الوطن و المواطنة
"بين انتماء الأمس و هجرة اليوم"
التخصص العام: العلوم الإدارية،
العلوم السياسية، العلاقات الدولية.
تخصص دقيق: الدراسات الإستراتيجية والأمنية "الإقليمية و الدولية".
العمل : المركز القومي للبحوث و الدراسات العلمية، ليبيا.
مركز أريام الأردني للبحوث
و الدراسات، الأردن.
يُعتبر مفهوم المواطنة فكرة اجتماعية و قانونية و سياسية ساهمت في تطور المجتمع الإنساني بشكل كبير، كما أن "اجتماعية الفرد الطبيعية" تُعد المدخل الأساسي إلى المواطنة، لأن التقاء الأفراد يؤدي إلى تشكيل جماعات، و هو أمر ملح و ضروري لتلبية طبيعة احتياج الآخرين، و ذلك عن طريق عرض الفرد خدماته للحصول على منافعه، و أيضاً للدفاع عن نفسه.
فأتت حاجة الأفراد لتشكيل مُجتمع إنساني، ينخرط الأفراد فيه ضمن أُطر ثقافية و اجتماعية و سياسية و اقتصادية و دينية، إلا أن هذا الأمر يستوجب على الفرد إنتاج علاقات متنوعة ضمن هذا المجتمع، لينتظم الفرد في مجتمعه و مؤسساته على اختلافها، الأمر الذي ينقله من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية، و التي تُحدث فيه تبديلاً ملحوظاً، ليحل العدل مكان الوهم الفطري، و تُصقل أفعاله بأدب كان بحاجة له، هنا يحل صوت الواجب مكان الباعث الجسماني، و الحق مكان الشهية، الأمر الذي يحذو بالفرد على المسير ضمن مبادئ أخرى، مستشيراً عقله قبل رغباته و ميوله.
أولاً : الوطن ..
الوطن .. هو مفهوم يُشير في عمومه إلى البقعة الجغرافية التي ولد الإنسان فيها؛ لتصبح سكناً له، و مقراً ترعرع فيه، و هو المكان الذي يشعر فيه الفرد بالانتماء و الولاء له، و هو الحاضن الدائم لهذا الفرد، أو المكان الذي تستقر فيه جماعة من الأفراد بحيث تكون مكاناً أو مقراً دائماً لتلك المجموعة.الوطن .. بقعة الأرض التي يعيش عليها الإنسان، و تربطه بأهلها قوانين، و مفاهيم، و أنظمة، و قواعد سلوكية؛ فالعلاقة بين الوطن و المواطن علاقة تكاملية، تُرسخ مفهوم الانتماء الحقيقي، ليترتب عليها آثارها العظيمة، فتُعبر عن صدق الفهم، إلا أن الأفراد تختلف في طبيعة هذه العلاقة و درجات قوتها، و مدى وعيهم بها.
فهناك جملةً من الأنظمة و القوانين، و نُظم العلاقات التي تُنظم علاقات الأفراد بأوطانهم .. مثال ذلك .. النُظم المدنية التي تُنظم شؤون الأفراد، و النُظم الدستورية التي تضمن مصلحة الوطن و رفعة أبنائه و سيادتهم على أرضهم، ذلك أن استقرار الوطن لا يكون إلا بجهود مواطنيه، و ماهية الخدمة التي يقدمونها، و درجة انتمائهم له، و صدق تعبيرهم عن هذا الانتماء، عملاً و ليس قولاً.
بهذا .. نخلص لثلاثة أركان رئيسية؛ لتعريف مفهوم المنعى المُراد من مضمون مصلح "الوطن"، و التي نأتي على سردهم تباعاً :
1. لغةً .. منزل إقامة من الإنسان و محله.
2. اصطلاحاً .. محل مولد الإنسان، و البلد الذي هو فيه.
3. قانوناً .. حصول الإنسان فيه على الجنسية.
ثانياً : المواطنة ..
قد ارتبط مفهوم المواطنة بشكل عام في "حق إقامة الإنسان فيه، و العمل، و المشاركة السياسية ضمن حدوده الجغرافية" إذ يُشير هذا المفهوم إلى انتماء مجتمع؛ يرتبط اجتماعياً و ثقافياً و سياسياً موحد ضمن دولة معينة.فالمواطنة مصطلح ينبثق عنه مصطلح آخر هو .. المواطن الفعال .. أن الفرد الذي يقوم بمشاركة الأفراد الآخرين على رفع المستوى الحضاري لمجتمعه، لهذا نجد أن الدولة تولي أهمية بالغة لمصطلح المواطنة عن طريق إبراز كافة الحقوق التي يجب أن ينالها المواطنون القاطنون بها، أيضاً تلك المسؤوليات المترتبة على المواطنين، و التي يجب تأديتها تجاه مجتمعاتهم، هذا بالإضافة لترسيخ قيمة المواطن الفعال في أعماق المجتمع.
لهذا .. مصطلح المواطنة "قانوناً" يُشير إلى صلة ارتباط بين الفرد و دولته، و ذلك بموجب القانون الدولي للمواطنة، و الذي يُرادف مصطلح "الجنسية" هذا بالرغم من احتواء هذا المصطلح على معاني مختلفة و عديدة وفقاً للقانون الوطني للدولة.
بهذا .. نخلص لأربعة عوامل رئيسية؛ لتعريف مفهوم المنعى المُراد من مضمون مصلح "المواطنة"، و التي نأتي على سردهم تباعاً :
1. حق التراب .. الولادة على أرض الوطن.
2. حق الدم .. جنسية الأب "الوالد".
3. حق الزواج .. الزواج بهدف الجنسية.
4. حق التجنيس .. منح الجنسية للأفراد الذين دخلوا الدولة المانحة للجنسية بشكل قانوني.
ثالثاً : الوطنية ..
تُعتبر الإطار الفكري النظري للمواطنة .. أي بمعنى .. أن "الأولى عملية فكرية و الأخرى ممارسة عملية"فالمواطنة في أصلها؛ عبارة عن مشاركة، و بهذا يكتمل و يتكامل معنى التجريد بالتجسيد، و قد يكون الإنسان مواطناً بحكم جنسيته، أو مكان ولادته، أو غيرها من الأسباب.
هنا نستنتج سؤالين مهمين في شأن مصطلح الوطنية، و اللذين نأتي على سردهما تباعاً :
1. هل لديه "وطنية" تجاه الوطن الذي يعيش فيه ..؟
2. هل لديه انتماء و حب و عطاء تجاه الوطن الذي يعيش فيه ..؟
فالأصل في الفرد أن يحب وطنه، و يتشبث بالعيش فيه، و لا يفارقه رغبةً منه .. فحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس تجعل الفرد يستريح إلى البقاء فيه، و يحن إليه إذا غاب عنه، و يدافع عنه حين الحاجة لذلك، و يغضب له إذا انتقص.
فبهذا التحديد .. تكون الوطنية "شيء طبيعي غير مستغرب" فهي مشاعر إنسانية لا غبار عليها، و مهما اضطر الفرد إلى ترك وطنه؛ فإن حنين الرجوع إليه يبقى معلقاً في ذاكرته لا يفارقه .. و هذا لِما ورد في قواميس علم الاجتماع .. بأنها "الشعور بالانتماء و الولاء للوطن".
أما لِما ورد عن بعض الدارسين و الباحثين في شأن الوطنية .. بأنها "عملية حقوق و واجبات"، حقيقةً؛ إن هذا الطرح لا يرتقي للمعنى المُراد من مفهوم الوطنية .. فهي "الوطنية" في أصلها؛ انتماءً طبيعياً مغروزاً في الفرد، يستثيره دونما شعور أو وعي منه؛ للعمل و الغيرة على بلده دون الحاجة إلى أن يكون ذلك متطلب قانوني أو مشروع سياسي، بيد أن الالتزام الوطني الأخلاقي هو الفاعل المُفعل لمنظومة "الحقوق و الواجبات" .. كما أن المنظور الديني للمفهوم يجعله أكثر تكاملاً؛ ليُحاكي تمام المعنى لمفهوم الوطنية.
بهذا .. نخلص لخمسة مفاهيم رئيسية؛ لتعريف مفهوم المنعى المُراد من مضمون مصلح "الوطنية"، و التي نأتي على سردهم تباعاً :
1. تقديس الوطن .. بحيث يصير الحب فيه، و البغض لأجله، و القتال في سبيله.
2. العاطفة .. الشعور الذي تعبر عن ولاء الإنسان لبلده.
3. الانتماء .. ولاء الفرد إلى دولة معينة، و يدين بالولاء لها.
4. الواجب .. تعبير عن واجب الفرد تجاه وطنه.
5. القومية .. تعبير وطني يعني إخلاص الفرد لوطنه.
رابعاً : الفهم الصحيح للعلاقة بين المواطن و الوطن ..
لنتحصل على فهم صحيح للعلاقة بين المواطن و الوطن، يجب عليما أن نضعها في إطار "العلاقة التكاملية" .. أي بمعنى .. أنه بقدر ما يُقدم المواطن و يُخلص من أجل وطنه؛ فيستفيد من خيراته، و يحقق معاني السعادة فوق أرضه، و من أهم شروط هذا الفهم هو "الوعي بأمن الوطن و استقراره، و العمل على تنميته و ازدهاره .. فهنا تتكامل الأدوار فيما بين المواطن و الوطن، و ذلك بقيام كل فرد و كل مؤسسة بالدور المنوط بأياً منهما على أتم و أكمل وجه، و أيضاً في تقوية جبهته الداخلية، و يتم ذلك بقوة العلاقات الترابطية بين أبنائه، و تقوية جبهته الخارجية بنخبه في أنماط العلاقات الدولية، و الدفاع عن حياضه ضد أيِ عدوان خارجي .. هنا تحدث العلاقة الإيجابية فيما بين المواطن و الوطن، تؤتي أُكلها بالخير و النماء و الرخاء على عموم المجتمع.خامساً : الآثار المترتبة على الفهم الصحيح للعلاقة الإيجابية بين المواطن و الوطن ..
من واقع الفهم و الوعي السليم بالعلاقة بين المواطن و الوطن، و قيام كل مواطن أو مؤسسة بدورهما بشكل سليم، من شأن ذلك أن يترك آثاراً عظيمة .. مثال ذلك .. راحة المواطن على تراب وطنه، و سعادته في أحضانه، و استقراره بالشعور بأمنه فيه، و بنائه لذاته بصدق الولاء لوطنه، و تحقيقه لمحطات من الإبداع في بناء و خدمة وطنه؛ فينتج التنافس في طرق أبواب التخصصات العلمية المختلفة، مما يُحقق كفاية الوطن في شتى المجالات و التخصصات، و استغنائه بأبنائه عن غيرهم من الدول الإقليمية أو الدولية، و ما يترتب على كل ما سلف ذكره؛ قوة الجبهة الداخلية بقوة النسيج الاجتماعي بين أبنائه، و قوة التماسك و الترابط و وحدة الصف الوطني.بهذا .. نخلص لخمسة عوامل رئيسية؛ لترسيخ مفهوم المنعى المُراد من مضمون "العلاقة الإيجابية بين المواطن و الوطن"، و التي نأتي على سردهم تباعاً :
1. الوعي .. بث الوعي الوطني بالانتماء للوطن و مقوّماته و مظاهره. وتكون.
2. التربية .. التنشئة على الانتماء للوطن في داخل الأسرة.
3. التعليم .. تأصيل مفهوم الوطن و معانيه بالمدارس في شتى مراحلها و انتهاءً بالجامعات.
4. العمل المؤسسي .. يكون هذا بكافة مواطن العمل و الإنتاج و المسؤولية، حتى يشمل ذلك كل المؤسسات و الدوائر الوطنية التابعة للوطن، سواءً كانت حكومية أم خاصة.
5. الإعلام .. حث عموم المجتمع في الوطن؛ لخلق جبهة قوية داخلية، و توجه عام لمقاومة الفساد، و عناصره، و مظاهره، و اجتثاث أسبابه و مسبباته.
سادساً : الفهم الصحيح للعلاقة بين القيادة السياسية و المواطن في الوطن "الدولة" ..
تُعتبر الدولة بأنها؛ مصدر الإشباع للحاجات الأساسية للفرد، و حماية ذاته من الأخطار المصيرية، و تمكين الفرد في المساواة السياسية، حيث أن تقدم المجتمع و رقيها لا يأتي من العاطفة، بل يأتي بالعمل الإيجابي الذي يقوم على المعرفة بحقائق الأمور، و الفكر الناقد لمواجهة المواقف و معالجة المشكلات في الداخل و الخارج، فبهذا الجانب العملي تحصل النتائج المادية التي تعود على الفرد بالنفع و الارتياح و السعادة، و على المجتمع في عمومه بالتقدم و الرقي.بيد أن المساواة السياسية تُعد المبدأ الذي يعترف لجميع الأفراد بحق الاشتراك في الحكم، و بحق تسلم الوظائف العامة، بما فيها رئاسة الدولة، وفق الشروط التي يُحددها القانون الداخلي للدولة، و التي يفترض أن تكون خاضعة لمبدأ المنافسة أو المسابقة أو الانتخاب الحر، دونما تمييز بينهم، حيث يكونون متساوين أمام القانون، و لا يختلفون إلا من حيث كفاءتهم و استحقاقهم أو جدارتهم.
فالغرض من المساواة السياسية، أنها تُحقق العدالة الاجتماعية في جميع مناحي الحياة، و هي التعبير العملي عن العدالة، فلولا الاختلاف و التفاوت لما كان الأفراد في حاجة إلى المساواة .. أي بمعنى .. أن تكون المساواة في "الحقوق و الواجبات"، لا في مقاديرها، و مساواة في المشاركة في الشؤون العامة و في حياة عموم شؤون الدولة، و لا سيما ما يتعلق منها بتسلم الوظائف العامة، سواءً في السلطة التشريعية أو القضائية، أو في مؤسسات السلطة التنفيذية، بيد أن المساواة في الحقوق و الواجبات مؤسسةً على المساواة في الماهية الإنسانية و في المواطنة.
سابعاً : متى تحدث الإشكالية في العلاقة بين القيادة السياسية و المواطن ..
من خلال ما تقدم يتبين أن المواطنة ليست وضعية جاهزة يمكن تجليها بصورة آلية عندما تتحقق الرغبة في ذلك، و إنما هي سيرورة تاريخية، و ديناميكية مستمرة، و سلوك يُكتسب عندما تتهيأ له الظروف الملائمة، و هي ممارسة في ظل مجموعة من المبادئ و القواعد، و في إطار مؤسسات و آليات تضمن ترجمة مفهوم المواطنة على أرض الواقع؛ و إذا كان من الطبيعي أن تختلف نسبياً هذه المتطلبات من دولة إلى أُخرى، و من زمن إلى آخر .. بسبب اختلاف الثقافات، و الحضارات، و العقائد، و القيم، و مستوى النضج السياسي؛ فأنه لابد من توفر مجموعة من المقومات الأساسية المشتركة، و وجود حد أدنى من الشروط التي يتجلى من خلالها مفهوم المواطنة في الحياة اليومية للمواطنين، و في علاقاتهم بغيرهم، و بمحيطهم السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي، و من أهم المقومات و الشروط التي لا مجال للحديث عن المواطنة في غيابها، تلك التي نأتي على سردها تباعاً :1. العدالة و المساواة .. فإذا كان التساكن و التعايش و الشراكة و التعاون من العناصر الأساسية التي يفترض توفرها بين المشتركين في الانتماء لنفس الوطن، فإنها تهتز و تختل في حالة عدم احترام مبدأ المساواة، مما يؤدي إلى تهديد الاستقرار، فلا تتحقق المواطنة إلا بتساوي جميع المواطنين في الحقوق و الواجبات، و تُتاح أمام الجميع نفس الفرص، دون أي تمييز على أساس القناعات الفكرية أو الانتماء و النّشاط الفكري.
2. الانتماء و الولاء .. يُعنى به، الرابطة التي تجمع المواطن بوطنه، لا خضوع فيه إلا لسيادة القانون، حيث يتجلى الارتباط الوجداني في أنه معني بخدمة الوطن، و العمل على تنميته، و علاقتهم بمؤسسات الدولة، و الولاء للوطن، و اعتبار المصالح العليا للوطن فوق كل اعتبار .. فلا تتبلور في الواقع صفة المواطن كفرد له حقوق و عليه واجبات، بمجرد توفر ترسانة من القوانين و المؤسسات، التي تُتيح للمواطن التمتع بحقوقه، و الدفاع عنها في مواجهة أي انتهاك، و استردادها إذا سُلبت منه، و إنما أيضاً بتشبع هذا المواطن بقيم و ثقافة القانون، التي تعني أن الاحتكام إلى مقتضياته هي الوسيلة الوحيدة للتمتع بالحقوق و حمايتها من الخرق، و بالتالي لا مجال لاستعمال العلاقات الخاصة مع ذوي النفوذ، أو الاحتماء بمركز الفرد في القبيلة، إلا أنها ظواهر ما زالت حاضرة في الكثير من العقليات و السلوكيات داخل مجتمعاتنا .. كما إن الولاء للوطن لا ينحصر في المواطنين المقيمين داخل حدود التراب الوطني فقط، و إنما يبقى في وجدان و ضمير و سلوك المواطنين الذين تضطرهم الظروف للإقامة خارجه، لأن مغادرة الوطن لأي سبب من الأسباب، لا تعني التحلل من الالتزامات و المسؤوليات التي تفرضها المواطنة، و تبقى لصيقة بالمواطن تجاه وطنه الأصلي، حتى و لو اكتسب الجنسية في دولة أُخرى.
3. المسؤولية و المشاركة .. مسؤولية المشاركة في الحياة العامة؛ تعني إمكانية ولوج الجميع لمجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، و إنها متاحة أمام الجميع دون أي تمييز، بدءاً من استفادة الأطفال من الحق في التربية و التعليم و التكوين على المواطنة و حقوق الإنسان، و استفادة عموم المواطنين من الخدمات العامة، و مروراً بحرية المبادرة الاقتصادية، و حرية الأبداع الفكري و الفني، و حرية النشاط الثقافي و الاجتماعي، و انتهاءً بحق المشاركة في تدبير الشأن العام بشكل مباشر كتولي المناصب العامة، و ولوج مواقع راسمي السياسات و صانعي القرار، أو بكيفية غير مباشرة كـ الانخراط بحرية في الأحزاب السياسية، و إبداء الرأي حول السياسات المتبعة في الدولة، و المشاركة في انتخاب أعضاء المؤسسات التمثيلية على المستوى المحلي و المهني و الوطني .. فعندما تُتاح الفرص المتكافئة للمشاركة أمام كل الكفاءات و النُخب و الطاقات الوطنية؛ يكون المجال مفتوحاً للتنافس النوعي الذي يضمن فعالية النُخب السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، و يُضفي الحيوية على المشهد الوطني، مما يُساهم في خلق واقع ينشد التطور المتواصل و الارتقاء المستمر .. فالمشاركة السياسية بمفهومها الواسع، تعني توفر فرص الانخراط التلقائي في مختلف مجالات الحياة العامة و حقولها، و لا يأتي نمو استعداد المواطنين للمشاركة في الحياة العامة .. إلا .. في ظل حرية الفكر و التعبير، و حرية الانتماء، و النشاط السياسي و النقابي، و في إطار الديمقراطية التي يكون فيها الشعب هو صاحب السيادة، و مصدراً رئيسياً لجميع السلطات في الدولة.
ختاماً .. إن المواطنة، و على الرغم من تأثرها بالتطورات السياسية، و بتعدد الثقافات المجتمعية و الأيدولوجية، تبق بمفهومها إطاراً يستوعب الجميع؛ بيد أنه يحافظ على حقوق الأقلية و الأكثرية في نطاق مفهوم المواطنة الجامعة، و المواطنة هي المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن الصبغات القبلية أو الفكرية .. فكل مواطن له جميع الحقوق، و عليه جميع الواجبات، و المواطنة الحقيقية لا تتجاهل حقائق التركيبة الثقافية و الاجتماعية و السياسية في الوطن، و لا تحدث تغييراً في نسب مكوناتها، و لا تمارس تزييفاً للواقع، و إنما تتعامل مع هذا الواقع من منطلق حقائقه الثابتة، حيث توفر البيئة الصحيحة و الخصبة لتكوين ثقافة الوطن التي تتشكل من تفاعل ثقافات أبناء الوطن الواحد، و لعل مقولة أرسطو الشهيرة "المواطن الصالح خير من الفرد الصالح" هي أصدق تعبير عن أهمية دور المواطنة في بناء المجتمعات و الدول.
مرحبا بك في بوابة علم الاجتماع
يسعدنا تلقي تعليقاتكم وسعداء بتواجدكم معنا على البوابة