أسباب ودوافع الهجرة
الداخلية
من زاكورة الى البيضاء
- بقلم ذ. عبد الحق بن درى
- حاصل على ماستر في علم الاجتماع
- أستاذ مادة الفلسفة
تمــــهيد
إن الحديث عن
الأسباب والعوامل المؤدية إلى الهجرة من المناطق الجنوبية (زاكورة والنواحي) إلى
مدينة الدارالبيضاء، هي متعددة ومختلفة تختلف من بيئة لأخرى، ومن محيط لآخر، كما
نجد أن هناك تفرعات متعددة وعوامل مختلفة بفعل الشباب يفكر في الهجرة، والعيش في
وسط يلبي حاجياته، ويساعده على الحصول على موارد مالية له ولأسرته.
في موضوعنا هذا
والذي تم الاقتصار فيه على فئة الشباب البالغة عمرهم بين 18 سنة و30 سنة، بحكم
النسبة المهمة والكبيرة التي يحظى بها العالم القروي من الفئة الشابة والنشيطة منذ
عقود من الزمن، كما أنها الفئة التي تعرف هجرة أكثر، نظرا للظروف القاسية التي
تعيشها المنطقة، وبالتالي فالحل الوحيد هو الهجرة إلى مدن أخرى. إن التاريخ
المغربي بأحداثه أوضح أن الهجرة والتنقل الذي عرفته الساكنة الجنوبية نحو الشمال
والوسط، راجع إلى أسباب الرغبة في تحسين مستوى العيش، ونمط العيش، وتحويله من نمط
تقليدي إلى نمط حديث ومتحضر، هذا بالإضافة إلى الظروف الطبيعية القاسية التي
تعرفها المنطقة، وبالتالي يرغم الشباب على التحول والهجرة إلى أماكن تتواجد فيها
ظروف عيش جيدة.
انطلاقا من
المعطيات الميدانية التي تم جمعها من البحث الميداني عن طريق المقابلات التي تم
القيام مع مجموعة من الشباب المهاجرين بالبيضاء، هذا بالإضافة إلى بعض المجموعات
البؤرية التي فتحنا فيها نقاش موسع حول هذا الموضوع، تبين أنه هناك ثلاث أنواع من
الأسباب التي تجعل المهاجر يفكر في الهجرة من زاكورة نحو مدينة الدار البيضاء، فهناك الأسباب
الشخصية والأسرية، المتعلقة بالشخص نفسه، والأسباب الظرفية والتي لها علاقة وطيدة
بالظروف الطبيعية والاجتماعية، تم الأسباب البنيوية، وهي أسباب مرتبطة بالبنيات
التحتية للمنطقة وعلاقتها بالهجرة.
1.3. الأسباب الشخصية والأسرية
تعد الأسباب
الشخصية من بين أكثر الأسباب المؤدية إلى الهجرة من المناطق الجنوبية نحو مدينة
الدار البيضاء، حيث
تبين انطلاقا من المعطيات الميدانية أن الشباب يقررون بأنفسهم الهجرة قبل تدخل أي
طرف، سواء الأسرة أو عوامل أخرى، وذلك راجع إلى عوامل الطرد والجذب التي يعيشها
الشاب نفسه، حيث يرى الشباب من قبلهم من
المهاجرين الذين يترددون إلى المنطقة في المناسبات والأعياد بلباس وحاله جيدة،
تجعله يريد هو كذلك أن يكون مثلهم، هذا بالإضافة إلى تعليقات البعض منهم
(المهاجرين) الذين يحفزون الشباب على الهجرة والعمل وعدم البقاء في البلد، كما أن
للإعلام دور أساسي في أخذ قرار الهجرة حيث يعطي صورة إيجابية ومحفزة انطلاقا من
بعض البرامج والإشهار التي تبرز أماكن التردد والملاهي التي يفتقد إليها العالم
القروي ، وبالتالي يصبح المستقر بالمنطقة في حيرة من أمره ومتردد في أخذ قرار
الهجرة أو البقاء.
إذا كانت المنطقة
تعيش ظروف العيش قاسية، وغياب فرص الشغل فمن الطبيعي أن الشباب يبحثون عن وسط يوفر
لهم فرص عمل وشغل الذي سيلبي حاجياتهم المادية والمعنوية، وباعتبار الدار البيضاء
هي القلب النابض للاقتصاد المغربي والتي تحظى بأنشطة وحيوية اقتصادية مهمة، فإن هذه
المدينة اعتبرت أن جلب الشباب رغبة في البحث عن العمل والاستقرار بشكل دائم ومؤقت
داخل المدينة، وكان الشباب يحددون في البداية قرار الهجرة، تم بعد ذلك يدخل في
نقاش وحوار مع الأسرة في مدى قبول أو رفض القرار. فمعظم الشباب كانوا يهاجرون
بالخصوص بعد الانتهاء من التعليم الابتدائي بسبب غياب السلك الإعدادي والثانوي،
حيث يلتحق بمن سبقه من أسرته والدخول في تعلم حرفة أو مهنة معينة. لكن هذه السنوات
الأخيرة، وبعدما حضيت المنطقة بتواجد الإعدادية والثانوية أصبحت الأسر ترغم على
الشباب الاستمرار في الدراسة قبل التفكير في الهجرة.
إذن فبداية الأمر
يكون التفكير في الهجرة بشكل شخصي، قبل تدخل الأسرة سواء من أجل العمل أو الدراسة،
واختيار مدينة الدار البيضاء كوجهة وكمدينة للاستقرار، هي بحكم الأنشطة الاقتصادية
التي تتوفر عليها، ثم الامتداد التاريخي للأسر الجنوبية في الهجرة إلى الدار البيضاء
قبل وأثناء وبعد الحماية. فالمهاجرون من الجنوب عرفوا استقرارا مبكر بالدار
البيضاء، مما جعلها قبلة لهم، منذ عقود من الزمن وهذا ما لوحظ من المقابلات التي
تم القيام بها في الميدان، فأغلب المستجوبين أكدوا على أن اختيار الدار البيضاء
راجع بالدرجة الأولى إلى تواجد أفراد من أسرهم داخل المدينة، وهو محفز لهم، وعامل
مساعد على الاندماج والاستقرار. وغالبا ما تترد في المقابلات ([1])
"جيت حيت كاين خويا في الدار البيضاء" أي أن تواجد الأخ أو الأب
هو عامل مشجع للمجيء إلى الدار البيضاء، والبحث عن العمل أو الدخول مع الأخ في نفس
الحرفة والمهنة التي يزاولها.
بعدما تم تحديد
العامل الشخصي في الأسباب المؤدية إلى الهجرة أي أن الفرد هو نفسه من يحدد في
البداية قرار الهجرة، وبعدما تم الحديث عن الدار البيضاء كمدينة تحظى بامتيازات
تركت الشباب يصرون على الهجرة إليها، فإن العامل الثاني هو تواجد أفراد الأسرة
بالمدينة سواء الأخ أو الأب أو أحد أفراد العائلة، أي أن هذا العامل يحفز المهاجر
ويغنيه عن التفكير في مكان الاستقرار أو الحي الذي سيتوجه إليه داخل المدينة، إذا
مباشرة يأتي إلى المكان الذي استقر فيه ما سبقه سواء كان عازب أو متزوج. وستورد
بعض أقوال المبحوثين لتوضيح هذا الأمر "السبب الرئيسي من هجرته إلى مدينة
الدار البيضاء هو تواجد أخ لي متزوج، وتواجد إمكانية العيش معه في المنزل والبحث
عن العمل".([2])
وتأتي الأسرة في
المرتبة الثانية في تحديد قرار هجرة الشباب من أجل البحث عن العمل، والتخلص من
البطالة في المنطقة، حيث لوحظ أن صنف من الشباب جاءوا إلى الدارالبيضاء عن غير
رغبة، بعدما قررت الأسرة ذلك "سبقني أربعة من إخوتي إلى البيضاء من أجل
العمل، منهم الحرفيين والموظفين وأخ يتم دراسته، واختيارها هو اختيار وتوجيه عائلي
بالدرجة الأولى، ولولا قرار الهجرة لغيرت الوجهة إلى مدينة أخرى". والذي يجعل
الأسر ترغم الشباب على الهجرة إلى هذه المدينة، هو عامل تواجد الإخوة الذي سيكون
عامل مساعد لاندماج الشباب في سوق الشغل، وغالبا ما نجد أن الإخوة يزاولون نفس
المهنة، قد تكون متوارثة من الأب إلى الأبناء "من بين الأسباب هو أن أخ لي
يشتغل بورش المدينة، وبالتالي أساعده في المنزل فيما يخص التوثيق وتنظيم الأوراق
والحسابات المالية، فكان أخذ المخدرات للإخوة من أجل الإتيان بي إلى الدار
البيضاء، فأكون مساعدا له".([3])
هذا بالإضافة إلى الإلحاح الكبير وانتظارهم من الأبناء إرسال مصاريف واحتياجاتهم،
فإن الإخوة يفكرون في بداية الأمر توحيد المصاريف مراعاة للجانب المادي من أجل سد
حاجيات الأسرة التي بقيت في البلد.
خلاصة القول أن
أغلب الشباب المبحوثين لهم تجربة مقبولة في المجال الحضري يتراوح بين 10 سنوات إلى
20 سنة، مروا بتجربة في الهجرة والاندماج في المجال الحضري، مجيئهم من البلد إلى
الدار البيضاء، دائما يكون رفقة أحد أفراد الأسرة، أو أحد أبناء المنطقة أي أن
الشباب لا يمكن أن يهاجر بمفرده لأول مرة خوفا من نتائج صعبة واختيارهم للدار
البيضاء هو راجع إلى اعتبار العاصمة الاقتصادية للمغرب، وتواجد أفراد الأسرة الذين
لهم تجربة في المجال الحضري والعمل فيه لسنوات عدة، أما عن الأحياء التي يقبلون
عليها فتكون من تحديد الأسرة والفرد المتواجد بالمدينة أي الشخص المستقبل له.
وبالتالي لا خيار له هو كمهاجر في اختيار المكان المرغوب فيه أو الخصائص التي يتمناها
بل يخضع لأمر الواقع ويعيش تحت حضن الأخ الأكبر. وتم استنتاج أن جل هؤلاء
المهاجرين يتوافدون إلى ثلاث أحياء في أغلب الأحيان وهي سيدي عثمان، الدرب ميـلا
والمدينة القديمة وهي الأحياء التي تتمركز فيها ساكنة الجنوب منذ زمن طويل. ([4])
وفي حالة عدم تواجد فرد من أفراد الأسرة، فيتم الاتصال بالفرد الأقرب إلى الأسرة
أم المنتمي إلى نفس المنطقة ليحتضنه إلى أن يجد له عمل ومقر للسكنى. وهذا ما يفسر
التعاضد والتعاون بين أبناء المنطقة داخل المجال الحضري في بداية المشوار وهو
امتداد لطبيعة العيش والتعامل في المنطقة الجنوبية أي أن الشخص في بداية هجرته
يهتم به بشكل جيد، وتتم مساعدته إلى أن يندمج ويصبح قادرا على العمل والاستقلال
المادي والمعنوي.
إن تواجد أعضاء
الأسرة بالمدينة هو حافز للمساعدة، لكنه له دور من نوع آخر يتجلى في أن هذا الفرد
هو من سيعوض الحنان والعطف الذي ألفه الشخص وسط أسرته قبل الهجرة، ذلك أن المهاجر
وقبل هجرته محاط بكل أفراد أسرته، ويتمتع بكل حرية وثقة وحنان وعطف الأسرة، لكن
بمجرد الخروج من ذلك الجو وذلك المحيط والتوجه إلى مجال فيه نمط عيش مختلف، نجد
تعسكر مطالب بتغيير عدد كبير من السلوكات والمعتقدات التي كان يتمتع لها من قبل،
فبمجرد الدخول إلى المدينة أصبح من المطلوب منه والواجب عليه الاعتماد عل نفسه
بشكل كبير فيما يخص العمل والعيش داخل المدينة، لأنه تحول من نفسية اجتماعية مبنية
على التضامن والتعاون إلى وضعية أخرى فردانية بامتياز إلا أن هذا المستقبل في
المهجر، قد يكون هو البديل عن عطف الأسرة والدعامة النفسية الأساسية للشخص من أجل
عدم الإحساس بتلك الهوة وذلك الفراغ العاطفي، من هنا.
بالإضافة إلى أنه
سيكون عامة اقتصادية كبيرة للشخص والاندماج في سوق الشغل، فهو سيحيل عن بحث
المهاجر عن الكراء منذ البداية، والمصاريف اليومية للتغذية...
كما أن هناك
أسباب والتي لها علاقة بالجانب العلائقي، فبعض الصراعات التي تقع بالمنطقة سواء
بين أفراد أو أسر أو دواوير "يؤدي بالبعض إلى الهجرة والانسحاب بعد صبر طويل
على التعدي والسكون عن الحق".([5])
وهذا بالنسبة أمر
سلبي وخطير لأنه بزرع صراعات وعداوة بين الساكنة ولقد لاحظنا بعد الأحداث من هذا
القبيل التي تزيد الوضع استعجالا وعدم قيام بعض المسؤولين (الأعيان) بدورهم لممثلي
السلطة بالقبيلة، وهذا ما يؤدي إلى ظهور أمور لا تقبل بالنسبة لهم، فهناك أمور
العار وظواهر لا تطيقها المنطقة كالأمهات العازبات اللواتي يزددن بعد مدة،
وبالتالي فهناك مزيج من الأسباب التي لها علاقة بالجانب الاجتماعي والاقتصادي
والعلائقي.
3. 2 . الأسباب البنيوية
تعد الأسباب
البنيوية كذلك ثاني الأسباب المؤدية إلى الهجرة من المناطق الجنوبي نحو مدينة
الدار البيضاء، ويقصد بها البنيات التحتية للمنطقة، ومدا استجابتها لمتطلبات
الشباب في العمل وأماكن التردد في أوقات الفراغ.
فضعف الاقتصاد
المحلي للمنطقة، وانعدام مؤسسات وشركات وفرص عمل للشباب، تجعلهم يستقرون في
المنطقة، جعلتهم يفكرون في مغادرة المنطقة والبحث عن البديل في مدن أخرى، فالنشاط
الرئيسي الذي تعرفه المنطقة هو الفلاحة، حيث تعد المورد المالي لهم داخل المنطقة،
وهي لا تسد حاجيات الساكنة، ولا تحقق الاكتفاء الذاتي، وبالتالي فلا يمكن الاعتماد
عليها كمورد وحيد للأسرة من هنا التفكير في الهجرة، وتغيير نمط العيش خصوصا لدى
الشباب وبما أن الثمور من بين المنتجات المعروفة لدى المنطقة، فهناك جزء كبير من
المهاجرين يزاولون مهنة بيع التمور بالدار البيضاء، حفاظا على نفس مهنة الأسرة،
التي توارثوها أبا عن جد، ذلك أن للأسر التي أعطت وقتها لبيع التمور، جعلت الشباب
كذلك يتوجهون إليها كحرفة مقسمة الأدوار بين من بعد التمور في المنطقة وتجهيزها،
ومن يتكلف ببيعها في الدار البيضاء "هذي حرفتنا من جدودنا أوماغاديش نتخلاو
عليها".([6])
على الرغم أنها تعاني من مشكل طريقة التقديم وغياب التنظيم وكفاءة وضع التمور في
معلباتها، كما هو الشأن للتمور المستودرة من الخارج كالعراق، وتونس ومصر... وهذا
ما يجعلها في تنافس كبير معها، كما أن امتياز الثمور المحلية تتجلى طبيعتها
وانعدام مواد مواد وأدوية في إدادها، عكس التمور الخارجية التي تكون مدعمة بأدوية
التي إن تأخرت قد ترجع إلى سموم وأمراض مضرة بالصحة.
إذن الضعف في
الاقتصاد، وضعف الأنشطة الفلاحية، وغياب فرص شغل تستجيب لحاجيات الساكنة جعلها
تبحث وفي وقت مبكر عن البديل الذي سيسد هذا الفراغ. وإذا كان الشباب له طموحات
ورغبة في تحسين وضعه الاقتصادي، هذا بالإضافة إلى الرغبة في تغيير نمط عيشه فإن
المدينة لفتت انتباهه، واعتبر مكان جلب له الذي لا غنى عنه في تعويض ذلك الفراغ
والنقص الذي يعيش فيه.
وإذا ما قارنا
الوضع البنيوي للمنطقة الجنوبية بالحديثة نجد فرقا شاسعا لا مجال للمقارنة فيه،
فبعض المناطق في الجنوب، ما زالت تبحث عن أدنى ظروف العيش والاستفادة من شبكة
الماء والكهرباء، وشبكة طرق جيدة، وهذا ما يوضح الدور الذي يلعبه الإعلام في هذا
المجال حيث يظهر صورة تجعل الشباب يطمحون في الاستقرار فيه، على الرغم من حقيقة
الواقع والصعوبات التي يتخبطها المجال الحضري من مشاكل كذلك هو ما يصطدم به
المهاجرون أثناء تواجده بالمدينة، والاقتناع بأن المدينة كذلك ليست بالمجال الهين
أو الذي يلبي كل الحاجيات، بل يتطلب مجهودات وتخطي الصعوبات من أجل الاندماج
والاستقرار.
كما أن هناك فئة
من الشباب الذي هاجروا بسبب ضعف مستوى التعليم بالمنطقة وبالتالي فضلوا الهجرة
النهائية إلى المدينة مراعاة للأطفال ورغبة منهم في تحسين ظروف التمدرس والسعي نحو
الأفضل، وبالتالي كان لزاما عليهم اصطحاب الأسرة إلى مكان العمل والاستقرار
بالمدينة، وهذه الظاهرة أصبحت تسموا يوما بعد يوم إذ نجد الشباب الآن كلهم يفكرون
في تحويل أبنائهم وعيشهم في المدينة، لتغيير شوكة صعوبة الاندماج منذ الصفر حتى
يكون الطفل قادرا على مسايرة متطلبات المدينة وتحدياتها.
فأصبحت الأسرة
التي كانت من قبل أسرة ممتدة في المنطقة الجنوبية تقسمت إلى أسرة نووية في المجال
الحضري، وهذا راجع إلى صعوبة الحفاظ على نفس نمط العيش في ميدان يتطلب من الفرد أن
يكون أكثر فرحا وحيوية، ليعيش أبناؤه في أحسن الظروف. ولا يأتي هذا القرار منذ
بداية هجرة الشباب بل بعد مدة طويلة، وتجربة وخبرة تمكنه من معرفة الصعوبات
والمعيقات وسبل حلها وتفاديها على خلاف ما عهده في المجال القروي التقليدي الذي
يسوده العمل الجماعي والتضامن والتعاون بين أفراد نفس الأسرة وبين مختلف الأسر داخل
نفس الدوار أو نفس القبيلة.
3.3 . الأسباب الظرفية
ساهمت بعض
الأسباب الظرفية التي عرفتها المنطقة في نزوح عدد كبير من المهاجرين نحو مدينة
الدار البيضاء، فالمنطقة كانت عرفت مرور جفاف أثر بشكل كبير وخطير على النشاط
الفلاحي بالمنطقة، حيث عان الفلاحين الصغار من ضعف فرشات المياه الباطنية، مما
جعلهم يعانون صعوبات جمة في إيجاد المياه السقية، وهذا ما أدى بهم إلى نقص وضعف
كبير في المنتوجات الفلاحية التي كانت المنطقة تحقق بها الاكتفاء الذاتي لزمن
طويل، كما أن شجر النخيل عرف أزمة الإنتاج بسبب أزمة الجفاف، فأصبح إنتاج التمور
ضعيف جدا، الجودة لا تنافس التمور المستوردة من الخارج، مما جعل الشباب الذين
كانوا يعملون في الفلاحة يفكرون في الهجرة والبحث عن البديل وزاد هذا الأمر ترديا
لليد العاملة بالمنطقة، والخروج من ذلك الوضع للبحث عن وضع أفضل، وكانت الدار
البيضاء هي المدينة المستقبلة لأعداد من صنف هذا الشباب.
إلا أن هذه
السنوات الأخيرة وكما قيل لي في بعض المقابلات هو أن الفلاحة والمنطقة شهدت رجوع
المياه الباطنية واستعادة حيويتها، مما جعل شباب بائعي التمور يقضون نصف وقتهم
بالبلد رغبة في إعداد التمور وجمعها للمناسبات كرمضان وشعبان...
وفيما يخص
العوامل المؤدية إلى الهجرة الداخلية، فيعد العامل الاقتصادي على رأس هذه العوامل،
حيث إن الوضع المتردي للشباب بالمنطقة يجعلهم يفكرون دائما في الهجرة إلى أماكن
أفضل، وأنماط عيش تختلف عن تلك التقليدية، وبحكم أن الدار البيضاء هي العاصمة
الاقتصادية للمغرب وتستجيب لعدد من متطلبات الساكنة والمهاجرين في مجموعة من
المجالات لتخطي مشاكل المعيق المادي بالمنطقة.
إلا أن انتظارات
المهاجر في بداية الأمر تكون بشكل طوبوي، أكثر من الواقع الملموس، إذ يرى الحياة
النموذجية في مخيلته انطلاقا مما يصله من معلومات وأخبار عن المدينة، وغالبا ما
يتم غفل الجوانب السلبية والصعوبات ولا يتم الاهتمام إلا بما سيجنيه من العمل والاستقرار بالمدينة،
إلا أن الواقع عكس الانتظارات والتصورات، وهو واقع بالنسبة للبعض لا يرحم ويصعب
الاستهانة به منذ البداية، بل يجب الحذر ورد الانتباه لبعض الأمور غير المنتظرة
والتي توقع الإنسان في مشاكل صعبة.
بعدما تم جرد أهم
الأسباب التي تؤدي بالشباب إلى الهجرة من المناطق الجنوبية إلى مدينة الدار
البيضاء يمكن القول على أن هذه الأسباب متعددة ومتفرغة، ويختلف من شخص لآخر حسب
ظروفه المادية والعائلية، وحسب العوامل المساعدة والمعيقة له، فقد تم تقسيمها إلى
أسباب شخصية وأسباب بنيوية، وأسباب وظيفية، روبيرمونتني في دراسته "ظهور
البروليتارية المغربية"([7])
قام بتقسيم أسباب الهجرة إلى أسباب رئيسية وأسباب ثانوية للهجرة، ووضع في قمة
ترتيب الأسباب الرئيسية وأهمها الاكتضاض والحاجة إلى الرفع من مستوى العيش المتطور
والحديث، ويقصد بذلك أن المناطق الجنوبية كانت تعرف اكتضاضا بالشباب وباليد
العاملة التي تعاني البطالة، ومشاكل العمل، وبالتالي هذا الاكتضاض جعلهم يتوافدون
إلى المناطق التي تتطلب يد عاملة، ووضع مجموعة من الظواهر الأخرى، منها غياب
التنمية الشاملة، الاستعمار، ضعف النشاط الفلاحي، وضعف التربة من بين الأسباب
الثانوية التي جعلت الساكنة تفكر في الهجرة إلى المدينة.
إن النزوح إلى المدن المغربية عرفته الدولة منذ
الحماية وخصوصا بعد الحرب العالمية الثانية، وكان قلب اقتصاد الدار البيضاء عامل
جذب، ويجلب اليد العاملة الرخيصة من باقي المناطق وعلى رأسها المناطق الجنوبية.
ففي دراسة لأندري آدم وجد أن هناك 13% من ساكنة البيضاء من أصول جنوبية ةالدين يعبر عنهم
"الضراوة" و "الصحراويين" وكانوا متخصصين في أعمال الحدائق
والفرس، وكان أغلبهم يعيشون في دور الصفيح (خصوصا كريان ابن امسيك الذي يمثل فيه
الضراوة 20% من الساكنة) (المصدر دراسة أندري آدم 1830، 1947)حيث
كانوا يعيشون التهميش وصعوبات الاندماج داخل المجال الحضري الاقتصادي البيضاوي
مرحبا بك في بوابة علم الاجتماع
يسعدنا تلقي تعليقاتكم وسعداء بتواجدكم معنا على البوابة