أخر الاخبار

التفسير والفهم في العلوم الإنسانية

التفسير والفهم في  العلوم الإنسانية
التفسير والفهم في  العلوم الإنسانية

التفسير والفهم في  العلوم الإنسانية

شهد القرن التاسع عشر ميلاد العلوم الإنسانية تحت دوافع تاريخية واجتماعية وسياسية ، تلك الحاجة في فهم مخلفات الثورة السياسية والثورة الصناعية، والنتائج المترتبة عنهما على الفرد والمجتمع والثقافة، هواجس العلماء في البحث عن التناسق والتضامن للمجتمعات الغربية بعيدا عن الصراع والتوتر والتقسيم إلى كيانات متنافرة ، جاءت بالفعل العلوم الإنسانية في مرحلة دقيقة من حاجة الغرب لإعادة النظر في رواسب الثورات، والإعلان عن ميلاد علم الفرد والجماعة ، العلم الذي يفسر ويؤول مختلف الظواهر الإنسانية في أبعاد الإنسان الأساسية، في علاقته بذاته من خلال الحالات الشعورية واللاشعورية والسلوكية، وهنا نشهد ظهور اتجاهات في علم النفس كالمدرسة الشعورية مع برغسون ووليام جيمس، ومدرسة التحليل النفسي مع فرويد، والمدرسة السلوكية مع واطسون، والمدرسة الجشطالتية، وعلم النفس المعرفي وغيرها من الفروع الصغيرة، وفي علاقة الفرد بالجماعة من خلال علم الاجتماع الذي رصد مختلف الاختلالات الاجتماعية والظواهر الإنسانية التي نتجت عن تغيرات في المجتمعات الغربية، وظواهر متكررة لكنها احتاجت إلى تفسير علمي جديد وبمناهج واضحة، وظهرت اتجاهات متنوعة تعيد النظر في قضايا تتعلق بالتناقضات والأزمات والبحث عن قوانين تفسر الظواهر الاجتماعية، أما في علم الأنثروبولوجيا فقد طرح العلم تصورات في نقل الدراسة من الغرب لباقي الشعوب المختلفة، وتولدت في الغرب الرغبة الجامحة في معرفة الآخر بأدوات علمية، وبناء صرح نظرية شاملة في الثقافة، لكنها لا تخلو من نزعة مركزية مغالية في المفاضلة بين الغرب كحضارة والآخر المتوحش والمتخلف، إضافة لأبعاد أيديولوجية في تسخير العلم لأهداف استعمارية، وفي غنى المواقف والآراء بصدد طرائق البحث، تناولت العلوم الإنسانية الظواهر بالوصف والتفسير والفهم كما في رؤى الرواد الأوائل من علم الاجتماع كسان سيمون وكونت ودوركايم وأنصار الفهم والتأويل، ومنهم ماكس فيبر ونخبة من الأكاديميين الألمان خصوصا دلتاي، ودعاة التغيير ومنهم كارل ماركس، وتأرجح علم الاجتماع المعاصر بين دعاة التفسير ودعاة الفهم. فمن الأعلام المعاصرة بارسونز وميرتون وجورج هربرت ميد وألان تورين، أعلام في فروع متعددة من ميدان الدراسات الإنسانية، وفي النقد العلمي، دعوتهم لتجديد آليات البحث، وبناء نظريات جديدة تستوعب معطيات وحقائق أكثر في مجتمعات مركبة ومعقدة . وتيارات أخرى في علم الثقافة وعلم النفس بين دعوة العلماء لإتباع مناهج العلوم الطبيعية أو إنتاج منهج يتلاءم والدراسات الإنسانية في التشخيص والتحليل، ويعتبر علم النفس من أكثر الاتجاهات قربا من العلوم الطبيعية والعلوم العصبية . فهل قدمت العلوم الإنسانية طرائق متميزة أم ظلت تابعة للمنهج الوضعي السائد في العلوم الطبيعية ؟                                       
قدمت العلوم الإنسانية دراسات عن الظاهرة الإنسانية في أبعادها المتنوعة من النفسي والاجتماعي والثقافي ، بعدما كان الإنسان ذات يقارب من قبل الفلسفة بوصفه كائن عاقل ومفكر، تحولت دراسته إلى موضوع للمعرفة، وحاولت العلوم الإنسانية من البداية اقتفاء أثر العلوم الطبيعية في دقة المنهج الوضعي باعتماد مبدأ الفصل التام بين الذات والموضوع أو ما يعرف بالموضوعية ، فكانت آليات المنهج العلمي تعتمد على الملاحظة والفرضية والتجربة والقانون،  والانغماس في قلب الظاهرة ، تلك الخطوات العلمية مهمة كذلك في دراسة الظواهر الإنسانية تحقيقا لشرط العلمية من جهة، وحاجة العلوم الإنسانية في نشأتها الأولى للمنهج العلمي حتى تثبت جدارتها في مصاف العلوم الحقة بالاقتراب من العلمية السائدة في العلوم الطبيعية، وتتبوأ المكانة المناسبة ضمن خانة العلوم، وبالتالي تميزت الأعمال في هذا الميدان بالجدة والدقة والنسبية معا، حتى يكون هناك تفرد معين عن العلوم الطبيعية التي تعنى بالتكميم والتعميم والتجارب المختبرية، ودقة النتائج النهائية، بقيت العلوم الإنسانية وفية للخط العلمي في الاستقراء والاستنباط واليات التحليل والتصنيف والتبويب وصياغة البيانات والمعطيات في جداول إحصائية خاصية التكميم والتقنين، والميل للتعميم والقياس، وأخيرا وضع قوانين مفسرة للظواهر، واستبعاد ما يتعلق بالتنظير التأملي للظواهر بعيدا عن الفلسفة، لان ذلك يعزز مكانة العلوم الإنسانية باعتبارها علوما ترقى إلى مستوى العلمية، ويمنح الاستقلالية عن الفلسفة من جهة أخرى، وأنها كما قال ستراوس يجب أ تكون مشروطة دائما بالثنائية المركزية السائدة في العلم الطبيعي، وهي الفصل بين الذات والموضوع، يعني إفراغ الذهن من كل التمثلات المسبقة، والتوجه نحو الظاهرة لأجل دراستها واستخلاص النتائج في شكل قوانين مفسرة، هذا الجانب لا ينفصل كذلك عن إجراءات المنهج العلمي الكلاسيكي في الربط بين الأسباب والمسببات، آلية التفسير السببي أعطت نتائجها في العلم الوضعي، ويثبت النتائج في العلوم الإنسانية.                                                 
يبقى الإنسان نتاج للعوامل الاجتماعية وتفسير الظواهر الاجتماعية بعوامل اجتماعية، كما نلمس ذلك عند دوركايم في تفسير ظاهرة الانتحار  من خلال استبعاد العوامل الأخرى المسببة للظاهرة كالمرض العقلي والمناخ وكل ما هو نفسي أو أشياء تفسر بعوامل وراثية، ثم الاستقرار في الدراسة على المقارنة بين الظاهرة في تطورها وحدودها ، المجتمعات الغربية بالذات، ويشمل الرصد دول بروتستانتية ودول كاثوليكية، كما للظاهرة ثلاث عوامل أو قوانين مفسرة لأسبابها تضمنها إميل دوركايم وتتعلق بالانتحار الأناني الذي يدفع الفرد لوضع حد لحياته، والانتحار الغيري كالتضحية من أجل الجماعة، والانتحار المعياري، ويشتد في أوقات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية . ودائما هناك علاقة وطيدة بين الظاهرة، وما هو اجتماعي وقيمي، لأن المجتمع بقيمه الراسخة يؤثر في الفرد والجماعة ، ويتميز هذا المجتمع بالإكراه والقهر والإلزام ، وكل الأشياء الصادرة عن المجتمع تتميز بالسلطة القهرية في إرغام الفرد والجماعة على الامتثال للقواعد الصارمة، والقيم النابعة من التربية والتنشئة الاجتماعية، آلية التفسير في قراءة حيثيات المجتمعات الغربية بين تصنيفات متغيرة، من المجتمع الميكانيكي قبل الثورة الصناعية في تشابه الأفكار والعواطف، والعمل البسيطة الذي لا يحتاج للخبرة والكفاءة، والمجتمع العضوي بعد الثورة الصناعية، الذي يتميز بالتعقيد، ونتاج لتقسيم العمل المعقد في المجتمعات الرأسمالية الصناعية العالية التصنيع، والتي تستند أكثر على الكفاءة والتخصص، المنهج العلمي هنا لا بد أن ينطلق من فكرة أولى تتعلق بالنظرة العلمية للظاهرة الاجتماعية باعتبارها شيء معزول عن ذهن العالم، خصوصا والإجراء الأساسي في مجال العلمية يعني عدم إقحام الذات في الدراسة، أي استبعاد الذاتية، وعندما نتأمل في دروس الفلسفة الوضعية لدى أوكست كونت نجد علم الاجتماع ضمن تصنيف العلوم الحقة، وضمن سياق الفكر الوضعي الجديد، الذي لا يرتبط بالفلسفة بأية روابط، والإنسانية كما وصفها مرت بمراحل ثلاث: من اللاهوتية إلى الميتافيزيقية، واكتمال الفكر ونهايته في المرحلة الوضعية، التي تعني نهاية التأملات الخالصة، وبداية عصر التجارب العلمية والقوانين المفسرة للطبيعة والتطور .       
التفسير السببي للظواهر لا يخرج عن سياق محاولة العلوم الإنسانية الارتقاء بهذه العلوم للدقة والتحليل للظواهر، بعيدا عن تأملات الفلاسفة، وحتى ترسيخ مكانة العلوم الإنسانية كحقل معرفي يتوفر على معالم وأسس نظرية وعملية، لا بد من أتباع المنهج الوضعي بكل خطواته، واعتبار الظواهر كأشياء، لا تربطها بالعالم سوى رباط الموضوعية، وبالفعل ترجمت الأعمال في العلوم الإنسانية إلى نظريات دقيقة، وظهرت للوجود نظريات ومدارس جديدة في علم النفس، تنطلق من تفسير حالات الشعور والوعي عند الإنسان، وفي الولوج لأعماق اللاشعور في تحليل بنيته، والبحث عن تفسير للأمراض العصابية والذهانية، ومجمل الظواهر النفسية الظاهرة والكامنة، وفي مجال السلوك الربط بين المثير والاستجابة، ورصد السلوك الخارجي للتنبؤ بالظاهرة، وجعل الملاحظة المباشرة أساسية في تتبع الحالات، ويستعمل هذا النوع في مجال التربية والاقتصاد، وفي الأجهزة الأمنية للرصد والمراقبة، ووضع الأشخاص تحت المعاينة، وذلك يعني أن مجالات العلوم الإنسانية لا تخلو من جوانب ايجابية في البحث العلمي، ومعالجة الظواهر الإنسانية التي يعتقد الملاحظ العادي أنها بسيطة، وفي متناول الكل للفهم والتفسير ، وعند الاقتراب من الظواهر نلمس الصعوبة والتعقيد، والسبب لهذا التداخل يعود لمكونات الإنسان وأنظمته، والتغير الذي يطرأ على الظاهرة في الزمان والمكان، وعلاقة الناس بواقعهم كما في تحديد ماركس للتغير المصاحب لأنماط الإنتاج، والذي ينعكس على قوى الإنتاج والعلاقات الإنتاجية، ويفرز نظام جديد بوعي اجتماعي بديل، هنا يبقى المنهج الجدلي المناسب في قراءة معطيات الواقع، وباستقراء التاريخ يتجلى التغير في المجتمع وأفكاره، وفي تتبع الظاهرة الإنسانية في غالب الأحيان، تتوارى الأفعال الحقيقية في جمع المعطيات، من قلب الظاهرة عندما لا يتمكن الباحث من أدواته العلمية ، وعدم إظهار ذاته في وسط جماعة معينة، ولعل سترواس كان صائبا في تنبيه العلوم الإنسانية من مشكلة الوعي باعتباره العدو الخفي لهذه العلوم، والمقصود بوعي الآخر أمام حضور الأنا للدراسة، مما يعني ضرورة انغماس العالم في قلب المجتمع مدة من الزمن، والشرط المهم نزع الطابع الحضاري عن الذات، والتجرد من النزعة المركزية، والتجرد من المفاهيم التي يعتبرها سترواس لا علمية من قبيل التخلف والنمو والتطور، لأنها مفاهيم إيديولوجية، ولا تجعلنا نحقق شرط العلمية من خلال الفصل بين الذات والموضوع، ونصل للنتائج العلمية بدون إصدار أحكام قيمية في حق الآخر، في نقد ستراوس للنظرية التطورية والنظريات المتهمة بخدمة الاستعمار  .                                                                                                                             
طموحات العلوم الإنسانية محكومة بالنزعة العلمية السائدة في العلوم الطبيعية، نزعة الأشياء كما هي، ونزعة الباحث الذي يتجرد من كل الترسبات الثقافية، والأفكار القبلية ، يكتفي بالنظر من فوق كملاحظ ومدون لما يقع من أشياء، وما يراه من ظواهر، ويتغلغل بالتأمل في بنية المجتمعات، ويشخص الحالات في دراسته للفرد والمجتمع والثقافة . فالتفسير السببي يولد في العالم تلك العلاقة المباشرة بين الأسباب والمسببات، ولا يترك المجال للتأويل والفهم، العلم كيفما كانت طبيعته كما قال إدغار موران، ومن يشتغل في مجال المقاربات الابستيمولوجية يعتريه الخطأ والنقص، خصوصا في الجانب النظري، ويشبهه بالقطعة الجليدية، الجزء الظاهر  صحيح، والجزء المغمور تحت الماء خاطئ، ومنطق الصواب الإقرار بالنسبية والخطأ معا، والنظر في خصوصية الظواهر، وفي رأي ماكس فيبر أن المعرفة تشيخ بعد عشر سنوات أو عشرون أو خمسون ، ولا يمكن  تجديد آليات البحث العلمي إلا بوسيلة واحدة هو تجديد المنهج، حتى أن ميدان الفلسفة لم يعد تقتصر على تكرار السابق من الإنتاج الفلسفي، بل هناك رفض كبير من قبل الفلسفة المعاصرة لهذا الإنتاج بالدعوة للتجاوز والتفكيك والخلخلة، وبقيت الحقيقة تراوح ذاتها، لأنها أضحت غير يقينية، ولا تؤسس على القوالب الصورية والمنطقية ، والعلوم الإنسانية بدورها انفتحت على حقول معرفية من الفن والسياسة، وتفرعت العلوم الإنسانية إلى فروع مختلفة، ومن يقرأ في أدبيات العلوم الإنسانية يجد تنوعا في النظريات والمقاربات، وتعدد في المناهج والقضايا، فأصبحت النشأة من تاريخ العلم، يتم العودة إليها من قبل العلماء قصد تقييم مسار العلم، في نتائجه وأزماته، وأحيانا يكون النقد الموجه للعلوم الإنسانية مفيد في البحث عن الممكن من الأدوات المنهجية في دراسة ظواهر معقدة ومستجدة في مجتمعاتنا المعاصرة، من هنا كانت دعوة بعض العلماء في الأخذ باليات أخرى كالفهم والتأويل، والبحث عن براديغما جديدة لفهم عالم اليوم في رؤى ألان تورين، و الدعوة  لتأويل كوني كما في طموح الفيلسوف شلاير ماخر في الفلسفة، وتجاوز الصراع بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية، يعني حسم الصراع في قضية التبعية، وإتباع مناهج تؤسس لاستقلالية العلوم الإنسانية، وعدم الاكتفاء بمنهج معين في الدراسة .   
                                         
وضع ماكس فيبر في علم الاجتماع آلية الفهم للفعل الاجتماعي، وما يأتيه الفرد من مواقف وأفعال في وسط اجتماعي، وهو محاط بالشروط الاجتماعية، ومجموعة من الإكراهات، ويُضيف العالم كذلك النموذج المثالي في التصنيف والمقارنة، كتلك الدراسة عن البيروقراطية، والربط المتين بين الرأسمالية الغربية والقيم البروتستانتية ، وأشكال السلطة والعنف، والتنظير للدولة الرأسمالية البورجوازية، وتفنيد الأطروحة الماركسية في أزمة النظام الرأسمالي، وتفسير ماركس للأشياء استناد على العامل الاقتصادي المادي . الفهم أصبح مشكلة فلسفية في رأي غادامير، ومشكلة في العلوم الإنسانية كذلك، لأنه يستند على خطوات وإجراءات في تقديم رؤى في صميم الحقيقة ، التي تلاشت بالمعنى الكلاسيكي فأضحت حقائق وتأويلات، ماركس يقول قولته الشهير ة ليس المهم تفسير العالم بل الأهم تغييره ، والإنسان في غياب وعي طبقي واليات علمية في فهم الواقع، وبناء على شروط موضوعية موروثة من نمط الإنتاج السابق يمكن تغيير العالم، دوركايم بدوره كان ينظر للتغيير من داخل المجتمع بناء على تصنيفه للمجتمع الاستاتيكي والمجتمع الدينامي، يعني آليات التغيير لا تستند على الهدم والتقويض، لكن في غمار التجديد يحافظ المجتمع على قيمه وأسسه، ويتغير بالتفاعل بين الأنساق . فالنسق كما يفهمه هربرت سبنسر وعلماء اجتماع الولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصا تالكوت باسونز، ترابط العناصر بعلاقات متشابكة ومتصلة، ومجموع التفاعلات والتغيرات داخله، التي تفضي للتقدم والحفاظ على التوازن والانسجام، وفي مدرسة التحليل النفسي مع فرويد، لا يحدث التوازن في الشخصية الفردية إلا بعوامل داخلية وخارجية ، من الغريزة والقيم ودور الأنا في الانسجام والتوازن للشخصية بدون كوابح، وعامل آخر يتعلق بالتربية السليمة في مجتمع متوازن .                                                                                                                             
العالم المادي يحتاج إلى فهم وتأويل وليس دائما إلى تفسير ، وبقدر ما يتقدم الفهم للأمام خطوات يعود الإنسان للتأمل مرة أخرى في دينامية الظواهر، سلاح الباحث المنهج الكيفي، وتجريب آليات في فهم الأشياء ، والذين ساروا في منحى العلوم الوضعية لازالوا يعتبرون المنهج العلمي بكل قواعده خطوة نحو الفهم الصحيح للظواهر الإنسانية دون إسقاط الذاتية في الدراسات، علما أن العلم المعاصر أصبح يستسيغ تدخل الذات في الظواهر الدقيقة، وانتقل العلم من الحتمية إلى اللاحتمية، والذين انساقوا وراء الفهم والتأويل، اعتبروا الحقيقة نسبية ومتغيرة، الحقيقة في ارتباط بالمنهج الخاص بحقيقة الفعل الاجتماعي ودلالة المعنى، واليات البحث باعتبارها أدوات في فهم الوقائع ليس إلا ، مهمة الفهم والتأويل التجاوز لكل ما هو حتمي ودوغمائي، والتسليم بالمعنى والمقاصد الخاصة بالفعل الإنساني، والاهتمام باللغة والرموز ومقاصد الفرد ومواقفه في الحياة بعيدا عن مبدأ السببية ، إيمانا بالفرق الصارخ بين عالم الطبيعة والمادة وعالم الروح والثقافة، ونجد هذا التمييز عند العلماء الألمان، الفهم والتأويل يرسي حقائق،  ويفتح إمكانيات واسعة للفهم وللتلاقح الحضاري، والتفسير يؤدي للطابع الحتمي والتعميمي، ولذلك نجد علماء اجتماع الألمان ومنهم هابرماس الذي يمثل الجيل الثاني من مدرسة فرانكفورت يوجه نقدا للفكر الوضعي، من أولئك الذين جعلوا السيادة المطلقة للعلم، ونسيان ما هو روحي وإنساني يؤسس للفعل التواصلي في مجتمعات متعددة، الفهم والتأويل يجعل الإنسان يلتفت لذاته وللآخر. فمهما كانت آليات العلوم الإنسانية تبقى الحقيقة نسبية ومتغيرة، ولا ينبغي المماثلة بين عالم الطبيعة وعالم الفكر والثقافة لأنهما من عالمين متناقضين، الإنسان يسكنه التناقض، ويحمل فكر التنوع والاختلاف، والولوج في دراسة طبيعته يستدعي نظريات واليات جديدة حتى تتمكن العلوم الإنسانية من تجديد طرائق البحث، والتقصي في الظواهر الجديدة، وليس العودة لأصول العلم في جدال متكرر عن النشأة والمنهج .

♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -