أخر الاخبار

أزمة الهُوية وتأثيرها في الصراع اليمني

أزمة الهُوية وتأثيرها في الصراع اليمني
فهوم الهوية مَثَلَهُ مَثًلُ معظم مفاهيم العلوم الاجتماعية والإنسانية يتَّصف بالعمومية والهلامية، يحتمل الكثير من المعاني والتفسيرات، حتى أصبح من أكثر المفاهيم تداولاً وأكثرها غموضاً وتلوّناً وتشعُّباً

أزمة الهُوية وتأثيرها في الصراع اليمني

بحث علمي :

  • إشكالية الهُوية وتأثيرها في الصراعات
  • دراسة سوسيوسياسية في المجتمع اليمني
  • اعداد : أ. د. فضل عبدالله الربيعي
  • أستاذ علم الاجتماع جامعة عدن
  • Rabee2012@hotmail.com
  • f. madar99 @hotmail. Com
  • 00967 733577957 هاتف اليمن – عدن

مقدمة :

يواجه اليمن اليوم أزمات خانقة " سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية " ولعلَّ أخطرها أزمة الهُوية[1]∙، ولم يكن استمرار الحرب إلاّ حصيلة لواقع طبيعة أزمة الهوية. ان ثقافة الاستبداد والاستقواء التي عمدت إلى مصادرة حقوق الأخرين والفساد المستمر والنهب المنظم للثروات من السلطات وقوى النفوذ، والدور السلبي للمؤسَّسات السياسية والتعليمية، وغلبة القوى التقليدية التي تتعامل مع الأحدث من منطق العصبيات " الطائفية والقبلية والغلبة الجهوية للسكان" التي مُورست طوال المراحل السابقة في اليمن، الأمر الذي أدَّى إلى إنتاج الأزمات الحادة وتعزيز الولاءات الضيقة، وشيوع ثقافة الغلبة والاستبداد الهمجي التي تتمحور حول أزمة بنيوية في هُوية الدولة والنظام السياسي.

لم تحظ أزمة الهوية في اليمن اهتماماً كبيراً من الكثير من المعنيين بالبحث والدراسة والمعالجة، لذلك فإنَّ إشكالية الهُوية لا تكمن في عدم التفهُّم لهذه الحقائق فحسب؛ بل في محاولة إنكارها نظرياً وممارستها واقعياً والابتعاد عن دراستها بعمق بوصفها محدداً رئيسياً لأنماط السلوك والفعل الاجتماعي والبناء الاجتماعي والصراع السياسي. وتخفي تحت هذا التجاهل والانكار مطامح هويات بذاتها تمليها المصالح الفئوية والجهوية غير عابئة بالأخرين وبعملية الاستقرار والتنمية.

إذ تعيش الدولة في اليمن حالة من الانهيار الذي يتمثَّل في جملة المخاطرَ والأزماتٍ في كلِّ المجالات، فالانقسام الاجتماعي يتفاقم بشكل مأساوي وتعاظم مشكلات الفقر ، البطالة، العنف، الفساد، الإرهاب، كل ذلك يتمُّ بنفوذ متعاظم لقوى الفساد، فقدت فيه الدولة سيطرتها على مناطق كثيرة في اليمن.

ويمكن القول إنَّ أزمة الهوية والانتماء تُعُّد واحدةً من أهم المعوّقات التي تواجه عملية الاستقرار السياسي والتنموي في المجتمعات العربية بعامة واليمن بخاصة.

لقد خاض الكثير من الباحثين في موضوع الهُوية ( Identity) ومحدداتِها والقضايا المثارةِ حولها وتجاذباتها ، إلاّ إنَّ أغلب البحوث والدراسات التي تناولت إشكالية الهوية وأزمتها لم تُقِّدم حلَّا حقيقياً لأزمة الهُوية في المجتمعات التي درستها، بل يمكن القول إنها لم تقدم على الأقل، تصوراً أو رؤية واقعيةً للحل ، كما يقول مارسل موس عن السوسيولوجيا التي وإن لم تُقِّدم حلولاً علمية كان يجب عليها ، على الأقل ، أن تُقِّدم معنىً لفعلٍ عقلانيٍّ([2])، يبحث عن خلفيات ومضامين الأزمة بهدف الوصول إلى صياغة رؤى عقلانية تُؤسِّس لفكرٍ يعالج هذه الأزمة ويوجِد البدائل والحلول لها.

إذ لم نعد بحاجة إلى مخادعة الذات عند تشخيص الهُوية وأزماتها وأسبابها، فأزمة الهُوية بلغت حدَّاً صارت تُهِّدد الأمن الوطني والاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ليس في اليمن فحسب؛ بل في المنطقة بصورة عامة، ولعلَّ الحرب الدائرة حالياً في اليمن خير شاهدٍ على ذلك.

إنَّ أزمة الهوية الوطنية الجامعة كانت سبباً في ظهور كثير من الصراعات التي أدَّت وتؤدي إلى انقسامات اجتماعية عميقة، وصراعات أهلية متكرِّرة في أكثر من بلدٍ عربيِّ، التي برزت فيها الهُويات الطائفية لتحتل صدارة المشهد اليوم([3]) .

مشكلــــة الدراســـة :

إن تناول مسألة إشكالية الهوية وأزمتها بوصفها مسألة سوسيوأنثروبولوجية ، فذلك يضعنا امام تناول هذه المسألة بشكل أعمق لمعرفة بعض المسائل التي تتعلَّق بالمتغيرات والصراعات التي تعصف اليمن وعلاقتها بإشكال وأزمة الهُوية، بما يجلنا الانتقال بمفهوم الهوية من التعريف المجرد كمفهوم حدسي للأفكار السوسيولوجية والانثربولوجية إلى معايير تسمح بتحديد تصنيف متغِّير الهُوية باعتماده متغيراً مستقلاُ ، على الرغم من توفُّر العديد من المصطلحات الدالة على المتغٌير(كالهوية الاجتماعية )(والهوية الجماعية) و( والهوية الوطنية ) و(الهوية القومية) و( الهوية الثقافية ) وغيرها ([4]) ، وتغتني هذه الدراسة مصطلح (هوية المجتمع) لتبني على أساسه كل خطواتها البحثية المتمثِّل بفهم المجتمع اليمني شديد التعقيد في تكوينه الاجتماعي وهوياته المحلِّية - الفرعية- المختلفة ، فمفهوم الهوية هنا يسمح لنا بالبحث عن المرجعيات الأصلية التي تتمحور حولها الهوية وأزمتها ، ولعلَّ الحياة الاستيتيكية التي عاشها المجتمع اليمني طوال المراحل التاريخية السابقة هي التي أبقته دون الوصول إلى بوتقة الدولة الوطنية التي تُشِّكل المرجع الرئيس للهوية الوطنية الجامعة.

وتتمحور مشكلة الدراسة في توضيح أزمة الهوية وإشكاليتها ودورها في الصراعات والأزمات المتناسلة والمتكرِّرة التي يعشها اليمن والتي تعود في أهم أسبابها إلى غياب الهوية الوطنية الجامعة نظراً لعدم التفهُّم والإدراك الواعي لخصوصية الواقع اليمني وفشل قيام دولة وطنية حديثة تستوعب هذا التنوع وتضع حداً لتلك الصراعات والانهيار الذي يتعَّرض له اليمن واستيعاب طبيعة تكوين المجتمع الذي تتعد فيه المرجعيات وتمحورها حول مرجعية الأرض " المكان" بوصفها أقاليم متباينة عاش عليها السكان آلاف السنين وشكٌلت مرجعياتٍ ثقافيةً وبُعداً اساسياً تأخذ فيه الهوية طابها التقليدي.

أهميــة الدراســــــــــــــة :

تكمن أهمية دراسة الهُوية بصفة عامة في أنُّها تهدف إلى إيجاد نسقٍ مفاهيميٍّ ونظريٍّ يسمح للباحث بالتعامل مع ظواهر الهُويات الجماعية بهدف فهم المجتمع وتفسيره بأكثر مصداقية لطبيعتها وحركتها وأزمتها ([5]).

لذلك فإنَّ الحديث النظري والطرح المحَّدد للهُوية الوطنية الجامعة في أحيانٍ كثيرةٍ لا يتجسَّد في الواقع العملي, لاسيما مع في ظل وجود الأنظمة الإستبدادية والقمعية في بلدان مختلفة، حيث أثبتت فكرة انصهار الجماعات الاجتماعية في بوتقة واحدة فشلها في العديد من الدول والأنظمة السياسية والاجتماعية المعاصرة.

ومن ثم فإنَّ أهمية الدراسة الراهنة تكمن في أنَّها تُسلِّط الضوء على موضوعٍ يُعُّد من أهم المواضيع التي تُغيب عن الباحثين في المجتمع اليمني ، الأمر الذي تظلُّ مسألة الهوية والخلاف حولها وتداخل الهُويات في إطار الدولة المنهارة هي مصدر للصراعات الظاهرة والخفية .. ومن هذا المنطلق تأتي أهمية الدراسة الراهنة لتضع أمام الباحثين والفاعلين الاجتماعيين والسياسيين مداخل نحو معالجة أزمة الهوية الوطنية الجامعة، نظراً لتأثيرها على القضايا الرئيسية التي تهمُّ السياسات الرسمية للدولة والمجتمع ، وأهميتها الحيوية والكيفية التي من خلالها يتم تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي وكل ما يتعلَّق بالاندماج الاجتماعي في المجتمع .

ومن ثم فإنَّ الدراسة الراهنة تحاول أن تبَّين عمق أزمة الهوية التي تعود إلى غياب فكرة المواطنة بين أفراد الجماعات الاجتماعية المشكِّلة للمجتمع ، لذلك فإنَّ أزمة الهوية هي في الأساس افتقارً لفكرة الشعب الواحد والأُمة الواحدة والدولة الواحدة والوطن الواحد والمصير الواحد والهُوية الواحدة والهدف الواحد والرؤية الواحدة ([6]).

أهـــــداف الدراســـــة :

يتمحور الهدف العام للدراسة الراهنة في التركيز على الأبعاد السياسية والوطنية للهوية من خلال التعُّرف على واقع الصراع بوصفه نتاجاً لوجود أزمة الهوية ويتَّوزع هذا الهدف إلى عدة أهداف تفصيلية, وهي :

1. التعُّرف على ازمة الهوية في المجتمع اليمني من منظور بنائي ووظيفي.

2. التعُّرف على أزمة الهوية وعلاقتها بالنظام السياسي والصراعات السياسية المتناسلة في اليمن .

3. الكشف عن تداخل المرجعيات والهويات الفرعية في المجتمع اليمني وعلاقتها بأزمة الهوية والصراع.

4. الوصول إلى توجُّهات عملية لمعالجة هذه الأزمة .

فرضيــــــــــات الدراســـــــــة :


تنطلق الدراسة الراهنة من فرضية رئيسة هي:

تأثير الصراعات المتكرِّرة في اليمن على بناء الهُوية ويتفَّرع منها الفرضيات الفرعية الآتية :

1- الفرضية الأولى : تأثير ضعف البناء الفكري للهوية اليمنية وزيادة تداخل تأثيرات القوى السياسية والايدولوجيا على الهوية .

2- الفرضية الثانية : تأثير النخب السلطوية " السياسية والاجتماعية والقبلية" على الهوية .

3- الفرضية الثالثة : تأثير الفكر السياسي للتيارات القومية والعربية والماركسية على بنية الهوية .

منهجية الدراسة:

تعتمد الدراسة الراهنة تبعاً لطبيعتها وخصوصيتها وخلفياتها وتعدُّد الأسباب والعوامل المؤثرة فيها على الآليات المنهجية الآتية :

1-المنهج التاريخي :إذ تم الاستفادة من هذا المنهج في تتبعُّ المراحل التاريخية التي مَّرت بها الهوية اليمنية، والتقلبات التي مرت بها منظومة الهوية ومكوناتها وعناصرها.

2-المنهج التحليلي الوصفي :إذ تم استخدام هذا المنهج في تحليل تداعيات الصراعات المسلحة بين التيارات والقوى المختلفة ، وتفسيرها وتأثير ذلك في بناء الهوية الوطنية الجامعة.

3-المنهج الاستقرائي: وقد تم استخدام هذا المنهج في استقراء واقع أزمة الهوية وإشكاليتها بعد تكرار الصراعات والحروب والتدخُّلات الأجنبية للوصول إلى سيناريوهات مستقبلية يحاول من خلالها الباحث تقديم تصورٍ مستقبليٍّ لما يمكن أن تكون عليها لهوية في المرحلة المقبلة .

النسق النظــري للدراســة :

من الأهمية بمكان أن تستند البحوث والدراسات إلى القواعد النظرية العلمية التي تساعد الباحث على توجيه بحثه إلى الأسباب التوضيحية والعوامل المفِّسرة لـ (موضوع البحث)، كما هي في دراستنا الراهنة، إذ تم الاستناد إلى نظريتين هما: النظرية البنائية الوظيفية، والنظرية الصراعية ، في تحليل الهوية الجماعية وتفسير ومتابعة بنائها، فمفهوم المثل الذي يستخدمه البنائيون نظرا لما يحمله من معايير اجتماعية، ينطبق هناء كأساس للهوية وهو يعني التوقعات المشترك بالسلوك الأمثل لهوية معينة ، ويرى "ونت" أنَّ الاعتماد المتبادل ،والمصير المشترك ،والتجانس، جميعها تُشِّكل أسباباً فعالةً للتعاون بين الأنانيين، وتقويض الهويات الأنانية لصالح الهوية الوطنية الجماعية ، ويُعُّد تقييد الذات سبباً يجعل من الممكن أو السهل تحقيق ذلك. فكلما زاد حضور هذه المتغيِّرات، زاد احتمال حدوث هوية جماعية([7]). ويشترط "ونت" أن الاعتماد المتبادل موضوعياً، وليس ذاتياً، بوصفه سبب لتشكيل الهوية الجماعية، ويتوقَّف تحول الاعتماد المتبادل إلى هوية جماعية على كثافة التبادل الذي يُعدُّ مشكلاً للهوية الجمعية، كما يُعد التجانس ايضاً سبباً فعالاً لتشكيل الهوية الجماعية، وذلك من خلال التماثل بالصيغة المؤسَّساتية والوظيفية التي تحد من الصراعات في أطار المكون الوطني العام للهوية وتحتل، الأفكار والقيم والمبادئ أهمية خاصة في تشكيل الهوية الجماعية لمجموعات ذات انتماءات وطنية مختلفة، والانتقال من الهويات الوطنية الأنانية إلى الهوية الجمعية التعاضدية التي تُعُّد ذاتها جزءاُ لا يتجزًّأ من هويةٍ واحدةٍ مشتركةٍ بين مكونات الاتحاد جميعها([8]).

مفهـــــوم الهــــــــــوية :


لقد خاض الكثير من الباحثين والدارسين في مفهوم الهُوية ومحدداتِها والقضايا المثارةِ حولها وتجاذباتها. ويُعُّد مفهوم الهوية موضوعاً دينامياً قابلاً للتكُّيف والانفتاح والتجُّدد أمام المستجدات الفكرية والسياسية والسوسيولوجية.

والهوية بوصفها مفهوماً عاماً تَّم تعميمه واستخدامه على نطاقٍ واسعٍ بعد تناول إركنيسون له في أواخر خمسينات القرن الماضي ([9])، ثَّم شاع هذا المفهوم بعد هذا التاريخ بشكل واسع في أدبيَّات العلوم الاجتماعية، وقد اتخذ عدة معاني وصورٍ مختلفةٍ، مثل الهوية الشخصية والهوية الوطنية والهوية الدينية والهوية الأثنية والهوية الثقافية.

ويُعدُّ مفهوم الهوية مَثَلَهُ مَثًلُ معظم مفاهيم العلوم الاجتماعية والإنسانية يتَّصف بالعمومية والهلامية، يحتمل الكثير من المعاني والتفسيرات، حتى أصبح من أكثر المفاهيم تداولاً وأكثرها غموضاً وتلوّناً وتشعُّباً؛ بل إنهَّ من المفاهيم التي تُثار بشدَّةٍ في مجالات البحث العلمي، والجدل السياسي والثقافي، نظراً لاقتحامه جميع المجالات العلمية من فلسفةٍ ومنطقٍ وعلوم إنسانية وعلوم سياسية هذا من جهة ؛ وما يرتبط به من محدِّدات ومؤشِّرات ومفاهيم مثل الذات واللغة والثقافة والحضارة والأصالة والعرف والخصوصية والتثاقف من جهة أخرى .

كما يُعدَّ من المفاهيم التي يتم تداولها بصورة كثيرة في كلُّ العلوم الإنسانية, لا سيما علمي السوسيولوجيا ، والأنثروبولوجيا([10]). ومع ذلك فقد صَّرح كثيرون من المفكرين بصعوبة تعريف الهوية ، يقول كوتولوب فريك إنَّ الهوية مفهوم لا يتَّصل بالتعريف وذلك لأنَّ كلَّ تعريفٍ هو هوية بحد ذاته فالهوية مفهوم أنطولوجي وجودي يمتلك خاصيَّةً سحريةً تأهله للظهور في مختلف المقولات المعرفية وهو يتمتَّع بدرجة عالية من العمومية والتجريد تفوق مختلف المفاهيم الأخر المقابلة له([11]).

أمَّا تعريف الهويَّة في الّلغة كما يشير اللغويون فهي مشتقّة من ضمير الغائب "هو" مضاف إليه ياء النسبة التي تتعلَّق بوجود الشيء المعني كما هو في الواقع بخصائصه ومميزاته التي يُعرفُ بها. والهوية بهذا المعنى اسم الكيان أو الوجود على حاله ، أي وجود الشخص أو الشعب أو الأمة كما هي ، بناءً على مقومات وخصائص معينة تُمِّكن من إدراك صاحب الهوية بعينه دون اشتباه مع أمثاله من الأشياء، والمسائل التي تتعلَّق بتلك الصفات والخصائص ([12]).

إذ يشير مفهوم الهويّة إلى ما يكون به الشيء "هو هو"، أي من حيث تشخُّصه وتحقُّقه في ذاته، وتمييزه من غيره؛ فهو وعاء الضّمير الجمعي لأيِّ تكتُّلٍ بشريّ، ومحتوى لهذا الضمير في الوقت نفسه ، بما يشمله من قيمٍ وعاداتٍ ومقوّماتٍ تكيَّف وعي الجماعة وإرادتها في الوجود والحياة داخل نطاق الحفاظ على كيانها.

وهناك مَنْ عَّرفها بأنَّها الشفرة التي يمكن للفرد عن طريقها أن يعرف نفسه, والتي بوساطتها يتعَّرف عليه الآخرون بوصفه ينتمي إلى تلك الجماعة التي تربطه علاقة قوية بها ، وهي شفرةّ تتجمّع عناصرها العرقية على مدار تاريخ الجماعة من خلال تُراثها الإبداعي " الثقافة " وطابع حياتها في الواقع الاجتماعي ([13]) .

ويشير أمين المعلوف في كتابه الهوية القاتلة الى أنَّه يوجد في كل العصور أناس يعتبرون أن هناك انتماءً واحداً مسيطراً ، يفوق كل الانتماءات الأخرى - التي يتجاذبها الفرد أو الجماعة - يحقُّ لنا أن ندعوه (هوية ) وهذا الانتماء هو الوطن لدي بعضهم أو الدين لدى بعضهم الآخر، وإذا نظرنا إلى مختلف الصراعات التي تدور حول العالم فسوف نلاحظ أنَّها تدور حول الهويات، فحين يشعر الناس أنَّهم مهددون في عقيدتهم يبدو أن الانتماء الديني هو الذي يختزل هويتهم كلها، فلو كانت لغتهم الأم ومجموعتهم الأثنية هي المهَّددة لقاتلوا بعنف ضد أخوتهم في الدين، ويبرز لنا كثير من الأمثلة على ذلك ([14]).

وإجمالا نقول إنَّ الهويّة الوطنيّة تُعَّرف بأنَّها مجموع السّمات والخصائص المشتركة الّتي تميّز أمةً أو مجتمعاً أو وطناً معيّناً من غيره، يعتزُّ بها وتُشكّل جوهر وجوده تتجسَّد في الإحساس والشعور بالانتماء الواحد .

كما يعرفها علي أسعد وطفة بأنَّها كيان يجمع بين انتماءات متكاملة وهوية المجتمع كانتماءات إلى الفئات والجماعات العرقية أو الدينية أو السياسية أو الاجتماعية([15]).

ويقدم محمد عابد الجابري مساهمة معمَّقة في فهمه للهوية ، إذ يرى فيها أنَّها كيانّ مستمرّ ، يتطوَّر ، وليست مُعطىً جاهزاً ونهائياً ، فهي تصير وتتطوَّر إمَّا في اتجاه الانكماش ،وإمَّا في اتجاه الانتشار ، وهي تغتني بتجارب أهلها ومعاناتهم وانتصاراتهم وتطلعاتهم، وباحتكاكها سَلباً وإيجاباً مع الهويات الثقافية الأخرى التي تدخُل معها في تغاير من نوع ما([16]).

ولسنا هنا بصدد الوقوف على التحديد الدقيق لمفهوم الهُوية ومدلولاتها ومكوناتها وأنواعها، وإنما أوردنا تلك التعريفات لارتباطها بموضوع الدراسة التي تتناول أزمة الهُوية والصراع في اليمن بالكشف عن تحديات هذا الإشكال في الصراعات داخل اليمن الذي يعيش أزمة هوية وطنية واضحة المعالم يجمع الكل حولها ، فالناس والتجمعات السكانية يُعِّبرون عن أنفسهم في الفضاء العام بهُويات مختلفة (مذهبية ومناطقية وعشائرية وقبلية) تستند إلى مُحِّدداتِ مختلفةٍ. ومن هذا المنطلق نتناول مسألة أزمة الهوية وإشكالياتها ومكوناتها وعلاقتها بالصراعات في اليمن.

أزمة الهوية في اليمن :

يُمِّثل موضوعُ الهُويةِ وتأزُّمها في كثيرٍ من المجتمعات المعاصرة إحدى أدوات الصراع السياسي والثقافي داخل المجتمع الواحد أو مع المجتمعات الأخرى . فكثير من الحروب التي دارت وتدور اليوم في مناطق مختلفة من العالم ما هي إلاَّ حروب وصراع هُوياتٍ. إذ يعاني الإنسان العربي المعاصر أزمة هوية وانتماء تتصف بطابعي العمق والشمولية التي تعود إلى تعُّدد الكيانات والولاءات المحلية والوطنية ([17])،فالإنسان العربي تتجاذبه هويات مختلفة(عشائرية ، قبلية ، مذهبية ، جهوية ).

ويُعدُّ موضوع الهُوية في اليمن من الموضوعات التي يثار حولها جدل كبيرً في مجال الفكر والممارسات العملية التي تتضمَّن جملةً من التخوفات والمغالطات من خلال ما يصاحب ذلك من جدلٍ سياسيٍ وثقافيٍ واسعٍ, نظراً لما يتعلَّق بها من تداخلات في المحددات والمرجعيات والحقوق, إذ يمكن القول إنَّ اليمن يعيش حالة أزمة هوية وطنية واضحة المعالم يجمع الكل حولها، فهي أزمة مركَّبة ومعقَّدة، فالناس والتجمعات السكانية يعِّبرون عن أنفسهم في الفضاء العام بهُويات مختلفة (مذهبية ومناطقية وعشائرية وقبلية، وطنية ، وأيدلوجية ).

ففي جميع الثقافات والمجتمعات نجد كلَّا لأفراد يمتلكون ذاتاً سواء تم تعريفهم بهذا المفهوم أم لا, يظهر بشكلٍ واعٍ أو غير واعٍ في الشخصيات, وفي تصرُّفات عناصر محددة للذات بناء على الهويات الموجودة التي تعتمد عادةً على المضمون التي هي موجودة فيه ([18]) . وتستند إلى مرجعيات واضحة كمرجعية الأرض في اليمن بوصفها إحدى المكونات الرئيسة للهوية التي يعِّبرون عن أنفسهم بها ، فالأرض أي المكان وما يرتبط به من تاريخ يشمل مختلف العناصر الطبيعية والبشرية وما ينشأ عليها من أوضاعٍ اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ وأنماط السلوك الاجتماعي([19])، تُعِّبر عن هوياتهم المختلفة ، كما هو في حالة اليمن الذي بقي فيه الناس لزمن طويل بالثبات نفسه في المكان أوفي الأوضاع والعلاقات الاجتماعية ،الأمر الذي جعل اليمن يعيش حالةً من تكرار الصراعات والأزمات والحروب التي تتعلَّق بالإشكال المحدَّد بالهوية والانتماء ، وما الحرب[20]∙ الدائرة حالياً في اليمن ومسرح عملياتها، إلاّ دليلاً على تلك الأزمة البنيوية في المجتمع، وقد انعكس ذلك على عدم حسم الحرب ، بسبب عدم التعامل مع مكامنها المحددة بتداخل الهُويات التي تختفي تحت عناوين الحرب السياسية بين الشرعية والمليشيات الانقلابية التي تتنافى مع ما هو دائر على الأرض.

إذ يتصف اليمن بأنه بلد تتعِّدد فيه المكونات المحلية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تبدأ بالهوية السياسية بين الشمال والجنوب - بوصفهما دولتين دخلتا في وحدة فاشلة - مروراً بالطوائف الزيدية والشافعية، والمناطقية وتنتهي بالقبيلة والعشيرة ، تتخذ من السياسية عنواناً لها في أغلب الحالات .

إذ لم ولن تتبلور هُوية وطنية جامعة في اليمن يتم اعتمادها هُويةً جامعة للدولة والنظام السياسي يرغب فيها الجميع بشكل واضح على نحوٍ ما حققته بعض المجتمعات التي عاشت عصوراً طويلةً في حالة من الاستقرار والانسجام بين مختلف مكوناتها، إلاَّ إنَّ تحقيق الانسجام والتكامل بين مكونات المجتمع وأنساقه مرهون بمدى النقلة الحضارية للمجتمعات المعينة وهذا يعني إنَّ التعُّدد في المجتمعات الشمولية غير الديمقراطية يتبلور في صيغه تراجيدية ومأساوية تتمثَّل في التعصُّب والصراع([21]) .

يمكن القول إنَّ الهُوية في اليمن قد تعَّرضت إلى جملةٍ من الأعمال التي طالها التشويه والتشتُّت المتواصل عبر التاريخ ,إذ لم يُذكر أن اليمن حُكما بدولة واحدة إلاّ في 1990م بإعلان مشروع وحدة بين دولتين وطنيتين مستقلتين هما (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ) و(الجمهورية العربية اليمنية) , وهي محاولة تعَّرضت للفشل منذ بدايتها وأكتمل فشلها بعد حرب 1994م. وتُعُّد الوحدة محلَّ خلافٍ للحراك الجنوبي الذي يناضل من أجل العودة إلى دولته المستقلة بهُويتها الوطنية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية " الجنوب العربي"([22]). وهي وحدة قامت بها النخب الحاكمة في البلدين تحت دوافع المصالح وتأثير الفكر الوحدوي القومي والماركسي في البلدين ،ولم تقوم على أسسٍ وضماناتٍ واستفتاء الشعبين لتكون قابلة للاستمرار.

لأنَّ مضمون عملية التوحيد في الفكر القومي تقوم على تجاهل واقع التعُّدد والاختلاف في المجتمع ، ولم تنظر إلى مكونات المجتمع الذي ينقسم إلى قبائلَ وعشائرَ وفئاتٍ واتجاهاتٍ وهويات تُمثَّل واقعاً حقيقياً لم تساعد على عملية التوحيد ([23]). وقد انعكس ذلك الفكر على جميع الأقطار العربية، فلم تكن الوحدة اليمنية مبنيةً على أسس متينة بسبب تلك الانقسامات المتعِّددة في الهُوية والتمايز الثقافي والاجتماعي بين الدولتين في اليمن التي حدَّدت مساقاتها عدة قرون ، إذ تُشكَّل الهُويات بين مواطنين في دول منقسمة على امتداد الخطوط الإقليمية والتي يعتمد مواطنوها هُوياتٍ إقليميةً أقوى ممَّا يُؤدِّي إلى تقويض الإحساس بأي وحدةٍ وطنيةٍ مشتركةٍ، وهذا الأمر واضح في اليمن الذين شهداً عدداً من الحروب العصبية كحرب 1994م التي انهت مشروع الوحدة بين الدولتين([24]) يوضِّح ابن خلدون في معرض كلامه عن العصبية والدولة تأثير العامل الجغرافي للعصبية بحيث تتوغَّل القبيلة للاستيلاء على السلطة والحكم بوساطة الحرب وتستأثر بخيرات أراضي وثروات الغير، إمَّا لقلة عددها أو لعدم التحامها معها ([25]) ، وهو ما حصل للجنوب بعد حرب 1994م عندما استأثرت صنعاء بالسلطة وبثروات الجنوب بحيث تحَّول الجنوب إلى غنيمة حرب طالت كلَّ شيءٍ، كما يجري في حروب القبائل التي تحَّدث عنها ابن خلدون ، فالعصبية كانت المُحَّرك والباعث لكثير من الحروب بين الشمال والجنوب ، كالحرب الدائرة حالياً 2015 و2016م، أو الحروب السابقة التي جرت بين الطائفتين الزيّدية والشافعية لسنوات طويلة في اليمن، فضلاً عن الحروب بين الجمهوريتين قبل عام 1990م ، وحروب الحوثيين مع السلفيين في السنوات القريبة الماضية ، فجميعها حروب تتمحور حول موضوع الهُوية.

لقد ظلت الانتماءات الطائفية والقبلية والجهوية تفعل فعلها في مجريات الأزمات والصرعات المتكررة والمستمرة إلى يومنا هذا في اليمن ، والتي تستمد حضورها من تلك الولاءات المتعددة التي تعبر عن وضعيتها التاريخية بما تلبيه من وظائف اجتماعية وسياسية هامة تتمثل في تأمين الحماية والأمن للمنتمين إلى تلك الكيانات المتعِّددة ، في ظلَّ واقعٍ مأزومٍ لم تتبلور فيه البُنى السياسية والاجتماعية المعاصرة لا سيما بنية الدولة .

إذ تُشِّكل أزمة الهُوية الوطنية - هوية الدولة والنظام السياسي- النواة الرئيسة لمختلف الأزمات المزمنة التي يعاني منها اليمن، والتي هي بحاجة إلى جهود جبارة تتجه نحو إيجاد معالجات بنيوية وجذرية صائبة، تُعُيد الأمور إلى نصابها واستحقاقها الحضاري والتاريخي والانطلاق منها يمكن وضع رؤى مستقبلية ناضجة تستهدف تحقيق الأمن والاستقرار الدائم في اليمن بخاصة والمنطقة بعامة.

أزمة الهوية والصراع السياسي :

يتمثل تاريخ الدولة في اليمن سلسلة من الأزمات والصراعات المتناسلة والانهيارات المتتالية وهذا أمر مُسلَّم به طالما استندت السياسات إلى التمييز والمغامرات وإنتاج العنف والتخلٌّف وغياب العدالة الاجتماعية ومصادرة الحقوق . وقد كشفت الصراعات السياسية أنَّها واقعة تحت دوافع أزمة الهوية في الأساس وليست أزمة تغيير في النظام السياسي . وأنَّ غياب مشروع الدولة الوطنية يعود في الأساس إلى فشل بنيوي في الهوية والنظام السياسي الذين حولته النُخب السياسية والاجتماعية إلى عصبويات مختلفة زادت من عملية التخلُّف والتشظِّي السياسي والاجتماعي والثقافي في المجتمع .

إنَّ تكرار الصراعات المسلحة بين أطراف عدة خلال السنوات الماضية كانت تدور حول الهويات وتتَّخذ من السياسة والايديولوجيا غطاءً لها، وقد نتج عنها الكثير من المظالم والتهميش وممارسة سلوك الاستعلاء والاستقواء من بعض القوى السياسية التي وظَّفت الايديولوجيا ورفع شعارات الدولة والوحدة والنظام لمصالحها الفئوية وهي في الأساس شعارات خالية من مفاهيمها ومضامينها الحقيقية.

إنَّ أبرز الحروب التي عرفها التاريخ اليمني قديماً وحديثًا كانت حروب الهُويات (الطائفية والقبلية والمناطقية أو هُوية الدولة) مهما أعطيت لها من توصيفات أخرى، وقد دخل كلَّ من الجنوب والشمال بوصفها كيانين اجتماعيين، في حروب طويلة تعود إلى مئات السنين قبل ظهور الدولتين الحديثتين أو بعد ذلك , إذ نشبت بين الجمهوريتين أكثر من حرب كحرب 1972م وحرب 1979م . وكذلك حرب 1994م التي حدثت بعد أربع سنوات من إعلان مشروع الوحدة تعود أسبابها في الأساس إلى الخلفية الوطنية لهُوية الدولتين والنظامين السابقين الذين حكما" الجمهوريتين بوصفهما" هويتين منفصلتين تمثل ذلك الفصل في طبيعة الحرب ونتائجها التي تعامل معها الشمال بوصفه كهُوية طرف منتصر على الجنوب الذي تم إلحاقه بهوية دولة اليمن الشمالي بقوة الحرب التي خلفت نتائج مأساوية تمثَّلت في نهب ثروات الجنوب وتشريد أبنائه وإذلالهم وتحويلهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية وطمس كلِّ الآثار والمعالم التي تتَّصل بالذاكرة الثقافية للجنوب، الأمر الذي دفع بالجنوبيين إلى النضال من أجل العودة إلى هويتهم الوطنية وفك الارتباط واستعادة هُوية دولتهم الوطنية، وعلى خلفية ذلك نشطت الحركة السياسية الجنوبية التي عُرفت بالحراك الجنوبي[26]∙ ونضاله السلمي لاستعادة هُويتهم الوطنية وخرجوا في مسيرات مليونيه متكِّررة خلال السنوات الماضية رافعين فيها علم دولتهم السابقة رمزاً للهوية السياسية للجنوب ، وقدمت الحركة آلاف من الشهداء والضحايا الذين سقطوا في المظاهرات والتجمعات السلمية ،الأمر الذي زاد من تفاقم الحقد والكراهية بين مواطني الدولتين السابقتين.

كما خاضت الحركة الحوثية[27]∙ في شمال اليمن ستة حروب مع نظام صنعاء خلال العشر السنوات الماضية وهي حركه سياسيه تستند إلى بعدها الطائفي " الزيدية " القريبة من المذهب الشيعي، المحرك الرئيسي لتلك الحروب التي تحمل في طياتها إحياءً لصراعات الهوية الطائفية وتهدف السيطرة على الحكم في اليمن .

وفي العام 2011م دخل اليمن سلسلة من الأزمات المتزامنة والمتداخلة ، ففي بداية العام خرج متظاهرون في المدن الحضرية يطالبون بإصلاحات ديمقراطية واقتصادية ومحاربة الفساد ثم تحَّولت إلى المطالبة برحيل النظام وانتهت بالمواجهة المسلحة داخل صفوف الجيش والمليشيات بين المعارضة والنظام ، ونشطت هنا الجماعات التي كانت مهمشة الهوية أمثال الحوثيين والجنوبيين وبعض الجماعات الأخرى([28]) وجاء مؤتمر الحوار على خلفية تلك الأزمات والإحداث التي عاشها اليمن خلال السنوات الماضية ليبحث معالجتها، إذ جاء بمقترح مشروع بناء دولة اليمن الاتحادية الجديدة تتكون من أربعه أقاليم في اليمن الشمالي واثنين في اليمن الجنوب تحمل هُويات فرعية جديدة ، وبهذا الصدد يرى إيان والكر ، في دراسته عن الهوية الحضرمية في المملكة العربية السعودية أنَّ هذا التشكيل السداسي المقترح عن مؤتمر الحوار ربما يكون مقناً لبعض من الحضارم الذين يرون فيه توجهاً لاستقلال حضرموت , ومن ثم دمجها مع مجلس التعاون الخليجي ، ويبقي أولئك الذين يدعمون استقلال الجنوب كاملا ([29])، فالمؤتمر ومخرجاته لم تكن محل إجماع وطني حقيقي فقد قاطعهما الحراك الجنوبي منذ الوهلة الأولى بسبب غياب التمثيل الحقيقي للجنوب ، كما أنه لم يأت بمعالجة ناجعة لتلك القضايا الجوهرية وأهمها قضية الجنوب وهُويته التي يتمسَّك بها الجنوبيون هُوية مستقلةً عن اليمن الشمالي، وهي القضية التي لم تحظ بالاهتمام الكافي سواء في مؤتمر الحوار أو في الحوارات اللاحقة له ، من النخب الحاكمة أو من الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن- مع الأسف - وان كل تلك المساعي التي تهتم بالوضع باليمن من خلال تركيزها على آليات العمل السياسي دون الانتباه إلى جذور الازمة السياسية المتمثلة بأزمة الهوية لم تجدي نفعً في تقديرنا .

وقد انتهت هذه المحاولات باندلاع الحرب الأخيرة بين المليشيات الانقلابية" الحوثي والرئيس المخلوع من جهة " والسلطة الشرعية من جهة أخرى ، والتي رأى فيها الجنوبيون الفرصة لتحقيق رغبتهم بالاستقلال هويتهم ، لاسيما وقد كشف مسرح عمليات هذه الحرب عن خلفياتها المتمثلة في حروب الهوية سواء كانت الطائفية أو الجهوية أو الوطنية وهذا ما يفسره ذلك التحالف الجهوي في تلك الحرب الأخيرة الذي تجاوز المسمِّيات السياسية في مواقع كثيره ، وظهر ذلك جلياِ في التحالف بين الحوثي والجيش اليمني الذي يأتمر بأمر الرئيس المخلوع في حربهم ضد الجنوب بالمقابل وقف الجنوبيون بمختلف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية صفاً واحداً في هذه الحرب من سلفيين وحراكيين وقوات شرعية ممَّا ساعد هذا الوضع على سرعة حسم المعركة في الجنوب ، بينما تأخَّر الحسم في اليمن الشمالي نتيجة الانقسامات الحادة وتداخلت فيه هُوية الحرب الطائفية والسياسية ، كل ذلك سوف يعمّق من تزايد الصراع بين كلٍّ من هويتي اليمن الشمالي واليمن الجنوبي من ناحية ، وبين الهوية الطائفية "الزيدية والسنة" من ناحية أخرى .وبهذا الصدد يذكر (ستيفن دبلوداي ) في حديثة عن الخطة الفدرالية في اليمن أنَّ التاريخ الممتدَّ إلى ثلاثة ألف سنة لم يسجِّل أنَّ اليمن حُكم بوصفه فدرالية مكونة من أقاليم تحت سلطة واحدة , بل كان مقسماً إلى مناطق تحكمها سلطات مستقلة ([30]). لهذا لم تنجح الدولة الحديثة في إيجاد مناخٍ من الطمأنينة لدى المجتمع مبني على تحقيق العدالة الاجتماعية ورعاية المواطن وحفظ الحقوق وتقديم نفسها بوصفها تجربة وحدوية وطنية ناضجة يعتمد عليها المجتمع.

لقد كان مشروع الوحدة والدولة الوطنية بحدِّ ذاته محاولة دمج هُويات في هوية واحدة وهذا بالطبع سيخلق هوية جديدة جامعة تتجاوز الهُويات المُتعِّددة التي تتشكِّل فيها هذه المحاولة والتي املتها ضرورتان, هما: ضرورة سياسية وضرورة أيدلوجية ، إلاَّ أن الضرورة السياسة لم يكن بمقدورها إقامة دولة بهذا الشكل على أسس هيمنة قوى وهُوية على الأخرى بعد الانقلاب على مشروع الوحدة بحرب صيف1994م وتجاهل ما قدمه شعب الجنوب لذلك ، لا سيما إذا أخذنا الثقل الديمغرافي للشمال والاقتصادي للجنوب ، الأمر الذي كان يستلزم خلق أنموذج مجتمعي بهُوية تستوعب كل المكونات على نحو تضمن للجميع الحرية وتكون أكثر جذباً للطرف الذي تنازل وقدم الكثير من أجل الوحدة بدلاً من أن تكون عامل طرد وإقصاء وتهميش وقهر له.

أما الضرورة الأيديولوجية التي انطلقت منها تلك الوحدة كانت مبنية على البعد القومي والأممي الذي تبَّنته النُخب السياسية في الماضي، من دون إدراكها مدى معرفة قبول هذه الأفكار في الواقع اليمني المتخلف ففكرة الوحدة جاءت هنا بقرار من الحزبين الحاكمين في الدولتين من دون استفتاء الشعبيين في الدولتين، فاندفاع الجنوبين للوحدة جاء نتيجة التأثير الذي مارسته النُخب السياسية والإيديولوجية من إسلامية وقومية واشتراكية في تلك الحقبة من دون العودة إلى استفتاء الشعبيين في الجمهوريتين.

ان الاتفاق الارتجالي على قيام الوحدة بين النظامين جاء من القيادتين السياسيتين، الأمر الذي يجعل من قرار الوحدة أقرب إلى صيغة فوقية، وليس صيغة قاعدية شعبية ومؤسسيَّة، ممَّا أدَّى إلى تهميش القوى الاجتماعية وغياب مشاركة الإرادة الشعبية في إعلان مشروع الوحدة والدولة والنظام السياسي فيها مما ادخل مشروع الوحدة في مازق منذ الوهلة الأولى لإعلانها.

إن الوحدة بين الدول يمكن تحقيقها واستمرارها إذا كانت تُعبِّر عن رغبة الشعب، وارادته أماَّ إذا كانت الوحدة هي تعبر عن رغبة القيادات السياسية فإنَّ عمرها عادةً يكون قصيراً، والوحدة اليمنية في مضمونها عكست رغبة القيادات السياسية, ولم تعكس الإرادة الشعبية، ويؤكد ذلك Fred Halliday بقوله " .... أمَّا الوحدة اليمنية فقد كانت مبادرة مستعجلة تناهت سريعاً إلى كارثة سياسية"([31]). فلم تصمد زمناً طويلاً, إذ اندلعت الحرب بين طرفي الوحدة بعد مرور أقل من أربع سنين ،إذ كانت الحرب قد كشفت تلك الاطماع لدى الشماليين بالجنوب ، وما لحق به من قهر وقمع وتهميش وإقصاء طال كل ما يتصل بالذاكرة التاريخية للجنوبيين فتراجعت تلك الروح الوحدوية لديهم بسبب الحرب ، وبهذا الصدد يقول أسعد وطفه إن تراجع مشاعر الأمة العربية من الوحدة كان ناتج للوضع المأساوي الذي وصلت إليه الدول العربية بسبب عبث النُخب السياسية التي أدارت ظهرها للمشاعر العربية وبدأت تتوجَّس خوفاً من دعاة الفكر القومي الوحدوي ومن قواه السياسية القائمة على مدة الحكم ([32]) ، والتي هي عادةً تستخدم شعارات الوحدة والوطنية لمآربها الخاصة المتمثَّلة بالعصبية الفئوية ، إذ نجد ممارساتها في الواقع تتناقض مع ما تطرحه من شعارات .

إن عدم تحقيق الوحدة المجتمعية بين بلدين عُرفا بالتعددات المجتمعية القبلية والطائفية و المحلية التي عاشاها في مجالاتها الضيقة قروناً طويلةً من الزمن إنَّما يعود إلى غياب الدولة الناضجة والقوية القادرة على تحقيق متطلَّبات الوحدة المجتمعية. بل ظلَّت فيها النُخبة الحاكمة تتفرد بالبلاد والعباد, تميِّز بين الفئات والهُويات المختلفة على حساب المصلحة العامة للهُوية الوطنية المشتركة، الأمر الذي أدَّى إلى إنعاش العصبوية والمذهبية وإعادة إنتاج لثقافتها وتكتلاتها القديمة، فالـفرد في اليمن يلحظ أنَّه دائماً مشدودّ إلى الكيانات التقليدية التي يرى أنَّها توفِّر له الحماية وتنمِّي عنده الوجود المادي والمعنوي كرد فعل على الهوية المستبِّدة.

وبهذا الصدد يرى الجنوبيون أنَّ مفهوم الهُوية الوطنية لديهم تتمثَّل في فك ارتباطهم السياسي عن هُوية اليمن الشمالي السياسية المستبدة بسبب ما تعرضوا له من عزلِ وتهميشِ خلال الخمسه والعشرون السنة الماضية وتركهم يعيشون في أحوال اقتصادية سيئة تحت ضغط الوحدة التي يرون أنَّهم الخاسرون فيها , الأمر الذي دفعهم إلى البحث عن هُويتهم القديمة (الجنوب العربي) لإثبات اختلافهم عن اليمن كلياً وهي التسمية السابقة للجنوب إلى عام 1967م ، والمشار إليها في المادة الأولى في وثيقة الاستقلال الوطني ، وأنَّ تسمية دولة الاستقلال بأسم (جمهوريه اليمن الجنوبية الشعبية) جاءت تحت دوافع الفكر الوحدوي القومي والأممي - في تلك الحقبة -إذ يرون أنَّ إدخالهم ضمن هوية اليمن السياسية كانت سبباً رئيسياً في عدم حصولهم على تعاطف الخارج العربي والعالمي مع قضيتهم الراهنة ويصرف نظر التعاطف معهم بوصفهم يمنيين ذي هُوية واحدة بحيث يُمارس عليهم الاستبداد من قبل اليمن الشمالي السياسي الذي يستقوى بالغلبة السكانية. ويرون أنَّ هويتهم كانت قد تعَّرضت للكثير من التشويه من جرَّاء ممارسة النظم السياسية التي لم تنبع من ذات الأفراد بشكل تلقائيً بل تمَّت هذه العملية تحت تأثير ايدلوجية الدولة ممارسة ونُخبها المؤطرة بالإيديولوجيا القومية والأممية الإقصائية التي مارست عمليات الصهر والدمج القسري من دون مشاركة فعلية للمجتمع فيها.

النظام السياسي وأزمة الهوية :

لقد ساعدت الأنظمة السياسية الشمولية في الوطن العربي بعامة على تعميق أزمة الهوية الوطنية عبر سياساتها الخاطئة التي خضعت لتأثير الانتماءات الضيقة القبلية والطائفية والعشائرية بدل من معالجة الأزمة وإشاعات الديمقراطية ([33]). ويتجلى ذلك الواقع بوضوح تام في اليمن الذي يُعّد من أكثر المجتمعات المتخلفة والتقليدية.

إنَّ ما يمِّيز قوى سياسية واجتماعية وثقافية محدودة على الدولة قد مارست دورها في تحطيم الروابط الاجتماعية بين الناس وإحياء ولاءات الماضي الطائفية والقبلية والعشوائية وتفشِّي ظاهرة الفساد ونهب الثروات ، على هذا الأساس يرى ماكس فيرى (Max Weber) في تحليله للظواهر السياسية كحالة خاصة لها منطقها وتاريخها الخاص بها تستند إلى عناصر " مادية" سياسية أو عسكرية تبَّين أنَّها قوية قوة المادية الاقتصادية. فليست وسائل الإنتاج هي التي تُؤثَّر لوحدها في تغير الأنظمة الاجتماعية ، بل إنَّ وسائل الإدارة تُؤثِّر بالقوة ذاتها وبالسيطرة والخضوع والسيادة([34]). فالسلطة في اليمن هي القوة التي تتولَّى توزع المنافع المادية والمراتب الاجتماعية على وفق منظورها الخاص, وعلى هذا الأساس نجد أنَّ النظام السياسي في اليمن قد عمل على سياسية إذكاء الصراعات بين القبائل والقوى الاجتماعية بهدف بقاء النُخب السلطوية في الحكم للاستئثار بالسلطة وتسخيرها لمصالحها الخاصة على حساب مصلحة الشعب . فعندما يتحدث ماكس فيبر عن السلطة الشخصية فإنَّه يذكر أنَّه مهما تكن المزايا في الشخص المعنوي ، المسمى بالدولة ، و الذي يُعُّد المالك الوحيد للسلطة ، فإنَّه يجب النزول مجدداً والقبول بإسناد هذه السلطة إلى أفراد ، إنَّ هذا الإجراء ليس مجرد إعادة إقرار بالأمر الواقع السابق. لكن النتائج التي تؤدي إليها لا يجب أن تحجب واقعا أنه يضع الأشخاص الحقيقيين ومصالحهم وشهواتهم وأعمالهم الشخصية في وسط إشكالية السلطة.

إن سياسة النُخبة الحاكمة في اليمن كانت هي نفسها أحد أهم المعوقات أمام ترسيم الهوية الوطنية التي تعترف بالثقافات والهويات المتعِّددة في داخل جسدها الواحد ، بل اعتمدت على إتباع أُسلوب الإلغاء والتهميش للأخر وأسِّست سياسة التعامل المتحيِّز لنوعٍ من الهويات ، لذلك فإنَّ فشل الدولة في واجباتها وسياساتها هو في الأساس فشل في تعزيز الانتماء الوطني, ومن ثُمَّ تظهر الصراعات السياسية والعنف, الأمر الذي يُؤدِّي, بالضرورة, إلى البحث عن الهويات السابقة ليحتمي في ظلها الناس والدفاع عن هوياتهم كما يقول أمين المعلوف في كتابه (الهويات القاتلة) ([35]).

وعليه فأنَّ اليمن بهذا الخصوص معَّرض للمخاطر والانقسام الداخلي نتيجة المخزون الكبير في العصبيات المختلفة وغياب الهُوية الوطنية، لذلك فإنَّ أي مشروع وطنيٍّ غير قابلٍ للنمو بالنظر إلى الواقع المعاش اليوم بوصفه بيئةً غير قابلةً لإنجاحه، بسب غياب الإدراك الواقعي والعلمي لحجم هذه المخاطر لدى النُخب السلطوية والسياسية بمختلف اتجاهاتها الفكرية الذين وصل بهم الأمر إلى حِّد إلغائهم التام لتلك الحقائق وإنكارهم لها ، بل وتجريم الحديث عنها كما حدث مع قضية الجنوب.

لم تستطع الدولة في احتواء الأزمات في المجتمع وإحداث استقرارٍ سياسيٍّ ، وقد وصلت هذه الأزمات إلى توسيع دائرة الحروب لتشمل مختلف مناطق اليمن عام 2015م ، فاستمرار أمد هذه الحرب تبدو ملامحها في الواقع واضحة كما هيئت لها القوى المستبدة في الداخل والخارج على حدًّ سواء ، وهذا الوضع هو حصيلة لما خلفته النظم الاستبداد والثقافة الاستقوائية ومصادرة حقوق الأخرين والفساد المستمر للسلطات طوال المراحل السابقة التي أنتجت ثقافة الاستبدادي والغلبة والولاءات الفردية والعصبيات ، والنَّهب المنظَّم للثروات وفي مقدمتها ثقافة الاستبداد الهمجي الذي عمد إلى إلغاء كل ما يتصل بهوية الجنوب ، وعدم الاعتراف بالحق الشرعي لشعب عاش آلاف السنين مستقلا وفي دول وكيانات باستثناء مراحل الاحتلال الاجنبي، الذي كان له دورا واضحاً في المقاومة ضد كل صور الاحتلال وقد تجسد هذا الإلغاء على صعيد الواقع والفكر ، فعلى صعيد الواقع تمَّ التدمير الممنهج للجنوب منذ حرب 1994م، شعباً ودولةً ذات هُوية ، وعلى صعيد الفكر تمَّ إنكار هذا الحقِّ بالحديث عن اليمن الواحد وواحديته بمفاهيم صماء ، وتمَّ إخفاء صوت الحقِّ القائم على أساس الهويتين للشعبين والدولتين ، واختفت الوحدة من الواقع وبقي الحديث عن وحدةٍ زائفةٍ مجردة من مضامينها ، كان ومازال المراد منها إخفاء مطامع قوى محدودة بذاتها . ولم يتم الاعتراف بأنّ هذا الحقّ وهذه الخصوصية التي انطلقت منها فكرة مشروع الوحدة تعود إلى هوية الشعبين والدولتين التي تكونت عبر آلاف السنين .


لقد اتجهت هذه الذهنية نحو ادخال اليمن شماله وجنوبه في نفق مظلم مخيف كما يتجَّلى في المشهد اليوم وعدم التفهُّم للخصائص الرئيسية لهما التي تتصف بالتنوع الثقافي والاجتماعي والطائفي في هُويات انتماءاتها المختلفة .

الهُوية وتنوع المرجعيات

يتصف اليمن بأنه مجتمعاً متعدد الهُويات والانتماءات المختلفة المجزوءة والمتجذِّرة في التنظيم الاجتماعي ، الذي تشكل عبر مراحل التاريخ الطويل ، فانتشار السكان على رقعة الأرض (المكان) هي التي كونت التجمعات البشرية والتنظيمات الاجتماعية بدءاً بما عرف بالشعوب والقبائل ومن ثمَّ الدول ، وقد حملت هذه التكوينات سمات التنوع المكاني واتَّصف كل مكان بسمته الخاصة في نمط العيش والثقافة والتنظيم الاجتماعي (بهوية مستقلة ). وقد لعبت المرجعيات المكانية دوراً رئيساً في تفاعل الإنسان عبر التاريخ الاجتماعي من الماضي التقليدي العضوي المستند على الروابط الأولية إلى الحاضر الميكانيكي التعاقدي تتخذ فيهما الهوية طابعاً تقليدياً متأثِّراً بمرجعية الأرض التي تتَّصف بأنَّها شديدة التعقيد والتنوع الجغرافي والسكاني فقوة الإنتماء للمكان هي السائدة في نمط السلوك والمعاملات .

فمنذ القدم توزع الناس في اليمن بين مجموعات سكانية أو شعوب متجاورة أو مجتمعات محلية مستقرة لها طابع الحكومات والدول المستقلة والإقليمية التي تمثَّلت سياسياً في مجموعة اتحادات شكَّلت دولاً بذاتها مثل " سبأ ، معين ، حضرموت، حمير، قتبان .

لذلك يمكن القول إنَّ اليمن هما بانوراما حقيقية متأثرين بالمرجعية الأم وهي الأرض، والتي تُعُّد الحاكمة التي اُستند اليها التكوين الاجتماعي والثقافي ، وجاء التمييز تبعاً لهُوية الأرض وقد استمرَّ تواجد البنى الاجتماعية العشائرية والقبلية والطائفية والجهوية التي تُمِّثل كلُّ منها مرحلة تاريخية من مراحل التاريخ اليمن في الجنوب والشمال([36]), وتستقطب الولاء الاجتماعي على وفق درجة أهميتها وحضورها في واقع الحياة الاجتماعية والسياسية إذ تحتلُّ القبيلة والمناطقية حضوراً ملحوظاً في الحياة الاجتماعية, وتكشف عدد في الدراسات الاجتماعية دور المكان وحضوره في صيغة الوجود الاجتماعية ، فدولة الجنوب كانت تستند إلى مرجعية الأرض ولهذا فالمطالبة باستعادة الدولة تعني استعادة لهُوية السكان المنتمين إلى هذه الأرض التي قامت عليها الدولة وتشكل فيها المجتمع عبر آلاف السنين ، فمرجعية الأرض أو عبقرية المكان كما يقول علماء الاجتماع هي التي تولَّدت عليها المرجعيات السياسية والثقافية .

إنَّ أهمية أي جماعة بشرية تأتي من أهمية الأرض التي تشغلها وتكونت عليها النُظم الاجتماعية . فمازالت الهوية الحقيقة إلى اليوم هي( من أين أنت؟ وليس مَنْ أنت) في تكوين الشخصية ،إذ مازال الفرد في اليمن يتفاعل مع الاخرين ليس بهويته الفردية بوصفه شخصاً له كيانه المستقل وإنما بهويته الجماعية القبلية والمناطقة كما أنَّ التعامل على مستوى البُنى السياسية والمؤسسيَّة في الدولة تعتمد على معايير الوجاهة والهويات الفرعية المكانية أكثر من اعتمادها على معايير الكفاءة .

فان التكوينات العشائرية تفرض على الفرد مشاعر انتماء وولاء قوية تتناقض مع التُّقدم الحضاري وتقف عائقاً إمام تبلور الهوية الوطنية الواحدة ، وفي هذا يقول : (قيس النوري) لعل من العقبات التي تُعرقل عملية التطور الحضاري للشخصية العربية عموماً هي التضاد بين التبعية الذهنية العشائرية والقبلية ومتطلبات العقل([37])". ويُؤكِّد ( الدبحاني ) ذلك بقوله :إنَّ اليمن يتقسم إلى ثلاثة أقسام شكلت ثلاث مرجعيات للشخصية اليمنية تستند إلى أساس مرجعية الأرض هي([38]):

1.الشمال الجبلي " اليمن الأعلى (المنطقة الزيدية ومأرب).

2.الوسط الهضبي والسهلي (اليمن الأسفل).

3. جنوب ساحلي وصحراوي. ( دولة الجنوب).

وقد أفرز القسم الأول اليمن الأعلى "الشمال الجبلي " مرجعية قبلية تقليدية ثابتة تحكمها العلاقات المكانية القبلية القرابية - المتجذِّرة في شكل الحكم القائم حتى اليوم- . أمَّا اليمن الأسفل " الوسط الهضبي والسهلي فقد أفرز مرجعية قروية أقل تقليدية, وهي أكثر حركة ، تسودها العلاقات الاجتماعية المكانية. وقد ظهرت الدولة في الشمال الجبلي الأعلى والوسط الهضبي والسهل عُرفت باسم "الجمهورية العربية اليمنية 1962م"؛ بينما الجنوب الذي انفتح على العالم الخارجي منذ وقتٍ طويلٍ عبر الهجرات والاستعمار فقد أفرز مرجعية تجارية / مدنية, إذ مثلت عدن وحضرموت المكان الرئيس لهذه المرجعية ، وهي مرجعية تحَّررت من الروابط التقليدية التي تتحكَّم بها العلاقات القرابية والقبلية وتحكمها العلاقات العقلانية التعاقدية، وقد ظهرت فيه الدولة الوطنية بعد رحيل الاستعمار البريطاني سميت باسم " جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية 1967م، إنَّ المقصود بمفهوم ( الهوية الجنوبية ) هو هوية المكان المعتَّق في جرة الزمان، أي ذلك الطابع الحضاري المدني العلماني الناتج عن السلوك الاجتماعي لسكان الجنوب في الحقبة التي أعقبت تأسيس الدولة الحديثة في الجنوب بما أفرزته تلك الحقبة من فنٍّ وأدبٍ وعمارةٍ وسياسةٍ، ومن منظوماتٍ قيَّميةٍ تنويريةٍ حاكت النسيج الاجتماعي للحياة في الجنوب آنذاك، متمثَّلةً بتنامي قيم العلم والجمال والحداثة والوطنية المجتمعية والتآخي الديني وحرية المرأة وبدايات انبثاق مفهوم " المواطنة " لدى الفرد ، انتهت مع توقيع وثيقة مشروع الوحدة وبدايات عسكرة المجتمع بعد اجتياحه في صيف 1994م.

وعلى الرغم من كلَّ التحولات التي شهدتها الدولتان الحديثتان في الشمال والجنوب سابقاً أو بعد إعلان دولة الوحدة إلاَّ إنَّها لم تستطع أن تُحدث تحولاً حقيقياً لمصلحة الجميع ، بل بقي الوضع كما هو يحمل في طَّياته ملامح هوية التقسيم الاجتماعي والسياسي, إذ غلب الطابع العسكري على الشمال والشمال الشرقي ، وفي الوسط ساد الوضع القروي التجاري ، وفي الجنوب ساد الطابع القريب إلى المدنية .

وتُعدُّ المقاربة السوسيولوجية المحدَّدة بالتصنيف الثلاثي للهويات اليمنية هي الأقرب لفهم حقائق الواقع اليمني والجنوبي، بل تًعدُّ مدخلاً علمياً لمعرفة حالات التشتُّت والصراع الدائم والدائر في اليمن وإضعاف الانتماء الحقيقي لهوية الوطن الواحد . فظهور الحوثيين وقضية الجنوب وما حدث ويحدث من حروبً إلاًّ تأكيداً على ذلك التشكيل للطابع الخفي للهوية بصيغتها الرئيسة، وإذا ما تم الاعتراف بهذا الواقع فسوف يتجه اليمن من خلاله نحو معالجة شاملة وحقيقية للازمات السياسية وهي الضمان الأكيد للاستقرار وتجاوز الصراعات.

إنًّ وحدة اليمن الأعلى مع اليمن الأسفل لم ينتج عنها وحدة حقيقية في الجمهورية العربية اليمنية سابقاً ، فالتحولات الاجتماعية والاقتصادية لم تستطع أن تُغيِّر شيئاً على أرض الواقع لأسباب وعوامل مرجعية وجغرافية وحضارية وتاريخية ، فالثقل الديمغرافي لليمن الأسفل بقي محتكراً من المرجعيات التقليدية في اليمن الأعلى , ولعلَّ ما حدث في عام 2011م والمتمثِّل في ثورة التغيير وتغلغل الحركة الحوثية فيه هو خير شاهدٍ على ذلك هذا من ناحية .

كما أنَّ وحدة الدولتين هي الأخرى لم تنجح وبقي الوضع منقسماً تبعاً للتقسيم السابق بين مواطني العربية اليمنية ومواطني اليمن الديمقراطية ، وهنا يكمن جوهر الأزمة الحقيقية في إشكالية الهوية في اليمن. لذلك فإنَّ إشكالية الهُوية لا تكمن في عدم التفهُّم لهذه الحقائق فحسب ؛ بل في محاولة إنكارها نظرياً وممارستها واقعياً والابتعاد عن دراستها بعمق بوصفها مُحِّدداً رئيساً لأنماط السلوك والفعل الاجتماعي والبناء الاجتماعي والصراع السياسي. هذه المحاولة كانت تنطلق من استبعاد العوامل الاجتماعية والثقافية مؤسَّساً على عوامل لا مكان فيها لهوية اجتماعية وثقافية واحدة بوصف هذا النمط يحقق تجاوزاً نهائياً للانتماءات المختلفة لصالح الانتماء لوحدة وطنية تتمحور حول الرابط السياسي، وهذا لم يكن إلَّا استجابةً لأطماع هويات وعصبويات بذاتها رسمتها المصالح والمطامع الفئوية والجهوية غير عابئة بهويات ومصالح الآخرين التي اتخذت من ذلك ستاراً ايدلوجياً ليس الاَّ ([39]).

إنَّ ما يجعل الصراع في اليمن صراعاً عصبياً مدمِّراً هو أنَّه يترجم عن ذاته عبر العنف، والأعمال الانتقامية التي تسعى إلى الاختلاف من أجل الاختلاف لا من أجل تقديم إضافة تهدف إلى أن تفرض نفسها بديلاً. ومن ثُمَّ مرة أخرى يتبيَّن أنَّ المجتمع يعيش أزمة بدائل، وظلَّت أزمة الهوية والصراعات قائمةً، فالمجتمع اليمني تسوده الفوضى والعنف والعنف المضاد، وتستفحل فيه العصبية القبلية والطائفية والمناطقية والجهوية بوصفهما المُحِّرك الرئيس والمُحِّدد العام لمستقبل الدولة أي أنِّ "العصبية هي الأداة لمصير الدولة حسب" روزنتال".

إن ديالكتيك المجتمع القبلي العصبوي يظلُّ محتفظاً بكلِّ قيمه، طالما لم تتغيَّر الأنساق التي فرضته تغيُّراً جذرياً. فهل يمكن إنكار أنَّ البداوة القديمة والعصبة العشائرية والقبلية التي تُسمَّى اليوم الجهوية، ما تزال تراود القوى اليمنية المتنفذة ؟

إذ نجد هناك مَنْ يتمسَّك بهذا الواقع، إمَّا لأنَّه منحاز للهوية المستبدَّة، وإمَّا لأنَّه منحاز لجهاز الدولة ويريد إخضاع الأفراد لسلطة هذا الجهاز بصرف النظر عن كلِّ شيءٍ آخر، فبعض هؤلاء ينحازون لجهاز الدولة انحيازاً شمولياً سافراً، والبعض الآخر يريد تغيير بعض التفاصيل الإجرائية وزيادة المشاركة الشعبية، معتبراً أن الهوية هي الجواز أو بطاقة الأحوال المدنية، وهذا لا يحلُّ أزمة الهوية ولا يصنع هوية وطنية ولا شعباً أو جماعةً وطنيةً فالتمسُّك بالأمر الواقع يعني تكريس الأزمة القائمة.

إنَّ هُوية الدولة الحقيقية لا تتمُّ في الدولة الهشة أو الوحدة الزائفة، بل هي تلك التي تعترف بحقوق الآخرين واستحقاقاتهم وتنوعهم، الذي يستند إلى الخصائص السكانية والثقافية التي تُعالج أزمات الواقع وتساعد على الازدهار الداخلي في خضم التنافس والتكامل إذا ما تضمًّن ذلك مشروعاً نهضوياً تنموياً يتكامل مع دول الجوار.

المصادر والمراجع والحواشي:


1. الكسندر ونت ، النظرية الاجتماعية للسياسة الدولية ، ترجمة جبر العتيبي ، إصدارات جامعة الملك سعود ، 2006م.

2. الزير بن عون ، إشكالية الهوية .. بين مجالات التفكير العلمي والثقافي والحضاري. انظر الرابط التالي: . http://www.maqalaty.com/41004.html

3. أليكس ميكشللي، الهوية ، ترجمة علي اسعد وطفة، دار الوسيم ، سوريا ، دمشق ، 1993م.

4. د. احمد وهبان ،التخلف السياسي وغايات التنمية السياسية، رؤية جديدة في الواقع السياسي للعالم الثالث، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية ،مصر، 2000م0

5. د. امين المعلوف ، الهوية القاتلة : قراءات في الانتماء والعولمة ، ترجمة د. نبيل محسن، ط1، ورد الطباعة والنشر والتوزيع ، سورية ، دمشق ، 1999م.

6. بدر الابراهيم ، ازمة الهوية الوطنية في السعودية ، انظر الرابط التالي: www.al_akhbar.com/node/198591

7. برتر اندبادي/ بياربيرنيوم , سيوسيولوجيا الدولة، ط1، ترجمة جورج أبي صالح ، مركز الإنماء القومي ، بيروت.

8. حسن طلال مقلد ، الهوية فوق الهوية الوطنية " الأوربية أنموذجا " ، مجلة السياسة العربية ، العدد 32 ، 2011م .

9. أ.د. رجب بو دبوس ، ماضي المستقبل .. صراع الهوية والوطنية في عالم يتعولم ، سلسلة كتاب الثقافة العالمية انظر الرابط الآتي: w.books4arab.com/2015/12/pdf_255.html

10. د. سرحان العتيبي ، الوحدة اليمنية: مقوماتها، اتجاهاتها ومستقبلها (1990-1994) بحث منشور على الانترنت ، انظر الرابط التالي :

11. http://colleges.ksu.edu.sa/Papers/Papers/no%202.doc


12. د. علي أسعد وطفه ، إشكالية الهوية والانتماء في المجتمعات العربية المعاصرة ، ص1.أنظر الرابط التالي: www.watfa.net

13. . عفيف البوني ، في الهوية القومية العربية ، مجلة المستقبل العربي ، العدد57، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان ، بيروت.

14. د.عباس الجراري ، بحث عن الهوية الوطنية والجهوية ،انظر الربط التالي :www.abbesjirari.com/alhawiyya.pdf

15. مارسل موس ، بحث عن الهبة .. شكل التبادل وعلته في المجتمعات القديمة ، ترجمة المولدي الأحمر ، مراجعة عروس الزبير ،المنظمة العربية للترجمة "علوم إنسانية واجتماعية "، لبنان، بيروت ،2011م.

16. ميمونة مناصرية، هوية المجتمع المحلي في مواجهة العولمة من منظور أساتذة جامعة بسكرة، أطروحة دكتوراه في علم الاجتماع، شعبة علم الاجتماع، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد خضير – بسكرة، الجزائر، 2011-2012م.

17. محمد عبد الله الجريبيع ، مدخل لدراسة الهويات الوطنية "دراسة سوسيولوجية لحالة الهُوية الأردنية " انظر الرابط التالي: ww.thoriacenter.org/cms/web images/359509.doc

18. محمد بواركي ، القيم الثقافية وإشكالية الهوية الوطنية في الجزائر بعد الاستقلال : دراسة أنثروبولوجية لبحث نمط الهوية في مخيال تراث الادب الشعبي، اطروحة دكتوراه ، قسم علم الاجتماع ، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية ، جامعة الجزائر ، 2002م.

19. د. محمد عابد الجابري ، مسألة الهوية العروبة والاسلام ... والغرب ، ط4، مركز دراسات الوحدة العربية ، لبنان ، بيروت ، 2012م .

20. د. محمد عابد الجابري ، فكر ابن خلدون : العصبية والدولة " معالم نظرية خلدونية فيا لتاريخ الإسلامي "،ط6،مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، بيروت، 1994م.

21. مجموعة من الباحثين ، إعادة بناء اليمن ( التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ) ، تحرير نويل بريهوني وسعود السرحان ، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات ، المملكة العربية السعودية ، الرياض ، 1437هجرية.

22. محمد عمر احمد ابو عنزه ، واقع اشكالية الهوية العربية : بين الاطروحات القومية والاسلامية " دراسة من منظور فكري" ، رسالة ماجستير ، قسم العلوم السياسية ، كلية الآداب والعلوم ، جامعة الشرق الاوسط ، الاردن ، عمان ، 2011م.


21. د. قيس النوري ، بنى السلطة الثقافية والازمة العربية ،: آفاق الديمقراطية والتركيب الثقافي العربي ، مجلة الفكر العربي ، العددان 85-86، 1996م..

22. د. ناصر قائد الدبحاني ، تداخل المرجعيات وأثره في فاعلية الشخصية في اليمن ، اطروحة دكتوراه في علم الاجتماع ، قسم الاجتماع ، كلية الآداب ، جامعة بغداد ، 1999م.

23. cf.m.maus,'unecategorie de l,esbrithumain;la notion de bersonne ,eelle dl,moi,'gurnal of the royal anthropological institute of great Britain and Ireland 68' 1938'; 263-81 http://classiques.uqac.ca/classiques/mauss_marcel/socio_et_anthropo/5_Une_categorie/Une_categorie.html.




[1]∙ شهدت منطقة جنوب الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام وبعده قيام دول وممالك متعددة لكل منها خصوصيتها وهويتها في الشخصية والحضارية مع وجود قواسم مشتركة تجمعها بالمناطق المجاورة بحكم الجغرافيا والبيئة، ونذكر على سبيل المثال من هذه الدول والممالك مثل سبأ، قتبان ،حميّر، حضرموت، واوسان . وذلك قبل ظهور اسم اليمن كمصطلح سياسي، ويذكران الأحباش هم أول اطلق اسم (اليمن) كمصطلح جغرافي يحدد الواجهة أي الجهة وليست كهوية سياسية تحدد اسم الدولة. وفي صدر الإسلام استمر التعامل مع اسم (اليمن) بصفتها الأرض التي تقع يمين الكعبة كما كان يطلقا على الارض التي تقع شمال الكعبة بالشام .


[2]. مارسل موس ، بحث عن الهبة .. شكل التبادل وعلته في المجتمعات القديمة ، ترجمة المولدي الأحمر ، مراجعة عروس الزبير ،المنظمة العربية للترجمة "علوم إنسانية واجتماعية "، لبنان، بيروت ،2011م، ص 7 .


[3] . بدر الابراهيم ، ازمة الهوية الوطنية في السعودية ، انظر الرابط التالي: www.al_akhbar.com/node/198591


[4]. ميمونة مناصرية ، هوية المجتمع المحلي في مواجهة العولمة من منظور أساتذة جامعة بسكرة، أطروحة دكتوراه في علم الاجتماع، شعبة علم الاجتماع، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد خضير – بسكرة، الجزائر، 2011-2012م،ص6.


[5]. محمد عبد الله الجريبيع ، مدخل لدراسة الهويات الوطنية "دراسة سوسيولوجية لحالة الهُوية الأردنية " انظر الرابط التالي: ww.thoriacenter.org/cms/web images/359509.doc


[6]. د. احمد وهبان ،التخلف السياسي وغايات التنمية السياسية، رؤية جديدة في الواقع السياسي للعالم الثالث، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية ،مصر، 2000م،ص20


[7]. الكسندر ونت ، النظرية الاجتماعية للسياسة الدولية ، ترجمة جبر العتيبي ، إصدارات جامعة الملك سعود ، 2006م، ص466.


[8]حسن طلال مقلد ، الهوية فوق الهوية الوطنية " الأوربية أنموذجا " ، مجلة السياسة العربية ، العدد 32 ، 2011م ، ص 10


[9]. عفيف البوني ، في الهوية القومية العربية ، مجلة المستقبل العربي ، العدد57، مركز دراسات الوحدة العربية ، لبنان ، بيروت ، 1984م ، ص5.


[10]. الزير بن عون ، إشكالية الهوية .. بين مجالات التفكير العلمي والثقافي والحضاري. انظر الرابط التالي: . http://www.maqalaty.com/41004.html


[11]. د. علي اسعد وطفه، إشكالية الهوية والانتماء ، مصدر سبق ذكره، ص8


[12]. محمد بواركي ، القيم الثقافية وإشكالية الهوية الوطنية في الجزائر بعد الاستقلال : دراسة أنثروبولوجية لبحث نمط الهوية في مخيال تراث الادب الشعبي، اطروحة دكتوراه ، قسم علم الاجتماع ، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية ، جامعة الجزائر ، 2002،- 2003م،ص 86.


[13]. ميمونه مناصرية ، هوية المجتمع المحلي في مواجهة العولمة من منظور أساتذة جامعة بسكرة ، اطروحة دكتوراه في علم الاجتماع ، مصدر سبق ذكره ، ص96.


[14]. امين المعلوف ، الهوية القاتلة : قراءات في الانتماء والعولمة ، ترجمة د. نبيل محسن، ط1، ورد الطباعة والنشر والتوزيع ، سورية ، دمشق ، 1999م، ص16-17.


[15]. أليكس ميكشللي، الهوية ، ترجمة علي اسعد وطفة، دار الوسيم ، سوريا ، دمشق ، 1993م، ص 45.


[16]. د. محمد عابد الجابري ، مسألة الهوية العروبة والاسلام ... والغرب ، ط4، مركز دراسات الوحدة العربية ، لبنان ، بيروت ، 2012م ، ص 46


[17]. د. علي أسعد وطفه ، إشكالية الهوية والانتماء في المجتمعات العربية المعاصرة ، ص1.أنظر الرابط التالي: www.watfa.net


[18]. cf.m.maus,'unecategorie de l,esbrithumain;la notion de bersonne ,eelle dl,moi,'gurnal of the royal anthropological institute of great Britain and Ireland 68' 1938'; 263-81 http://classiques.uqac.ca/classiques/mauss_marcel/socio_et_anthropo/5_Une_categorie/Une_categorie.html.


[19]. د. عباس الجراري ، بحث عن الهوية الوطنية والجهوية ،انظر الربط التالي :www.abbesjirari.com/alhawiyya.pdf


[20]∙ حرب الحوثيين والشرعية التي ساندتها قوات التحالف العربي المعروفة بعاصفة الحزم والدائرة في اليمن التي بدأت في مارس 2015م ومر عليها الى فترة اعداد الدراسة حوالي سنة كاملة دون ان تحسم .


[21]. د. علي أسعد وطفه ، إشكالية الهوية والإنتماء ، مصدر سبق ذكره ، ص6.


[22].مجموعة من الباحثين ، إعادة بناء اليمن ( التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ) ، تحرير نويل بريهوني وسعود السرحان ، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات ، المملكة العربية السعودية ، الرياض ، 1437هجرية ،ص18.


[23]. محمد عمر احمد ابو عنزه ، واقع اشكالية الهوية العربية : بين الاطروحات القومية والاسلامية " دراسة من منظور فكري" ، رسالة ماجستير ، قسم العلوم السياسية ، كلية الآداب والعلوم ، جامعة الشرق الاوسط ، الاردن ، عمان ، 2011م، ص32


[24].مجموعة من الباحثين ، اعادة بناء اليمن ( التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ) ، مصدر سبق ذكره ، ص 49


[25]. د. محمد عابد الجابري ، فكر ابن خلدون : العصبية والدولة " معالم نظرية خلدونية فيا لتاريخ الإسلامي "،ط6،مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، بيروت، 1994م، ص25و212.


[26]∙ . الحراك الجنوبي السلمي هو حركة اجتماعية سياسية احتجاجية سلمية في المجتمع الجنوبي ترفض الوحدة نتيجة ما لحق بالجنوبيين من قمع وتهميش وتدمير هويتهم وتاريخهم ونهب ثرواتهم وحرمانهم من استحقاقاتهم.

يظم في صفوفه فئات اجتماعية مختلفة سياسية وعسكرية وأكاديمية وطلاب وموظفين وغيرهم من المواطنين الرافضين لكل ما لحق بهم من مظالم ويناضلون بكل الوسائل السلمية المتاحة لاستعادة حقوقهم وإعادة بناء دولتهم المستقلة.


[27]∙ الحركة الحوثية أو حركة " أنصار الله " هي حركة سياسية دينية مسلحة تتخذ من صعدة في شمال اليمن مركزاً رئيسيا لها. عرفت باسم "الحوثيين" نسبة إلى مؤسسها حسين بدر الدين الحوثي الذي قتل على يد القوات اليمنية عام 2004. ويعد الأب الروحي للجماعة. وقد تولى بدرالدين الحوثي قيادة الحركة بعد مقتل زعيمها نجله حسين الحوثي في العام ذاته .

وكانت الحركة تأسست في العام 1992 نتيجة ما يشعر به اتباعها من تهميش وتمييز ضدهم. وتنتمي قيادة الحركة وأعضائها إلى المذهب الزيدي . ويمكن تعريف الحوثيين على أنهم جماعة دينية شيعية تقوم على ولاية الإمام وتتبع طريقة الأثنا عشرية على غرار الانموذج الإيراني.


[28]. مجموعة من الباحثين ، اعادة بناء اليمن ، ، مصدر سبق ذكره ، ص 104.


[29]. مجموعة من الباحثين ، المصدر نفسه ، ص69


[30]. مجموعة من الباحثين ، إعادة بناء اليمن ، مصدر سبق ذكره ، ص 28


[31]. د. سرحان العتيبي ، الوحدة اليمنية: مقوماتها، اتجاهاتها ومستقبلها (1990-1994)بحث منشور على الانترنت ، انظر الرابط التالي :

http://colleges.ksu.edu.sa/Papers/Papers/no%202.doc


[32]. د. علي أسعد وطفه ، إشكالية الهوية ، مصدر سبق ذكره، ص8


[33]. علي أسعد وطفه ، إشكالية الهوية والانتماء في المجتمعات العربية المعاصرة ، مصدر سبق ذكره ، ص 12.


[34]. برتر اندبادي/ بياربيرنيوم , سيوسيولوجيا الدولة، ط1، ترجمة جورج أبي صالح ، مركز الإنماء القومي ، بيروت، ص17.


[35]. أمين معلوف ، الهويات القاتلة : قراءات في الانتماء والعولمة ، ترجمة نبيل حسن ، ورد للطباعة والنشر والتوزيع ، سورية ، دمشق ، 1999م، ص 16-17 . http://www.books-cloud.com/


[36] .د. ناصر قائد الدبحاني ، تداخل المرجعيات وأثره في فاعلية الشخصية في اليمن ، اطروحة دكتوراه في علم الاجتماع ، قسم الاجتماع ، كلية الآداب ، جامعة بغداد ، 1999م، ص122- 127.


[37].د. قيس النوري ، بنى السلطة الثقافية والازمة العربية ،: آفاق الديمقراطية والتركيب الثقافي العربي ، مجلة الفكر العربي ، العددان 85-86، 1996م، ص48.


[38]. د. ناصر قائد الذبحاني ، تداخل المرجعيات وأثره في فاعلية الشخصية في اليمن ، مصدر سبق ذكره، ، ص 127.


[39]. أ.د. رجب بو دبوس ، ماضي المستقبل .. صراع الهوية والوطنية في عالم يتعولم ، سلسلة كتاب الثقافة العالمية . ww.books4arab.com/2015/12/pdf_255.html ♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -