أخر الاخبار

مدخل الى علم الاجتماع pdf

 مدخل الى علم الاجتماع pdf 

مدخل الى علم الاجتماع pdf

تمهید:

 إن علم الاجتماع تخصص معرفي كغیره من العلوم الاخرى لم یتواجد في الفضاء العلمي من العدم و لم تتضح معالمه من حیث تعریفه و منهجه و مواضیعه و حدود اختصاصه منذ البدایة ، لذا تعتبر العودة إلى السیاقات التاریخیة المنتجة له ضرورة معرفیة لا یمكن تجاوز الإشارة إلیها خاصة وأنها ستقف كإطار تفسیري للكثیر من القضایا المعرفیة والمنهجیة التي كان الاختلاف حولها واضحا بین مختلف الاتجاهات النظریة .

أولا : التفكیر الاجتماعي في الحضارات القدیمة:

   إن التفكیر العلمي للظواهر الاجتماعیة لا یرجع إلى عهد بعید، إلا أن المسائل أو القضایا المتعلقة بحیاة المجتمع ظلت تشغل عقول المفكرین منذ أزمنة بعیدة أي منذ بدأ الإنسان یتفاعل مع غیره و یتبادل معه مختلف الخبرات المتعلقة بكل جوانب الحیاة الاجتماعیة و لكن هذا التفكیر لا یصح أن ینعت بأنه تفكیر علمي لأنه لا یتبع منهج علمیا للبحث ولیس لدیه غرض و هدفه یقتصر على تدلیل بعض المصاعب ،كما أنه أحد المؤشرات الهامة التي یمكن من خلاله تمییز حضارة عن أخرى ،أي أن التفكیر الاجتماعي یختلف من تجمع بشري إلى آخر و على هذا الاعتبار یمكن الحدیث عن تفكیر اجتماعي في : مصر القدیمة (الحضارة الفرعونیة) ،الصین ،الفرس ،الهند ،الرومان ،الیونان ،العرب...، وقبل هذا عن تفكیر اجتماعي بدائي أي عند الإنسان البدائي خاصة و أن ظهور الكتابة حوالي 6000-5000 ق.م تمثل البدایة الأولى لكتابة تاریخ البشریة و بالتالي إعطاء الصورة واضحة عن التفكیر الاجتماعي الممیز لكل حضارة.

   رغم أن الحیاة البشریة في العصور البدائیة اتسمت بالبساطة والسذاجة والجمود والوحشیة وتقدیس الأجداد والأرواح والشعوذة إلا أن " كل ثقافات العالم المعاصرة تدین بدرجة ما لهؤلاء الملایین من البشر الذین عاشوا في عصور ما قبل التاریخ ، واستطاعوا بإمكانیاتهم البسیطة الساذجة تهیئة الظروف لمن أتو بعدهم لتحقیق التقدم الحضاري الذي عرفته العصور الحدیثة "(محمد خلاصي ،2015،ص33، )على غرار التفكیر الاجتماعي في مصر القدیمة التي لم تتخلص من سیطرة وسطوة الحكام ورجال الدین إلا أنه كان تفكیرا عملیا؛ أي أنه ابتعد عن المثالیة والتجرید واقترب أكثر إلى الواقع، " فقد ظهر التقدم في الریاضیات و العلوم مع التقدم في النواحي المادیة والاقتصادیة ، وتقدم الحساب بتقدم الحاجة إلى وجود حسابات منظمة للعملیات التجاریة ، ولتبادل البضائع وبناء الطرق وجمع الضرائب وتقدیرها، وتقدمت الهندسة حینما أرادا المصریون ضبط میاه النیل، و بناء الخزانات وحفر القنوات وإقامة السدود وتشييد الأهرامات والمعابد. وتقدم الفلك حینما ظهرت الحاجة لضرورة التنبؤ بالفیضان السنوي للنیل و التنبؤ للملاحة للأغراض التجاریة "(محمد 7 خلاصي ،2015،ص57،)  

أما أكثر ما یمیز التفكیر الاجتماعي الصیني هو التركیز على فن السلوك و نظام الحكم و إهمال العلوم الأخرى كالحساب و الجغرافیا رغم ازدهار استخدام المنطق البرهاني و الریاضیات و التأصیل النظري في حضارات معاصرة لها (الإغریق)، أي أن التفكیر الاجتماعي الصیني كان تفكیرا خاضعا و مقدسا للتقالید و الماضي خاصة و أنها عرفت ثلاث دیانات (الكنفوشیة، البوذیة ،التاویة) كانت تعتبر المرجع الأخلاقي والعلمي و الاقتصادي لكل نواحي الحیاة لذا نجد في تعالیمها تفسیرا لممیزات الحضارة الصینیة ،وعموما یعتبر التفكیر الاجتماعي في الشرق القدیم (مصر،الصین،الهند ،الفرس،العرب قبل الإسلام،واد الرافدین، الیابان) أول تفكیر منظم حاول إخضاع الظواهر للسببیة بعیدا عن العشوائیة و الشعوذة (نسبیا) مركزین في بحوثهم على ما ینبغي أن تقوم علیه النظم الاجتماعیة في إطار الجمود و الحد من الحریة الفردیة ،كما لم یجتهدوا في إقامة دراستهم على أسس علمیة أو مناهج بحث و كانت تنقصهم النزعة التحلیلیة ،في حین ظهر التفكیر الاجتماعي في الغرب القدیم (الیونان ،الرومان) أكثر تنظیما من الناحیة العلمیة و العملیة و أسبق في الوصول إلى فكرة القانون العلمي و فكرة البرهان المنطقي ومعالجة الفكر الاجتماعي ببحوث أكثر عمق و دقة ،حیث یؤكد " أفلاطون بصفة خاصة على وحدة الكائن الحي العضوي ُعرف فیه الأجزاء إلا في حدود خضوعها للكل و على العكس من ذلك تصور الاجتماعي بالدرجة التي لا ت أرسطو المجتمع كبناء متمایز تظل فیه الأجزاء أو العناصر منفصلة و مستقلة عن الكل و إن كانت تكونه" (السید عبد العاطي السید،2005،ص14 ،) لذا نجدأن أفلاطون یقسم النفس البشریة إلى ثلاث قوى أساسیة ، یجب تحقیق الانسجام بینها كي تتحقق السعادة الكاملة وهي:
  •  الشهوة désir le 
  •  القلب cœur le 
  •  العقل raison le
 وهي مرتبطة بثلاث فضائل:

  1.  العفة
  2.  الشجاعة
  3.  الحكمة

 أراد أفلاطون أن یحقق هذا الانسجام في المدینة الفاضلة التي اقترحها فرأى ان یقوم الفلاسفة مقام الرأس من جسم الإنسان و یطلق علیهم نعت الحكمة، و یقوم المحاربون مقام القلب ونعتهم الأساسي الشجاعة ، أما طبقة الزراع – التجار – الصناع فیرتبط وجودهم بالشهوات المادیة، وفي مقابل أفلاطون نجد أن أرسطو الارستقراطي یدعو إلى أن تتكفل كل المدینة براحة المفكرین أي إباحة الرقیق وتسخیر العبید للقیام بجمیع الأعمال المادیة حتى یتفرغ الحكماء و المفكرین والفلاسفة للتفكیر و شؤون العقل، كما نجد التفكیر الاجتماعي الروماني الذي یعتبر امتداد للتفكیر الاجتماعي الیوناني والذي كان " أكثر میلا للفن و الطرق العملیة فإذا كان الیونان عرفوا كیف یفكرون فإن الرومانیین عرفوا كیف یعملون ،وبالتالي الرومانیون عرفوا كیف یحكمون "(محمد خلاصي (185ص،2015،

 الظروف الممهدة لظهور علم الاجتماع 

یذهب الكثیر من مؤرخي الفكر الاجتماعي و دراسي النظریة الاجتماعیة إلى أن ظهور علم الاجتماع في القرن 18 یرجع بصورة رئیسیة إلى التمهید الذي قامت به نظریات العقد الاجتماعي و التي كان ظهورها نتیجة تفاعل ثلاث أحداث رئیسیة تمثلت في انهیار الكنیسة الكاثولیكیة بتأثیر نجاح الثورة البروتستانتیة، تحرر التفكیر العلمي و اتساع نطاقه من العلوم الطبیعیة إلى العلوم الاجتماعیة ،انهیار القیم والأفكار الاجتماعیة للقرون الوسطى بما فیها اقطاعیات النبلاء و استبدالها بنظام اجتماعي عقلاني تسوده النزعة الفردیة ،ظهرت نظریات التعاقد الاجتماعي في أفكار الفیلسوفین الانجلیزیان "توماس هوبر"(1588 -1679 (و"جون لوك" (1632 -1704) والفیلسوف الفرنسي "جان جاك روسو"(1712-1778).

و تطورت " كنظرة بدیلة للعالم ترفض أفكار القانون الإلهي المقدس و التصورات الدینیة عن العبودیة، لقد ردت نظریة العقد الاجتماعي نشأة المجتمع إلى بناء من الالتزامات التعاقدیة و العلاقات الاجتماعیة المتبادلة "(السید عبد العاطي السید ،2005 ،ص 15،) أي أن توماس هوبز و جون لوك وجان جاك روسو اعتقدوا بوجود حالة فطریة للمجتمعات سابقة عن التنظیم الاجتماعي وأن الأفراد عندما تشابكت مصالحهم وتعقدت أحوالهم قررو ا إنشاء حیاة اجتماعیة منظمة أثمرت العقد الاجتماعي أي أن " النظام الاجتماعي حق مقدس یصلح قاعدة لجمیع الحقوق الأخرى؛ ومع ذلك فإن هذا الحق لا یصدر عن الطبیعة مطلقا و هو إذا قائم على عهود" (محمد الشربیني،2016،ص224 ،).

إلا أنهم یختلفون حول حقیقة العامل أو السبب الذي دفع الناس إلى التوقیع على العقد الاجتماعي (الإنسان ٕ وإنهاء حالة الفوضى، فیعتقد هوبز أن خوف الإنسان من  أخیه هو السبب. (الانسان ذئب لأخیه الإنسان)، أما لوك فیعتقد أنها رغبة الإنسان في الحفاظ على ممتلكاته في حین یرجعها روسو في إلى رغبة الإنسان في نشر مبادئ العدالة الاجتماعیة وتعزیز المصلحة الجماعیة، خاصة و أنه مقتنع بأن "البشر لیسوا أشرارا بطبیعتهم لكنهم باتو كذلك بشكل متكرر جدا تحت وطأة الحكومات العقیمة التي أنتجت الرذائل "(محمد الشربیني ،2016،ص17)

لا تنحصر الاتجاهات الفكریة الأولى التي مهدت لظهور علم الاجتماع في مدرسة العقد الاجتماعي ومفكروها، وإنما تشمل العدید من المدارس الفكریة و المفكرین على غرار  مونتسكیو الذي تحدث عن أصل ٕفیه و بالتالي انتفاء أي أصل قدسي و القوانین و ضرورة مطابقتها لروح العصر الذي تحدث عن اصل القوانين وضرورة مطابقتها لروح العصر الذي تشرع فيه وبالتالي انتفاء اي اصل قدسي وديني لها. ( مدرسة فلسفة التاريخ التي بحث مفكروها في مشوء المجتمع والتقدم الحضاري من خلال البعد التاريخي ( جيوفاني فيكو، هيجل، كوندرسيه..) مدرسة الفلسفة الاقتصادية " النفعية" التي ركزت على مسائل النظام الاقتصادي الحر والمنفعة والقيمة ( كيناي، آدم سميث..).

في نهایة القرن 18 شهدت أوروبا مجموعة من الأحداث أدت إلى صیاغة تجریدات نظریة تحاول فهم الواقع المشوش وإیجاد طرق لتنظیمه تمثلت هذه الأحداث أساسا في الثورة الفرنسیة والثورة الصناعیة، حیث أطاحت الثورة الفرنسیة " بمؤسسات المجتمع القدیم وتبنت مفاهیم جدیدة منها تأكیدها على حقوق الإنسان والمواطنة في علاقتهما المباشرة بالدولة ، بروز دور الفرد الفاعل كشكل ممیز للمجتمع الصناعي الأوربي ، سیادة الاتجاه النقدي الذي ینطلق من الفاعل الفرد وهو المفهوم المركزي الذي نما مع فلسفة الأنوار"(خالد حامد ،2015،ص69 ،).

 أما الثورة الصناعیة فقد طرحت منطقا ثقافیا وتكنولوجیا جدیدا كانت له أثاره البعیدة في تغییر الأبنیة الاجتماعیة لمختلف المجتمعات الأوروبیة، و ما زاد موقف مأسسة علم الاجتماع وضوحا تقدم مناهج العلوم الطبیعیة وما صاحبها من تغیرات واضحة على قواعد وأنظمة السیاسة والاقتصاد والاجتماع ، حیث استعان الكثیر من علماء الاجتماع بمناهج العلوم الطبیعیة في دراسة الظواهر الاجتماعیة في محاولة لبلوغ الدقة والتطور في دراسة الظاهرة الاجتماعیة.

 خلاصة

 إن اختصاص علم الاجتماع بالبحث الدقیق والتفسیر المنطقي والتحلیل الواقعي والفهم الواضح لمختلف الظواهر الاجتماعیة هو ما یبرر ولادته العسیرة في إطار نى مجموعة من الأزمات التي شملت كافة الب الاجتماعیة و الاقتصادیة و السیاسیة و الثقافیة للمجتمعات استنادا للسیاق التاریخي الذي رسمته مختلف المحاولات الفكریة في الحضارات القدیمة ،ورغم أن إسهامات الرواد الأوائل في صیاغة نظریة اجتماعیة كان قاصرا إلا أن ظهور اتجاهات نظریة حدیثة أكثر دقة لم یتأتى إلا من خلال الوقوف عند هذه الإسهامات إما على سبیل التطویر أو على سبیل النقد . 
مدخل,الى,علم,الاجتماع,
♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -