوية وتحسينها وتطويرها بصورة مستمرة، كونها المقياس الحقيقي لحضارة الأمة ورقيها، عبر إعداد جيلا مؤهلا قادرا على حل المشكلات والتفاعل مع معطيات العصر ومتغيراته في كافة مجالات العلوم الطبيعية والاجتماعية.  

ويُعد موضوع الاهتمام بالتعليم وتطويره في الوقت الراهن من أهم المسائل التي تشغل الفكر التعليمي والتربوي الحديث، إذ أخذت الجهود تتجه نحو التغيير والتحديث المخطط لمضامين التعليم بغيت إحداث تنمية حقيقية هادفة، وتتسابق المجتمعات في العصر الراهن في إنتاج أحدث المناهج والوسائل التعليمية التي توجه التعليم نحو الارتقاء وتطويره ليواكب متطلبات العصر الراهن ويسهم في حل ومعالجة مشكلات الواقع وتحقيق تنمية متطورة ومزهرة. 

إن تحديث التعليم تُعد إحدى الضرورات التي تنشدها المجتمعات اليوم، وتتصدر أولويات برامج السياسات التعليمية للحكومات بوصف ذلك أهم المداخل والوسائل الناجحة في عملية النهوض بالمجتمعات واللحاق في ركاب التقدم الاجتماعي والصناعي. أن تطوير وتحسين بيئية النظام التعليمي بمكوناته المادية والبشرية، تُعد ضرورة ملحة، وخياراً استراتيجياً تمليه طبيعة الحراك التعليمي والتربوي في العصر الحاضر. فلم يتحقق تعليم قوي وفعال إلاّ من خلال وجود سياسة تعليمية واضحة المعالم تتضمن وضع الخطط الاستراتيجية للنهوض في التعليم وتوفير نظم تدريب عالية المستوى للمعلمين والاهتمام بمؤسساته الإدارية، وحسن اختيار شاغلي هذه المؤسسات وتفعيل نظام المتابعة والمراقبة والتقويم المستمر للعملية التعليمية لتجنب الأخطاء. 

•أولا: التعليم بين الامس واليوم 

يمكن القول إن واقع التعليم في الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ) سابقا، قبل عام 1990م قد حقق إنجازات ملحوظة لا يستهان بها، سواء من حيث نوعية التعليم ومخرجاته أو نسب الالتحاق فيه، فضلا عن رفع شان وقيمة التعليم والمعلم معا، حيث كانت الدولة الجنوبية السابقة تولي التعليم اهتمام كبير عبر سياسة تعليمة واضحة تركز على جودة التعليم وتحسين مخرجاته، وقد بينت التقارير الدولية دور اليمن الديمقراطية في مجال التعليم والنهوض به منذ ظهور الدولة الجنوبية السابقة بعد الاستقلال الوطني في 1967م.  

يكفي هنا ان نشير إلى أنه في عام1985م أعلنت منظمة اليونسكو ان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تحتل المرتبة الأولى في دول شبهه الجزيرة العربية من حيث التعليم وان نسبة الأميه تساوي 2% من عدد السكان، وهذا يؤكد مستوى تطور التعليم في تلك الفترة. فقد شهد الجنوب من 1967م-1990م نهضت تعليمية كبيرة، تم تشييد المدارس والكليات والمعاهد التخصصية في كل مناطق الجنوب، وتخرج عشرات الاف من الجامعات في الداخل والخارج.  

إلا أن واقع التعليم اليوم يظهر صورة مغايرة لما كان عليه في الفترة الماضية.  
إذ تعرض الجنوب بعد حرب 1994م لتدمير كبير في كل المؤسسات، ولعل أخطر وأكبر ضرر وتدمير هو ما لحق بالتعليم ومؤسساته، الأمر الذي أدى إلى تدني وضعف قدرات المعلم والطالب معا، وتأهيلهم الجيد لواجبهما كمعلم من ناحية؛ ومتلقي التعليم من ناحية ثانية، حيث تراجع مستوى التعليم وتدني نوعيته، واختفت قيمة التعليم والمعلم. 

ثانيا : مؤشرات ضعف التعليم

 يمكن هنا أن نشير إلى أهم بعض تلك المؤشرات في ضعف التعليم في الاتي: 

1ـ تدني نوعية التعليم وتراجع مستواه إلى حد كبير، هذا التدني برز بشكل واضح في ضعف مستويات الطلاب، وتراجع اهتمام المعلم بواجباته، والمتمثلة في ضعف  بناء القدرات العقلية والعلمية لدى الطلاب والتلاميذ، التي تقوم بها البرامج التعليمية عبر وجود سياسة تعليمية . 

2. الغاء وتقليص بعض المواد الدراسية التي تحفز الطالب على تفتح مداركة الذهنية والثقافية، مثل تقليص مواد الرياضيات والعلوم وإلغاء مواد التربية الوطنية والتربية الفنية والرياضية، وحشو المنهج الدراسي بثقافة متأثرة بالصراعات وتزوير حقائق التاريخ. 

3 ـ الاستمرار في نمطية التعليم، التي لا تستجيب للتطور والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية الحاصل في الوقت الراهن، وبقا التعليم بعيدا عما يجري من تحديث في النظم التعليمية يكرر إنتاج الفكر المازؤم والاتكالية والنفعية المادية.  

4. تدخل الاجندة السياسية والحزبية في برامج التعليم والتعيينات في المؤسسات التعليمية كافة، بدءا من المعلم وانتهاء بوزير التعليم، بعيدا عن المعايير والكفاءات العلمية والمهنية التي تتطلب ذلك. 

5. الغاء الأنشطة المدرسية اللاصفية التي كانت تقدم فرصاً مناسبة لاكتشاف ابداعات ومواهب الطلاب وتنمية مهاراتهم المختلفة.  

6. ظهور ما يسمى بالأستاذ البديل حيث تخلى كثير من المدرسين عن مهامهم للأخرين الغير مؤهلين، وأصبح هذا العمل ملحوظ في معظم المدارس التي يجري فيها استبدال المدرسين بآخرين بعيدا عن رقابة ومتابعة وزاره التربية والتعليم. 

7. التوظيف في مجال التعليم الذي لم يراعي مؤهلات المعلمين وتخصصاتهم حيث تم تحويل اعداد كبيرة من الموظفين الفائضين في بعض مؤسسات الدولة إلى المؤسسة التعليمية كمدرسين دون ان يكونوا مؤهلين لهذه المهنة، او توظيف خريجين من تخصصات أخرى ليست من خريجي كليات التربية او معاهد المعلمين، وقد انعكس ذلك سلبا على العملية التعليمية واضعاف مستوى التعليم. 

•ثالثا: التحديات التي تواجه التعليم في الوقت الراهن 

لم تكن عملية التعليم مسالة سهلة وعابرة، بل تتطلب مزيدا من الدعم لدائم والاهتمام المتجدد، ويمكن ان نضع اهم تلك التحديات في الاتي:   

 أولا: تمويل التعليم:  

يُعد موضوع تمويل التعليم من أهم التحديات التي تواجه الدول النامية على وجه الخصوص، الذي يتطلب انفاق مالي كبير حتى يواكب عملية التحديث والتطوير، لهذا يجب أن يستمر التعليم كإحدى الأولويات لسياسات التنمية، من خلال اعطى مسألة التمويل المالي للتعليم أهمية كبيرة في السياسات المالية للدولة، والتفكير في خلق آليات مبتكرة تساعد على تظافر وتعاون الجهود الأهلية والحكومية في هذا الاتجاه لما من شانه ضمان استمرار تمويل التعليم. 

 ثانيا: جودة التعليم :  

إن جودة التعليم والارتقاء به يعد من أهم وأكبر التحديات التي تواجه التعليم في الوقت الراهن، باعتبار ذلك يتصدر متطلبات نجاح التنمية التي تحتاج إلى بناء القدرات العقلية لدى الطلاب حتى يتمكنوا من الدخول إلى سوق العمل، فإذا أردنا الركب في عجلة التقدم والتحديث، لابد من إعادة بناء العقول بما يتناسب وقدرتها على إيجاد الحلول للمشاكل والقضايا الراهنة والمستقبلية. 

 ثالثا : ربطة التعليم بالتنمية :  

 إن تحسين نوعية التعليم وتجويده ترتبط بالتوجه نحو التحديث والتنمية الأمر الذي يستدعي تطوير وتحديث المناهج التعليمية لتواكب التحولات الاقتصادية والاجتماعية وآفاق المستقبل، وهذا يتطلب التنسيق والتكامل بين متطلبات التنمية المعاصرة ونوعية التعليم، لما لذلك من أثر إيجابي في تخفيف مشكلة البطالة . 

رابعا: المناهج التعليمية :  

ظلت المناهج التعليمية تقليدية تعتمد على الحفظ والتلقين والسلبية، خالية من مضامين التحفيز والتشجيع الذي يساعد على الإبداع وتنمية ثقافة الحوار والنقاش والتفكير النقدي وخلق روح العمل الجمعي عبر البحوث والأنشطة الجماعية المشتركة للطلاب.  

خامسا: التدريب العملي:  

 إن تطوير وتحسين التعليم يستدعي الاهتمام بالتدريب العملي الذي يجري في المعامل والمختبرات المدرسية والتي أصبحت اليوم مجرد ديكور مع الاسف.  
فالتجارب المختبرية التي يتعرف عليها الطلاب في مراحل دراستهم تُعد من أهم الوسائل التعليمية التي تفتح خيال الطلاب العلمي وتمكنهم من ربط ما يتلقونه من معارف نظرية بالواقع العملي، وعليه فان الاهتمام بتوفير المختبرات العلمية الحديثة وتأهيل المعلمين للعمل فيها وجذب الطلاب للعمل فيها تمثل أحد التحديات في عملية التعليم. 

سادسا :  مرتبات المعلمين :  

يتعين الاهتمام بتوفير الحياة الكريمة للمعلمين، فاذا ما أردنا فعلا تحقيق تعليم متطور ومجدي يستجيب للتطورات العالمية، لابد من الاهتمام بالمعلم بوصفة حجر الزاوية في العملية التعليمية، وتشير كثير من الشواهد التي تبين أسباب تدني التعليم هي تلك التي ترتبط بأوضاع المعلمين المادية والمعنوية، إن تدني رواتب المعلمين يجعلهم يعيشون حالة من الإحباط التي تنعكس سلبا على أدائهم التدريسي، ناهيك عن انقطاع رواتب المعلمين لفترات طويلة. يذكر ان البلدان التي تولي التعليم أهمية كبيرة عملت على رفع رواتب المعلمين كأهم فئة بالمجتمع تحظى باهتمام الدولة مثال اليابان أو المانيا.  
وعليه نرى من الأهمية بمكان في التفكير الجاد في الاهتمام بالمستوى المعيشي للمعلمين ورفع معانتهم وتحسين مستوى معيشتهم، كما يجب أن يتلقى المعلم الحوافز المادية والأدبية التي تثير تفكيره وابداعاته والحفاظ على اداء واجباته واحترام مهنته.  

•رابعا: رؤية للنهوض بالتعليم  

بعد تناول المؤشرات والملامح السابقة حول التعليم سوف نضع بعض النقاط التي من شانها النهوض بعملية التعليم، في الاتي:  

1.الاهتمام في بناء قدرات ومهارات الطالب : 

 العمل على بناء القدرات والمهارات التي يحتاجها طالب اليوم، ومواطن الغد، ولعل من أهم القدرات المرتبطة بتحسين نوعية التعليم وجودته تتمثل في إعادة النظر في مناهج التعليم كافة التي تستدعيها المرحلة الراهنة بحيث يتضمن محتواها العلمي الذي يستهدف بناء شخصية وقدرات الطالب وتفتح مداركه العلمية ومهاراته في التحليل والتركيب والاستنتاج والتطبيق، وتدريبه على توظيف المعلومات والمعارف التي يتلقاها في معالج قضايا ومشكلات المجتمع. 

2. إعادة النظر في الأنشطة المدرسية:  

تمثل الأنشطة المدرسية فرصاً للطلاب في بناء وتطوير شخصياتهم الاجتماعية وإبراز مهاراتهم وابداعاتهم في المجالات المختلفة وتعزيز علاقاتهم تعودهم على العمل الجماعي وتدريبهم على ممارسة ادوارهم الاجتماعية والمهنية وتعزز قدراتهم على التأثير والتأثر والتفاعل، وتعزيز روح الانتماء الوطني. 

3. الاهتمام بالمعلمين : 

    الاهتمام بالمعلمين بوصفهم الطرف الأكثر أهمية في تحسين التعليم وتطوير نوعيته، وذلك من خلال تامين حياتهم المعيشية وتحفيزهم المستمر عبر منحهم الحوافز المادية والمعنوية واستحداث البرامج التدريبية التي تسهم في رفع قدرات المعلمين وتساعدهم على أداء مهامهم التدريسية في نقل وايصال المعارف العلمية لطلابهم على اكمل وجه. 

4. الاهتمام بالطالب: 

يُعد الطالب محور العملية التعليمية لذا لابد من الاهتمام بالطالب من الناحية التعليمية والتربوية والشخصية معا، ويرتكز دور المدرسة هتا بوصفها مؤسسة تربوية واجتماعية تقوم في بناء شخصية الطالب من النواحي النفسية والاجتماعية والجسمية والعقلية، في خلق جيل مثقفة ومتسلح بالعلم والمعرفة وتوجيه سلوكهم وتعديل نوازعهم، وتربيتهم على الاخلاق الحميدة والصفات الاجتماعية كالتعاون والتآزر والتسامح والتفاعل مع الاخرين والمحافظة على النظام العام واحترام حقوق الآخرين والاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية وحب الوطن.  

•الخلاصة: 

  أخيرا يمكن القول إن ما نشهده اليوم من سرعة متنامية في التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وما نعايشه من زخم معرفي واتصال سريع وتقنية مطَّرِدة، وما لذلك من اثار في تغيير أنماط السلوك كل ذلك يوجب علينا سرعة تقييم وضعنا الراهن والتخطيط لمواكبة تلك التحولات والمستجدات والتعاطي الايجابي مع حركة النمو والتطور التي تشهده حياتنا العامة اليوم ، وذلك من خلال الاهتمام في بوابة التحديث والتطور المتمثلة في تحديث المدرسة بوصفها الوسيلة الأولى لتحقيق ذلك وعبرها يتم تنمية قدرات الأفراد وبناء شخصياتهم السوية ورفع قيمة التعليم والمعلم معا، الأمر الذي يتطلب ذلك الادراك والإلمام الكامل من قبل القيادات التربوية والمعلمين معا لأهمية ذلك الدور الذي تقوم به المؤسسة التعليمية . 

 أ.د. فضل عبدالله الربيعي 
أستاذ علم الاجتماع ،نائب عميد كلية الآداب لشون خدمة المجتمع والتطبيق العملي
رئيس مركز مدار للدراسات
f.madar99@hotmail.com 

♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -