أخر الاخبار

أنماط التفكير الإنساني

أنماط التفكير الإنساني
أنماط التفكير الانساني 

أنماط التفكير الإنساني

👨 بقلم ذ. عبد الحق بن درى
 
مر على الانسان عبر التاريخ من حقب زمنية متعددة صاحبها سعي الإنساني الى تكوير نفسه والبحث عن الأفضل، وهو الامر الطبيعي الذي جبل عليه الانسان منذ ظهوره. ولعل المحاولات التي قام بها الانسان في هذا السياق تبين رغبة الانسان في تحسبن ظروف عيشه ومواكبة التي تعرفها الطبيعة والمحيط الاجتماعي، الشيء يصاحبه التطور في طريقة تفكير الانسان وكيفية تعامله مع مستجدات الحياة.

بالعودة الى تاريخ الإنسانية وتاريخ الفكر الإنساني والتأمل فيه سيظهر لنا ان التفكير مر من مراحل عدة وخطى خطوات مهمة اذا ما قورن أوله بآخره، ذلك أن الرغبة الجامعة لدى الانسان تصاحبها تحولات مهمة، ويمكن تلخيص هذه الأنماط فيما يلي:

التفكير الأسطوري: 

لا يختلف اثنان في القول بأن الفترة التي كانت فيها الأسطورة شائعة وطغت في مرحلة من المراحل شكلت فترة مهمة ولبنة أساسية في حياة الانسان، ذلك ان الأسطورة ساعدت الانسان على التفكير في حياته ومصيره وفي حقيقة هذا الوجود، كانت فترة أطلق فيها الانان العنان للتفكير الخيالي والبحث عن عوالم أخرى تجيب عما حيره لعقود من الزمن، كان فيه الكائن البشري يبحث عن ذاته، ان ما قام به الفيلسوف والعالم الرياضي أفلاطون في إبداع عالم المثل والجمهورية الفاضلة لدليل على الرغبة في الوصول الى الأفضل. ولابد هنا من الإشارة الى الدروس والعبر الذي يتعلمها الانسان من مثل الاساطير. إنها كانت مرحلة في غاية الأهمية في تأسيس الفكر الإنساني وبنائه.

التفكير الفلسفي

جاء التفكير الفلسفي استكمالا للأدوار التي قام بها التفكير الأسطوري، حيث لعب دورا أساسيا في إعادة النظر في بعض الحقائق التي كانت في عصر الاغريق كما حاول تطوير بعض المكتسبات القديمة، إلا ان التفكير الفلسفي حاول ان يواجه المنطق الخرافي القديم واستبداله بمنطق عقلي محض، حيث ان الفلسفة اشتغلت على بناء بعض المفاهيم من جديدة وفتح نقاشات في مجالات إنسانية أخرى تماشيا مع التطورات البشرية، ولعل ما قام به سقراط وأفلاطون وأريسطو في هذا الامر لم يكن سهلا في الانتقال الى التفكير الواقعي والتخلص ولو بشكل نسيبي. 

لقد استمر التفكير الفلسفي منذ التاريخ ما قبل الميلاد وحاول بين الفينة والأخرى الوقوف على بعض القضايا التي تفرض نفسها على الانسان، بعدما كانت فترة اليونان القديمة اشتغلت على موضوع إشكالية أصل الوجود. وأبدع المفكرين والعملاء في الامر مع اختلافهم في الإجابة عن الأسئلة المطروحة. والانفتاح على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.والذي يميز الفكر الفلسفي مواكبته كل الحقب الزمنية التي مر منها الانسان ومحاولة طرح إشكالات وقضايا من صميم اهتماماته، وما زال مفتوحا على قضايا معاصرة يطرح فيها تساؤلات لتأتي العلوم المتخصصة للبحث عن الإجابات والحلول الممكنة. إنه بناء للحس النقدي وجعل الانسان حاضرا في كل الأوقات للنقاش والتدافع الفكري.

التفكير الديني

حظي التفكير الديني في البداية بأهمية بالغة، إذ لعب دورا أساسيا في تغيير أنماط العيش لدى الانسان، كما غير من طرق التفكير والعيش والتعامل مع مشاكل الحياة. الدين جاء ليجيب عن ما حير البشرية في مختلف المجالات، وإخراجهم من بعض العادات والتقاليد التي تبدو غير سوية ويسعى الى تصحيح بعض المسارات التي لم تبنى على أسس متينة. ولكي يكون النقاش مفيدا سنعرج على العصر الوسيط الذي عرف نقاشا مهما بين الخطاب الديني( الشريعة) والخطاب الفلسفي (الحكمة) بين علماء العرب والمسلمين، نقاش اعتبره في مستوى النضج العالي الذي أعطى للحضارة العربية الإسلامية مكانة خاصة حيث الإنتاج الفكري والعلمي الغزير لروادها.

إن مرحلة العصر الوسيط التي عرفت دخول التفكير الفلسفي إليها في القرن التاسع ميلادية، أي بعد ظهور الإسلام بما يقرب قرنين من الزمن، حيث بصم كبار مفكري العرب والفرس انداك، من أجل الجواب عن السؤال المطروح حول العلاقة بين الحكمة والشريعة أهي علاقة تكامل واتصال ام عكس ذلك؟

الدارس لتاريخ العلماء في هذه الحقبة سيكتشف أن النقا حول الاشكال المطروح يمكن تقسيمه الى ثلاث أطراف، كل يقدم ما لديه من أدلة للدفاع عن موقفه، الطرف الأول يتمثل في ما قدمه كل من الكندي والفارابي وابن سينا من أفكار ومعلومات في غاية الأهمية، ذلك أن العلماء حاولوا خلق علاقة إيجابية بين التفكير الفلسفي والتفكير الديني، ولا أحد ينكر المجهود العلمي الذي قام به هؤلاء المفكرين في مجالات عدة، مجهودات يشهد لها الكل في العلم والدين والفن والرياضيات، اعمال هامة كان لها الوقع الكبير في العالم، واعترف بذلك الكل، إذا اخدنا على سبيل المثال مساهمات ابن سينا في مجال الطب الخ. 

فيما يخص الطرف الثاني الذي يمثله العالم والفقيه أبو حامد الغزالي والذي يبدو متشددا في مواقفه تجاه الموضوع، وكان يسعى الى انتقاد علوم المنطق بشكل عام والمنطق الفلسفي بشكل خاص. ولعل ما أدرجه في كتابه " تهافت الفلاسفة" للتعبير عن النقد اللاذع تجاه ما كانوا قبله، كالكندي والفارابي وابن سينا... 

ويأتي الطرف الثالث المتمثل في أبي الوليد بن رشد الذي حاول خلق علاقة اتصال بين الحكمة والشريعة، بمواقف قوية كان لها أثر كبير على الفلسفات القادمة الغربية منها والعربية، حيث حاول ان يطور ذلك في كتاب " فصل المقال في تقرير ما بين الحكمة والشريعة من اتصال”، وفي كتابه " تهافت التهافت" الذي هو رد ضمني على ما تقدم به الغزالي في تهافت الفلاسفة.

ان لابن رشد مكانة خاصة في الفكر العالمي، تأثر به الغرب في وقت من الأوقات، بل اخذوا فكره وكتبه ودرسوها دراسة عميقة، اخذوا منها ما ينفعهم وبعد ذلك رحلوه الى أصله، بمنطق بركماتي محض. مكانته في الفكر العقلاني المنفتح كبيرة ومهمة ولا ينكرها الا جاحد.

التفكير العلمي 

ان التحولات التي تعرفها الإنسانية يجعلها دائما متطلعة الى ما هو أفضل، تسعى الى تحقيق مزيدا من التقدم والتطور، ذلك أن الفترة المعاصرة ستقود الى التفكير في تطوير العلم بما يستجيب لتطلعات الإنسانية، ويفك لغز العديد من التحديات. فسميت هذه الفترة بمرحلة التفكير العلمي، مرحلة سيتجدد النقاش فيها عن العلم والتطورات السريعة له، كما سيطرح النقاش عن الحدود القائمة بين التفكير العلمي والفلسفي. 

لابد ان نعرج بالمناسبة على ما أصبحت عليه الأمور بعد الثورة العلمية المعاصرة والتي انتجت نمطا جديدا من العمل والتفكير في الحقبة الرقمية ومع ظهور الشبكة العنكبوتية وتطورها أكثر من اللازم، عالم جديد بمواصفات خارقة بدأ يتطلع الى تمور تبدو في بدايتها خيالية، ولكن بفضل التطورات التقنية الكبيرة أصبحت المستحيل ممكنا والصعب سهلا. حقبة جديدة بجيل جديد اهدافه أصبحت مركبة يحتاج الى كثير من الوقت لتوضيحها.

♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -