![]() |
مفهوم التربية الدولية |
مفهوم التربية الدولية
أودّ الإشارة بداية إلى أن مقولة اليونسكو التي جاءت في ديباجة ميثاقها التأسيسي: "لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تُبنى حصون السلام"، كان لها تأثير بالغ في تبلور مفهوم التربية الدولية على المستوى العالمي. ومن أجل ذلك طرحت اليونسكو في مؤتمرات عديدة مفهوم "التربية الدولية"، وعدّته اتجاهاً في تربية المواطنين، مهما كانت انتماءاتهم الوطنية أو الإقليمية، وفق رؤى دولية تعدّ الإنسان مواطناً في مجتمع كبير هو العالم.
وقد تضمن هذا المفهوم مصطلحات التربية التي تهدف إلى تحقيق السلام والتعاون والتفاهم بين شعوب العالم ودوله، ومبدأ العلاقات الودية بين الأمم والشعوب ذات الأنشطة الاجتماعية والسياسية المتباينة، فضلاً عن مبدأ احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، واقتران التعليم بالأهداف والمبادئ، التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
مقالات اخرى للباحث
مع ملاحظة أن مفهوم التربية العالمية، أو التربية من أجل التفاهم الدولي لا يُعدّ مفهوماً حديثاً، ففكرة السلم فكرة قديمة اتجه إليها حكماء العصور الماضية، وحمل لواءها الفلاسفة الرواقيون منذ القرن الثالث قبل الميلاد، حين أهابوا بالإنسانية أن تحرر نفسها مما يفرق بين الإنسان وأخيه الإنسان من فروق اللغات والأديان والأوطان، ونظروا إلى الناس جميعاً وكأنهم أسرة واحدة قانونها العقل ودستورها الأخلاق.
وقد توالت الدعوات إلى السلم العالمي من قبل الكثير من الفلاسفة والمفكرين على مر العصور، فقد كتب الفيلسوف الألماني "كانط" كتابه "مشروع للسلام الدائم" أعلن فيه "أن إنشاء حلف بين الشعوب هو السبيل الوحيد للقضاء على شرور الحرب وويلاتها" (كانط: 1952 :64).
وكذلك فعل الفيلسوف الإنكليزي "برتراند رسل" في كتابه "آمال جديدة في عالم متغير" الذي أشار فيه إلى أن بقاء الحضارة الإنسانية مرهون بإنشاء الحكومة العالمية، وحتى يتحقق ذلك لا بد من إرساء فكرة السلم العالمي، والتوسع في فكرة المواطنة العالمية (رسل، د. ت: 95).
وفي القرن العشرين استمرت الجهود المبذولة لتحقيق أهداف التربية الدولية، فأصدرت الأمم المتحدة قراراً بجعل عام 1970م عامًا للتربية الدولية، وأُعلن بالمملكة المتحدة عام 1973م، عن تأسيس مشروع الدراسات العالمية (World Studies Project) يتضمن دراسة الدول وثقافاتها ودراسة القضايا الدولية المعاصرة.
كما مارست اليونسكو في هذا المضمار دوراً رائداً، إذ أقر المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة عشر (1974م) توصية خاصة بالاهتمام بالتربية من أجل التفاهم العالمي، والتعاون والسلام، والتربية من أجل حقوق الإنسان، وقد أُطلقت على هذه الأنواع من التربية "التربية الدولية". وأكدت هذه التوصية على أنه يجب أن يتضح البعد العالمي للتربية العالمية في المناهج بجميع المراحل التعليمية، وقد تبلورت نتيجة لذلك أهم مبادئ التعليم من أجل السلام والتفاهم الدولي، التي تمحورت حول ضرورة أن يُسهم التعليم في تحقيق التفاهم الدولي، وتعريف التلاميذ بثقافات الشعوب المختلفة، وتوضيح الاعتماد المتبادل بين الشعوب، والتعاون في تناول القضايا والمشكلات العالمية، وكذلك التأكيد على أهمية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية (اليونسكو، 1991: 18).
وبما أن التربية الدولية هي إحدى السبل التي من شأنها إقامة مجتمع عالمي خالٍ من النزاعات والصراعات، تحترم فيه الدول والأفراد الاختلافات الثقافية والاجتماعية والعرقية للآخر، وتؤمن بحق الجميع في العيش في سلام وأمان، وذلك استناداً إلى التوصيات الواردة في المؤتمر العام لمنظمة (اليونسكو) في العام 1974، فإن ما يجب أن تقوم به التربية العربية عبر مؤسساتها التربوية هو أن تعمل من أجل إنماء التلامذة العرب إنماءً كاملاً، وتعزيز ثقافة احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في مدارسهم، وكذلك تنمية التفاهم والتسامح والحوار، فضلاً عن تعزيز ثقافة التربية من أجل السلام.
ومما يستحق التنويه إليه أن التربية الدولية تعمل على ثلاثة محاور، أولها المحور المعرفي الذي تُقدم فيه للمتعلم حقائق ومفاهيم ومعلومات غرضها توسيع مدارك المتعلم حول ايجابيات ثقافة السلام والتسامح، وأخطار العنف وأشكاله ونتائجه السلبية على الفرد والمجتمع والعالم. وثانيها، المحور الذي يتجه نحو تشكيل مواقف المتعلم واتجاهاته نحو تفضيل السلوك اللاعنفي (السلمي) وثالثها، المحور الذي يركز على تنمية قدرات ومهارات المتعلم على استخدام وتطبيق الاستراتيجيات والأساليب التي تساعد في حل الخلافات وتجنب العنف. مع التأكيد أن تعزيز المحاور الثلاثة في سلوك الطلبة يتطلب من المؤسسات التربوية استثمار القيم والمثل الدينية والثقافية والاجتماعية والإنسانية المؤيدة للسلام والتسامح، والنابذة للعنف في تشكيل شخصية تعيش بسلام حقيقي مع ذاتها ومجتمعها المحلي والعالمي.
- مراجع المقال
- - رسل، برتراند (د. ت) آمال جديدة في عالم متغير، ترجمة عبد الكريم احمد، دار سعد للطباعة والنشر والإعلان، القاهرة.
- - كانط، إيمانويل (1952) مشروع للسلام الدائم، ترجمة عثمان أمين، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.
- - اليونسكو (1991) التفاهم الدولي في المدرسة، حلقة عمل عن شبكة المدارس المنتسبة، رسالة اليونسكو، العدد (61) يونيو/حزيران.
مرحبا بك في بوابة علم الاجتماع
يسعدنا تلقي تعليقاتكم وسعداء بتواجدكم معنا على البوابة