أخر الاخبار

مفهوم المعرفة

مفهوم المعرفة

مفهوم المعرفة 

المعرفة.. استعصت على التعريف منذ أن حاول ذلك الفلاسفة الإغريق القدامى الذين طابقوا بين الفضيلة والمعرفة ، وكلما توهم البعض أنه يقترب من كنهها وسرها يجد نفسه في مواجهة إشكاليات تفوق في حجمها وحدتها تلك التي انطلق منها ، فهناك من يعرفها بشكل عام وغامض على أنها حصيلة الإدراك الواعي للعالم ، وهناك من يقصرها على البنى المجردة التي تصاغ في قالبها المفاهيم بصفتها -أي المفاهيم - هي المادة الأولية للمعرفة ، فنحن لا نعرف إلا مفاهيم ولا نصل إلى المعرفة إلا من خلال-المفاهيم-.ولابد أن القارئ قد أدرك كيف تلتف هذه التعريفات الدائرية حول نفسها تستبدل غامضا بآخر ربما يكون أكثر غموضا.
ليس بأيدينا حاليا إلا أن نحوم حول مدلول (المعرفة) بأسلوب (سوسيري) من خلال بعض ثنائيات التناقض التي تصنف  من خلالها المعرفة دون الخوض في نقاش فلسفي متعمق ، لا نقدر عليه ، ولا نشعر بحاجة إليه في سياقنا الراهن ، وقد اخترنا من هذه الثنائيات تلك ذات المغزى بالنسبة لتكنولوجيا المعلومات وهي :
  • معرفة رياضية أو إمبريقية.
  • معرفة رسمية أو سردية.
  • معرفة دارجة أو متعمقة.
  • معرفة مدركة بالحواس أو مستنتجة بالعقل.
  • معرفة استنباطية أو استقرائية.
المعرفة الرياضية معرفة قاطعة نصل إليها من خلال التمثيل الذهني المجرد أو الحكم عليها من منظور الصواب والخطأ ، نقرره من خلال أساليب البرهان المختلفة.أما المعرفة الإمبريقية فهي تلك التي نصل إليها من خلال ممارستنا العملية وخبراتنا المكتسبة أو من خلال الحس السليم والتخمين الذكي وهي بحكم طبيعتها معرفة قلقة غير قاطعة ، فمدى صدقها -كما بين هيوم -مشروط ومقيد.
والمعرفة يمكن أن تكون صورية (رسمية)مصوغة في هيئة قواعد ومبادئ ونظريات معترف بها أو معرفة سردية كتلك المتضمنة في الخطاب الفلسفي أو الروائي أو الإعلامي..وبينما تخص حضارتنا المعرفة العلمية الرسمية بالمكانة الرفيعة تنظر بشك و ريبة إلى المعرفة السردية ، ويعتبرها العلماء كما أورد ساروب (بدائية همجية غير مكتملة وغير ناضجة ، خليطا من الآراء والعادات والإنحيازات والإيديولوجي) وذلك على الرغم من أهميتها بدليل أن كثيرا من المنظرين يكتفون بهذا النوع خاصة في ظل الإنفصال الحاد بين العلوم الطبيعية والإنسانية.
ومن منظور آخر يمكن أن تكون المعرفة دارجة سادجة،أي المعرفة العامة ، أو معرفة متعمقة كتلك التي تملك نصابها النخبة المتخصصة، فمعرفة غير المتخصص عن الذرة -على سبيل المثال - تختلف عن معرفة علماء الطبيعة النظرية..إن المعرفة الدارجة هي وسيلتنا التي نلجأ إليها عادة لكي نميز بها العالم من حولنا ونعي بها مسار أحداثه ونستوعب من خلالها مفاهميه ومعتقداته ونعبر بوساطتها عما يجول في أذهاننا من خواطر وأفكار ، ونحن لا نلجأ -لأسباب عملية واقتصادية - إلى المعرفة المتخصصة إلا لتوليد معارف جديدة وحل مشاكل معينة. إن المعرفة الدارجة هي معرفة الحياة اليومية أو معرفة الحس الشائع.
لقد نبه (حيدنز) بحكمة إلى الخطورة في تجاهل أعمال ماركس ، وماركس ڤيبر ، ودوركاهيم إلى الإنجازات الإبستمولوجية للفرد العادي ، فقد أخفقت في رأيه نظرياتهم الإجتماعية الجامعة فيما نجح فيه أفلاطون عندما ميز بين المعرفة والرأي ، المعرفة كنتاج للنظرية أو العلم ، والرأي بصفته المعلومات الأقل درجة شائعة والمتاحة للفرد العادي...

ويصنف البعض المعرفة إلى مباشرة مدركة بالحواس ومعرفة نصل إليها من خلال عمليات التحليل أو التركيب الذهني والتي تقوم بدورها على العمليات الأولية للاستنباط والإستقراء..ولا مجال هنا للخوض في المتاهات الفلسفية . فمنذ أن طرح أرسطو منهجه الاستقرائي / الاستنباطي في القرن الرابع قبل الميلاد ومازالت ثنائية الاستنباط والاستقراء مثار جدل حتى يومنا هذا تمثل إحدى القضايا المحورية الراهنة لفلسفة العلم .
كما هو معروف يقصد بالمعرفة الاستقرائية تلك التي تنطلق من الملاحظات والمقدمات والافتراضات والمبادئ العامة ، كما هي الحال في الكشف العلمي ، في حين تمثل المعرفة الاستنباطية الإتجاه المعاكس لاستخلاص نتائج محددة بتطبيق هذه المبادئ العامة ، بينما أمدنا المنطق بوسائل عملية للوصول إلى المعرفة الاستنباطية . إلا أن الوسائل المتاحة للمعرفة الاستقرائية مزالت محدودة. ويمثل ذلك غقبة أساسية أمام تطوير نظم المعلومات ذات الطابع التركيبي مثل تلك الخاصة بتوليد النصوص.

نظرا للدور الذي تلعبه المعرفة في المجتمعات الحديثة ، وبعد أن باتت موردا اقتصاديا مهما في مجتمع المعلومات ، إن لم تكن أهم موارده على الإطلاق ، كان لابد للمعرفة أن تخلع أسمال براءتها ، فلم تعد هي ناتج الممارسة الحرة لقدرة الإنسان المبدعة المتطهرة من القصد ، والهوى ، بل باتت عملا هادفا تحكمه الإعتبارات السياسية والدوافع الإقتصادية .. لهذا السبب لم يعد مقبولا اعتبار المعرفة حيادية ذات موضوعية مطلقة ، لا دخل لها بنظام القيم وقوى السلطة بأنواعها ، وبالتالي لم يعد كافيا في رأي (ليوتار) أن نحكم عليها بمعيار الصواب والخطأ فقط بل بموازين العدل والفضل أيضا..



♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -