 |
| صورة مكتوب عليها التثاقف مع شعار بوابة علم الاجتماع. |
مفهوم التثاقف
التثاقق : Acculturation / Acculturationتمهيد :
لقد حظي مفهوم التثاقف بكثير من الاهتمام من طرف الأنتروبولوجيين في أوائل القرن العشرين عند دراسة التأثير الناجع عن احتكاك ثقافة بثقافة أخرى . وقدم Melvin Herskovits مصطلح التثاقف مع زميليه : R . Linton و R . Relfield ليشير إلى " التغيّر الثقافي الذي ينشأ حين تدخل جماعات من الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافتين مختلفتين في اتصال مباشر ومستمر، ما ينتج عنه تغييرات في الأنماط الثقافية الأصلية السائدة في إحداهما أو فيهما معا .
" ! ويكون ذلك الاتصال نتاج أعمال قهرية تعود إلى استعمار دولة لدولة أخرى انتاج " هجرات سكانية واسعة " . كما يعود ذلك الاتصال - حسب استخدامنا لهذا المفهوم من الناحية الإجرائية - إلى الصراع النّاتج بين ثقافة شفوية بالمنظومة القيمية التي تحويها وبين ثقافة عالمة تحتوي على منظومة قيمية أخرى ، وبالتحديد القطيعة التي تحدث للطفل الذي تعوّد عادة على استخدام العامية - عندما يدخل المدرسة كمؤسسة رسمية تستخدم فيها لغات، غير اللغة المعهودة ، وثقافة غير التي تعود عليها .
التثاقف هو تعبير عن حالة وجدانية وذهنية تتميز بالتناقض بين المثل الاجتماعية والواقع الاجتماعي في مجتمع متعدد الثقافات، أي بين قيم المجتمع الكامنة التي تولد رغبات وطموحات لدى الفرد في حين تقف بيئته الاجتماعية عائقا أمام هذه الطموحات. هذا ما يخلق لديه صراعا داخليا بين
- متطلباته الداخلية.
- وخارجيا مع العوائق الاجتماعية.
تعريف التثاقف :
1 - التثاقف لغة :
إن الأصل اللاتيني لمفردة التثاقف ( Acculturation ) ، مستمد من كلمة acculturer والتي تعني تمثل فريق بشري، كليا أو جزئيا، لفريق بشري آخر وتأقلمه مع ثقافة أجنبية متصل بها، أي بمعنى المثاقفة والانسلاخ الثقافي. كما تعني أيضا انتقال سمات ثقافية من حضارة إلى أخرى مع شعور ذاتي وواقعي بالنقص الثقافي، فالحرف a هنا ليس مانعاء هذه الكلمة ليست موجودة في الكثير من المعاجم الحديثة عكس كلمة ( deculturation ) التي ظهرت قبل ذلك في القواميس بمختلف اللغات.2 - التثاقف اصطلاحا:
ظهر لأول مرة مصطلح التثاقف على يد الانثربولوجيين الأمريكيين الشماليين (1880) للدلالة على التغيرات في صورتها الثقافية في المجتمعات الحديثة، فالتثاقف كمفهوم مستقل تناوله العديد من الباحثين من مختلف الاتجاهات والخلفيات النظرية. لقد تناوله الانثربولوجيون من خلال الدراسات التي تناولت الأوضاع الثقافية عند الشعوب المستعمرة وهذا بالتركيز على التحليل الانثربولوجي لآثار المعتقدات والتقنيات الأوروبية والأمريكية على المجتمعات غير التابعة لها؛ حيث خلصت إلى أنه لا يوجد في الوقت الحاضر مجتمع أو فرد ما بمنأى عن تبعات التثاقف. بينما علماء الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي فينظرون إلى هذا المصطلح على أنه عملية دينامكية وعامل أساسي من عوامل صقل وتكوين الشخصية العصرية من خلال التفاعل والتواصل مع الآخر. أما بالنسبة لعلماء النفس الميداني والإكلينيكي فيركزون على الجانب السلبي لهذا المفهوم في صورة قلق التثاقف وأثره على مستوى الصحة النفسية والاجتماعية للأفراد والمجتمع. هذا التعدد في التناول أثرى البحث في مفهوم التثاقف بالعديد من التعاريف:مع ظهور العولمة والمعطيات الاجتماعية الجديدة التي فرضتها السياسات المتعاقبة والأزمات العالمية والتغيرات الاجتماعية السريعة، وكذا التفتح على العالم والغزو الثقافي عن طريق الفضائيات المقعرة وأجهزة الانترنت وما تبثه من مفاهيم وقيم الثقافات مختلفة ومتناقضة أحيانا فيما بينها، وهذا بكل حرية ودون ضبط، ترانا نتساءل عن الواقع الثقافي للفرد في مجتمع متعدد الثقافات ووضعيته من عملية التثاقف التي أخذت بعدا عالميا في ظل العولمة، ومن خلال ذلك الوقوف على مختلف الصراعات الناجمة عن هذه الوضعية التي تعيشها هذه المجتمعات ومدى قدرة الأفراد على التأقلم والتعايش مع تلك الصراعات خاصة المتعلقة بالجانب الثقافي .
يعرف كل من موسكوفيتش ور لينتون وريدفيلد التثاقف بأنه: مجموعة الظواهر الناتجة عن التفاعل المباشر المستمر بين مجموعتين من الأفراد ذوو ثقافات مختلفة، الشيئ الذي يؤدي إلى حدوث تغيرات على الأنماط الثقافية البدائية لأحدى المجموعتين أو لكليهما.
كما تعرفه منظومة اليونيسكو 1980 على أنه: عملية اكتساب وتحول، وبدون الحكم على ذلك في ميزان الربح والخسارة، في تكوين الشخصية الثقافية للفرد والجماعة نتيجة للاحتكاك مع ثقافة أجنبية.
أما روجي باستيد 1971 فقد قدم التعريف التالي: يشير التثاقف الى مجموع الظواهر الناتجة عن الاحتكاك المستمر والمباشر بين جماعات وأفراد منتمين إلى ثقافات مختلفة وإلى التغيرات التي تبدوا آثارها على النماذج الثقافية الأصلية لهاته الجماعة او تلك.
ولقد ذهب إلى حد تقسيم التثاقف إلى نوعين:
- التثاقف المادي:
- التثاقف العقلي:
المتمعن لهذه التعاريف يرى أن هناك إغفال للجانب السلبي عملية التثاقف الذي يتمثل في حدوث حالة التوتر واللاتوازن على مستوى الهوية الثقافية للفرد المتثاقف مع ضمور وضياع للذاكرة الجماعية للجماعات الاجتماعية التي تعتبر حجر الزاوية في استقرار الجماعة. هذا الجانب السلبي يمس الفرد في ثقافته الأصلية وحتى في شخصيته القاعدية في معظم الأحوال يستعمل بمفهوم الاستلاب أو التهميش الثقافي مما يجعله يتجاوز التعبير عن التغير إلى والاضطراب، يؤكد ذلك شيخ آنت ديوب ( 1980 Chikh , Ant DOIB ) بقوله : " إن التثاقف والاستلاب الثقافي بين الثقافات الأوربية نقصت حدته لأنه يحدث في نفس الخضارة تقريبا، عكس استلاب وتثاقف الفرد الإفريقي الذي يتواجد في نفس الوضعية.
يمس التثاقف معظم الميادين الثقافية كاللغة والدين والعمران والمؤسسات، كما قد يمس مناطق محددة أو حضارات أو أزمان كاملة. إن جميع هذه التعاريف لم تسلم من الانتقاد، ويعود ذلك إلى صعوبة تحديد زمان ومكان ظاهرة التثاقف بدقة والتحديد الزماني للمستوى صفر للتثاقف وكذا درجة تثاقف الفرد عبر الزمن ، بالإضافة إلى الصعوبة البالغة في تحديد الأفراد المنسلخين من غير المنسلخين في مجتمع ما.
ولمزيد من الإحاطة بهذا المفهوم، ستربط بين التثاقف وبعض المفاهيم المتعلقة به، والتي يمكننا اعتبارها مفاتيح الولوج إلى فهم أعمق وأوضح لهذا المصطلح :
التثقيف أو التنشئة الثقافية :
هي عملية سابقة لعملية التثاقف ، والتي من خلالها يكتسب الفرد ثقافة مجتمعه الأصلية والتي تتعرض لاحقا بفعل التأثيرات الخارجية إلى عملية تثاقف، وتتميز عن عملية التثاقف حسب روجي باستيد ( Roger Bastide1971 ) : " كون التثاقف يمس الكبار الذين هذبوا من طرف ابائهم، ويخص اشخاصا سبق تثقيفهم مما يطرح مشاكل وصراعات على مستوى نفسية الفرد، لهذا فمن النادر أن تتوج هذه العملية باستيعاب تام وحقيقى للثقافة المفروضة.تداخل وتفاعل الثقافات :
هذا التداخل والتدامج الثقافي يفرض عملية دينامكية ومستمرة بين رموز مختلف الثقافات المتنافسة في إطار ما يسمى بالتفاعل الثقافي، الذي أشار إليه نورالدين طوالبي عندما تطرق إلى التشابك المستمر والدينامي بين ثقافتين مختلفتين ومتنافستين بحيث تتمكن تأثيراتهما المتبادلة من تحديد عملية التثاقف بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، كما بقترحه ر. كونيج. ( 1972، RConidj ) : في هذه الوضعية يجابه الفرد من قبل منهجين ثقافيين متناقضين مما يجعل الفرد يعيش ثقافتة بشكل تقاطبي تتجاذبه في ذلك متطلبات العصرنة وإغراءاتها والتي تتقاطع مع الحاجة إلى الحفاظ على العادات والتقاليد. هذا المعاش يبرز إلى السطح صراعات على مستوى المعايير السيكولوجية والقيم والرموز الثقافية والتي تدفع بالفرد إلى ولوج أولى الخطوات على طريق عملية التثاقف ) .
مرحبا بك في بوابة علم الاجتماع
يسعدنا تلقي تعليقاتكم وسعداء بتواجدكم معنا على البوابة